عربي وعالمي

التحرش آفة اجتماعية في المجتمع- عادل عامر

التحرش آفة اجتماعية في المجتمع-الدكتور عادل عامر

 

أن التحرش لم يعد ظاهره فردية مختفية تمارس في الخفاء و لكنها أصبحت بالفعل مشكلة أمن قومي و من المعروف أن وزارة الخارجية الأمريكية توزع على رعاياها من السائحين منشورات بالأماكن ” الخطرة ” التي لا يجب التواجد فيها إلا بجامعات و كذلك قائمة بالكلمات التي تعبر عن التحرش ليحذرها السائحات ، وذلك باعتبار القاهرة على رأس قائمة الدول التي تحدث فيها التحرش في العالم  !!أن انتشار التحرش الجنسي في المجتمع المصري سببه ذلك التدهور الذي تشهده الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات الطلاق والكبت الجنسي، معتبرين أن الظاهرة لا ترتبط فقط بالمناطق الفقيرة بل وببعض الأماكن الراقية.يرتكز مفهوم الابتزاز أو التحرش الجنسي على مجموعة عوامل ولعل من أهمها: أن تكون هناك ‏مسائل معلقة بيد الشخص الذي يمارس فعل الابتزاز الجنسي، كأن يكون مشرف أو رئيس أو مسئول ‏في حقل العمل، وأن يكون للفرد المبتز جنسيا حاجة لديه في شكل معاملة أو مراجعة أو أي كانت ‏الحاجة المعلقة بيد الفاعل وبقراره.‏

 

غالبية من يمارسون الابتزاز الجنسي، المشرفون في العمل والرؤساء. وقرابة 95% من التحرش ‏والابتزاز غير مسجلة، إلى جانب أن معظم التحرش الجنسي يقع من الرجل على المرأة. علما بأن ‏غالبية الابتزاز تتعرض له المتدربات والطالبات ومن لا تزال إجراءاتهن تحت الطلب (كالمعاملات ‏والقضايا والمراجعات). والابتزاز الجنسي لا يقع من الرجل فقط بل من المرأة أيضا على الرجل، ‏ويتمثل الابتزاز الجنسي الذي تقوم به المرأة للرجل في شكل تجملها وحركتها وتمايعها وترنمها، أو ‏إظهارها للرغبة المباشرة في الجنس من الرجل.‏

 

التحرش والابتزاز الجنسي، يؤدي إلى خسارة الكثير من الشركات والمؤسسات، ويعطل عمليات ‏الإنتاج وسير العمل، ويكسب كثير من بيئات العمل سمعة غير محترمة، مما يؤدي إلى تدني استقطابها ‏للكفاءات العالية من الخبرات المهنية، ويدفع بكثير من العاملين فيها إلى هجر بيئة العمل وتدني روحهم ‏المعنوية في بيئة العمل. ومن جهة أخرى التحرش والابتزاز الجنسي يؤدي إلى تدمير للأفراد ‏والمنظمات، فالأشخاص الذين تعرضوا لمضايقات جنسية تتدمر عواطفهم ورغباتهم الجنسية في المنزل، ‏ويصابون بنوع من حالات الإكتئاب، وتتكسر روابطهم الأسرية. ‏

 

ظاهرة الابتزاز الجنسي درست بشكل مستفيض في المجتمعات الأكثر دراية بأهمية البحث العلمي، وبناء على هذه الدراسات ‏وضعت العديد من الضوابط والسياسات الاجتماعية والآليات التنفيذية لحماية الأفراد من الابتزاز ‏والتحرش الجنسي. بينما في بعض المجتمعات ومنها العربية لا تزال الظاهرة بعيدة حتى عن النقاش العلمي، وليس ‏الدراسة، رغم ما يثار حول الموضوع من قصص مختلفة. أن التحرشات الجنسية منتشرة و بشدة بين طبقات الشعب المصري المختلفة، و أن نسبة ما يتم الإبلاغ عنه من هذه الحالات لا تتجاوز 5 % فقط مما يعني وجود فتيات و سيدات كثيرات يخشين الإفصاح عما جرى لهن خوفا من ” العار ” أو الفضيحة المترتبة عليها ! .ظاهرة التحرش بشكلها الحالي الخطير انطلقت من عقالها في مصر بعد انتصار ثورة 25 يناير 2011 وما صاحب ذلك من انفلات أمني. الحالات الموثقة لا يمكن السكوت عليها أو تصنيفها تحت بند البراءة والفهلوة وخفة الدم، بل انتقلت لتصبح مرضا عضالا بحاجة إلى عمليات جراحية لاستئصال الجزء المعطوب من الجسم وإتباع العملية الجراحية بمجموعة من الأدوية لعلاج آثارها، ثم وضع برامج إعادة تأهيل للقضاء عليها نهائيا. مصر الآن تحتل المرتبة الثانية في العالم في مسألة التحرش الجنسي، ولم يتفوق عليها إلا بلاد الملالي في أفغانستان، التي فازت بالمرتبة الأولى – على الأقل دولتان إسلاميتان تحتلان المرتبة الأولى والثانية ‘ليس مهما في ماذا’. أصبحت الظاهرة الآن تستوجب إجراء دراسة موضوعية تربطها بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية وتطرح حلولا عقلانية رادعة ومؤثرة.التحرش الجنسي جريمة منتشرة في كافة أنحاء العالم، ولكنها بدأت تتزايد وتظهر بحدة في كثير من مجتمعاتنا العربية ، لذا يجب علينا التوعية بها والعمل على مواجهتها. والتحرش الجنسي هو محاوله استثارة امرأة – أو طفل – جنسيًا دون رغبة الطرف الآخر، ويشمل اللمس أو الكلام أو المحادثات التليفونية أو المجاملات غير البريئة. يحدث التحرش عادة من رجل في موقع القوة بالنسبة للأنثى أو للطفل، مثل المدرس و التلميذة، الطبيب و المريضة، أو حتى رجل دين ومتعبدة. ولكن الحالات الأكثر و الأغلب هي التي تحدث في مكان العمل. ومن أمثلة هذا السلوك: النظرة الخبيثة بينما تمر من أمام الشخص، التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، تعليق صور جنسية أو تعليقات جنسية في مكان يعرف الشخص أنها سوف ترى هذه الأشياء، لمس الجسد، النكات أو القصص الجنسية التي تحمل أكثر من معنى

 

تتسم حالات التحرش الموثقة في مصر بأربع مواصفات غريبة قد لا توجد في أي بلد في العالم: أولا التحرش يكون جماعيا وقد يصل العدد إلى مئة رجل أو أكثر، يلتفون حول فتاة ويتزاحمون للوصول إلى جسدها بطريقة همجية، وثانيا تتم العملية في وضح النهار وفي الميادين العامة أمام مرأى ومسمع من الناس، ومن تبقى من شرطة لا تتدخل ولا تستطيع تقديم الحماية حتى لو أرادت، وثالثا تشمل عمليات التحرش السافرات والمحجبات والمنقبات، وهذا يعني أن الأنثى هي الضحية كونها أنثى وقد تكون المنقبة أختا أو أما أو جدة لأحد المتحرشين، وأخيرا يقع اللوم في هذه العمليات الوحشية على المرأة نفسها، كما أفتى بذلك أحد شيوخ السلفية عادل عبد المقصود الذي وضع اللوم بنسبة 100′ على عاتق الفتاة. يبدو أن ذنب الأنثى لدى هؤلاء في كونها أنثى، وهو اعتراض على ما صنع الخالق في قوله ‘صنع الله الذي أتقن كل شيء’.ن التحرش مرتبط بارتفاع معدل البطالة في المجتمع الذي بلغ ما يقرب من 20 بالمائة، وأشاروا إلى أنه يتم إنفاق 18 مليار جنيه على المخدرات، التي تساهم في تغييب الوعي وتساعد على انتشار التحرش. ويبقى القول، إن ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء في مصر باتت تشكل خطرا لا يستهان به على نسيج المجتمع المصري الذي غاب عنه “الحياء” وتفسخت تقاليده وأعرافه أمام رغبت شريحة من الشباب هم في الأصل ضحايا الجهل والفقر الثقافي والتربوي والاقتصادي وتحطمت معها معاني الشهامة والرجولة والحفاظ على المرأة التي هي الأم والزوجة والأخت والابنة

 

في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانشغال الأب بالعمل طوال اليوم ليتمكن بالكاد من توفير احتياجات الأسرة الضرورية بل وسفره أحيانًا خارج البلاد للبحث عن الرزق، وقيام الأم داخل البيت بالدورين معًا؛ لنعدم الحوار مع الأبناء، ولجأ الشباب والفتيات لأصدقائهم لحل مشاكلهم، والحديث عن أوجاعهم؛ الأمر الذي أوقع الكثير منهم في براثن الانحراف والإدمان والانغماس في الملذات الآنية دون تقدير لعواقبها الآجلة.

 

يمر الشباب في مصر منذ فترة ليست بالقصيرة بحالة من الإحباط الشديد وعدم الأمان نتيجة لارتفاع نسبة البطالة وقلة الدخل وازدياد تكاليف المعيشة؛ مما جعل تفكير الشباب في العمل وبناء أنفسهم لتصريف الطاقة والغريزة الطبيعية بشكل مشروع حلمًا بعيد المنال، ويظهر ذلك جليًا في إقدام بعض هؤلاء الشباب على الزواج العرفي رغم مشاكله الجمة، وإنكار المجتمع له، خصوصًا في حق الفتاة، كما يظهر في انتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات بين قطاع عريض منهم للهروب من الواقع للخيال الزائف ولو للحظات؛ حتى الشباب المتفوق والذي تؤهله إمكانياته الشخصية من دخول كليات القمة فوجئ بأنها لم تعد توفر أي فرصة للحياة الكريمة، وبدأت الدولة تخفض من أعداد الطلاب الملتحقين بها مع التحذير من التكالب عليها. في الوقت الذي تعاني فيه الأغلبية العظمى من الشعب من صعوبات الحياة وازدياد معدلات الفقر، ظهرت في السنوات الأخيرة طبقة شديدة الثراء تقوم بتصرفات استفزازية لجموع الشعب، وتظهر هذه التصرفات في احتفالاتهم بالأعراس وغيرها من المناسبات، وبناء المنتجعات الراقية والقصور الفخمة في العاصمة وفي المدن السياحية، وتنتشر صور هذه الطبقة في الصحف والمجلات، وعلى مواقع الإنترنت، أضف إلى ذلك اتهام عدد غير قليل من هؤلاء الأثرياء بقضايا فساد حكمت فيها المحكمة بإدانة بعضهم. يتميز المجتمع المصري على مر العصور بعدة صفات من أهمها الشهامة، والفزع لإنقاذ المحتاج خلافًا للمجتمعات الأوروبية التي قد يقتل فيها القتيل أو تغتصب فيها المرأة وسط الشارع دون التفات أحد من المارة، وكانت هذه الصفات وغيرها مثار تباهٍ بين أبناء الشعب، إلا أن الحادث الأخير وبعض الحوادث المشابهة تلفت الانتباه لضمور هذه الصفات الكريمة وظهور صفات الأنانية وعدم المبالاة، وهي صفات تغلب على المجتمعات المادية التي تتجاهل احتياجات الروح، ولعل المشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري وذكرنا بعضًا منها سابقًا ساهمت بشكل كبير في ظهور هذه الصفات السلبية، أضف إلى ذلك الخوف الذي أصبح يسيطر على نفوس عدد كبير من الناس نتيجة للبطش الأمني المبالغ فيه في بعض الأحيان.

 

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

 

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

اترك تعليقاً