الأخبارالأرشيف

ظُلِمَت الجامعة وظَلَمَت الجامعة موريتانيا! – عبداللطيف مهنا

 

ظُلمت جامعة الدول العربية، وظلمت الجامعة موريتانيا. ذلكم عندما حمَّل البعض قمتها السابعة والعشرين، الأقل من عادية في مرحلة ليس فيها ما يمكن وصفه بالعادي، ما لا تحتمل، أو توقَّع منها ما ليس بالمنطقي توقُّعه. وظلمت الجامعة موريتانيا عندما تحمَّلت موريتانيا راضيةً مرضية وزر استضافتها، بعد أن اعتذر المغرب عن حمله، ثم رئاسة دورتها لحين تسليم الراية التي أُحيلت لليمن، ولا يُعرف أفي عاصمته المؤقتة أم الأصل سوف تخفق، هذا إن قُدر لها انعقاداً بعد.

عندما نقول البعض، نعني بأن هذا الظلم للجامعة وقمتها لم يك قد اتاها من قبل سواد الأمة في مشارقها ومغاربها، لأن من سمع من بسطائها، ولا نقول نخبها، بالحدث لم يزد الأمر على أن ذكَّره بوجود هذه الجامعة، إذ بالنسبة لهذا السواد قد ذهبت إلى غير رجعة تلكم الأيام التي قد يلوح فيها لواهم منه سراب في بيداء انعقاد قممها يحسبه الظمئان ماءً، لاسيما وقد استقر في الوجدان الجمعي في مثل هذه المرحلة العربية المنحدرة أنه لا من دور لهذه الجامعة في راهنها يتعدى ما يكشف عن فداحة المستوى المريع لهزالة الواقع الرسمي العربي، خصوصاً وأن متوالية بيانات انعقادات قممها الختامية المعهودة والمكرورة قد حصَّنته من خطيئة توقُّع ما هو أكثر من كون آخرها نسخةً اردأ من سالفه.

من ظلمها هو كل من استهول مفارقات المشهد واستهجن بؤس المنتوج فبالغ في هجائها، وكأنما كان يتوقع من هذه الجامعة أن تكون غير مرآة عاكسة للراهن العربي الرسمي والتعبير الأمين عنه لا أكثر ولا أقل. لذا، ما الغرابة في أن بيانها الختامي قد نشرته بعض الصحف قبل صدوره، وانتهت القمة قبل أن يفرغ قراؤها من قرائته، إذ لم يستغرق انعقادها اكثر من سبع ساعات، ولم يحضرها سوى سبعة من أولياء أمور قطرياتها وما خلاهم كان من أنابه المتغيبون عنهم… حتى رئيس سلطة أوسلو الفلسطينية تحت الاحتلال لم يحضرها، رغم أن فلسطين عادة تعلق يافطةً لانعقادات كافة القمم. اناب عنه وزير خارجيته وهذا لم يجد ما يطالب الأشقاء به أكثر من عدم التطبيع مع عدوهم.

…ولكنً، أما وقد عزَّ قديمها، وهو التوافق على اللاتوافق، فقد احتسب لها البعض تجنب مؤتمريها في هذه المرة ما لا يتفقون عليه، واتفاقهم على ما لا يختلفون عليه وهو محاربة الارهاب، رغم أن لكل من المتوافقين مفهومه له، أو ارهابه الذي يحاربه أو يدعمه، وحتى هناك من احتسب لها أنها لم تصنِّف حزب الله ارهابياً، واكَّدت على وحدة سورية، أو ما يعني أنه كان يستكثره عليها ولم يك يتوقعه منها…ونزيد من عندنا، وكفَّت عن بعض مزمن خداعها للأمة فلم تتحدث عن التكامل الاقتصادي وضرورة اصلاح الجامعة!

سبعون عاماً، أو ما يقارب عمر النكبة الفلسطينية، هو عمر قمم الجامعة. اولاها كانت في انشاص عام 1946، وما خلا الحقبة الناصرية، كانت الجامعة خير ما يعبَّر عن حالة العجز الرسمي العربي ويفضح فشل القطريه العربية، وزاد الطين بلة أننا الآن في مرحلة لم يعد فيها العدو عدواً، وسادت فيها الانهزامية وفلسفة التعايش مع الانحدار والتحايل لإدارة الانحطاط، مثلاً: اما ولم تطرح على العرب في العقود الأخيرة مبادرةً لتصفية قضيتهم المركزية في فلسطين إلا وقبلوها ورفضها الصهاينة، ها هى قمة نواكشوط تحيل الأمر إلى المبادرة الفرنسية المرفوضة وتعيد علينا ذات اللازمة: المطالبة بحل “شامل وعادل ودائم يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد وقواعد القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة”…حل كامل الأوصاف، شامل وعادل ودائم، ولصراع وجود لا حدود، يستند إلى مبادرة تنازلت عن %78 من فلسطين، وحق العودة، وفوقهما التطبيع بكافة وجوهه مع عدو الأمة. ومبادئ مدريد التي انجبت وادي عربة ومهَّدت لكارثة أوسلو. وقواعد القانون الدولي والقرارات الأممية، والتي عمرها من عمر النكبة والجامعة وقممها، وكلها، باستثناء شرعنتها لقيام الكيان الاستعماري الغاصب، قد وضعها الصهاينة في سلة المهملات!!!

ربما نحن في حاجة لمن يذكِّرنا في هذه المرحلة الظلامية والمظلمة والظالمة بعروبتنا، حتى ولو كان اسماً بات على غير مسمى كالجامعة، لكنما لابد من القول أيضاً، أنه لا من جامعة ولا من يجمعون ولا قمة، بل ولا عرب، بدون مشروع عربي وحدوي مواجه لجبهة أعداء الأمة داخلاً وخارجاً. ومنذ مؤتمر مدريد التصفوي، وقبله أم الكوارث كامب ديفيد، وحتى قمة نواكشوط، يزداد الواقع العربي تردياً وتشوهاً، ولا من سبيل لوقف شائن هذا الانهيار المهين والمذل إلا باثنتين:

تحديد جبهة الأعداء، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة المشروع الغربي، أو متعهِّدته راهناً، في بلادنا، وامتداد هذا المشروع صهيونياُ. بمعنى آخر، إعادة الصراع، كما قلنا في مقال سابق، إلى مربعه الأول، ذلكم لاعتباره صراع وجود لاحدود وتناحري لا يحسم دونما انتفاء احد طرفيه، وهذا قد يبدو راهناً وبحق مجرًّد اضغاث أحلام بدون عودة قاهرة المعز لدورها، والذي لن يكون بدون خلاصها من كامب ديفيدها، وخلاص عاصمتي الأمويين والعباسيين من محنتيهما…بدون هاته الثلاثة لامن عروبة، وبلا العروبة ليس سوى فداحة الراهن ومن بعده الصهينة..

…في تقييمه للقمة قال امين عام الجامعة الجديد: “إنها ناجحة بكل المقاييس”…وهل ننتظر من ابي الغيط تقييماً بخلاف ذلك؟!

 

اترك تعليقاً