بساط الريح

دستورية عباس: وصفة لتدمير الوطن .. – د. أيوب عثمان

دستورية عباس: وصفة لتدمير الوطن بتسمين الفساد وتعزيز الفشل

على الرغم من كل ما أحاط بالمحكمة (الدستورية!) العليا الفلسطينية من عوار واضح وفاضح وطافح منذ تشكيلها في إبريل الماضي وحتى اللحظة، إلا أنني سأحصر حديثي، اليوم، في جانب واحد من هذا العوار الذي يحتوي هذه المحكمة (الدستورية!) العليا ويلفها لفا…. إنه الجانب المتصل باختيار سدنة هذه المحكمة التي قلنا إن العوار الكلي يحتويها، بدءاً من المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيلها، مروراً بما صدر عنها من قرارات تفسيرية شارحة أو أحكام قضائية آمرة، وانتهاء – حتى هذه اللحظة الراهنة – بقرارها القاضي بمنح الرئيس صلاحيات كاملة بلغت حتى مبلغ حل المجلس التشريعي بكليته ورفع الحصانة عن أي نائب منتخب أجلسه الشعب تحت قبة برلمانه!

ففي مرسومه الرئاسي القاضي بتشكيل أول محكمة دستورية في بلادنا المحتلة أصلاً، والتي انقسمت على نفسها في عصره وبفعله وسلبية إرادته وفشل إدارته وسوء تدبيره وسياسته، غرس الرئيس بذور الخراب ووضع معاول الهدم والتخريب والفساد والإفساد، هذه المرة، بتعيينه قضاة لا يصلح بعضهم إلا أن يكونوا للفساد عنواناً، حيث مارسوا الفساد في أحط مستوياته وأبشع مشاهده وأغرب فضائحياته!

فوق كل ما اعترى هذه المحكمة (الدستورية!) من عوار طاغ وعجيب ومعيب، كان العوار أكثر فضائحية وعجائبية وطغياناً دون أدنى اهتمام أو اعتبار لمقولة “إذا بليتم فاستتروا”،  حيث جاء المرسوم الرئاسي مطرزاً بأسماء فاضحة ومفضوحة لقضاة ارتبط بالفساد ذكر بعضهم،  إذ سطا أحدهم على كتاب في القانون بأكمله، ثم وضع عليه اسمه – وهو سارقه بكامله – بدلاً من مؤلِّفَيه، فيما سرق قاض دستوري أخر أبحاث غيره وكتبهم فنسبها لنفسه، ناهيك عمن أَصدر في قضية حكماً مسبقاً يقضى القانون بفساد حكمه، فضلاً عن فساده!

فإذا كان الفساد يمارس – في بلادنا وهي محتله ومنقسمة ومحاصرة – على هذا النحو الفاضح والمخزي والمعيب حتى في تشكيل مؤسسة عدلية اسمها ” المحكمة الدستورية العليا” الذي اتضح أن الفساد مؤهل أساس في إنشائها وتشكيلها وحتى في اختيار قضاتها، فما الذي يرتجى غير الإفساد والتخريب والفساد منها؟! أينتج الثوم ثوماً والبصل بصلاً، أم ينتج هذا بخوراً وذاك عطراً أو عسلا؟!

فإذا كان هذا الذي عيَّنه الرئيس عضواً في المحكمة الدستورية العليا هو ذلك الذي اضطر إلى الاعتراف بسرقته، مسَلماً بإدانة نفسه التي شهد عليها في حينه زملاؤه الأكاديميون وطلبته وإدارة جامعته، وإذا كان هذا هو ذلك الذي سطا على كتاب بأكمله في القانون عنوانه ” تاريخ النظم القانونية والاجتماعية”، فنسبه إلى نفسه دون أدنى خجل أو وجل، ناكراً جهد عَلَمَينْ بارزين من كبار أساتذة القانون في مصر هما الدكتور/ عكاشة عبد العال والدكتور/ هشام صادق، فهل من عدالة ترتجى من لص كهذا بعد سطوه الغاشم وانتحاله الآثم؟!

وإذا كان ذلك الآخر الذي عينه الرئيس، أيضاً، في المحكمة الدستورية العليا، عضواً، هو ذلك الذي سطا على أبواب وفصول بكاملها من كتاب الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام: دراسة مقارنة للدكتور/ عبد الحكيم حسن العيلي، فيما كان عضو المحكمة الدستورية المنتحل قد وضعه – بقصد التمويه والتعمية على حقيقة سرقته –  تحت عنوان جديد هو الفقه السياسي والدستوري في الإسلام، وإذا كان هذا هو ذلك الذي سطا أيضاً على كتاب النظم السياسية (الجزء الأول) للدكتور/ ثروت بدوري، فيما كان عضو المحكمة الدستورية المنتحل قد وضعه – بغية التعمية والتمويه مرة أخرى على لصوصيته – تحت عنوان جديد هو الفكر السياسي وتطور الأشكال المختلفة لأنظمة الحكم المعاصرة (طبعة 1990) ثم عاد و وضعه تحت عنوان آخر هو النظم السياسية المقارنة (الطبعة الثالثة 1996)، وإذا كان هذا الأكاديمي السارق هو عضو “المحكمة العباسية الدستورية” الذي كان قد شهد على سرقته وتزويره زملاؤه الأكاديميون وطلبته وإدارة جامعته، فهل من عدالة ترتجى من مثل هذا المزور المنتحل وهو يعتلي كرسي “المستشارية” في المحكمة الدستورية؟!

أما آخر الكلام، فأي غايات عالية وأهداف غالية ومطالب عادلة يمكن لشعبنا الواقع تحت مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام والحصار أن يبلغها عبر آليات ووسائط وأدوات وأشخاص ليس الفساد الكبير إلا عنوانها وهو أبرز صفاتها وسماتها ومواصفاتها؟! أيُسوَّد الفاسدون، هكذا، فيقررون وبالعدل يحكمون، ويُسَوَّدَ الضعفاء والفاشلون لتسند إليهم أمور الناس فينجزون وينجحون؟! كيف – بالله – تحكمون؟!

* دستورية عباس: وصفة لتدمير الوطن بتسمين الفساد وتعزيز الفشل

بقلم الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغز

اترك تعليقاً