facebookالأرشيف

عملية “سراب”: انتهى الأمر وأنجزت القسَّام المهمة – رامي أبو زبيدة

 

حملت العملية الأمنية التي كشفت عنها كتائب “القسام” عبر قناة الميادين بالأمس، نقلة نوعية في العمل الاستخباري ضد الاحتلال الإسرائيلي، في ضربة لها دلالات متعددة.

العملية بُنِيَت على أساس المُكر والحيلة والخِدعة والفطنة للخديعة المُضادَّة 

حمل الفيلم الوثائقي لعملية سراب مُعطيات تكشف فشل العدو الإسرائيلي في اختراق المقاومة ومَنْع تعاظُم قوَّة وقُدرات “القسَّام”، وتحديداً القوَّة الصاروخية للمقاومة، التي من شأنها تغيير المُعادلات وتثبيت مُعادلة الرَدع.. استطاعت “القسَّام” أن تُنهي الأمر وتُنجِز المهمَّة، والنتيجة هي إعلان فشل استراتيجية المَنْع وما تُسمِّيه “إسرائيل” (المعركة بين الحروب).

من بعد صفعة “حدّ السيف” تأتي صفعة “سراب” للقيادة العسكرية الصهيونية، التي عليها الآن أن تخوض حرباً من نوعٍ آخر تحت عنوان “مَن المسؤول عن الفشل؟”. مؤكَّد أن القلق وهاجِس الفشل الذي أصبح مُلازِماً للمنظومة الاستخبارية الصهيونية، سيترك أثره البالِغ في تل أبيب التي كانت حتى وقت قريب تركِّز على نجاحات، مقابل الصمت عن إخفاقاتها، وستظهر للعَلَن الخلافات بين مختلف الجهات والمستويات، السياسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية، وكل جهة مُشارِكة ستبذل جهوداً لإلقاء المسؤولية على الأخرى.

عملية “سراب” بُنِيَت على أساس المُكر والحيلة والخِدعة والفطنة للخديعة المُضادَّة، عبر التجنيد العكسي والاستفادة منه في تمرير معلومات مغلوطة إلى العدو وإرباك معلوماته، فالصِراع الاستخباري هو صِراع الأذكياء الذين يعملون بشكلٍ دقيقٍ على إيهام العقول ودفعها إلى الخطأ في التقييم والاستنتاج، وكشف نقاط ضعف العدو وأسراره، وكذلك بكشف مُخطَّطات العدو وإفشالها ومَنْعه من مُباغَتة ومُفاجأة المقاومة، عملية “سراب” يُمكن تلخيص دلالاتها بالنقاط التالية:

• تُعدّ العمليات السرّية من صُلب العمل الاستخباري، فالحصول على المعلومات عن العدو لا يتمّ من دون العمليات التي تتمّ من خلالها كافة النشاطات والأعمال التي تُسهِّل عملية جَمْع المعلومات، فالعمل الاستخباري عمل محفوف بالمخاطر لاسيما بشقِّه الميداني.

• قُدرة استخبارات المقاومة على مُراقبة خلايا الاحتلال وجَمْع الأدلَّة المطلوبة لمواجهة المُتخابِر بالأدلَّة الدامِغة التي تشلّ عنده أية مُناوَرة، وأن هذه المُراقبة تتخلَّلها أدلَّة قوية (اتصالات، صوَر، تسجيل مُكالمات، سفر، مُتابعة، مُطارِدة، مُراقَبة، تقصّ) وحينها ستصبح مهمّة تجنيده مُمكِنَة.

• استخبارات المقاومة أصبحت ذات عِلم واطّلاع عن العدو فتستعدّ على أساسٍ مَعْرِفي، ومن هنا يبقى أهم واجب الاستخبارات هو الإنذار المُسبَق لمَنْعِ المُباغَتة وهو ما تعمل عليه على مدار الساعة.

• المقاومة أثبتت قُدرتها على تفكيك شبكات العدو والقيام بالتجنيد العكسي المُزدَوِج، واستفادت من ذلك من خلال انتزاع دوافِع وأهداف العدو من التجنيد وتحويل ذلك إلى صالحها.

• التجنيد العكسي ليس تجنيداً عادياً بل هو تقدّم بخطوةٍ على العدو والسيطرة على أدواره من خلال ضخّ معلومات زائِفة له وحرب نفسية وحرب ناعِمة والكشف عن تفكير العدو واهتماماته وماذا يُخطِّط.

• إن معرفة العدو وأسلوب تفكيره وحتى نظامه السياسي والجغرافيا وقوَّته ودراستها وتحليلها بشكلٍ دقيقٍ تجعل مواجهته والتغلّب عليه قابِلة للتحقّق بشكلٍ أفضل، لذا فإن الدوائر الاستخبارية تسعى إلى بناء مراكز تحليل وتجزئة واستنتاج وتركيب وتدوير وتقرير المعلومات المُتحصِّلة.

• التجنيد المُزدَوِج أو العكسي من أكثر أنواع التجنيد احترافاً، حيث أن معرفة عيون العدو وكشفها وتجنيدها، هي أكبر وأكثر فائدة من اعتقالها، فحينها سيأخذ العدو حَذَره ويُرسِل بديلاً غير معروف وأكثر حَذَراً، ولا شكّ فإنّ التجنيد المُزدَوِج بكل أشكاله هو عمل فني احترافي ومؤشِّر على الاحتراف الاستخباري للقسَّام.

• بناء ومُراكَمة قوَّة المقــــاومة يُحمِّل استخبارات المقـــاومة 3 مهام أساسية، الأولى مُتابعة العدو في حال الهدوء والحرب لمعرفة خططه ونواياه وبناء قوَّاته، والثانية أن تعطي تصوّرات للقيادة عمّا تحتاجه المقــــاومة من وسائل وقُدرة تتفوَّق بها على العدو لتحقيق نوعٍ من التوازُن، والمهمَّة الثالثة هي العمل على أن تشوِّش على العدو المعلومات الخاصّة ببناء القوَّة لديها لغَرَض إيهامه وإخفاء أو تضخيم الحقائق لديه.

• من أولويات عمل الاستخبارات، درء الخطر عن المقاومة وقُدراتها باعتبارها المطمع الأول للعدو، وهدفه الأول للاختراق، ومع تطوّر قُدرات المقاومة وتشعّبها وعملها بتماسٍ مع العدو، كان لا بدّ من تحصينها لِما تحتويه من أسرارٍ وأسلحةٍ، يتوجَّب معها سدّ كافة الثغرات المُحتمَلة على الدوائر الأمنية المهمَّة، هذه المُعادَلة تسعى المقاومة من خلالها تأمينِ الوسائل التي تُمَكِّنها من بلوغ الهدف وتحقيق المُفاجأة والمُبادَرة.

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

باحث متخصص بالشأن العسكري