الأخبار

ترامب والأمم…و”المسكين”! – عبداللطيف مهنا

من على منبر الأمم المتحدة خاطبت الترامبية الأميركية العالم كله. كان ترامب هو ترامب، وكان المعبّر بأمانة عن اميركا الترامبوية، كان النسخة الأوضح والأخيرة لهذه الأميركا. تضمن خطابه بلا لبس ما عنى أن هذه الولايات المتحدة التي انتخبته وتتحدث إدارته الآن باسمها، لم تعد تعترف بذاك الذي كان وإلى حينه “النظام الدولي”، هذا الذي كانت هي من بين من انشأوه وفرضوه خلال الثلاثة ارباع قرن المنصرمة والان لم يعد يناسبها. وبالتالي لكم أن تقولوا إنه من الآن فصاعداً يمكنها سحب هذا العدم اعتراف انتقائياً على كل ما لا يلائمها من مترتبات ذاك النظام البائد، أو أيٍ من مضامين تلك المصطلحات العتيقة التي كانت تدعى الأعراف، والمثل، والمواثيق، والقوانين الدولية.

كان ترامب في خطابه عادلاً على طريقته إياها، حين يحرص على توجيه رسائله أولاً لقاعدته الانتخابية، لاسيما وأن بلاده مقدمة على انتخاباتها النصفية، وتشهد انقساماً غائراً لم تشهد له مثيلاً، وثانيا، إلى كل من يهمه الأمر في الخارج. وهو إذ كان في غالب تغريداته يتوجه إلى اميركانه هؤلاء، فهو في خطابه هذا أفاض في الحالين فلم يترك من يعتب عليه لا داخلاً ولا خارجاً.

لندع جانباً افاضته في سرد ما يراها منجزاته التي عمت بركاتها بلاده والعالم خلال عامي وصول ادارته للبيت الأبيض، أو ما قوبل بالضحك والهمهمة من قبل من كانوا يستمعون إليه في المحفل الدولي، وسنجد أنه من على منبر الأمم المتحدة قد اعلنها حرباً اقتصادية كونيةً في اربع جهات الأرض، بدءاً بمن يعتبرهم خصوماً، كالصين، وروسيا، وإيران، وحتى حلفائه أوروبيين وأطلسيين وجيرانه في اميركا الشمالية، مروراً بدول الأوبيك، والتي اغلبها إن هي ليست خصماً ولا حليفاً بالنسبة له، فتابعةً أو هي له وليست عليه.

بيد أن الأمم المتحدة، التي يصول ويجول من على منبرها، والتي كانت ولا زالت رهينة بلاده مكاناً وقراراً، وتبدو احياناً وكأنما هي دائرةً ملحقةً بوزارة خارجية بلاده، فنالها جزء غير قليل من سهام حربه الضروس على ذاك النظام الذي يستخفه ولم يعد يعترف به. لم يوفّر اغلب وأهم مؤسساتها، اليونيسكو، الأنروا، مجلس حقوق الإنسان، محكمة الجنايات الدولية، ناهيك انسحاب بلاده من اتفاقات دولية، كاتفاقيتي المناخ و الملف النووي الإيراني، كما واعلنها وبالأميركاني الفصيح، لا من مساعدات من بلاده بعد اليوم، إلا لمن يواليها ويؤيد سياساتها ويقدّم فروض التبعية لها، وقبل هذا وذاك، ألا يقترف شبهة انكار مبدأ عصمة اسرائيله وتنزيهها واعتبارها فوق المسائلة، وإنها مهما ارتكبت فتجل عن الانتقاد.

من على منبر الأمم المتحدة اطلق ترامب بامتياز بداية لها ما بعدها من حرب استقطاب كونية غير معهودة منذ أن وضعت الحرب الباردة اوزارها بعيد تفرُّد الولايات المتحدة بآحادية القطبية بانهيار الاتحاد السوفيتي، والتي بدأت الآن تفقدها شيئاً فشيئاً، وما ترامب والترامبوية إلا بعض نتاج احساسها بهذا الفقدان…بدى ترامب غير راض في عالمه سوى عن اسرائيله، وربما بعض عربه.

هنا نأتي إلى ما خص به بلادنا وجوارها، فهو إذ لا يترك مناسبة دون تأكيد عدوانيته المستمرة اتجاه سورية، وسبق واعلنها حرباً اقتصادية على إيران، يعلنها اليوم أيضاً حرباً سياسية وعسكرية على الأخيرة، فيدعو لناتو عربي قوامه دول لم تسلم سابقاً من ابتزازه ولن تسلم لاحقاً، وحدد له مهمتين: مواجهة ايران، وكل من يهدد مصالح بلاده في بلادنا. ولم يمنعه هذا من شن حرب على منظمة “الأوبك”، التي من المفترض ان يعتمد هذا الناتو على دول هن من أعضائها، محملاً هذه المنظمة مسؤولية زيادة أسعار النفط، ومطالباً إياها بالعمل على خفضها، ويتوعدها بأنه لن يتسامح معها إن لم تفعل.

فلسطينيا، لسنا في حاجة لأن نتحدث عن تباهيه فائق القبح بنقل سفارة بلاده للقدس معتبراً نقلها فعلاً داعماً للسلام، وقبله الاعتراف بها عاصمةً لمحتليها الغزاة. ولا تصريحاته مع نتنياهو لاحقاً المتعلقة بصفقته التي سيعلنها بعد اشهر، فيما بدا منه رداً على إبداء ابي مازن في باريس استعداده لمفاوضات “سرّية وعلنية” مع نتنياهو، وما وازاه وبغير صدفة من حملة شنها الأوسلوستانيون على “وحدات الإرباك الليلي”، مستجد الابتكار النضالي المضاف لإبداعات “مسيرات العودة”، باعتبارها تضر بصولة أبي مازن في حلبة الأمم المتحدة، هذه المتمثلةً في خطابه الذي سمعناه لاحقاً…أمن جديد؟؟!!

تكفينا الإشارة إلى البهجة التي عمت الكيان الاحتلالي لتبني ترامب كلياً الرؤية الصهيونية للصراع وكيفية حله، مقرونا بالشماتة بمن شهد له أولمرت، بأنه “لم يقل لا مطلقاً”!
…في تحليل تعقيبي لصحيفة “هآرتس” على الخطاب الترامبوي عددت كيله مدائحه لإسرائيله، ومنه خلصت إلى ما يلي:

إن “الزعيم الفلسطيني كان الأكثر مسكيناً من أي زعيم في القاعة” ممن كانوا يستمعون إلى خطاب ترامب، إذ أن الرئيس الأميركي “لم يذكر الشعب الفلسطيني ولو بكلمة واحدة، وعوضاً عن ذلك استخدم نقل السفارة إلى القدس كأداة للهجوم على المجتمع الدولي”.