الأرشيفالجاليات والشتات

كتب الدكتور تيسير عبدالله:ما الذي جمع سري نسيبة بدحلان؟

سؤال يتردد في الأذهان منذ الأمس، ما الذي جمع سري نسيبة بدحلان، ما الذي جمع المفكر والمنظر السياسي، بالمقاول السياسي، ما الذي جمع البروفسور صاحب الشهادات العليا، بمن بالكاد استطاع أن ينهي شهادة البكالوريوس من الجامعة الإسلامية، أو ما الذي جمع الشامي على المغربي على قولة إخوانا المصريين؟.
المراقب للمشهد من بعيد، قد يلاحظ هذا الاختلاف الكبير بين الرجلين، لكن من يتفحص التفاصيل والخلفيات وشبكة العلاقات المتداخلة لا يجد أي فرق بين محمد نسيبة أو سري دحلان، فالمشترك بينهما كبير جدًا:
1- العلاقة بالإمارات:
علاقة عائلة نسيبة بحكام الإمارات أقدم وأقوى من علاقة دحلان بكثير، زكي نسيبة (شقيق سري)، هو من مؤسسي دولة الإمارات الذي لا يزال إلى الآن يعمل مستشارًا ثقافيًا لرئيس الإمارات، وهو الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة. وقبل توليه هذا المنصب، شغل منصب وزير دولة في حكومتها (2017-2021) حيث أسس مكتب الدبلوماسية الثقافية والعامة في وزارة الخارجية والتعاون الدولي.
وعمل زكي قبل ذلك مساعد وزير في وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات، ومستشارًا ثقافيًا في وزارة الشؤون الرئاسية، ونشط في الخدمة الحكومية في الإمارات منذ إنشائها في مطلع السبعينيات، وقبل ذلك، مع حكومة إمارة أبو ظبي.
وابنة زكي نسيبة لانا (يكون سري عمها) هي المندوبة الدائمة للإمارات في الأمم المتحدة حاليًا، وهي التي احتفلت مع اليههود باتفاقية التطبيع “الإسرائيلية” الإماراتية في نيويورك.
ووالد الشقيقين زكي وسري هو أنور نسيبة (1913 – 1986)، وهو جد لانا، الذي تصفه الوثائق الأمريكية المؤرشفة بأنه:”بعد حرب الأيام الستة أصبح من أوائل الفلسطينيين الذين شاركوا في اتصالات مع “إسرائيل” بعد أن استولت على الجزء الشرقي من المدينة وشجع فيما بعد ابنه سري نسيبة على الاتصال (بالإسرائيليين)”.
لكن ما علاقة هذا السرد بسري؟.
سري يعيش الآن في حالة استثمار لهذه العلاقة في القدس، فهو المسؤول عن (مجلس القدس للتطوير والتنمية) الممول كاملًا من الإمارات، بهدف شراء ولاء المقدسيين وذممهم في معركة صراع النفوذ في القدس مع تركيا وقطر والأردن والسعودية، ثم إن هذه المؤسسة متهمة بشراء الأراضي والعقارات من المقدسيين لصالح “إسرائيل” وبتواطؤ مع دحلان وفق التقارير “الإسرائيلية”، وكان آخرها تقرير (يوني بن مناحيم).
كما أن الإمارات لن تجد أفضل من نسيبة لاستثمار أموالها فيه، فهو يقطن القدس منطقة صراع النفوذ التي تعنيها، ثم إن علاقات المصاهرة بينهما ستكون لها الغلبة في الأخير على أي علاقة أخرى.
………………………………
2- علاقة دحلان ونسيبة “بالإسرائيليين” علاقة أمنية وسياسية مفتوحة لا حدود لها.
بنك المعلومات والوثائق والصور على جوجل لن يبخل علينا في عملية بحث بسيطة عن آلاف المواد عن العلاقات الشخصية التي يقيمها دحلان مع قادة المؤسسة الأمنية والسياسية “الإسرائيلية” ولا يزال.
إلا أن سري يختلف عن دحلان في الأسلوب، رغم أن الهدف بينهما واحد.
دحلان رجل أمني تنفيذي ينجح في عقد الصفقات الأمنية والتجارية، وقد يكون قد استغل المال الإماراتي في التأثير على فقراء غزة وشراء تعاطفهم، لكن ينقصه القدرة على التنظير، أو تبني رؤية سياسية كاملة في علاقة الحل مع “إسرائيل”، وهو ما يكمله نسيبة.
نسيبة صاحب مدرسة الدولة الواحدة، ويدعو في جميع لقاءاته وندواته إلى السخرية من الكفاح المسلح، ويعتبر مهاجمة المستوطنين عملًا غير أخلاقي، ويرفض عودة اللاجئين، ويدعو إلى توطينهم في الدول العربية، ويؤيد العلاقات غير المشروطة مع “الإسرائيليين”، وعمل نسيبة على كسر التطبيع بإقامته علاقات توأمة بين جامعة القدس التي كان يرأسها، والجامعة العبرية وأقام ندواته في الكيبوتسات “الإسرائيلية” منذ العام 67.
لاقت أفكاره السياسية، التي اعتبرها البعض صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، ترحيبًا كبيرًا من قادة “إسرائيل” خاصة شمعون بيرز الذي أثنى عليها، كما أنه واجه احتجاجات وتظاهرات من طلاب جامعة النجاح وغيرها، أدت إلى طرده، وإصدار بيانات تخوينه الوطني خاصة عام 2005.
هذه الدعوات السياسية التي يتبناها سري هي التي تفضلها “إسرائيل”، وإن كان يوجد فلسطيني جيد في نظر “إسرائيل”، فهو سري نسيبة.
سري في حاجة إلى دحلان والإمارات لدعمه بالمال لتقوية حضوره ونفوذه ودعواته في القدس وفلسطين بعد إفلاسه السياسي في المرحلة السابقة، ودحلان في حاجة إلى منظر سياسي ينير له الطريق في علاقات مفتوحة مع “إسرائيل” في وضح النهار دون تخوين أو اتهام. كما فعلت الإمارات في علاقات تطبيعها مع “إسرائيل” بإخراجها من الغرف المظلمة إلى وضح النهار.
ولذلك أرجح أن اختيار نسيبة في قائمة دحلان لم يكن اختيار دحلان وحده، ولكنها توصيات “إسرائيلية” أمريكية لاستكمال التوليفة السياسية التي تجمع بين العقل والعضلات، تجمع بين النظرية والمال، أقول هذا الرأي، بعد اطلاعي على الطريقة التي تدخلت بها أمريكيا و”إسرائيل” في انتخاباتنا الفلسطينية عام 2006، وخصصت لها غرفة مستقلة في البنتاغون لمراقبة الانتخابات ومتابعاتها لحظة بلحظة.
إذن في عالم المال والسياسة لا يوجد بروفسور ومقاول، الكل يقاول ضد وطنه إذا تم شراؤه، والجميع يتساوى في الظلام والغرف المظلمة، لكن تبقى مشكلة فنية في قائمة دحلان الانتخابية، أن سري الوحيد في القائمة الذي يعتبر نفسه رأسًا وندًا لدحلان، فهي قائمة برأسين، وإن كانت الظروف قد همشت الخلافات الدقيقة بينهما في الوقت الحالي، فإنها يمكن أن تتسع في المستقبل إذا شح المال الإماراتي ونفوذه الذي يوحد الاثنين.