صهيونيات

الصهاينة إن سالموا – عبداللطيف مهنا


بعيداً عما ستؤول اليه جهود كيري التصفوية والتكهنات المتعلقة بها، أوما قد تفرضه ورقة عمله إن وقِّعت من تنازلات لن تكون إلا من الجانب الفلسطيني الأسلوي، فإن من ثوابت المقابل الصهيوني المعلنة، أن كل ما جادت به الحقبة الأوسلوية الفلسطينية على الكيان الصهيوني من حصاد تنازلي لاتكفي. وهى
تنازلات كلما ازدادت انفتحت شهيته للمزيد، وليس هناك، من اسف، ما يدعوا لعدم توالي
المزيد من انفتاحاتها لافلسطينياً ولاعربياً… هذه التنازلات التي بدأت بالاعتراف
بالكيان الإستعماري الغاصب، والتنازل له عن 78% من فلسطين التاريخية، والتخلى عن
مقاومة الاحتلال تحت شعار “نبذ العنف”. بل وليس وقفها فحسب، وإنما ملاحقة المقاومين
ومطاردتهم عملاً بما تقتضيه التزامات التنسيق الأمني القائم مع المحتلين، ومن هذا،
مثلاً ، ما حدث مؤخراً في مخيم جنين. وتثبيت الكتل الإستعمارية التهويدية الكبرى
بالموافقة على مبدأ تبادل الأراضي، والتسليم المفروغ منه بالسيطرة الصهيونية على
مايدعى الاحياء اليهودية في القدس الشرقية، مع ابقاء مستقبل المدينة غامضاً، أو ما
يعادل ضمناً ترك مصيرها نهب تأويلات وتفسيرات المشيئة الصهيونية…ثم يأتي اخطرها
وهو التخلي المعلن مؤخراً عن جوهر القضية الفلسطينية، أي حق العودة، عبر مقولة أن “لاعودة
تؤثرعلى النسيج الاجتماعي” الصهيوني…طبعاً دون أن ننسى اتاحة مايزيد الآن عن
العقدين من الوقت والتغطية التفاوضية المطلوبان صهيونياً لاستكمال عملية التهويد
للقدس وسائر الضفة الغربية. ثم أثر كل هذا في توفير الذريعة المنشودة لعرب التسوية
لنفض يدهم من قضية الأمة المركزية والتنصل من الإلتزامات القومية المستوجبة تجاهها،
وفق مقولة لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين.


ماتقدم لايدع مجالاً للاستغراب الذي يبديه البعض
للارتفاع المتوالي لوتيرة ما يدعى بالتشدد الصهيوني، وصولاً إلى الإصرار
الصهيواميركي على وجوب الاعتراف الأوسلوي بما تدعى “يهودية الدولة”، التي تعني
تغليب الرواية الصهيونية الزائفة على الرواية الفلسطينية المحقة للصراع العربي
الصهيوني في فلسطين، أو حتى ما يعني مطالبة الضحية لاحقاً بالاعتذار من
جلادها…تقول آخر إستطلاعات الرأي في الكيان الغاصب أن 70% من صهاينته لايؤمنون
بأن رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال “شريكاً حقيقياً للسلام”،
وكان قبلها قد اجاب وزير الحرب الجنرال يعلون عندما سألوه عن إمكانية عقد اتفاقية
تسوية مع الفلسطينيين : “ليس في حياتي”…لندع ما يقوله هؤلاء السبعين في المائة من
الصهاينة جانباً، ولنر ماذا يقوله، ليس كل الثلاثين في المائة المتبقين منهم، وانما
القلة القليلة من هؤلاء المتبقين، أو المعروفون بدعاة ” السلام” منهم: نشرت صحيفة “هآرتس”
مؤخراً اعلاناً لهؤلاء وقَّعه عدد من الاكاديميين والكتاب والعسكريين البارزين يدعو
نتنياهو وابومازن للموافقة على اتفاق اطار يتضمن المبادىء التالية:


“إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل على اساس
حدود 67 ، بتعديلات حدودية متبادلة ومتفق عليها”، بمعنى أن دعاة “السلام” هؤلاء هم
مع مبدأ تبادل الأراضي الذي ينسف هذه الحدود، أي لامن خلاف هنا بينهم وبين نتنياهو
أويعلون أوليبرمان، والمعروف أن هؤلاء لايختلفون مع اصحاب البيان حول مقولة “حل
الدولتين”، وإن كان ثمة من خلاف فلا يتعدى قليل التفاصيل وليس جوهر مفهومه الواحد
عند الطرفين. وأن تكون ما ستسمى الدولة الفلسطينيةٍ “مجردة من السلاح”، وأن “تقام
فيها ترتيبات تضمن الأمن لإسرائيل”، وهنا أيضاً لامن خلاف بين المسالم والمتشدد
الصهيونيين، كما أن الأوسلويين من من جانبهم لايعترضون على هذا، بل هم ينسقون
أمنياً راهناً  مع المحتلين ولا من مشكلة لديهم في مواصلة ما سيضاف من الإلتزامات
الأمنية عليهم. ويشير البيان إلى القدس كعاصمة للدولتين، لكن “حسب صيغة كلنتون،
احياء اليهودية للإسرائيليين والفلسطينية للفلسطينيين”، أي هنا تأتي حكاية أبو ديس
أو بيت حنينا أو العيسوية أو شعفاط، أوفقما  تقترحه ورقة عمل كيري كقدس فلسطينية
تقع خارج القدس”! كما يمضى البيان إلى مايدعوه “تسويات خاصة يتفق عليها لنطاق جبل
البيت (الحرم القدسي الشريف)، تتضمن الحقوق المدنية الكاملة للمواطنين من الاقليات
القومية في الدولتين”، أي تقاسمه ، كما حدث للحرم الابراهيمي في الخليل، أو تشريع
بناء الهيكل المزعوم لاحقاً في كنفه أو مكانه…وأخيراً، وهنا بيت القصيد، ”
التوقيع على اتفاق يضع حداً نهائياً ومطلقاً لمطالب الطرفين الواحد من الآخر.
والدولتان تطلبان مباركة واسناد الإتفاق من دول المنطقة التي وقَّعت على مبادرة
السلام” العربية. أي التنازل الكامل عن حق العودة وعن تعويض اللاجئين، بمعنى
الإقرار الفلسطيني بتصفية القضية الفلسطينية ، وضمان التطبيع مع العرب ونيل
مباركتهم للتصفية بل وضمانها.، مقابل ماذا؟


مسخ تحت الاحتلال يسمى دولة وليس له مقوماتها…أما
وإن هذا هو السلام الذي يطرحه قليل من قلة هامشية صهيونية تدعى حركات السلام، والتي
هى ليست إلا واحدة من مستلزمات الديكورات التجميلية في المشهد الصهيوني القبيح
لاأكثر، فما هو حال السبعين في المائة من الصهاينة الأقحاح، الذين إن قالوا فعلوا،
والذين لايرون في الأوسلوييين شركاء حتى في سلامهم؟!  


…هذا الكيان الاستعماري الغاصب وجوده اصلا هو نقيض
كامل لمفهوم السلام، وهذه القضية العادلة تظل العسيرة على التصفية، وليس من قوة على
الأرض تستطيع أن تحول بين الأجيال الفلسطينية والعربية والنضال من أجل التحرير
والعودة لكامل فلسطينها التاريخية.

اترك تعليقاً