الأخبارالأرشيف

د. سماح إدريس يجيب لمجلة “الهدف”عن دور المقاطعة في مواجهة صفقة القرن

عضو حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان د. سماح إدريس يجيب لمجلة “الهدف” التي أسّسها الشهيد المبدع غسّان كنفاني، عن دور المقاطعة في مواجهة صفقة القرن.

التعليق الأوّل الذي قد يتبادر إلى الأذهان عند قراءة العنوان: وهل تستطيع مقاطعةُ “إسرائيل” إفشالَ صفقة القرن؟

الجواب يتوقّف على ما نعنيه بالمقاطعة في هذا السياق. فإذا كان المقصود مقاطعةَ البضائع المنتَجة في المستوطنات المشيَّدة في فلسطين المحتلّة عام 67، أو البضائع الإسرائيليّة عامّةً، فالجواب هو النفي على الأرجح. لكنْ إذا وسّعنا دائرةَ الاستهداف، فإنّ إمكانيّة إحباط الصفقة، على المدييْن المتوسّط والبعيد، واردةٌ جدًّا.

نبدأ بأحد وجوه المقاطعة: المقاطعة الرسميّة العربيّة. المطلب الأوّل والبديهيّ هو أن تقاطع كافّةُ المكوِّنات الفلسطينيّة حضورَ مؤتمر البحرين، المُعَدّ لتصفية القضية الفلسطينيّة، بتحويلها الى مجرّد “حلٍّ” اقتصاديّ (باهت وتافه وناقص) لأهل غزّة في الأساس. المؤشِّرات الأولى تُظْهر أنّ هذه المكوِّنات، بما فيها سلطةُ التنسيق الأمنيّ الفلسطينيّة وحزبُها (حركةُ فتح)، لن تحْضر المؤتمر. هل هذا موقف فلسطينيّ كافٍ؟ كلّا بالطبع، لكنّه على الأقل ينفي أن تشاركَ أيدٍ فلسطينيةٌ في تصفية القضيّة الفلسطينيّة. لكنْ من الضروريّ هنا معاقبةُ كلّ “فرد” فلسطينيّ يشارك في المؤتمر بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، سواء من الاقتصاديين أو السياسيين الذين يسعوْن إلى دوْرٍ ما من وراء ظهر الفصائل والسلطة معًا. وللشعب الفلسطينيّ أن يخمّن وحده سُبُلَ “المعاقبة” استنادًا إلى تجربته العريقة، خصوصًا في سبعينيات القرن الماضي، مع كلّ مَن خان القضيّة الفلسطينيّة! ومن الضروريّ أيضًا أن تعمد السلطةُ الفلسطينيّة (وحزبُها) إلى قرْن القول بالفعل، ولو في الدرجة الدنيا: فتُوقف التنسيقَ الأمنيَّ مع العدوّ، وتلغي “لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيليّ،” فورًا وبلا أدنى تردّد.

أمّا المطلب الثاني في بند المقاطعة الرسميّة العربيّة فهو اتفاقُ الأنظمة التي ترفض الصفقة علنًا (سوريا، العراق، لبنان، الجزائر، السلطة الفلسطينيّة،…) على عقد مؤتمر مضادّ، وإنشاء أطر مواجهةٍ في الصعد المتاحة. والحق أنّ لدى هذه الأنظمة، إن اجتمعتْ على موقف واحد، من عناصر القوة البشريّة والقتاليّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والشعبيّة ما تستطيع أن تَلْجمَ به تهوّرَ الملاكم الأميركيّ وتدهور الخائن العربيّ. وربما بات ملائمًا اليوم “شقُّ” الصفّ الرسميّ العربيّ فعليًّا، وذلك بإنشاء “ميني جامعة عربيّة” تضمّ كلَّ الأنظمة المعادية لصفقة القرن، تفعِّل قوانينَ المقاطعة العربيّة وقراراتها المتعاقبة منذ نهاية الأربعينيّات. فإذا كانت “الوحدةُ” النظاميّة العربيّة الشاملة اليوم لا تتحقّق إلّا بمشروعٍ خيانيّ (ولا صفةَ لصفقة القرن إلّا صفة الخيانة) على حساب قضيّتنا المركزيّة الأولى، فمن الواجب الخروجُ من هذه الوحدة الشاملة المزعومة، وبناءُ وحدة نظاميّة مصغّرةٍ بديلة.

لكنْ تبقى المقاطعةُ الشعبيّةُ هي الأساس في المواجهة، لِما تشكّله من تهديدٍ أكثرَ رسوخًا وعمقًا على مصالح “إسرائيل” وداعميها. ونقصد مقاطعةَ كلّ ما يمتّ بصلةٍ إلى الكيان الصهيونيّ، وكلِّ ما يدعمه اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو فنّيًّا أو أكاديميًّا، ممّا نحن قادرون عليه بالفعل. قد لا نستطيع في هذه المرحلة، كشعوب، أن ندعو إلى مقاطعة كلّ شيء يَضرب مصالحَنا الوطنيّةَ والقوميّة، لكنْ “ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَكُ جُلُّه”.

المقاطعة الشعبيّة هي روحُ المقاطعة، وضمانُ استمراريّتها حتى على المستوى الرسميّ والقانونيّ. وينبغي عدمُ الاستخفاف بها، بل تطويرُ أطرها الموجودة من أجل تحويلها إلى قوّة عالميّة جبّارة على النمط الذي فَرض على نظام الفصل العنصريّ في جنوب أفريقيا في القرن الماضي التخلّي عن السلطة والإفراج عن نلسون مانديلا وقادةِ المؤتمر الوطنيّ الأفريقيّ.

وفي هذا الصدد علينا تشبيكُ قيادات حركات المقاطعة في الوطن العربيّ أوّلًا، ثم تشبيكُها مع نظيراتها في العالم، وبشكل دوريّ ودائم، من أجل رسم استهدافات جديدة ومنطقيّة وواقعيّة (وبعضُ ذلك قد تمّ فعلًا): فنبحث في أيّ الشركات، والمهرجانات، والمؤتمرات، وورشِ العمل، والأفلام، التي ينبغي/ويمكن/ أن نقاطعَها، ومن ثمّ نعمل بشتّى الوسائل على إفشالها أو إفشالِ انتشارها. ومن على منبر هذه المجلة العزيزة، “الهدف”، مجلةِ المناضل الفذّ غسّان كنفاني، أدعو كافّة المهتمّين من مناضلي المقاطعة العرب إلى الاتصال بحملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان من أجل عقد لقاء (وإنْ متأخّر) لحركات المقاطعة العربيّة. ونحن على استعداد لاستضافته في لبنان.

المقاومة أو المقاطعة أو المواجهة تبدأ بخطوة. والمقاطعة، في العالم وفي الوطن العربيّ، خطت خطواتٍ واسعةً على طريق عزل الكيان الصهيونيّ وضربِ العقود التجاريّة معه وفضحِ سمعته “الديمقراطيّة” الكاذبة. لكنّ المطلوب، اليوم، هو مواجهة أكبر، مدروسة، ومنسّقة، تتوجّه إلى رأس الأفعى، الإدارةِ الأميركيّة الاستعماريّة، راعيةِ الكيان الاستيطانيّ العنصريّ الصهيونيّ.

بيروت