من هنا وهناك

في نقد “اليسار” الستاليني الفلسطيني! – حيدر عيد ورد من عادل سمارة

من نقد اليسار إلى نقد نقد اليسار

عادل سمارة

قال عنترة قبل 15 قرناً:

فشققت بالرمح الأصم ثيابه…ليس الكريم على القنا بمحرَّمِ

وبعده ب 13.5 قرن كتب ماركس: “إن سلاح النقد لايغني عن نقد السلاح”

وصلتني مقالة للسيد حيدر عيد في موقع معاً، وهو من غزة كما اعتقد ينقد فيها اليسار، ارفق المقالة وتعقيبي عليها:

■ ■ ■

في نقد “اليسار” الستاليني الفلسطيني! – حيدر عيد ورد عادل سمارة

برز في القترة الأخيرة ،التي تميزت ببهرجة احتفالية من قبل الفصيلين الحاكمين، بعض التصريحات التي تعبر عن عدم رضا بعض فصائل “اليسار الستاليني”، و بالذات تنظيمي الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، عن الطريقة التي تم من خلالها إعلان المصالحة و رفضهما الدخول في مشاورات تشكيل الحكومة اللتي تم الإعلان عنها، بما في ذلك ترشيح أي شخصية مستقلة للعمل ضمن هذه الحكومة، وصدر أكثر من تعليق من قيادات في التنظيمين وصفت من خلالها الاجتماعات التي تحصل بين حماس و فتح ب “اجتماعات محاصصة!” و يعتقد البعض أن هكذا مواقف، و إن كانت تبدو في الظاهر راديكالية، إلا أنها تأتي استمرارا لعملية التدهور السياسي، و حتى الأيديولوجي، الذي يعاني منه ما تبقى من “اليسار” الستاليني في فلسطين. و أميل هنا للتمييز بين اليسار الفلسطيني ما قبل أوسلو، و “اليسار” الأوسلوي المتأنجز الذي بدأت ملامحه تتشكل بعد عام 1993، عام توقيع الاتفاقيات المذكورة.

لفهم الأسباب التي تقف خلف التدهور السريع لليسار الستاليني الفلسطيني، خصوصا بعيد توقيع اتفاقيات أوسلو، نحتاج للتدقيق وفهم مواقف اليسار المعلنة في فلسطين. فالمقابلات والتصريحات التي أدلى بها العديد من القادة توضح أن الموقف الذي اتخذته كان الاصطفاف الى جانب التيار اليميني داخل حركة فتح، مع معارضة شكلية لم تتطور الى خطوات عملية تخلق تحديا ملموساً للواقع الذي خلقته الاتفاقيات. كل ذلك على الرغم من الأجندة المغرقة في يمينيتها التي تبناها ذلك التيار في فتح و الذي وضع معظم، إن لم يكن كل، أوراقه في السلة الأمريكية. و ما عدم اتخاذ اليسار موقفا عمليا ضاغطا على السلطة الوطنية بعد قرار العودة الى طاولة المفاوضات التطبيعية لمدة 9 أشهر، و مواقفها المتكررة المتنكرة لحق العودة، و موقفها الثابت من التنسيق الأمني “المقدس”، إلا بعض الأمثلة التي تشير نحو توجه يميني مسيطر على قمة سلم التيار الستاليني.

ان هذا الانقلاب اليميني في المواقف من قبل اليسار الفلسطيني ليس بالأمر المستعجب أو الغريب، فتاريخيا أنتج اليسار الستاليني أنظمة ومواقف غير ديمقراطية، هذا إن تحدثنا بصفة عامة، أو بصفة خاصة فيما يتعلق بأجندته بخصوص فلسطين. وعدم تقبله هذا للديمقراطية إنما هو وليد كونه نتاج الايدولوجيا الستالينية. وبناء على تلك الايدولوجيا فإن كل من حزب الشعب (الذي اعترف بإسرائيل لحظة إعلان “استقلالها” من خلال اعترافه بقرار التقسيم العنصري) والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ( التي تقدمت بالبرنامج المرحلي، الأب الروحي لحل الدولتين العنصري) لم يتقبلا نتائج انتخابات يناير2006، التي سُمح لثلث الشعب الفلسطيني بالتصويت لمجلس تشريعي جديد يمثل سكان الضفة الغربية و قطاع غزة فقط.

نستطيع القول أن اليسار الفلسطيني قد مر بعملية “أسلوة” على مدار العشرين سنة الماضية، ذلك أن الانتهازية و المواقف اللامبدئية التي اتخذها “اليسار” اليميني في منظمة التحرير الفلسطينية تدل على التدهور التاريخي الذي وصل إليه نتيجة لقبوله الضمني باتفاقيات أوسلو على الرغم من ادعائه معارضة هذه الاتفاقيات ، بالضبط مثل التيار الديني السائد الممثل في حركة حماس التي انتهت بقبول شروط الرباعية ،المبنية على أسس تلك الاتفاقية، من خلال الموافقة على حكومة “التوافق الوطني”. وفي الحقيقة فان أحد هذه الأحزاب اليسارية ، حزب الشعب، لم يعارض الاتفاقيات المذكورة بل شرعنها عندما قبل بمناصب وزارية تقريباً في كل حكومة تشكلت منذ تأسيس السلطة الفلسطينية. وبقراء سريعة لتحليلات وبيانات الفصائل اليسارية والقائمين عليها ، فانه يمكننا القول انه وعلى الرغم من الرصيد الثوري التاريخي الغنى لليسار فانه قد تم اختطافة من قبل مجموعات يمينية تتقاطع مصالحها مع المصالح الطبقية للنخبة السياسية الاوسلوية و تنصاع لشروط ممولي المنظمات الأهلية التي بدأت بملئ الفراغ الذي تركه اليسار.

وبدلا من مراجعة حساباتها وأسباب هزيمتها من خلال عملية نقد ذاتي ضروري، راحت القوى اليسارية تحاول السيطرة على بعض الامتيازات هنا والأخرى هناك، وتجاهلت الحقيقة المكشوفة للجنرال الأمريكي دايتون وخطته المعلنة لاستخدام بعض قوى الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لضرب حكومة حماس التي فازت بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وتقويض ما أعتبر في وقتها “الخيار الديمقراطي” للجماهير. إلا أن اليسار الذي تم تفريغه من مضمونه وبرنامجه الثوري كنتاج لارتباطه بالسلطة نفسها، عاد للمرجعية الستالينية لرفض نتائج الانتخابات التي كشفت وزنه الحقيقي في أراضي ال67. وبالرغم من صعوبة فهم كيف يمكن لأمة أن تخوض عملية ديمقراطية في ظل احتلال شرس وأبارتهيد عنصري و استعمار استيطاني، فقد اعتقدنا، وإن بسذاجة ، أن اليسار الفلسطيني والقوى الليبرالية يمكنها أن تنتهز فرصة ما تم الترويج على أنه بداية عملية ديمقراطية جرت عام 2006 كي تخوض بدورها عملية دمقرطة حقيقية لأحزابها ومؤسساتها و المجتمع الفلسطيني بشكل عام. وبالطبع لم يحدث شيء من ذلك، وتهاوت الشعارات الذي رفعتها هذه الأحزاب طويلا –“من الجماهير واليها ” “وتمثيل القوى الكادحة”– وأفرغت من مضمونها لتصبح مجرد كلمات جوفاء بغير مضمون ثوري حقيقي!

و بدلا من أن يوجه اليسار طاقاته لمحاربة نتائج اتفاقيات أوسلو، وخصوصا بعد انتخابات 2006، وبدلا من احترام نتائج هذه الانتخابات، و قراءتها على أنها رفض كاسح لهذه الاتفاقيات و التنسيق الأمني و حل الدولة/البانتوستان، وبدلا من أن يتعلم من أخطائه وفشله في إيجاد البديل الضروري لقوى اليمين الفائزة، قام بتبني نفس الوسائل غير الديمقراطية التي انتهجها اليمين العلماني الحاكم في مواجهة خصومه السياسيين وفشل في هذا الاختبار التاريخي.

فانعدام البرنامج الثوري هو وحده السبب الذي يمكن أن يفسر تأييد تلك القوى للتيار اليميني المهيمن على منظمة التحرير. ومن خلال التبريرات السفسطائية، و أحيانا العدمية، وانعدام التوجه النقدي الخلاق في تحليل الأحداث في قطاع غزة، أصبح موقف اليسار واضحا: الوضع في غزة هو نتاج سياسات حماس التي تم انتخابها ديمقراطيا من قبل الغالبية من سكان الضفة و غزة، بدون الإشارة للدور الذي لعبه الجنرال الأمريكي دايتون، وبذلك غابت المادية التاريخية و غاب الخطاب المعادي للامبريالية. الخطب الرنانة فارغة المضمون تحولت إلى سلاح لا تستخدمه فقط “الأنظمة العربية الرجعية” بل تم تبني سياستها من قِبَل “اليسار!”

و هذا بالضبط أحد أهم ملامح عملية ” اسلوة اليسار”، أي خليط من الفساد والاتجار بالمبادئ الثورية والشعارات. فالهدف النهائي لهذا الشلال من الدماء الذي يقدمه الشعب الفليسطيني هو إقامة دويلة فلسطينية بأي بعد كان، كنموذج حل الدولتين العنصري الذي يفشل في تفسير كيف يمكن ضمان عودة أكثرمن 6 ملايين لاجئ فلسطيني إلى ديارهم التي هجروا منها داخل إسرائيل الآن، مع قيام دولة فلسطينية في نفس الوقت على أقل من 22% من أرض فلسطين التاريخية! أما حل الدولة الديمقراطية الواحدة، كما حصل في جنوب إفريقيا، فهو بالنسبة لليسار الفلسطيني مجرد خيار “طوباوي” بعيد المنال، كما صرح العديد من القادة، و في نفس الوقت ادعاء الريادة في طرح حل الدولة الديمقراطية العلمانية كحل استراتيجي، مع عدم القدرة على رؤية التناقض الجذري الداخلي في هكذا طرح، اي البانتوستان كمقدمة لدولة ديمقراطية!

كما فشل اليسار الذي عاني سنوات من الأقصاء منذ سيطرة حركة فتح على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في تفسير كيفية إعادة هيكلة المنظمة لتضمن حركات ذات قواعد شعبية كبيرة مثل حماس والجهاد الإسلامي، في الوقت الذي تنهب فيه منظمة التحرير بواسطة نفس الأشخاص الذين تحكموا فيها منذ أكثر من 40 عاما، والذين هم بالمناسبة أعوان وحلفاء اليسار. ولم يتقدم نفس “اليسار” حتى بخطط أو أطروحات لإعادة اللحمة ما بين غزة والضفة الغربية باستثناء “عودة الأمور لوضعها قبيل حزيران 2007”. كمل أنه لا يبدي أي شكل عملي من أشكال المعارضة للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال في الضفة الغربية كما أسلفنا سابقا.

يرى الخطاب السياسي السائد في فلسطين اتفاق أوسلو ومؤسسة السلطة الفلسطينية النابعة عنه على أنهما المسار السياسي الوحيد المؤدي إلى دولة فلسطينية؛ هذا التحليل فقد الإيمان بقدرة الشعب الفلسطيني على استعادة أرضه، ويعتمد بدلاً من ذلك على كرم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والأنظمة العربية الرجعية للوصول هلذه الدولة السراب. فإذا لم يكن اليسار الفلسطيني قادرا على تطوير وهيكلة برنامج ثوري بديل، والتخلص من خرافات حل الدولتين، فعليه أن يتعايش مع ثنائية حماس-فتح لوقت قد يطول.

نحن نعي الاختلافات والفرو قات بين قوى اليسار نفسها ولكننا معنيين بقوة بمواقف الجناح الذي يفترض انه الأكثر راديكالية ونعني به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . ففي اغلب بياناتها ومقابلات قياداتها عبرت الجبهة عن موقف غير ديمقراطي من خلال مغازلتها للحكومة غير المنتخبة في رام الله وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الهرمة .ومن خلال زعمها أنها تتخذ موقفا وسطيا ، فان الجبهة الشعبية لم تعبر عن قصر نظر سياسي فحسب بل أنها عبرت بوضوح عن موقف انتهازي .

لم يتحدث أي زعيم من الجبهة الشعبية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن الجنرالات الأمريكيين ودورهم في الصراع الدموي الذي حصل في غزة. وفي الحقيقة فقد عبر عبد الرحيم ملوح الأمين العام المساعد السابق للجبهه الشعبية لتحرير فلسطين بكل وضوح وفي كافة بياناته ولقاءاته عبر تلفزيون فلسطين ،الأداة الدعائية الأهم لليمين الفلسطيني ،عن لومه لحماس وتحميلها المسئولية الرئيسية عما جرى في غزة .و اتخذ قادة الجبهة في غزة ذات الموقف إذ يبدو أن أيا منهم لم يطلع على مخططات الجنرالات الأمريكيين في التحضير لأحداث 2007 الدموية. كما أن نفس اليسار لم يبد أي معارضة عملية، سوى بعض البيانات الانشائية، للمارسات القمعية ذات الأجندة الاجتماعية الرجعية لحكومة حركة حماس في قطاع غزة.

لم يرتق اليسار الفلسطيني في هذه المرحلة الحاسمة إلى مستوى مهمته التاريخية : تلك المهمة التي يجب أن تتخذ من المقاومة والديمقراطية و حقوق الإنسان مصابيح لانارة الطريق على درب الحرية. لقد فشل اليسار ولم يتبق منه إلا فن الخطب البلاغية التي لا تعبر عن التراث الغني لقادته ومناضليه التاريخيين الذين أحدثوا تغييرات راديكالية على مفاهيم النضال ككل ليس على المستوى المحلي بل والدولي أيضا ، فقد ذهب من كان عن حق حكيماً للثورة، و بذهابه الذي يحمل رمزية هائلة، يبدو أن اليسار فقد بوصلته الموجهة .انه وبعبارة أخرى عاجز عن التكيف مع الوقائع الجديدة . إن العبء الثقيل لميراث الستالينية ما زال يكتم أنفاس اليسار العربي، بشكل عام، واليسار الفلسطيني بشكل خاص؛ وهذا واحد من الفروق الأساسية بين اليسار العربي/الفلسطيني واليسار في أميركا اللاتينية.

يحتاج اليسار ،وبشكل ملحّ جداً، أن يقدم تحليله للواقع الحالي في فلسطين وكذلك برنامجه البديل. ولا شك أن مشاركة اليسار في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2006 قد أضفت الشرعية عليها، ونتيجة لذلك أعطت الشرعية لاتفاقيات أوسلو، من حيث أن الانتخابات تأخذ مرجعيتها القانونية من تلك الاتفاقيات. و في هذا السياق كنت قد ناقشت أن مبدأ “الانسحاب من المشاركة”Disparticipation يحتاج استعادة قوته الأيديولوجية التي يتم الزعم أنها فُقدت. فالانسحاب من المشاركة يعني الطعن في شرعية النظام السائد حاليًا، كما تعني طرح بدائل/إمكانيات أخرى. فالمشاركة بالترشيح تعني إضفاء الشرعية لأسباب براغماتية. إن الزعم أن انتخابات المجلس التشريعي تعبير عن التعددية هو تزوير أيديولوجي فج، فالتعددية لا تستثني أفكارًا مهما كانت، وبالتالي لا تستثني ثلتي الشعب!

لا داعي لتكرار أن فلسطينيي الشتات لم يشاركوا بالمرة في هذه الانتخابات ) ومع ذلك، فإنه لادّعاء خاطئ القول أن أية وجهات نظر راديكالية معارضة يجب أن تُطرح من “داخل” النظام بوصفه النظام الشرعي الوحيد، وهو ادّعاء أولئك الذين دعوا وشاركوا في الانتخابات تحت الاحتلال.) ولو تمّ رفض النظام بقاعدته السياسية وحتى الأيديولوجية، من خلال كشف ومعارضة طابعه الاستغلالي والتحريفي والهيمنيّ، لأدّى الأمر إلى الإقصاء والاتهام بـ “اللاشرعية”. حتى ولم يكن المرء “مقتنعاً” باتفاقات أوسلو، فالمتوقع منه أن يقبلها! و بالتالي يصبح “الحرد” اليساري على عدم الاستشارة فيما يتعلق بالمصالحة و المحاصصة بلا معنى، ففي الأساس يكمن الخطأ في شرعنة النظام برمته و التعامل معه على أنه يمثل دولة مستقلة ذات سيادة! و كانت منظمة التحرير قد طالبت بأن تقبل كل الفصائل بالسلطة الفلسطينية وأن تشارك في الانتخابات، مجبرة بعض المنظمات اليسارية على القول بأن انتخابات المجلس التشريعي كانت تعبيراً عن التعددية. وقد أدى هذا إلى وضع أصبحت الشرعية السياسية فيه تمنح فقط لأولئك الذين يوافقون على العمل من داخل النظام الأوسلوي.

يتوجب على التنظيمات اليسارية، أن تحلل، جدليًا، هذه اللحظة المحدَّدة من تاريخ نضال التحرر الوطني الفلسطيني. فما هي مساهمتهم، على سبيل المثال، في الجدل المتزايد حول حل الدولة الديمقراطية المدنية الواحدة؟ إذا كان معظم منظريهم قد توصّلوا مؤخراً إلى استنتاج – ظهر منذ زمن طويل – أن حل الدولتين قد انتهى منذ فترة طويلة، بفضل السياسة الإسرائيلية الاستيطانية في الضفة الغربية و جدار الفصل العنصري و ضم القدس الشرقية، فما هو بديلهم؟ و أين الخطاب البديل الذي يتحدى حل الدولتين العنصري؟! يستطيع المرء أن يفهم عجز التيار الديني السائد عن طرح بديل ثوري لعجزه الفكري و بنيته الأيديولوجية الاقصائية. و لكن على من يدعي “اليسارية” أن يكون قادراً على طرح هكذا بديل بعيدا عن مكاتب السلطة و الأنجزة. ألم يكن هذا هو محور كتابات غسان كنفاني الفكرية، و التراث الذي تركه أيقونة النضال الثوري تشى أرنستو جيفارا؟

علاوة على ذلك، فإنه على المنظمات اليسارية أن تبدي اهتماماً أكبر في دعم حملة مقاطعة إسرائيل (BDS) التي أطلقها ما يزيد عن 170 منظمة في عام ،2005هذه الحملة تم دعمها من قبل منظمات مجتمع مدني من كل أنحاء العالم ، بالذات اليسارية منها، لأنها تمثل بديلاً تقدميًا متحدّيًا للوضع الحالي.

إننا ننشد الآن يسارا جديدا متحررا من ميراث أوسلو ، يسارا قادرا على تقديم البديل الديمقراطي لحل الدولتين العنصري . وفقط مع قوى المقاومة الشعبية الأخرى، و بالتعاون الاستراتيجي مع حملات التضامن والمقاطعة الدولية و القوى العالمية المهمشة اجتماعيا يستطيع هذا اليسار الجديد أن يشكل جبهة متحدة في مواجهة قوى الامبريالية والصهيونية.

■ ■ ■

تعقيب عادل سمارة

ملاحظات سريعة

كما اذكر كنت قد قرأت لهذا الكاتب مقالة اخرى قبل ربما شهرين. لا اذكر تفاصيلها حينها لكنني لم أجد فيها روحا ثورية على الأقل طالما هو ناقد لليسار الذي يُفترض ان يكون ثورياً. .ولكن النقد حق لكل امرىء، مع وجوب أن يقوم الناقد بتقديم نفسه وتاريخه ومدى استقلاليته عن السلطان و السلاطين ومصادر التمويل. ولأنني لا أعرفه لا أتهمه ولكن من حقي التساؤل.

ملاحظاتي على هذه المقالة:

أولاً: لست أدري إن كان يعلم ان استخدام مصطلح ستاليني هو من صياغة الإمبريالية الأمريكية والتروتسكيين، وهو يلخص تجربة الاتحاد السوفييتي في شخص ستالين وهذا تقزيم هائل مقصود وخطير . إن تجرية السوفييت او التحريفية السوفييتية اوسع بكثير من حصرها في ستالين رغم عظمة شخصيته ودوره ورغم أخطائه الهائلة وخاصة تجاه قضية شعبنا الفلسطيني. ولا ننسى أن الإمبريالية والصهيونية والتروتسكية تعقد تشابها بين ستالين وهتلر!. وبهدف طعن الاشتراكية ليس إلا. هذا ناهيك عن وقاحة الإمبريالية في اختصار شعوب في رجال. فقد اعتادت الإمبريالية على الزعم بأن معركتها في مصر كانت مع ناصر وفي العراق مع صدام وفي ليبيا مع القذافي وفي سوريا مع الأسد. وهذا استخفاف بالعقول.

ثانياً: موقف الكاتب من انتخابات أوسلو-ستان متأرجح. لم يقدم موقفا محددا قاطعاً بأن اية انتخابات تحت الاحتلال هي غير شرعية. مع أنها تأكيد للاعتراف بالكيان الصهيوني الإشكنازي. وآمل ان لا يكون هذا التأرجح أو الغمغة مقصوداً.

مثلا ورد في مقالته : (و بدلا من أن يوجه اليسار طاقاته لمحاربة نتائج اتفاقيات أوسلو، وخصوصا بعد انتخابات 2006، وبدلا من احترام نتائج هذه الانتخابات، و قراءتها على أنها رفض كاسح لهذه الاتفاقيات و التنسيق الأمني و حل الدولة/البانتوستان، وبدلا من أن يتعلم من أخطائه وفشله في إيجاد البديل الضروري لقوى اليمين الفائزة، قام بتبني نفس الوسائل غير الديمقراطية التي انتهجها اليمين العلماني الحاكم في مواجهة خصومه السياسيين وفشل في هذا الاختبار التاريخي. ). هل انتخابات في ظل أوسلو رفض كاسح للاتفاقيات (اتفاقيات اوسلو؟) والتنسيق الأمني؟؟؟ هل كانت الانتخابات ممكنة دون تنسيق امني حتى في القدس!!!!!

و: (من خلال مغازلتها للحكومة غير المنتخبة في رام الله وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الهرمة )

ثالثاً: لم يقم الكاتب بتعريف المقاومة التي تحدث عنها في نهاية الورقة. وتحديداً، المقاومة المسلحة هل هو معها؟ أم كان يقصد إبقاء كلمة مقاومة مفتوحة قصداً لغمغمة ما. القطعي في هذا الوضع هو أن نختار ما كتبته منذ عشر سنوات: الحياة مقاومة لا مفاوضات والمقاومة أعلاها شأنا وكعبا هو الكفاح المسلح.

مثلا قال: (لم يرتق اليسار الفلسطيني في هذه المرحلة الحاسمة إلى مستوى مهمته التاريخية : تلك المهمة التي يجب أن تتخذ من المقاومة والديمقراطية و حقوق الإنسان مصابيح لانارة الطريق على درب الحرية ).

هنا لم يُفهمنا اية مقاومة يقصد؟ ربما مقاومة الأنجزة التي ابتدعها مصطفى برغوثي ومنها قرى باب الشمس وغيرها. إنفاق أموال آتية من المال المسموم. ثم اية ديمقراطية يقصد الكاتب؟ ففي بلد محتل جميعه يكون التحرير هو الشعار، وتكون الديمقراطية في علاقات العمل السري المقاوم وليس في انتخابات أوسلو-ستان. الديمقراطية هنا هي امتداد لأطروحات الثورة المضادة التي امتطت وسرقة الحراك العربي واسمته الربيع العربي. فالديمقراطية التي صرخت لها ملايين المصريين في الميادين هي التي وقفت فيها هيلاري خطيبة والقرضاوي إماماً. أما حقوق الإنسان فعصفور جميل، نتمنى أن يتوقف الغرب الراسمالي عن مداعبته بينما يرسل أف 16 إلى الكيان.

رابعاً: ليس امراً عظيماً أن يرتفع شأن اليسار إذا أيد (بي دي اس). ولا اعتقد ان اليسار ضد هذا، ولكن هذا أحد اشكال كشف سياسات الكيان ومقاطعته. ولا ننسى ان فريق أل (بي دي اس) قلما تحدثوا عن المقاطعة الاقتصادية وعن مناهضة التطبيع بل إن كثيرين/ات منهم غارقون في التطبيع. هم يدعو ن المتضامنين للمقاطعة ولا يقاطعون جامعة القدس التي هي قاعدة علنية للتطبيع. ربما هنا حديث ليلى خالد هو الإجابة الأفضل بأن (بي دي اس) جيدة لكنها لا تحرر وطناً.

خامساً: يختم الكاتب بما يلي: (إننا ننشد الآن يسارا جديدا متحررا من ميراث أوسلو ، يسارا قادرا على تقديم البديل الديمقراطي لحل الدولتين العنصري . وفقط مع قوى المقاومة الشعبية الأخرى، و بالتعاون الاستراتيجي مع حملات التضامن والمقاطعة الدولية و القوى العالمية المهمشة اجتماعيا يستطيع هذا اليسار الجديد أن يشكل جبهة متحدة في مواجهة قوى الامبريالية والصهيونية.)

هذه الفقرة خطاب طريف. لا يمكن التقاط شيء محدد منه. فما هو البديل الديمقراطي النقيض لحل الدولتين؟ اية دولة واحدة “ديمقراطية” يمكن ان تقام مع الكيان الذي يصر على دولة يهودية؟ ثم ما هي الديمقراطية؟ هذه الكذبة الواسعة اتساع فرج مومس مزدوجة التركيب الجنسي –ذكر وانثى). الديمقراطية ليست تحرير ولا عودة ولا هي نظرية في التنمية ولا الاقتصاد ولا هي مقاومة. هي فقط علاقة بين السلطة والمواطن وبين رب أسرة واسرته. وحين تكون السلطة بيد العدو الاستيطاني فماذا يتبقى من الديمقراطية هذه؟ بل ماذا تعمي سوى الحلم بديمقراطية العدو؟
طريف الحديث عن القوى المهمشة عالمياً، ربما يقصد الكاتب حثالات ماركوزة التي هي في الحالة العربية اليوم مخاليط من داعش والوهابية والنصرة والتروتسكيين والمثليين الفرنسيين الذي شاركوا في سوريا ضد الدولة.

مرة أخرى لم يشرح الكاتب ما هي المقاومة الشعبية التي يكررها.

وأخيراً، لا يتسع المجال للحديث عن الدولة الواحدة لكنني الخصها للقراء بما يلي:

1- لا دولة في فلسطين بمعزل عن العمق العربي اي كجزء منه. ولنتذكر أن الدولة القطرية اقيمت عاما قبل وعد بلفور اي ان الحبل السري قائم بين القطريات العربية والكيان. الدولة القطرية تفقد الأرض وتحريرها هو بالدولة العروبية الاشتراكية ويكون اليهود إثنية ثقافية كغيرهم من المواطنين.

2- الدولة الواحدة هي اليوم مجرد رؤية. والتركيز جدا عليها اليوم ليس سوى هروبا من المقاومة الحقيقية والتحرير.

3- في حال توفر مناخ هذه الدولة يكون ذلك بالتحرير، والعودة للبيوت والممتلكات وتقويض للمؤسسة العسكرية الصهيونية، وتأميم للقمم الاقتصادية والأرض.

اترك تعليقاً