من هنا وهناك

مقابلة مع عبد الناصر فروانة حول الأسرى

رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة الأسرى والمحررين الفلسطينيين لـ ” الجمهورية

 

القاهرة-  أجرى الحوار أسامة زايد

من الشخصيات التي عانت الأمرين وظلت قابعة في سجون الاحتلال لفترات عديدة منذ نعومة أظافره فتولد لديه احساس بالمسؤولية الوطنية في ضرورة بذل الغالي والنفيس من أجل قضيته الأولى في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين والعرب لتحررهم من يد سلطات الاحتلال الغاشم الذي لا يفرق بين طفل صغير وشيخ كبير وامرأة عجوز.

طاف بلدان العالم وكسب تأييد العديد من المنظمات الأهلية والدولية هو الأسير المحرر عبد الناصر فروانة رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية فكان “للجمهورية” معه هذا اللقاء ليضعنا على تجربته الشخصية وأخر المستجدات عن أوضاع الأسرى والمحررين ودور الجامعة العربية والمنظمات الدولية من قضيته فماذا قال ؟

تجربتك داخل سجون الاحتلال؟

–                   قضية الأسرى، هي قضية وطن مسلوب وحكاية شعب يبحث عن حريته، وتجربتي الشخصية تتشابك مع التجربة الجماعية لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين مرّوا بتجربة الاعتقال، وذاقوا مرارة السجن وقسوة السجان. ولكن لربما تحمل التجربة الشخصية مايميزها عن غيرها، ولأنني عرفت السجون منذ الصغر قبل أن أعرف للمدارس طريقا، وجلست على مقاعد الزيارات قبل أن أجد لي مقعدا في صفوف رياض الأطفال، حيث اعتقال والدي ولم أكن حينها قد تجاوزت الثالثة من عمري، ولازالت الصورة ماثلة أمامي رغم مرور عقود طويلة، وتنقلت معه الى سجون عدة لأكثر من خمسة عشر سنة متواصل قبل أن يتحرر في صفقة تبادل الأسرى عام 1985. هذا الحال ساهم في إلتصاقي بالأسرى وهمومهم، ومعرفتي بقضاياهم وأهدافهم.

 كما وساهم في تكوين شخصيتي الوطنية ودفعني لمقاومة الاحتلال مبكرا، الأمر الذي كان سببا في اعتقالي لأربع مرات قضيت خلالها 6سنوات في السجون وتعرضت خلالها لصنوف بشعة من التعذيب الجسدي والنفسي ولازالت صورة المُعذب والسجان أمامي وهو يستمتع بتعذيبنا وحرماننا. فضلا على اعتقال شقيقي “جمال” مرتين، الأولى وهو طفل ولمدة خمس سنوات متواصلة، والثانية لمدة سنتين.

وبايجاز فان هذا الواقع يدفعني دوما للدفاع عن حقوق الأسرى ومساندتهم والنضال من أجل تحقيق حريتهموضمان عوتهم لأهلهم وذويهم. فأي مستقبل لطفولة كهذه يمكن أن تكون خارج نطاق الأسرى، وصدقا كلما كتبت أو تحدثت أو قرأت عن الأسرى، كلما استحضرت تجربتي وتذكرت طفولتي وحياتي مع السجون، الأمر الذي يحفزني للعمل أكثر من أجلهم.

وكيف يمكن دعم قضية الأسرى الفلسطينين؟

–                   قضية الأسرى، هي قضية من قاوموا الاحتلال الإسرائيلي وضحوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف الشمس من أجل تحرير المقدسات الإسلامية والمسيحية والعيش بحرية وسلام في ظل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وهي قضية عادلة كونهم مناضلون من أجل الحرية، وأن الدفاع عنها ومساندتها هو واجب وطني وعربي وديني وأخلاقي وانساني، ومن واجبنا جميعا كفلسطينيين وعرب وأحرار العالم الدفاع عنهم ودعمهم والعمل على ضمان اطلاق سراحهم بكل الوسائل الممكنة والمشروعة وعلى كافة الصعد والمستويات، العربية والدولية، الاعلامية والحقوقية…الخ.

 

ما عدد الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي؟

–                   دولة الاحتلال تلجأ للاعتقالات كوسيلة للقمع وبث الخوف والسيطرة على الشعب الفلسطيني، لذا تجد الاعتقالات مستمرة ولم تتوقف يوما، لكنها ارتفعت بشكل لافت وخطير منذ اندلاع “انتفاضة القدس” وسجل منذ الأول من أكتوبر 2015 ولغاية اليوم قرابة (8500) حالة اعتقال، ثلثهم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم مابين 11-18 سنة. وهذه أرقام كبيرة وخطيرة تنذر بخطر شديد والخطر أكبر على الطفولة الفلسطينية المستهدفة من قبل الاحتلال بشكل ممنهج. لكن ليس كل من اعتقل بقىّ في السجن، فيما لايزال هناك نحو (7000) أسير بينهم (400) طفل،و (61) اسيرة و(6) نواب و(750) معتقل اداري بدون تهمة أو محاكمة. و(42) أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاما منهم (8) أسرى مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاما وأقدمهم الأسير كريم يونس المعتقل منذ (34) سنة متواصلة.

أضاف أن ما يقلقنا هو ارتفاع أعداد الأسرى المرضى الذين فاق عددهم عن (1600) أسير منهم ثلاثين أسيرا يعانون من مرض السرطان في ظل سياسة الاهمال الطبي المتعمد، وبصراحة نلمس أن هناك استهدافا اسرائيليا متعمدا للأسرى لالحاق الأذى بهم وتحويلهم الى معاقين أو جثث مؤجلة الدفن.

 

قمت بجولة مؤخراً الى أوروبا من أجل قضية الأسرى.. فماهي نتائج هذه الجولة؟

-نسعى ومنذ زمن الى تدويل قضية الأسرى ونشرها وتسويقها السياسي على المستوى الدولي كمناضلين من أجل الحرية واطلاع الرأي العام على أوضاعهم وظروف احتجازهم ومايتعرضون له الأسرى من انتهاكات فظة تتنافى بشكل فاضح مع كافة المواثيق الدولية تصل في بعض الأحيان الى الجرائم من منظور القانون الدولي، ولم ندخر جهدا في هذا المضمار وجولتي الأوروبية الأخيرة تندرج في هذا السياق، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وسنواصل طرق كافة الأبواب لنسمع العالم صرخاتهم. وبصراحة بت على قناعة أكثر من اي وقت مضى بأن علينا ان نذهب للأخرين ولا ننتظر ان يأتوا إلينا، فكثير من قواعد المعادلة تغيرت.

 

ماذا عن عملك داخل هيئة شؤون الأسرى؟

-أفخر بانتمائي لقضية الأسرى، وفخور كذلك بعملي في اطار المؤسسة الفلسطينية الرسمية هيئة شؤون الأسرى والمحررين (وزارة الأسرى سابقا) منذ نشأتها أواخر تسعينيات القرن الماضي، والتي تعتبر الراعي الأساسي للقضية والمدافع الرئيسي عنها والحاضنة الوطنية لهذه الشريحة المناضلة وعائلاتهم، وأسعى مع رئيس الهيئة وزملائي في العمل الى تقديم الأفضل للقضية على الأصعد المختلفة، وبصراحة أنا اعتبر قضية الأسرى جزء من حياتي وقوتي اليومي وبالتالي عملي من أجلها يتعدى حدود الوظيفة الرسمية ولا أتعامل معها كموظف، وانما من منطلق أنها قضيتنا منذ الصغر ونحن جزء منها ونحن وهي جزء من قضية أشمل اسمها القضية الفلسطينية العادلة.

 

ماهو دورك في توثيق قضايا الأسرى الفلسطينين؟

–           أن عملي وعطائي يتخطى حدود الوظيفة، فأنا منتمي لقضية منذ صغري وأسعى من خلال منصبي الرسمي “رئيس وحدة الدراسات والتوثيق” في هيئة الأسرى والمحررين ، أو من خلال موقعي الشخص “فلسطين خلف القضبان”، أو من خلال كتابي الذي صدر عن جامعة الدول العربية “الأسرى الفلسطينيون..آلام وآمال”، أو من خلال مبادراتي وعملي التطوعي في الاصدارات والتقارير والمقالات ذات الصلة، الى توثيق التجربة، أو بعض جزيئاتها وأحداثها، ونجحنا خلال السنوات الماضية وعبر العمل التراكمي الى احداث حالة من العمل التوثيقي وآمل أن نوفق في المستقبل القريب لتوثيق المزيد بما يحافظ على هذا الارث النضالي، ويوثق جرائم الاحتلال بحق المعتقلين على قاعدة أن الحق لايسقط بالتقادم وأن المجرم لابد وأن يُحاسب.

-ماذا عن مقابلة الأمين العام لجامعة الدول العربية وقضية الأسرى..؟

–  التقيت بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو غيط ضمن وفد برئاسة وزير الأسرى عيسى قراقع وحضور الأمين العام المساعد د.سعيد أبو علي ونائب المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى جامعة الدول أ.مهند العكلوك. وتشرفت في ختام اللقاء باهدائه نسخة من كتابي الذي يتحدث عن الأسرى والصادر عن جامعة الدول. وبصراحة كان لقاء هاما وايجابيا، واستمع الأمين العام بانصات شديد لما قيل عن الاعتقالات وأوضاع المعتقلين وظروف احتجازهم، وأبدى اهتماما كبيرا بقضيتهم، وأظهر تعاطفا لافتا مع احتياجاتهم، وتبنى المطالبات الفلسطينية لمساندتهم. كما أبدى استعدادا للعمل من أجل تفعيل صندوق الدعم العربي للأسرى والذي أقر في مؤتمر الأسرى الذي عقد في بغداد 2012برعاية الجامعة والذي خصص لتأهيل الأسرى المحررين. كما تبنى فكرة عقد المؤتمر الدولي الثاني لدعم الأسرى برعاية جامعة الدول العربية مما يعزز لدينا الأمل ويرفع من سقف التفاؤل بالدعم والإسناد العربي، وهذا ليس بجديد على شخصية نكن لها كل الاحترام والتقدير ومشهود لها بانحيازها للقضية الفلسطينية.

 

اترك تعليقاً