الأخبارالأرشيف

فخ “التهدئة”، وذريعة “التمكين”، وكونفدرالية “الصفقة”! – عبداللطيف مهنا

لتوقيت إطلاق بالون الكونفدرالية من رام الله مؤخراً، وعلى الوجه الذي تم فيه، مآرب اوسلوية تعددت ثار وسيثور حولها كثير قول في الساحة الفلسطينية. لسنا هنا بصدد التعرُّض لها والخوض في تفاصيلها، أو للزيادة عليها ولدينا ما نزيده، ولكن لننطلق من القول بأن اطلاقه لم يأتي عفو الخاطر الأوسلوي، ولا هو كما يراه بعض الواهمين، أو المروّجين، مجرَّد مناورة مأزوم يخشى تجاوزه، أو مُتذاكٍ يستدرج عروضاً تعيده إلى طاولة تنازلات “المفاوضات حياة”…ولنزد على ما نقوله، إنه إن كان لسلبيات اطلاقة المؤذية حد التشييع للقضية الفلسطينية، والتي من الممكن القول فيها ما لم يقله مالك في الخمر، فإن لها، أو لضررها النافع، مردود إيجابي وحيد على النضال الوطني الفلسطيني، هذا إذا ما قُرنت فقاعته هذه بكافة مظاهر واستهدافات كافة الأطراف المعروفة المعنية والمشاركة في بازار مسار تصفية القضية الفلسطينية وكلٍ من موقعه التصفوي، محاصراً، ومعاقباً، ووسيطاً ضاغطاً ملوحاً بعصاه، او بجيبه، وكلها تكاتفت لإيصال عن سابق عمد وتخطيط جلبة “التهدئة” إلى خفوت قارب الاختناق، وقبلها وبعدها إعادة “المصالحة” الموهومة إلى حيث ظلت دائماً حلم ذات ليلة صيف!

بدايةً نجد لزاماً علينا إعادة قول ما سبق وأن قلناه، وهو أن “صفقة القرن”، والتي هي صهيونية الأصل أميركية التبني والحركة، هي واقعاً قيد التنفيذ دونما حاجة لطرحها أو الكشف عن غموضها المتعمَّد، وإن كافة اطراف المسيرة التصفوية هم الآن يسيرون ويضبطون خطوهم على رتمها، وصولاً إلى بالون اختبارها الكونفدرالي الأخير المنطلق من رام الله، هذا القديم الجديد، والذي هو عين مشروع الداهية الراحل بيريز المطروح عام 1982، والذي فيما بعد أعد له ديفيد ماير دستوره بإيعاز من كلنتون عام 1990، والآن ها هو يحظى بترحيب ودعم خلفه روؤفين ريفلين، وخلاصته هي ذات الرؤية التي يلتقي عليها اسحاق رابين سابقاً وبنيامين نتنياهو لاحقاً، أي شيء من “كيان أقل من دولة”، مع اضمار كونه، في سياق استراتيجية صهيونية ثابتة ولم ولن تتغير، حالة مؤقَّتة إلى أن تتوفر ظروف وسبل الترانسفير.

ترتيب لقاء “المقاطعة” مع لفيف من ممثلي قوى صهيونية مختلفة، ومن خلاله تسريب ما تم تسريبه، لم تأتي به الصدفة ولا هو بغير ما هدف، كما وأن  قول رئيس السلطة لضيوفه “أنا ورئيس الشاباك نلتقي بشكل دوري، ونتفق على 99% من الأمور”، ليس من باب مصارحة استدعتها أجواء استضافتهم…وهنا يجوز لنا التساؤل وما هو يا ترى هذا الواحد في المئة المتبقي الذي يختلف هو ورئيس الشاباك عليه؟! ثم ما الذي نفهمه من قوله لهم إن كل مشاكله هي “مع نتنياهو وليس مع الليكود”؟! وإن أجهزة سلطته “تجري تنسيقاً أمنياً يومياً مع جهاز الأمن الإسرائيلي”، وإن أفرادها “يفعلون كل ما بوسعهم كي لا يصاب إسرائيلي بأذى”! ناهيك أنه، وبالتوازي مع هذا، تم تسريب خبر وجود وفد استخباراتي اوسلوي في واشنطن لإجراء مباحثات مع “السي. أي. إيه”…وصولاً إلى حصر الخلاف مع إدارة ترامب بتجاوزات غرينبلت وتدخُّلات كوشنر، والمطالبة، لقاء عودة مياه العلاقة مع إدارة ترامب إلى مجاريها، بعزل الأول وكف أذى الثاني؟!

ماذا، وماذا، سوى ما يشي بغير محاولة التطوُّع المعلن مواربةً للالتحاق بآخر عربات “صفقة القرن”، بعد تمنُّع لم يلقِ متعهّدوا هذا القطار له بالاً ولم يأخذوه على محمل الجد، والذي ما كان ليواصل رحلته إلى محطته الأخيرة بدون وجود هذه السلطة على متنه، لأنها ببساطة وحدها المحتكرة والحاملة في جيبها خاتم المنظمة، باعتبارها، وبفضل من عجز وتكلُّس وديكورية معشر الفصائل، المصادرة الأبدية لها ولخاتمها، هذا الذي لا بد منه في نهاية المطاف لمهر مضبطة التصفية المنشودة؟!

هنا، كيف لنا أن نفصل بين توقُّف الوساطات التهدوية العربية المفاجئ، ومقاطعة رام الله لميلادينوف، ولقاء “المقاطعة” وتسريباته، وبين متوالية تطبيقات “صفقة القرن” الصهيونية الأصل الأميركية التبني، بدءاً من الاعتراف بالقدس عاصمةً ابدية لمحتليها، ونقل السفارة الأميركية إليها، واصباغ الشرعنة الأميركية على التهويد الجاري في الضفة، يقابله وكصدى له واغتناماً لبركته، إقرار “قانون القومية” في الكينيست، وفصل “القدس الكبرى” عن ما تبقَّى من مزق الضفة بقرار هدم الخان الأحمر، وسائر قرارات التهويد المعلنة لاحقاً؟!

…وكيف لنا أن نفصل بين ما تقدم وما وازاه، من تشديد للحصار الاحتلالي، العربي، الأوسلوي، على غزة، ومعاقبة السلطة لها وتوعُّدها بالمزيد من العقوبات “غير المسبوقة”، واشتراطات مصالحة “التمكين فوق الأرض وتحت الأرض”، أي مع  “التنسيق الأمني”، قبل “التهدئة”، والتي هي من اختصاص المتمكنين وحدهم؟!

وأخيراً، ما كان الابتزاز والتسويف التهدوي لغزة سوى فخ نصبوه لمقاومتها، وما اشتراط التصالحية التمكينية التعجيزية إلا ذريعةً لإجهاض التهدئة بشروطها، وما حداء الكونفدرالية والمواظبة على الدور الوظيفي في خدمة الاحتلال إلا عرض تكيّف مع جاري تطبيقات صفقة القرن التصفوية…وليتباهى السفير ديفيد فريدمان جذلاً:

“لقد قام ترامب بذبح كل الأبقار الفلسطينية المقدَّسة”!!!