عربي وعالمي

“تاريخ سوريا من عهد حافظ الأسد إلى الحرب السورية”

نشرت “دار النهار” في بيروت للكاتب كمال ديب كتابه المعنون (الحرب السورية، تاريخ سورية المعاصر (1970 – 2015)، وهو الجزء الثالث من تاريخ سورية السياسي والاقتصادي ويغطي المرحلة منذ بداية سبعينات القرن العشرين حتى عام 2015.

 
باسمة عيسى – كاتبة لبنانية

 
يستعرض الكتاب كمال ديب في كتابه بالتفصيل شخصيات تلك الفترة (1970 – 2015)، من الرئيس حافظ الأسد ونوابه ومعاونيه، عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس وحكمت الشهابي ومحمد الخولي وفاروق الشرع ووليد المعلم ووزراء ومسؤولين حزبيين ورسميين في عهده، وصولاً إلى عهد الرئيس بشار الأسد والشخصيات التي رافقته.

ويقسم الكتاب تاريخ سورية إلى جزئين: الجزء الأول هو صعود سورية كقوة إقليمية في حلبة الصراع على الشرق الأوسط، وضمن هذا الجزء يقدم الكتاب حقبة الرئيس حافظ الأسد حتى وفاته في صيف عام 2000. أما الجزء الثاني فيغطي عهد الرئيس بشار الأسد (2000 –2015)، ويشمل الملفات الداخلية السياسية والاقتصادية والملفات الإقليمية عن دور سورية في أحداث لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية وصولاً إلى الحرب السورية مطلع 2011.

وينطلق الكاتب من بداية عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد في تشرين الثاني نوفمبر 1970، الذي أطلق مرحلة طويلة من الاستقرار ووضع سورية على الخارطة الإقليمية، حيث مرت سورية في السبعينات والثمانينات في أزمات واستحقاقات داخلية وخارجية عدة، بدءاً من خوضها حرب تشرين الأول-أكتوبر عام 1973، إلى دخولها في الحرب اللبنانية عام 1976، وانفجار حركة إسلامية مسلحة داخل البلاد (1979 – 1982)، ثم مواجهة غزو إسرائيل في لبنان عام 1982 وتداعيات الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، وأزمة داخلية في الحكم عام 1984، وصولاً إلى حرب الكويت عام 1990، وانتهاء بالحرب اللبنانية وانهيار الاتحاد السوفييتي، سند سورية ومصدر أسلحتها الأكبر. يقول الكاتب إن القرن الجديد كان يخفي لسورية كوارث مروعة رافقت عهد الرئيس بشار الأسد. فمن تشديد الحصار الاقتصادي والديبلوماسي، إلى غزو خارجي لجيران سورية من لبنان إلى العراق وفلسطين، إلى عمليات زعزعة طالت المشرق ولم تستثنِ سورية، وصولاً إلى حرب كونية على سورية.

تُقسم فصول هذا الكتاب إلى سبعة عشر فصلاً. يبدأ الفصل الأول بسرد تاريخي لحياة الرئيس حافظ الأسد منذ نعومة أظافره، يتحدث الكتاب عن ولادة الأسد في 6 تشرين الأول 1930، وعن عائلته وقريته وأهله ونشأة ودراسته، ويستفيض بشرح حيثيات وتفاصيل حياته وذلك الأثر الذي تركته نكبة فلسطين في وجدان الأسد عام 1948، ليقدم لنا شخصية نضالية عصامية وقيادياً طلابياً حتى لقائه بأصدقاء بعثيين أمثال عبد الحليم خدّام وعبد الرؤوف الكسم. عام 1951 فاز الأسد في انتخابات الطلاب في كل سورية ليصبح رئيساً لاتحاد الطلبة السوريين، بفضل نشاطه الحزبي والسياسي والطلابي، وخاض صراعاً عقائدياً في كل مراحل الدراسة ضد القوميين السوريين والشيوعيين والإخوان المسلمين، فقد خَبِرَ هذه المنظمات وعرفها عن كثب، وهي تجربة أفادته عندما أصبح رئيساً للجمهورية فيما بعد. ويتحدث هذا الفصل عن التحاق الأسد بالكلية العسكرية في حمص، وهناك التقى مصطفى طلاس الذي أصبح صديقه مدى الحياة. وانتقل إلى مدرسة الطيران في حلب حيث أمضى سنوات عدة وتخرج على رأس دفعته وأصبح ضابطاً طياراً في القاعدة العسكرية في المزّة قرب دمشق، وهنا بدأت حياته المهنية في الجيش.  

 


عام التغيير

يتابع الكاتب حديثه عن تاريخ سورية السياسي والاجتماعي والاقتصادي منذ العام 1970، وسماه عام التغيير، مع الأسد انتهت مرحلة الحماس الثوري البعثي والتنافس الداخلي على المناصب، والفوضى والضياع، لتبدأ مرحلة تثبيت أسس نظام قوي وتحقيق الاستقرار. كان الأسد يمقت الطائفية ويعيّن كل من يحيط به من كبار المسؤولين من الطوائف الأخرى، وعمل على فتح باب الإدارات والمؤسسات العامة لكل الطوائف، إلا أن القاعدة الأمنية للنظام كانت بأيادٍ علوية إلى حد كبير، على الرغم أنه لم يكن علوياً متعصباً يريد أن تسيطر جماعته المذهبية على الدولة، فقد استلم رجال سنّة أعلى المناصب في حكمه الطويل، وكان أقرب ثلاثة أشخاص إليه من السنّة: مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام وعبدالله الأحمر.  


بناء الحزب

في عامه الأول، مدّ الأسد يده لأنصار صلاح جديد في الحزب، ولقيادة عفلق، للمشاركة في بناء الحزب والبلاد، فاستجاب أكثر من ألفين من الكوادر الحزبية، كان الأسد بعثياً قديماً يهمه أمر الحزب وتنظيمه وإدارته، ويؤمن بأن شرعية نظامه تستند بشكل رئيس على الحزب. فتأسست قيادة قطرية انتقالية لحكم البلاد مؤقتاً من 14 عضواً برئاسته، وتوسعت لاحقاً، ازدهر البعث في عهد الأسد حتى بلغ عدد أعضائه في أوائل السبعينات 65 ألفاً، ثم تضاعف ست مرات، ووصل في العام 2000 إلى 1.4 مليون عضواً. وشرّع دستور 1973 لمجلس نواب تمثيلي هو برلمان سورية الذي بدوره ينتخب رئيس الجمهورية، وانتخب هذا المجلس وأعاد انتخاب حافظ الأسد رئيساً للجمهورية خمس مرات من 1970 وحتى وفاته العام 2000.


عهد حافظ الأسد بناء الاقتصاد

يستعرض كمال ديب في هذا الفصل الحياة الاقتصادية في سورية ويقول إن البلاد في عقد سبعينات القرن العشرين أصبحت دولة يحسب لها الحساب وذات وزن عربي ودولي، بعد تحقق المزيد من الاستقرار الداخلي والانسجام الاجتماعي. ولكن حلم البعث في تحقيق المجتمع الاشتراكي كان لا يزال بعيداً في حين بقي الفساد متفشياً في النخب الجديدة المستفيدة من نفوذها في النظام.

قسّم الكاتب عهد الأسد إلى ثلاثة مراحل استغرقت كل منها عقداً من الزمن، فكانت حرب 1973 الحدث الأبرز في العقد الأول، تلته الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية. أما العقد الثاني فقد شهد سلسلة معقدة من الأحداث منها المواجهة مع إسرائيل في لبنان (1981 – 1984)، والحرب ضد الإخوان المسلمين (1980 – 1982)، وأزمة رفعت الأسد (1983 – 1984)، والحرب العراقية- الإيرانية (1980 – 1987). وكان من نتائج تحديات الثمانينات صعود دور الأجهزة الأمنية في الدولة السورية والتحّول نحو النظام الأمني.

أما المرحلة الثالثة (1990 – 2000) فكانت محطة تحولات وخيارات لسورية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وحرب الكويت، وإطلاق محادثات السلام في الشرق الأوسط، والعودة عن الاقتصاد الموجه والمناخ السلطوي، نحو التحرر وإطلاق المبادرات الفردية.

ويعالج الكاتب في هذا الفصل عملية البناء الاقتصادي في العقد الأول من عهد الأسد، من الصناعة والبناء والنفط وتنفيذ مشروع الفرات ما عُرف بـ(سد الفرات) الذي استغرق انجازه عشر سنوات بداية من العام 1968. كما يتحدث الكاتب عن تحسن الوضع المعيشي في دمشق العاصمة التي حصلت على الحصة الكبرى من موارد الدولة، وصولاً إلى تحسن أوضاع المحافظات ومكافحة الفساد وظاهرة التهريب بين لبنان وسورية. وعلى الرغم من نوايا الأسد الحسنة، ورغم ذكائه الحاد في ابتداع السياسات المناسبة، فإن ترجمة الأفكار والسياسات الاقتصادية إلى خطط عملية وتطبيقها عبر مشاريع تنفيذية كانا متعثرين، ويعزو ديب السبب في ذلك إلى احتمالين، إما إلى نوعية النصح التي قدمها فريق المستشارين الاقتصاديين، أو أن المشورة كانت مناسبة ولكن القيادة السياسية لم تأخذها بالاعتبار وأهملتها وفقاً لمصلحتها الشخصية.

 


حرب تشرين الأول 1973

في هذا الجزء، يتحدث الكاتب عن ثلاثة شخصيات رئيسية في حرب تشرين وهم حافظ الأسد والرئيس المصري الراحل أنور السادات والملك السعودي فيصل بن عبد العزيز. ويستعرض تاريخياً حيثيات حرب تشرين الأول 1973، والانفتاح العربي الذي اعتبره تطوراً مهماً لناحية تعاون الأسد مع السادات والملك فيصل.

عدا التعاون مع مصر التي كانت حجر الزاوية لسورية في صراعها مع إسرائيل، فقد كان التغيير الأهم في سياسة سورية العربية هو تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية عبر صداقة الأسد وفيصل. كما يعرض هذا الجزء مرحلة طويلة من دخول هنري كيسنجر إلى خط المفاوضات الأول بين سورية وإسرائيل، ووصفه الكاتب بالعدو الأكثر خطراً على مصالح العرب من قادة إسرائيل نفسها. ويقول إنه رغم أن جميع الدلائل في هذا الفصل تفيد عن دور كيسنجر الخبيث، وعن ألاعيب السادات وخداعه للرئيس الأسد في إفشال المجهود الحربي العربي في حرب تشرين 1973، فإن هذا لا يعني أن لا لوم يقع على القيادة السورية. إذ كان عليها أن تضع في حساباتها احتمال مخاطر معينة يمكن أن تحصل وليس الخلود إلى الخطة الحربية وكأنها حتمية. كما كان على سورية أن تمارس الشك في نوايا كل الآخرين بمن فيهم القيادة المصرية. إذ أنها قررت بوعي كامل الذهاب إلى الحرب ولم يكن الأمر مجرد الرد على هجوم إسرائيلي مباغت، ولذلك استغرقت سنوات من التحضير ووظفت موارد وطنية كبيرة في المجهود الحربي. كما أن الأسد وضع إيماناً لا مبرر له في التضامن العربي، ولكنه لم يكن حذراً كفايةً من الأهداف المشبوهة المصرية أو من الضمانات التي قدمها السادات. والنتيجة كانت أن العرب لم يروا تقدماً نحو السلام مع كيسنجر، بل شهدوا سنة 1975 ولادة اتفاقية سيناء2 التي شرّعت الباب على بداية انهيار الصف العربي بشكل غير مسبوق، واشتعال حرائق عدة كان أهمها الحرب اللبنانية في نيسان أبريل 1975.

 


ولادة الإستراتيجية السورية

نهاية الاستراتيجية المصرية بعد حرب تشرين الأول 1973، كان لتوقيع اتفاقية سيناء 2 تداعيات كبيرة على المنطقة العربية. كان الأسد نادماً على ثقته بكيسنجر، ولحماية بلاده من تداعيات سيناء 2  التي باتت زلزالاً يهز استقرار المنطقة ويفقد العرب صمام أمانهم الذي مثلته مصر، طغى التداعي الأول وهو من سيدافع على سورية والعرب بعد غياب مصر؟ ومن سيكبح جماح إسرائيل في التوسع والعدوان؟ فعادت حالة اللاسلم واللاحرب الممقوتة بأسوأ من السابق لأن النظام العربي الذي قادته مصر منذ 1955 قد انهار. والتداعي الثالث هو انهيار الصف العربي واشتعال أزمات عدة دفعة واحدة، إذا احتدم الصراع بين مصر من جهة وكلّ من سورية ومنظمة التحرير وليبيا من جهة أخرى، وكذلك بين سورية والعراق، وبين الأردن والفلسطينيين.

وانشق الصف العربي إلى محاور فولّد محور دول جبهة الصمود والتصدي بقيادة سورية، وانفراط عقد منظمة التحرير المؤلفة من تنظيمات عدة، جراء الصراعات العربية بين رفض واعتدال، انعكست معارك بالسلاح بين الفلسطينيين. وكان لبنان الضحية الأكبر لتداعيات اتفاق سيناء2 ، إذ أصبح ساحة للصراعات العربية – العربية وللصراع العربي – الإسرائيلي، ولا يزال يدفع الثمن إلى اليوم. لقد سارت الدولة السورية وفق استراتيجيتها الجديدة وفق مبدئين: المبدأ الأول تحقيق التوازن الإستراتيجي، والمبدأ الثاني الصمود والتصدي الذي كان دفاعياً بالدرجة الأولى.
يعود الكاتب هنا ليتحدث عن خصال الرئيس الأسد وقوميته العربية انطلاقاً من خلفيته العقائدية في ابتداعه استراتيجية خاصة بسورية، لقد استعرض هذا الفصل ما سمّاه ديب التطور الذهني لحافظ الأسد، من قائد عسكري وزعيم سياسي إلى مفكر استراتيجي جعل من دولة سورية الصغيرة لاعباً إقليمياً. لقد وضعت إستراتيجية الأسد حداً لحلم إسرائيل الكبرى الذي بدأ مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن وتكتل الليكود عام 1977 وانتهى عام 1987. ولكن إستراتيجية الأسد لم تأخذ في الاعتبار حقوق اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين، بل نظرت إلى كونهم أشقاء صغاراً وأنها القبطان الذي يعرف مصلحة الجميع، وكان أحد أسباب فشلها في استمالة الشعوب الثلاثة إلى فكرة الجبهة المشرقية الموحدة، والتقارب الاقتصادي والإقليمي للشعوب الأربعة.

 


سوريا وحروب لبنان

منذ العام 1975 بات لبنان ساحة المبارزة الكبرى بين المشروعين، السوري والإسرائيلي. يقدم الكاتب الخلفيات التاريخية لحروب لبنان بداية من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي بالتزامن مع الاستقلال السوري حيث انسحب آخر جندي فرنسي من سورية في 25 نيسان أبريل 1946، ومن لبنان في 31 كانون الأول ديسمبر من العام نفسه. ويعرض لمراحل الحكم في لبنان حتى اندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، والمبادرة السورية في هذه المرحلة لناحية التدخل السياسي لحل الأزمة وصولاً إلى التدخل العسكري بعد 13 شهراً من بداية الحرب اللبنانية، تحديداً في ليل 31 أيار مايو 1976.

ويعرج ديب على دور الرئيس الأميركي جيمي كارتر الذي أعلن أن قضية الشرق الأوسط على رأس أولويات إدارته. في تلك الفترة كان الأسد بحاجة إلى اعتراف أميركي بالدور الإقليمي الذي سعت إليه سورية في مقابل أن تكون شريكاً لأميركا في السلام وعامل استقرار في المنطقة. ثمة جردة سريعة لحسابات الربح والخسارة لاستراتيجية سورية نحو تداعيات السلم المصري – الإسرائيلي، وانفجار حرب لبنان. لقد أثبتت سورية مقدرتها على إنهاء حرب لبنان الذي بات يتمتع بالسلم الأهلي، ورغم كل شيء، كان الثمن ضرورياً كي لا تحاصر سورية وتمنع تفرد إسرائيل بهيمنتها على الساحة اللبنانية. فكان الدخول إلى لبنان خطوة مهمة لصعود سورية الإقليمي. ولكن في نهاية السبعينات كانت الدوائر تدور حول سورية، الفلسطينيون والمسلمون(السنة) والدروز وأهل اليسار في لبنان غاضبون منها، والمسيحيون في لبنان الذين جازفت من أجلهم بكل شيء يمدون يدهم لإسرائيل. فبدا دخول سورية العسكري إلى لبنان من أساسه، وكأنه مغامرة غير محمودة جلبت غضب الشارع العربي ودول غربية ودول المعسكر الاشتراكي، في حين كان انتقاد البعض داخل سورية لضرب الفلسطينيين واليسار والمسلمين لمصلحة المسيحيين، يتخذ طابعاً مذهبياً، بحسب الكاتب.

 


مواجهة الفتنة الداخلية

رافق الاستحقاقات الإقليمية (من اتفاق سيناء 2 واشتعال الحرب اللبنانية عام 1975، واتفاقات كامب دافيد وغزو إسرائيل للبنان في آذار مارس 1978، إلى معاهدة كامب دافيد في أيلول سبتمبر 1979)، واحتدام أزمة داخل سورية بدأتها الجماعات الإسلامية وأبرزها “الإخوان المسلمون”.
انتقل تحدي الإخوان المسلمين إلى العلن في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات، حيث أخذوا من موقعهم المذهبي السُني، يهاجمون نظام الحكم الذي يرأسه الأسد بأنه “حكم علوي” وأن ادعاء النظام العلمنة ليس سوى جريمة أخرى تعكس هرطقة العلويين وكفرهم. كان حزب البعث يحقق صعوداً غير مسبوق وخاصة في أوساط السنة منذ الخمسينات، ما أغضب الإخوان وصعّد عداءهم للبعث. لقد كانت المواجهة بين البعث العلماني وحركة “الإخوان المسلمين” الدينية وكأنها قدر لا يُرد، إذ منذ خروج “الحزب السوري القومي الاجتماعي” عام 1955 وإضعاف “الحزب الشيوعي” خلال 20 عاماً من الانقلابات بعد الاستقلال، وخاصة منذ انقلاب 1963، بقي الإخوان خصماً رئيساً للبعث في سورية.

يعرّج الكاتب على  انتفاضة ربيع 1964، والتي سرعان ما تحولت إلى جهاد ديني مسلح ضد السلطة لأن الإخوان اعتبروا حكم “البعث الكافر” إهانة للذات الإلهية. ويتحدث عن مراحل صعود الإسلاميين ما بين 1967 – 1973. وقد قسّم ديب مراحل المواجهة بين الإخوان المسلمين والدولة السورية إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى (1976 – 1979)، بدأت بوفاة مروان حديد في السجون في حزيران يونيو 1976. فكانت شرارة انطلاق حرب إسلامية ضد البعثيين ومكاتب الحزب ومراكز الشرطة والسيارات العسكرية والثكنات العسكرية والمصانع والخبراء الروس، وأي هدف يمكنهم الوصول إليه. أما المرحلة الثانية (1979 – 1980)، فقد تركزت في مدينة حلب إذ كانت حلب نقطة تحول كبيرة في الحرب بين الدولة والجماعات الدينية ونهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة أكثر عنفاً ومواجهة.

 


محاولة اغتيال الأسد

وإذ فتحت المعركة على مصرعيها، أصبح الأسد نفسه هدفاً للإسلاميين. ففي 26 حزيران يونيو 1980، جرت محاولة لاغتياله أمام قصر الضيافة في دمشق أثناء استقباله رئيس دولة أفريقية، حينها جن جنون شقيقه رفعت الأسد وأقسم أن يقلب دمشق بحثاً عن الجُناة، كما أحدثت هذه المحاولة غضباً عارماً في أوساط قيادة حزب البعث وأركان الدولة ورفعت دعوات إلى الانتقام، إذ أن حرب الإسلاميين على النظام قد وصلت إلى رئيس الجمهورية.    

    
هنا بدأت المرحلة الثالثة (1981 – 1982) حينما انتقلت الحرب إلى داخل دمشق نفسها. وكانت معركة مدينة حماة عام 1982 المواجهة الحاسمة بين الطرفين، استعملت الدولة قوتها في تلك المواجهة، حيث عبّر عنها باتريك سيل بقوله “إن وحشية العقاب في حماة قد أقفلت مرحلة هامة من تاريخ سورية”.


المواجهة السورية – الإسرائيلية في لبنان

في هذا الجزء عرض تاريخي لأحداث الجولان بعدما وقّعت واشنطن مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي مع إسرائيل، بالإضافة إلى الغزو الإسرائيلي للبنان والذي كان يبتغي تحقيق ثلاثة أهداف أولها: ضرب المقاومة الفلسطينية وإسكاتها كقوة عسكرية إلى الأبد وبذلك تضمن سكينة وخوف سكان الضفة الغربية حتى يستوطنها اليهود بسلام، ثانياً: ضرب الجيش السوري في لبنان وإخراجه منه، لأنه حليف الفلسطينيين وعامل القوة للنفوذ السوري في لبنان، وثالثاً: تغيير النظام السياسي في المنطقة، في لبنان عبر دعم بشير الجميل ليصبح رئيساً للجمهورية فيوقّع صلحاً مع إسرائيل ويصبح لبنان محمية إسرائيلية. وفي الأردن التي دأب وزير الحرب الإسرائيلي أرييل شارون على اعتبارها وطن الفلسطينيين، بحيث ينقلب نظام الملك حسين ويطرد الفلسطينيين من الضفة، وينفذ عملية “تحويل” فلسطينيي ال48 إلى الأردن لتصبح الأردن هي دولة فلسطين.
ويتحدث الكاتب عن معركة بيروت في 11 و12 حزيران يونيو 1982، حينما بدأت إسرائيل هجوماً ساحقاً جواً وبراً وبحراً، واخترقت المواقع السورية والفلسطينية في التلال المطلة على المدينة حتى تمكنت من دخول بيروت عبر شرقها، لتصبح بيروت الغربية محاصرة تماماً من القوات الإسرائيلية. كان الأسد يشعر بعكس ياسر عرفات، أن سورية تخوض في لبنان “الحرب العربية – الإسرائيلية الرابعة” ولكن من دون مشاركة الدول العربية الأخرى. ففي 1967 وحّدت النكسة العرب وتسارعوا لنجدة سورية ومصر، وفي 1973 كانت الحرب خياراً سورياً – مصرياً رفعت كرامة العرب وحققت تضامناً عربياً باهراً، أما العام 1982، فسورية كانت تحارب من دون مصر التي عقدت صلحاً مع إسرائيل وسمحت لها أن تضع كل طاقاتها في جبهة واحدة، وذهبت نداءات الأسد إلى القادة العرب هباءً.


انسحاب إسرائيل

في دمشق، تعجب الأسد كثيراً من سرعة الانسحاب الأميركي من لبنان، بعدما ظن طيلة 1983 أنها ستكون العمود الأساسي لحكم أمين الجميّل، وأن سياستها الدولية تفرض عليها أن تبقى. لقد أكدت أعوام المواجهة السورية – الإسرائيلية في لبنان (1980 – 1984) صوابية استراتيجية الأسد، وأن صمود دولة صغيرة كسورية بدعم حلفاء لها، كفيل بالتصدي لسياسات إسرائيل وأميركا، كما دلت الأحداث مقدرة الزعيم السوري في التحليل الاستراتيجي وأخذ الوقت والنفس الطويل للتعاطي مع التحديات الإقليمية، ولكنها مرحلة أرهقته وأقعدته موقتاً عن العمل وأدت إلى أزمة خطيرة في الحكم.


الأزمة الداخلية

في تشرين الثاني نوفمبر 1983، تعرض الأسد لذبحة قلبية، ظن شقيقه رفعت أن نظام أخيه في خطر، وباشر في خطوات لوراثة الحكم، واحتلت “سرايا الدفاع” التي يقودها مناطق حساسة من دمشق. ثم نجا حافظ الأسد من الأزمة الصحية واستطاع أن يسيطر على الوضع ويبعد رفعت في صيف 1984. يتحدث الكاتب في هذا الجزء عن عائلة حافظ الأسد كنموذج للمواطنين السوريين الصالحين، وعن أبنائه ودراستهم في الجامعات السورية وانخراطهم بالحياة العسكرية أسوة بأغلبية الطلاب، حيث كان أسلوب حياتهم انعكاساً لنمط عيش الرئيس الأسد المتقشف الذي رفض أن يفرش المنزل الصيفي بأثاث أوروبي فاخر، وكان ينام على السرير الذي اقتناه في حياته العسكرية. في حين كان أبناء رجال النظام ينعمون بامتيازات عدة ونفوذ لا محدود. ويذكر الكاتب الطبقة الفاسدة في العهود السابقة، التي نمت منذ السبعينات وازدادت شراهتها عندما تحسنت أوضاع البلاد، وتضاعف عدد أصحاب الملايين وظهرت بورجوازية جديدة استفادت من الطفرة المالية ومن العدد الهائل للمشاريع.

ومع بداية العام 1976 وُلدت شبكة من بارونات الفساد والمحسوبية والهدر في سورية، ليس لأن الدولة لم تمارس الرقابة والمحاسبة على نفسها، بل لأن الفساد بات من طبيعة الدولة وأحد عوامل دعم الفاسدين لنظام الحكم. إذ من الفوائد التي اكتسبها أزلام النظام، رخصة “كارت بلانش” لارتكابه ما يحرمه أي قانون في الظروف العادية. ويقدم الكاتب ملخص لما سماها (الأزمة) بين حافظ الأسد وأخيه رفعت الأسد، وصولاً إلى خروج الأخير في 28 أيار مايو 1984 إلى روسيا برفقة عدد كبير من الضباط لفترة استجمام. ما وصفته إذاعة دمشق بأنها زيارة عمل ودية. وبعد خمسة أيام استقبل سكرتير الحزب الشويوعي السوفييتي تشرنينكو رفعت بصفته نائب الرئيس، ثم عاد الجميع إلى سورية باستثناء رفعت الذي فضل الذهاب إلى جنيف وبقي فيها. وفي 10 تشرين الثاني نوفمبر 1984، حصل انفراج بين الشقيقين إذ صدر مرسوم رئاسي أضاف إلى منصب رفعت مسؤولية الإشراف العام على الأجهزة الأمنية في سورية، ما جعله نظرياً أرفع مقاماً من خصومه في النظام. فعاد رفعت في 26 تشرين الثاني وحضر إلى مكتب الأسد وقبّل يده لفتح صفحة جديدة. ولكن سرعان ما أيقن أن هذا المنصب الشرفي جرّده من الكثير من الصلاحيات في شؤون الأجهزة الأمنية، على أثره غادر إلى أوروبا مجدداً واستقر في باريس ليعيش حياة الأمراء مع حاشية بلغت 40 شخصاً بينهم حرس شخصي. ولكن وفاء والدته في 1992 فتحت نافذة، ورجع إلى دمشق وبقي نائباً لرئيس الجمهورية.

 


سوريا والعراق وإيران

في هذا الفصل يطرح الكاتب عناوين عريضة يتحدث فيها عن طبيعة العلاقات السورية – العراقية، والسورية – الإيرانية في فترات زمنية مختلفة، منذ عام 1968 وحتى عام 2003. ثمة سؤال شغل بال المراقبين: لماذا لم يتحد العراق وسورية عندما كان حزب البعث يحكم البلدين؟ لا سيما أن وحدتهما كانت منطقية من حيث الجغرافيا والتاريخ والتواصل السكاني، غير أن العراق لم يرتضِ سعي سورية في عهد حافظ الأسد أن تكون قوة إقليمية بعدما كانت شقيقاً أصغر. فقد اعتبر أن السعي السوري سيكون على حسابه وهو الدولة الأكبر والأكثر ثروة وسكاناً، وتشعب الصراع بين البلدين.

يطرح ديب محاور الصراع السوري – العراقي على لبنان، وفشل مشروع الوحدة السورية – العراقية. ثم ينتقل إلى الثورة الإيرانية وعلاقة سورية مع طهران، وصولاً إلى انتفاضة شيعة العراق، والحرب العراقية – الإيرانية، وحرب الكويت. وفي الخلاصة، يرى أنه منذ 1970 تصادمت برغماتية الأسد ونظرته الاستراتيجية إلى المنطقة وضرورة التحام إمكانات الهلال الخصيب لموجهة إسرائيل، بتشدّد بعثيي بغداد ونظرتهم المثالية إلى العالم العربي وقضاياه. وفي حين سعى الأسد إلى حشد اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين إلى جانبه، حارب العراق أهداف سورية التي اعتبرها تُنافس دوره كدولة عربية كبيرة. ولكن الأحداث أدت إلى تلاشي العراق كدولة إقليمية ونجاح سورية في الصمود بفضل استراتيجيتها المتأنية. فقد واجهت إسرائيل في لبنان (1980 – 1984) ووقفت إلى جانب إيران ثم إلى جانب الكويت عام 1990، وانضمت إلى التحالف الدولي في تحرير الكويت، ما أعطى مباركة أميركية ودولية للوجود السوري في لبنان، ساعدت في القضاء على الجنرال ميشال عون وعززت النفوذ السوري، وخاصة أن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 كان ينبئ باحتمال إضعاف سورية. كما حصلت سورية على وعود بمساعدات مالية سعودية وكويتية في المستقبل، وقدم مجلس التعاون الخليجي معونات مالية لمصر وسورية بلغت خمسة مليارات دولار. ولكن في كل هذه التطورات كان ثمة تراجع لوهج سورية الإقليمي كانت ترجمته سهولة انخراط الأردن ومنظمة التحرير في اتفاقات منفردة مع إسرائيل فيما بعد.
 


سوريا وعملية التسوية مع إسرائيل

بعد حرب الكويت عام 1991، انطلق مؤتمر مدريد للسلام، فانتعشت الآمال أن السلام بين العرب وإسرائيل سيسمح لسورية بالتركيز على اقتصادها ومشاريعها التنموية. يؤكد هذا الفصل رؤية الأسد الاستراتيجية في الميدان الدبلوماسي أيضاً، حيث سعى إلى وحدة جبهة مشرقية دبلوماسية تحت شعار(وحدة المسار بين سورية ولبنان والأردن والفلسطينيين). ولكن السؤال الذي يبقى هو لماذا بقي الأسد وحيداً في تبني هذه الاستراتيجية التفاوضية، في حين أن كلاً من شركائه الصغار كان يعتقد أنه يمكن أن يحصل على نتائج أفضل من إسرائيل عبر التفاوض بشكل منفرد بعيداً عن سورية. وهذا انطبق إلى حد بعيد على الأردن ومنظمة التحرير، في حين حافظ لبنان وإلى حد بعيد على وحدة المسار مع سورية برغم انقسام الرأي داخل لبنان حول العلاقات مع دمشق. والجواب المحتمل بحسب الكاتب هو أن سورية فقط بين الكيانات الأربعة كانت دولة موحدة بزعيم قوي وتملك ما يكفي من القوة العسكرية والسكانية لفرض رأيها في المحادثات، في حين كان الآخرون إما منقسمي الرأي داخلياً (لبنان والفلسطينيون)، أو أكثر استعداداً للخضوع لنفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية (الأردن). وعامل آخر أضعف وحدة المسار هو حساسية الأشقاء الصغار حول استقلاليتهم عن الشقيق الأكبر سوريا. 


الاقتصاد السوري حتى عام 2000

ثمانية عوامل حكمت الاقتصاد السوري، صعوداً وهبوطاً، منذ السبعينات: عائدات النفط، تحويلات السوريين من الخارج، مساعدات الدول العربية والأجنبية، مواسم الجفاف، هيكلية الصناعة والتجارة، سلطوية النظام، فساد أجهزة الدولة واستغلال الأشخاص لنفوذهم للإثراء الشخصي، ضعف القضاء في حماية الملكية الشخصية والفصل في قضايا الاستثمار. يعدد الكاتب في هذا الفصل مراحل تطور الاقتصاد السوري خلال حقب زمنية مختلفة بداية من الثمانينات، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن التعثر الاقتصادي السوري في الثمانينات والتسعينات يعود لأسباب كامنة، لقد حُرمت سورية من الدعم الاقتصادي الغربي والدولي بسبب موقفها من إسرائيل، مقارنة بمصر التي وقعت معاهدة سلام وابتعدت عن الصراع وقبض نظامها الثمن. فكان ثمن وقوف سورية مع المقاومة في لبنان وفلسطين أن السُبل سُدّت في وجهها للحصول على عقود وتسهيلات وعلاقات مفيدة مع الدول الغربية، وتعرضت للحصار مراراً.


سوريا ولبنان بعد “اتفاق الطائف”

يقدم هذا الفصل معالجة موجزة لمرحل الدور السوري في لبنان بإيجابياته وسلبياته. فكما كان لهذا الوجود إيجابية في الأمن والدفاع والاستقرار السياسي وتحرير الجنوب، كانت له سلبيات عدة وصلت إلى تدخلات سياسية تركت آثاراً سلبية في معظم الشؤون اللبنانية، وخاصة بعد 1991. حيث تكونت شبكة مصالح لبنانية – سورية جمعت رجال سياسة وعسكريين ومخابرات ورجال أعمال اشتركوا جميعاً في عمليات تزوير مخدرات وتهريبها وتوزيع المعونات المالية الخارجية. في الفترة الممتدة (1990 – 2005) خضع لبنان لمرحلة حاسمة من تاريخه أطلق عليها المراقبون وبعض مناهضي سورية في لبنان اسم “عهد دولة الوصاية”.


الفصل الثالث عشر: عهد بشار الأسد “تجربة الإصلاح”

في تموز يوليو 2000 تسلّم بشار الأسد مقاليد الحكم في سورية، وكان يرغب في تحرير النظام السياسي والاقتصادي وتعزيز الديمقراطية في الداخل السوري، فعُرفت بداية عهده بـ”ربيع دمشق”. ولكن هذه التجربة تعثرت لسببين، الأول هو الخلاف حول الطريقة، حيث أرادها بشار الأسد مدروسة وتراكمية فيما دفع المجتمع المدني والمعارضة إلى إصلاح سريع. والسبب الثاني هو أن تهديدات خارجية شديدة الخطورة رافقت “ربيع دمشق” ودفعت سورية إلى تحصين استقرارها ودفاعاتها. فقد بدأت التهديدات منذ نهاية العام 2000 مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم تداعيات هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، فالغزو الأميركي للعراق في عام 2003، ثم تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحرير عام 2005. هذا التزايد في التهديدات الخارجية جعل مواصلة عملية التحرير والإصلاح مشوبة بالتردد والحذر والخوف من أن سورية قد تفقد الاستقرار الداخلي، في وقت كانت الأولوية هي التعامل مع التهديدات الخارجية. كما أن تفكك العراق، وبشاعة العنف الطائفي فيه في الأعوام 2005 – 2007 دفع الرأي العام السوري إلى الالتفاف حول النظام بصورة غير مسبوقة. في فترة “ربيع دمشق” ازدهرت المعارضة وبدأ الخلاف على وتيرة الإصلاح، وبدأت تظهر محاذير الإصلاح، حتى تراجع ربيع دمشق.
 


الفصل الرابع عشر: التحديات الاقتصادية

يعرض هذا الفصل بالأرقام الوضع الاقتصادي وتجربة الإصلاح الاقتصادي التي مرّت بها سورية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث استطاعت سورية أن توفر احتياجاتها بالاعتماد على الذات، ووضعت حداً للمشكلة المزمنة في ازدحام المدن من خلال سياسة الإنماء المتوازن بين الأرياف والمدن والمحافظات ودمشق وحلب. إن نظام الضمان الاجتماعي والصحي في سورية برغم بساطة خدماته وبرامجه، يعتبر تقدمياً ومتطوراً، فقد كان الاستقرار السياسي في سورية من أهم إنجازات الدولة، وكما في لبنان كذلك في سورية. إذ أن التهريب ومنه نقل الأموال، لعب دوراً رئيسياً في اقتصاد البلدين، فاستطاعت سورية إنجاز شبكة بنى تحتية في طول البلاد وعرضها وموانىء ومطارات وصرف صحي وماء وكهرباء وسدود، كما أن سورية لا تعاني من ديون خارجية.

واستفادت سوريا من علاقاتها الاقتصادية مع إيران. مع كل ذلك بقيت هناك حقائق شديدة السلبية، منها تراجع الدخل الفردي وحرمان 22% من القرى من أنابيب المياه، ونسبة أخرى من القرى لم تربط بشبكة الكهرباء، فضلاً عن تراجع المؤشرات الإنمائية بسبب الازدياد المطّرد لعدد السكان. بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 11.5% من اليد العاملة عام 2005، أي ما يساوي 650 ألف شخص صالح وجاهز للعمل ولا يجده، من أصل قوى عاملة بلغت خمسة ملايين نسمة.

 


مواجهة التحديات الإقليمية – سوريا أمام “الثورات العربية” 2011

يتحدث الكاتب في الفصل الخامس عشر، عن تواريخ ومفاصل وتراكمات تمتد إلى عقود سابقة. منها الملف اللبناني المفتوح مع إسرائيل حتى خروج سورية من لبنان عام 2005، وغزو العراق وتهديد سورية، وحرب غزة عام 2008.

أما الفصل السادس عشر، فيتناول فيه “الثورات العربية” بدءاً من عام 2011 ، وقد مرّ تاريخ سورية بحسب ديب بأربع مراحل هي ولادة الدولة الوطنية بعد مخاض الانتداب الفرنسي (1920 – 1946)، ومرحلة الصراع على سورية (1946 – 1961)، بين مصر والسعودية والعراق والأردن. أما المرحلة الثالثة فقد طبعتها ثورة البعث (1963 – 1970)، التي مهدت لتصبح سورية في المرحلة الرابعة (1970 – 2000) قوة يحسب لها الحساب وتدخل في صراع مع القوى الأخرى الإقليمية والقوى الدولية. يتحدث الكاتب عن حرب تموز يوليو في لبنان 2006، وأحداث 7 أيار مايو 2008 حتى توقيع اتفاق الدوحة، ومؤتمر العلاقات السورية – اللبنانية في دمشق عام 2009.
 


الحرب السورية (2001 – 2015)

في الفصل الأخير من الكتاب يوصّف الكاتب الحرب السورية، بأنها نتيجة التدخل الخارجي الذي أرسل إرهابيين من 81 دولة مدعومين من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل. ولا ينفي الحركة الإصلاحية لشعب يعشق الحرية والعدالة ويسعى إلى الأفضل مثل كل شعوب العالم.

ويسهب ديب في الحديث عن أسباب الحرب ولماذا سورية مستهدفة، فضلاً عن الدورين القطري والسعودي، وكيف لعبت وسائل الإعلام دوراً خطيراً في تشويه الحقائق، وصولاً إلى تفصيل من هي جبهة النصرة وتنظيم داعش وحركة أحرار الشام. ويعرض حالات الانشقاق في صفوف النظام، وتشكيل المعارضة الوطنية والائتلاف الوطني السوري للمعارضة الخارجية، وانعقاد مؤتمرات جنيف للسلام في سورية التي وصفها الكاتب بالأكاذيب، وتعاقب المبعوثين الأمميين بدءاً من كوفي أنان مروراً بالأخضر الإبراهيمي وصولاً إلى ستيفان دي ميستورا.

وقد قدم الكاتب استبياناً بحثياً حول عوامل الحدث السوري، وكانت النتيجة أن أزمة سورية هي بنسبة 60% خارجية، و40% داخلية، وأن صراع حرب البعث وحركة الإخوان المسلمين كان وازناً في أزمة سورية، يليه مباشرة الصراع السوري – الإسرائيلي. وهذان العاملان فاقا كل ما عداهما، ويشرحا صعوبة إيجاد حل من الخارج، عادل ومنصف للشعب السوري. 
 

المصدر: الميادين نت
 

 

 

اترك تعليقاً