الأرشيفالجاليات والشتات

‼عائلة السعدي في عين الحلوة: مأساة انسانية تفرق شقيقتين بين الموت والاصابة

محمد دهشه

حولت الاشتباكات الاخيرة حياة عائلة الفلسطيني محمود مصطفى السعدي في “حي طيطبا” في عين الحلوة الى مأساة انسانية لم تنته فصولها بعد، اذ فرقت بين الشقيقتين “نجية وسعدى” الى الابد، وهما لم تفترقا منذ اكثر من خمسين عقدا من الزمن، عاشتا معا حلو الحياة ومرها، حلها وترحالها، وقامتا على تربية اولاد شقيقهما عبد الرحمن الذي خطفه الموت باكرا، حتى الرمق الاخير.

  في الاشتباكات الاخيرة التي دارت رحاها بين عناصر من حركة فتح” في منطقة “البركسات” وناشطين اسلاميين في منطقة “الصفصاف” في أعقاب اغتيال احد عناصر “عصبة الانصار الاسلامية” سامر حميد الملقب “نجمة” ومحمود صالح والتي أدت الى سقوط قتيلين وثمانية جرحى، الى جانب اضرار في الممتلكات، نالت العائلة نصيبها من الاصابة والموت، اذ تحاصرت الشقيقتان طوال وقت المعركة التي دامت ساعات، ولم تجدي نداءات الاستغاثة لاخراج المريضة المقعدة “سعدى”، التي تعاني من مرض عضال من حصارها وخوفها، اذ بدأت بالبكاء والصراخ، ما دفع شقيقتها “نجية” الى الخروج في محاولة لاستعطاف رحمة المتقاتلين ولكن عبثا ودون جدوى.

 بعدما ضاق بهما الحصار القسري وأرعبهما صوت الرصاص او القنابل، خرجت نجية الى الزاروب المجاور لبيتها في “حي طيطبا”، رفعت عصا وشارة بيضاء، علامة على الاستسلام، بل رغبة في انقاذ شقيقتها, لكنها ما ان أطلت منه حتى عاجلها اطلاق النار لم يميز بين مقاتل ومدني ومحاصر، أصيبت في قدمها وبقيت تنزف في المكان دقائق معدودة، قبل ان تزحف نحو الجدار المجاور للاختباء من ضراوة اطلاق النار، ساعدها في العودة الى منزلها القريب ابن شقيقها محمود الذي بقي يلازم عمته “سعدى” وقام بتقديم الاسعافات الاولية لها، ربط قدمها بشراشف، لوقف النزيف الدافق، قبل ان يباشر اتصالات بالاسعاف والمنقذين لنقلها الى اي من المستشفيات ولكن ايضا عبثا.

 بقيت “نجية” على حالها في المنزل محاصرة، تنزف دما لمدة اربع ساعات، وقد احتاجت بعد انقاذها الى أربع وحدات، فيما بقيت شقيقتها “سعدى” العاجزة عن الحراك، تراقب المشهد بصمت وهي تذرف الدموع حزنا وألما، الى ان توقف اطلاق النار، حضرت فرق الاسعاف الى المنزل، نقلت “نجية” على وجه السرعة الى مستشفى “الهمشري”، عاجل الاطباء باسعافها واجراء عملية جراحية لانقاذ قدمها من البتر، ما استدعى شراء جهاز طبي ومستلزماته بنحو 2000 دولار، اسدل مشهد “نجية” المصابة، ليفتح الاخر على “سعدى” المصدومة، التي توقفت عن تناول الاكل والشراب بسبب الحزن والصدمة، فجرى نقلها الى منزل شقيقها في صيدا حتى لا يتكرر رعبها وخوفها مجددا، وبعد ثلاثة ايام توفيت ولم تتمكن من وداع شقيقتها التي لازمتها طوال العمر والتي ما زالت في المستشفى حتى اليوم.

 عائلة السعدي، شربت كأس المرارة والحزن من الاصابة والموت، كما الكثير من ابناء بلدة طيطبا وعكبرة والصفصاف والبركسات وعرب زبيد واحياء وحارات عين الحلوة، شيعت “سعدى” بموكب متواضع وكأن احدا لم يسمع بموتها وحكايتها، فتح بيت عزاء لها في قاعة رشيد القطب في مسجد “الموصللي”، اذ لا أمن واستقرار لتقبل التعازي في قاعة البلدة في حي طيطبا، وغدا ذكرى مرور ثلاثة ايام على وفاتها.

 فيما “نجية” ما زالت ترقد في المستشفى للعلاج، وينتظرها حزن وحداد طويلين، مقابل فاتورة علاج لم يكن لها اي ذنب، جرى مراجعة وكالة “الاونروا” فابلغت انها لا تغطي حالات الاشتباكات، وجرى مراجعة اللجنة الدولية للصليب الاحمر فاوضحت انه تسدد الفاتورة ولكن في مستشفى الراعي فقط، وكأن القوانين الموضوعة عندهما لا يمكن ان تعدل او يكن فيها استثناء او تحت عنوان انساني، فيما القوى والفصائل الفلسطينية التزمت الصمت كأنها غير معنية، بانتظار جواب من السفارة الفلسطينية في بيروت.. لتبدأ مرحلة أخرى من الكلام؟؟

 في حي “طيطبا” اليوم، جرح الاشتباك نازف، ما زال مفتوحا، على معاناة لا توصف، بين الامن المفقود والمأساة العائلية، من الصعب ان يندمل قريبا، فمن يسمع او يرى يا ترى؟؟

 ‼عائلة السعدي في عين الحلوة: مأساة انسانية تفرق شقيقتين بين الموت والاصابة

 

اترك تعليقاً