الأرشيفثقافة وفن

عندليبُ شجرة الأنساب – كتابُ نيكولاي بِترِسكو-ريدي – في ترجمةٍ لناجي نعمان

 غلافُ الكتاب – كتبَ جو الحاج: “أستاذ ناجي،

“أخذَني “عندليبُ شجرة الأنساب” (Privighetoarea din Arborele Genealogic) الصَّادر عن مؤسَّستك للثَّقافة بالمجَّان في رحلة حياة عميقة بدأت في الطُّفولة، رحلةٍ إلى الوالدَين والمدرسة والأقاصيص الخرافيَّة، فجاءَ سفرةً إستَوقفَتني فيها محطَّاتٌ غنيَّةٌ بالذِّكريات، وأُخرى يَشوبُها الجفافُ التامُّ بحيثُ بحَثتُ فيها عن إشاراتٍ، عن أضواءَ ولَو باهِتَةً، فلَم أجِدْها وقد مَحَتْها سنواتٌ من الحروب امَّحَتْ معها ملاعبُ طفولتي.

“وإنَّ ترجمتَكَ للعندليب الَّذي خطَّه الأديب الروماني نيكولاي بترسكو–ريدي (Nicolae Petrescu-Redi) جَدارةٌ تستحقُّ عليها الثَّناء، وأيّ ثناء، وأنت مَن تزرعُ المكافآتِ والجوائزَ للمُبدعين مِن أمثال هذا المؤلِّف الذي منحتَه جائزة ماري –لويز الهوا لأدب الأطفال الأخلاقيّ. ألا منحَكَ الربُّ بركتَه وأنارَ دربكَ صحةً وفكرًا وشغفًا للبحث في كلِّ جديدٍ… وعن كلِّ جديد.

“عندليبُ الأنساب” مُتعدِّدُ الألوان شاقٌّ في محطَّاته، لكنَّ أجملَ ما فيه الحنينُ الدَّائمُ إلى الطُّفولة، تلك الَّتي متى انطلقَتْ، وإن شاخَتْ، لا تتوقَّفُ ولا تموت. وإنْ هي خبَتْ بعض الشيء في مراحل العمر عند البعض، فهي تَبقى رمزًا لافتًا في الإنسان الَّذي يحنُّ دائمًا إليها.

“عندما داهمَتْني الحرب في بلدي وأخرجَتني أهوالُها من طفولتي حاصدةً الخيبةَ والوجعَ والدَّمارَ، أخذتُ قراري بالعودة إلى” الأنا”، إلى طفولتي الَّتي فَقَدْت… عملتُ جاهدًا للعودة إليها وأن تعود لتسكنَني كليًّا كما كانت. عملتُ ما في وسعي من أجل ذلك، لكنِّي لم أعُدْ كما كنت، مع أنِّي استعدتُ بعضًا من تلك الطُّفولة بصِدقها وعفويَّتها. وعلى الرَّغم من ذلك، ما زلتُ مؤمنًا بأنَّ الطُّفولة هي أثمنُ ما في الإنسان، وبأنَّه، إنْ هو أتقنَ رعايتها أثمرَتْ ثمرًا طيِّبًا”.

 

ناجي نعمان ونيكولاي بِترِسكو-ريدي

وكان ناجي نعمان قدَّمَ للكتابِ الَّذي ترجمَه إلى العربيَّة ببعض تصرُّف وأصدرَه بالرُّومانيَّة والعربيَّة لِمناسبة العيد العاشِر لِتأسيس مؤسَّسته للثَّقافة بالمَجَّان، فكتبَ تحت عنوان “ذا الرَّجلُ الطِّفل”:

“يُجمِعُ النُّقَّادُ في رومانيا على أنَّ نيكولاي بـِتـْرِسْكو-ريدي “شاعِرٌ ذو تَوَجُّهاتٍ إِنسانَوِيَّةٍ ومُعَلِّمٌ في اختِصارِ التَّعابير”، وذا ما لمَسْتُهُ عندَما قرَأتُهُ وقَد فازَ بإِحدى جوائزي الأدبيَّة (جائزة التَّكريم عن الأَعمال الكامِلَة) في العام 2014، وما حَفَّزَني إلى تَعيينِهِ سَفيرًا فوقَ العادةِ للثَّقافة بالمجَّان في العام 2020.

“بَيْدَ أنَّ تَرجَمتي كِتابَ نيكولاي المُعَنْوَنَ “عندَليبُ شَجَرَةِ الأَنْساب” لَمْ تَدْفَعْني إلى تَقديمِ الكِتابِ فَحَسْب، بَل إلى مَنْحِ صاحِبِهِ استِثنائِيًّا إحدى جوائزي الأدبيَّةِ الهادِفَة، عَنَيْتُ “جائزةَ ماري-لْوِيز الهَوا لأَدَبِ الأَطفالِ الأَخلاقيّ”، ذلكَ أنَّ تَعَمُّقي في كِتاباتِ الرَّجُلِ كَشَفَ لي حقيقَةَ داخِلِيَّتِهِ لدَرَجَةِ أنِّي أَطلَقْتُ عليهِ لَقَبَ “شاعِرِ الطُّفولَةِ وفَيلسوفِها”.

“وحَقيقةُ الأَمرِ هَهُنا أنَّ الحِكَمَ الَّتي تَرْجَمْتُ إلى العربيَّةِ بِبَعضِ تَصَرُّفٍ لِضَروراتٍ إيضاحيَّةٍ وجَماليَّة، هي في الطِّفلِ والطُّفولَةِ حَصْرًا.

“وإنَّ مَن ستَقَعُ عَيناهُ على ذي الحِكَمِ لَن يَكتَشِفَ الطِّفلَ الَّذي في واضِعِها فحَسْب، بَلْ أنَّ الطُّفولَةَ تَغْمُرُ الشَّاعِرَ بِكُلِّيَّتِهِ كَذَلِك.

“تَرْجَمْتُ، وقَدَّمْتُ، ولا أَزيدُ مَخافَةَ أنْ تَضيعَ لَذَّةُ التَّحَرِّي والاكتِشافِ عندَ القارئِ، أَكانَ طِفلاً يَتَلَمَّسُ المَعانيَ أم مُسِنًّا يَسْتَمْتِعُ بِها”.

ومن الكتاب نقرأ:

تَبدو حِكايَةُ الطُّفولةِ

كما لَو أنَّها كُتِبَتْ في السَّماء السَّابعة.

***

تَرفَعُ الطُّفولَةُ عَلَمَها

على عَصا الجنِّيَّةِ السِّحريَّة.

***

نَقطَعُ الحَبْلَ السِّرِّيَّ

كما نَقطَعُ الشَّريطَ

عندَ إزاحةِ السِّتارِ عن عَجيبةٍ جَديدة.

***

يُحِبُّ الطِّفلُ الثَّلجَ،

فهي القَشْدَةُ المَخْفوقَةُ على كَعْكَةِ الطُّفولَة.

***

يَبدو رَقَّاصُ ساعَةِ الحائِطِ،

تحتَ شَمسِ الطُّفولَةِ،

سَمَكَةً ذَهَبيَّةً صَغيرة.

***

الطِّفلُ، كَيْ تَنضَمَّ إلى سَمائِهِ،

يُقرِضُكَ جَناحَيْه.

***

كانَ في إِمكانِ اللهِ

أنْ يَخْلُقَ حتَّى آدَمَ وحَوَّاءَ أطفالاً.

ولكنْ، عندَها،

كيفَ كانَ لَهُ أنْ يُمَيِّزَهما عن الملائِكَة؟

***

يَتْرُكُ الطِّفلُ المُدَلَّلُ عَرشَهُ

لِمُجَرَّدِ أنْ يَلْعَبَ مع الأَتباع.

***

يَكتَشِفُ الطِّفلُ،

في قَلعَتهِ الرَّملِيَّةِ،

كَهْفًا مِن الكُنوز.

***

نُفَتِّشُ عن الطُّفولَةِ في عالَمِ الموسيقى،

ونَجِدُها في موسيقى العَوالِم.

***

فيما يَكْتُبُ الطِّفلُ

الإيقوناتِ،

يَكْتَشِفُ المَلاكُ المِرآةَ.

***

خَيالُ الطِّفلِ

حِكايَةُ الصَّدى.

***

خَلَقَ اللهُ مِن كَبِدِ السَّماءِ الكَوكَبَ الأزرَقَ،

ثُمَّ جَعَلَ مِن عُيونِ الأطفالِ أَنْجُمًا تُرَصِّعُه.

***

سنواتُ الطُّفولَةِ،

حارِساتُ القِلاعِ الرَّملِيَّة.

***

تَغيبُ أشعَّةُ الشَّمسِ في عَينِ الطِّفلِ،

كما لَو كانَتْ تَغيبُ

مِن خِلالِ فُتْحَةِ الكاتِدرائيَّةِ الوَرْدِيَّةِ الشَّكل.

***

خَمسٌ وسِتُّونَ مِن جِسمِ الكِبارِ ماءٌ،

وخَمسٌ وسِتُّونَ مِن جِسمِ الطِّفلِ نَدًى.

***

إبنُ الفَقيرِ يَنامُ حافِيَ القَدَمَينِ،

وكَذا يَنامُ ابنُ الإِمبراطور.

***

نَكتَشِفُ في ضَوْءِ مِصْباحِ ديوجينَ الإِنسانَ،

وفي ضَوْءِ مِصْباحِ عَلاءِ الدِّينِ الطِّفلَ.