الأرشيفعربي وعالمي

​الوجه الحقيقي لفلسطين … شعبي وليس م.ت.ف – د. عادل سماره

طرحت أمس وجهة نظري في إبتلاع السلطة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهو أمر أكد في ما اكد أن هذه المنظمة ليست مصير الشعب الفلسطيني وبأن قيمتها في التحرير لا غير، وإن فقدت أو تخلت عن ذلك، تصبح في خبر كانَ، وها هي أصبحت.
في ما يلي أحاول قراءة الوجه الحقيقي للشعب وكيف يتعاطي مع قضيته، وجه كفاحي في بداياته، وهي بدايات سليمة لأنها ميدانية وجماعية أخضعت الفصيل والفكر للوطن. ولكن، أرجو الانتباه بأن لا يتم قراءة التالي رغائبياً بحيث يتم تضخيمه.
في ثقافة شعبنا وامتنا لم نتعود على طرح الأمور بحجمها  الإيجابي أو  السلبي منها، حيث يتم تضخيم الإيجابي ونفخه لينتهي إلى هواء يخرج من مؤخرة الحدث ويتم تضخيم السلبي وكأن الأمة كتلة من الموات. لو طالعنا إعلام الكيان رغم كل أكاذيبه لكنه يذكر الخلل الذي يعاني منه، ولو أحياناً، فكما لاحظنا في حادثة الطائرة المسيَّرة أمس كان هناك نقداً لأداء جيشهم. هل يفعل هذا أحد في بلد عربي!
لو نظر المرء إلى الأحداث في السنوات الأخيرة في الأرض المحتلة، وخاصة منذ 2017، ، هل هي بداية تحول في المقاومة الفلسطينية ولكن هذه المرة ليست كشكليها السابقين:
·        المفارز المسلحة بعد هزيمة 1967
·       المقاومة من خارج الحدود
بل، مقاومة مركبة من إبداع الداخل مكونة من:
·       الانتفاضة الشعبية الكبرى 1987
·       وانتفاضة عام 2000 التي غلب عليها استخدام السلاح
حينما صدر كتابي “المثقف المنشبك والعمليات الفردية: روافع لتجاوز الأزمة” عام 2017 بعد استشهاد الرفيق باسل الأعرج ، كنت أقصد أن الوضع المتهالك للمقاومة بعد أوسلو وتخلي كثيرين عن المقاومة المسلحة بدأ المجتمع بفرز اشكالا أولية فردية عفوية جوهرها دون وعي اي موضوعيا الإثبات أن القضية لا تموت وبأن قيادات معينة ليست قدر شعب ابداً. وقد لا اكون مثالياً روحياً بأن اقول بأن هذه روح الشعب روح الأمة أو مادياً بأن اقول هي القوة الكامنة التي تتفجر أكثر كلما كان التحدي أشد.
 
من بين اشكال المقاومة التي قصدت كانت الإضرابات الماراثونية عن الطعام والتي لم تتوقف وتمكن مختلف هؤلاء الأبطال من انتزاع حريتهم رغم أن الكيان كان ينتظر حتى يتاكد بأنهم قد اصيبوا بوهن صحي سيرافقهم لما بعد التحرر. وقصدت بالمثقف المشتبك الشهيد باسل الأعرج الذي جمع بين الثقافة والمقاومة والوعي والاشتباك.
وبمعزل عن الوضع شبه المحرَّر لقطاع غزة واشتداد عزم المقاومة المسلحة هناك، أود الإشارة إلى بضعة أنماط اشكال من المقاومة في الضفة الغربية والتي بدأت في السنوات الأخيرة:
 
خلع البوابات عن الأقصى:
 
حيث عمدت حكومة الكيان بقيادة نتنياهو إلى وضع بوابات تقيد الدخول إلى المسجد الأقصى مما دفع المقدسيين إلى نقل المرابطة في الأقصى إلى خلع البوابات. وبالطبع كشف وضع البوابات إهانة الكيان لوصاية النظام الأردني على المقدسات  بأن الكيان لا يحترم أنظمة التطبيع بل يستخدمها وهذا اصبح بادٍ للعيان.
 
اشتباكات الشيخ جراح وباب العامود وسلوان:
 
بدأ عدوان المستوطنين ضد أهالي الشيخ جراح خاصة لاقتلاعهم من مساكنهم بحجة أنها ليست لهم رغم توفر كافة الوثائق القانونية لديهم ورغم كونهم مقتلعين من الجزء المحتل من وطنهم عام 1948. ورغم علاقة النظام الأردني بالأمر، إلا أنه لم يجرؤ على فعل اي شيء لدحض أكاذيب الكيان وليس فقط مستوطنيه. وها هو صامت صمت القبور بينما الشعب العربي في الأردن يفيق أكثر على خطورة ذلك النظام حتى على الأردن نفسه.
صمد سكان الشيخ جراح وتواصلت الاشتباكات بين الشباب والفتيات وبين شرطة الكيان في باب العامود حيث يحاول كل طرف فرض تواجده، وتواصل تصدي اهالي سلوان ضد اغتصاب الكيان لأحياء وبيوت فيها، هذا رغم إقرار عديد خبراء الأركيولوجيا الصهاينة انفسهم (أنظر فيديوهات الخبير في ألآثار خزعل الماجدي الذي يشرح حتى استنتاجات خبراء آثار من اليهود ينفون كل الرواية التوراتية وأي وجود آثاري لهم في فلسطين)بأن لا وجود لآثار يهودية في المنطقة بل وكل فلسطين.
قررت المقاومة من غزة الدخول على خط المواجهة ودارت حرب الصواريخ الفلسطينية ضد الكيان ورد الكيان بالغارات الجوية والمدفعية. وقد اثبتت هذه الاشتبات أن ميزان القوى قد تغير حيث لم يعد الكيان قادرا أو جاهزا لدخول غزة مدركاً مدى ما ستحل به من خسائر . والخسائر مسألة شديدة الحساسية للكيان الذي دأب على استجلاب المستوطنين بموجب شعار يقول” “الكيان هو المكان الأكثر أمنا لليهود” ليثبت العكس!
وعليه اتسع دخول كامل الفلسطينيين من النهر إلى البحر في المواجهة وخاصة فلسطينيي المحتل 1948. وكادت هذه الظاهرة أن تتبلور ويشتد عودها لكنها افتقرت للحامل القيادي الجبهوي والذي عجزت عنه م.ت.ف طوال عمرها، بل هناك فلسطينيون ذُعروا من هذا التطور فاشتغلوا على وأده.
وبعد سقوط حكومة نتنياهو واصلت حكومة نفتالي بينيت تشجيع المستوطنين للهجوم على الشيخ جراح حيث يحاول كل حاكم صهيوني أن “يبتكر” أدوات ووسائل قمع للفلسطينيين أفظع من سابقيه. وبالمقابل واصل سكان الحي والمقدسيين المواجهة ولم تتوقف.
 
قرية بيتا وجبل صبيح:
 
شكَّل صمود أهالي قرية بيتا وإرغام العدو على إخلاء بؤرة استيطانية على جبل صبيح وجعلها منطقة عسكرية نموذجا جديدا للمواجهة الجماعية الشعبية. اصر الاحتلال على إبقاء الجبل منطقة عسكرية واصر الناس على المواجهة وهي مواجهة متواصلة يشارك فيها أهل القرية وقرى أخرى جماعيا وبدون انقسامات فصائلية أو إيديولوجية.
 
طلبة بير زيت:
 
مثَّل طلبة جامعة بير زيت طوال سنوات الاحتلال  وحتى حينه راس حربة المقاومة ضد الكيان الصهيوني. كان كفاح الطلبة قبل فترة أوسلو جماعياً ضد الاحتلال كحركة طلابية وحافظوا على هذا النموذج الوطني رغم انتماء كثير منهم لهذا الفصيل أو ذاك ورغم محاولات قيادات الفصائل من الخارج تأجيج المنافسة بينهم على مقاعد مجلس الطلبة حيث كانت  القيادات ترى  ولا تزال أن ما تكسبه في مجلس الطلبة هو معيارا لشعبيتها! وطبعاً هذا مؤشر على بدايةالقحط النضالي والتخطيط للانتقال من التحرير إلى الاستدوال.
ولكن، بعد أوسلو تحولت الفصائل جميعاً باتجاه تحصيل مقاعد سواء في مجالس الطلبة أو مجالس المدن والقرى والنقابات لتعويض هبوط السقف الوطني وطبعاً تراجع المقاومة المسلحة. وللأسف تورط الطلبة في هذا المأزق واصبح صراعهم وتنافسهم على مقاعد المجلس، ومع ذلك بقي دورهم النضالي وإن خفَّ شأنه شأن مختلف مستويات النضال الوطني.
لكن ما حصل خلال شهري كانون ثانٍ وشباط من هذا العام 2022 في مواجهة تغوُّل مجلس الجامعة وبعض الإداريين ضد الطلبة اتخذ الطلبة موقفاً جماعياً في المواجهة مع الإدارة مما أعاد صورة نضال الحركة الطلابية قبيل أوسلو.
ولا ندري، إن كان الطلبة بعد ما أنجزوه سوف يتمكنوا من النضال كحركة طلابية على صعيدين:
·       صعيد النضال النقابي والأكاديمي والسياسي في الجامعة
·       والنضال الوطني الفصائلي خارج الجامعة.
أي الفصل بين المستويين من باب عدم المناكفة وليس من باب عدم التكامل.
 
ظاهرة جنين:
 
إن اتساع المقاومة المسلحة سواء في مخيم جنين أو بعض القرى المحيطة بالاشتباك المباشر مع جيش الكيان يشكل تطورا جديداً يمكننا وصفه ، وخاصة في جنين بتطوير جديد للمقاومة على غرار حرب غوار المدن. هذا شكل اولي كما يبدو، ولكنه يستدعي قراءة كراس البرازيلي كارلوس مارجيلا “حرب غوار المدن”.
لا أميل من هذا السرد للمبالغة بأن تحرير فلسطين على الأبواب، فالصراع عربي صهيوني بلا مواربة وهذا أمر يشترط تحريك هذا البعد في مواجهة خيانات التطبيع.  لكن العبرة في حقيقة أن المقاومة لا تموت. قد تموت رسميا سياسيا او عبر مثقفي الطابور السادس أو حتى المثقفين المنشبكين الذين يتراقصون حول السلطة ويغنون للشعب، ولكن الطاقة الكامنة لأي شعب لا تموت. والمفارقة أن كثيرا من الكتاب الصهاينة يدركون ذلك اليوم ويكتبون عنه!
ويبقى السؤال: هل يقتتل التوجهين الفلسطينيين مما يقود لخدمة الكيان، أن ليعمل كل طرف كما يرى بشكل من اشكال تقسيم العمل. وبالمناسبة تقسيم العمل امر حضاري.