الأرشيف

مترجم | صراع داخل حماس: الحرب أو الحل

   من الصحافة الصهيونية – بقلم: بن كاسبيت

توطئة أطلس

“ومن يدفع الثمن، ويبدو أنهم سيدفعونه في المستقبل أيضًا هم سكان القطاع، إنهم أسرى صراعات القوى، حروب الغرور، والأهواء الدائرة داخل الحركة التي وعدتهم في السابق بالتغيير والإصلاح، ولكنها من حينها لا تجلب لهم سوى المصائب” بهذه العبارات أنهى كاتب هذا المقال مقاله ليكشف وجهته الحقيقية ونواياه الفعلية من كتابة هكذا مقال لم يستند في سرده إلا على قول مصدر مجهول أو إن شئت “مزعوم” من السلطة الفلسطينية، ذكره بشكل مقتضب ثم مضى ينسج من بنات أفكار خياله بقية المقال.

يذكرنا هذا الكاتب بحكاية العجوز التي قابلت إبليس خارجًا من إحدى القرى منكس الرأس خائبًا لفشله في إثارة القلاقل بين أهلها، فضحكت وطلبت منه ان ينتظرها في مكانه ريثما تقوم هي بالمهمة، ولم تغب إلا قليلًا حتى تعالت الصيحات وبرقت السيوف فوق أعناق اهل القرية، وعندما رجعت إليه سألها فقالت “لم أفعل شيئًا غير انني حركت الأوتاد”، فدق الأوتاد من بعدها أصبح سياسة كل من ابتغى خلق الفوضى في مجتمع متماسك ومتضامن، ولكن بالإيمان غير الواعي، فهل ينجح بنو صهيون من خلال مثل هكذا محاولات بدق وتحريك الأوتاد بين جناحي حماس أو بينها وبين الشعب الفلسطيني في غزة، ما يحسم الأمر هو “الايمان والوعي”، والى المقال.

يزداد التوتر داخل حماس بين الجناح العسكري والجناح السياسي، علمت “المونيتور” من مصادر مسؤولة في السلطة الفلسطينية متابعون ما يجري في حركة حماس ان قادة الجناح العسكري رجال عز الدين القسام يهددون رجال الجناح السياسي بألا يواصلوا الاتصالات مع إسرائيل نحو ترتيب سياسي أساسه وقف إطلاق نار طويل الأمد (هدنة)، رئيس الجناح العسكري محمد الضيف، والذي نشر مؤخرًا انه عاد الى ممارسة عمله بشكل كامل في حماس بعد محاولة اغتيال فاشلة أثناء عملية “الجرف الصامد”؛ يجر الحركة نحو اتجاهات أخرى، نحو التقارب مع إيران وتقوي منظومة حماس العسكرية في غزة والاستعداد للمواجهة المستقبلية مع إسرائيل.

في مقابله يقف رجال الجناح السياسي الذين يفهمون جيدًا وضع حماس الصعب في غزة، يسعون كما هو معروف من خلال وسطاء أوروبيين لاتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد مع إسرائيل؛ الأمر الذي سيقود حسب تقديرهم الى تخفيف كبير من الحصار المتواصل، أعضاء الجناح السياسي في الحركة (خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية وغيرهم) يفهمون على ما يبدو جيدًا انه وبعد ان أغلقت مصر الحدود في رفح بشكل محكم تقريبًا، وبعد ان أعلنت عن حماس بأنها حركة إرهابية فإن فرصة الابقاء على حكم حماس في قطاع غزة لسنوات طويلة هي فرصة ضئيلة، من دون التقرب الى السعودية، وحل محتمل جديد؛ وذلك بعد ان أدارت حتى قطر ظهرها للحركة، ومن دون التوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد مع إسرائيل، فمواجهة مسلحة أخرى مع إسرائيل هي مسألة وقت فقط ونتائجها التراجيدية معلومة مسبقًا.

الصراع في حماس بين الجناح العسكري والجناح السياسي يجري في واحدة من اللحظات الدراماتيكية من جهة الحركة التي تقف على مفترق طرق، في الواقع عليها ان تختار بين الحل أو الحرب، بين الفهم انه يجب اتخاذ قرارات دراماتيكية في ظل الواقع المعقد الذي علقت به وبين مواصلة ذات التصرف الذي قد أوصلها الى الهاوية، أعضاء الجناح العسكري الذين أنشأوا جيشًا ضخمًا في غزة منذ الانقلاب في يونيو 2007، جيش يضم عشرات آلاف المسلحين معنيون بالحفاظ، بل وتوسيع الهيمنة العسكرية التي فرضوها في غزة، بينما يفهم أعضاء الجناح السياسي انه ومن دون حل سياسي دراماتيكي مع إسرائيل فإن حماس ستفقد سيطرتها وحكمها في غزة.

تجدر الإشارة الى ان الرسائل التي نقلت في الأشهر الأخيرة الى إسرائيل، والتي أوصلها الوسطاء العديدين ومن بينهم روبرت سيري المبعوث السابق للأمم المتحدة أو القنصل السويسري بول غرينيه، وفي المرة الأخيرة أيضًا مبعوثين سعوديين على رأسهم الأمير تركي الفيصل؛ لم يتلقوا ردًا ايجابيًا ولكنهم لم يستبعدوا نهائيًا، المسؤول الحمساوي الدكتور أحمد يوسف، المستشار السابق لهنية، صرح لوكالة “معا” الاخبارية بشأن “الدردشات” ورغبة الجناح العسكري في التوصل الى تفاهمات مرتبة مع إسرائيل.

وتقديرنا ان الصراع التنظيمي سينتهي آخر المطاف عندما يقول الجناح العسكري كلمته الأخيرة، وسيضطر الجناح السياسي الى ان يرضى بمر الحكم وينحني، تدار حماس بهذه الطريقة منذ نشأتها تقريبًا، سيما بعد ان تحول الذراع العسكري الى الذراع المهيمن الذي يفرض سياستها، والتي وفقها تقوم الأمور وتتقرر جميع مبادرات الحلول التي حاول قادة الجناح السياسي ان يقوموا بدفعها مع إسرائيل، تعثرت بمعارضة الجناح العسكري الذي أفشلها بعملية استباقية.

أعضاء الجناح العسكري، سواء كانوا أعضاء عز الدين القسام في قطاع غزة والضفة الغربية، ومؤخرًا أيضًا في مقر التنظيم في تركيا الذي أسسه صلاح العاروري، يعملون منذ مدة على الحفاظ على مصالح الجناح العسكري وقوتهم ومكانتهم في السلم الهرمي المعقد لحركة حماس، نمط تحركات أعضاء الجناح العسكري في غزة، وسيما بعد عملية “الجرف الصامد” وبعد التورط في معاداة مصر؛ يمكن ان نستخلص انه الآن يدور الحديث عمليًا عن سيطرة عسكرية تامة على مؤسسات الحركة.

أعضاء الجناح السياسي الذين يمرون الآن بسلسلة من التهديدات ومحاولات التخويف من قبل مسلحي عز الدين القسام لا سيطرة لهم إلا على أنفسهم وعلى طريقة تصرفهم وعلى فروض الطاعة والولاء الدائمة أمام أعضاء الجناح العسكري؛ هكذا هي الأمور من أيام القادة العسكريين لحماس صلاح شحادة ويحيى عياش وأحمد الجعبري، وبالطبع الرجل الأسطورة محمد الضيف.

زعم أعضاء الجناح السياسي على مدار السنين ان القرارات العسكرية للكثير من العمليات التفجيرية في إسرائيل إرسال المخربين الانتحاريين خلال الانتفاضة الثانية وإطلاق الصواريخ كل ذلك من صلاحيات وتخطيط أعضاء الجناح العسكري حصريًا، مسؤولو الحركة مثل هنية والزهار وحتى عبد العزيز الرنتيسي (الذي اغتيل من قبل إسرائيل في ابريل العام 2004) زعموا على الدوام ألا دور لهم أو علاقة في عملية اتخاذ القرارات التنفيذية وتخطيط العمليات، وأن القرارات العسكرية تتخذ من قبل أعضاء الجناح العسكري عز الدين القسام.

هذا التنصل من المسؤولية كان الهدف منه واضحًا، فقد توخوا بذلك التخلص من التهديدات الإسرائيلية بالاغتيال، ولكن سواءً كانت تلك المزاعم حقيقية أو كانت بهدف التغطية فقط، فإن الهروب من تحمل المسؤولية الذي قام به الجناح السياسي خلق نمطًا من الاستقلال لدى أعضاء الجناح العسكري، وقد تجذرت هذه الاستقلالية وتعمقت على مر السنين، من يمتلكون السلاح (رجال عز الدين القسام) أصبحوا عمليًا ساسة حماس، لقد تمرد المارد على صانعه. محمد الضيف ورجاله اليوم أكثر من أي وقت مضى يعتبرون القوة الرائدة في حماس غزة، وعندما تقف الحركة على مفترق طرق فإن لصراعات القوى هذه مغزىً كبيرًا.

أشك في قدرة الجناح السياسي على استيعاب الجناح العسكري، رغم رغبة القادة السياسيين الحمساويين الشديدة في الخروج من المتاهة المعقدة التي علقوا فيها، فهناك شك في قدرتهم على تحقيق التسلسل المقبول في الكثير من النظم التي يفرض وفقها الجناح السياسي على الجناح ومن يدفع الثمن، ويبدو أنهم سيدفعونه في المستقبل أيضًا هم سكان القطاع، إنهم أسرى صراعات القوى، حروب الغرور، والأهواء الدائرة داخل الحركة التي وعدتهم في السابق بالتغيير والإصلاح، ولكنها من حينها لا تجلب لهم سوى المصائب.

المونيتور العبري

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

اترك تعليقاً