الأرشيفالجاليات والشتات

لبنان، وباسيل وتركة “الأم الحنون” – عبد اللطيف مهنا

واقع لبنان قد يخيَّل أليك أن كل العرب، أو كل الخلق، يحبون لبنان الجميل ما عدا اللبنانيين أنفسهم! ذلك لأنك ترى محبة اللبنانيين للبنانهم هي في أحسن حالاتها على طريقة ومن العشق ما قتل. هذا ليس قرار عامتهم أساساً، بل هو ما شاءته له ولهم ذات يومٍ قبيل مغادرتها له “أم” بعضهم لا كلهم “الحنون”.. أمُّ هؤلاء الذين هي ما بترته أصلاً من كله الشامي، أو اخترعته ذات حينٍ استعماريٍ على هذه الشاكلة، إلا من أجل العبث بهذا الكل زد عليه سواد عيونهم..
قالت له كن طائفياً فكان، ومن يومها استحال المخلوق، الصناعة الفرنسية، الأشبه ب”نايت كلوب “سياسي، كل طائفة من طوائفه الستة عشر همَّها وجوباً، بل شاءت أم أبت، وفق أحكام تابو “الصيغة” العبقرية، واستحقاقات “الميثاقية”، ومتطلبات “العيش المشترك”، هو مزاحمةً ما عداها لحجز طاولتها فيه ومطّها لتكبيرها ما استطاعت على حساب حيّز الأخرى..
وحيث ما بين حربٍ أهليةٍ وأخرى، يزداد سدنة الطوائف شراهةً وجشعاً ونهباً ولا يشبعوا، يتضوَّر عامة اللبنانيين جوعاً فيشبعونهم طائفيةً، وهكذا، وإلى مدى ليس من بعده سوى الانهيار، وهو من أسف خاتمة باتت تلوح.. اقتربت الانتخابات، نشط المضاربون، زادوا من جرعات طائفيتهم التليدة حد العنصرية، فأخرجوا فزّاَعة “التوطين”.
بعد ثلاثة وسبعين عاماً، قرر وزير العمل السماح للشقيق الفلسطيني اللاجىء بالعمل في خمسٍ وسبعين مهنة كان ممنوع عليه مزاولتها في لبنان.. فساد الهرج والمرج، وكشَّرت الانعزالية والعنصرية والصهينة عن أنيابها، وصاح من صاح والبناناه.. تراجع الوزير موضحاً ما معناه، إنما ما هو إلا مجرَّد قرار وزاري، كما وإن صدوره لم يكن لأول مرة، ولا تنسوا أنه موجَّه لقطاع الأعمال الحرة، وتحت طائلة قبول، بالأحرى رفض، النقابات، كما ويحتاج تنفيذه إلى أذونات، وهذه إلى قوانين دون تشريعها خرط القتاد.. فاهدأوا، وكيف لهم الهدوء والحكاية الآن قد باتت سلعةً في بازار الانتخابات.
في لبنان، أو سواه في أربع جهات الأرض، لم يعثروا على فلسطيني واحد أراد توطيناً، أو يقبل عن فلسطينه بديلا، أو يقايضها ولو بجنة الخلد.. الأخيرة يعرف طريقه إليها أكثر من غيره، الاستشهاد من أجل تحرير الأولى والعودة إليها..
على أي حال، لم يتبقَّ في لبنان، الذي يمنع فيه الفلسطيني من أن يورث أسرته بيته، حتى ولو كانت ربًّته لبنانية، سوى مئةً وخمسين ألفاً، ربما أغلبهم ينتظرون الفرصة للقفز في أحضان البحر المتوسط طلباً للنجاة من كرم شقيقهم، وهو إذ ينافس شقيقه اللبناني فلا ينافسه إلا في طلبهما معاً لهذه المنجاة.. بالمجمل لا أحد لا يعرف أن تضييقهم على الفلسطينيين كان وما يزال هادف لدفعهم إلى لجوء ثان.
سلالات الفايروس الفرنسي المزمنة ونسخها المتطورة تسرح وتمرح، لا تهرم، تزداد شباباً، في حواضن الطائفيه، وما ثمة من فارق بين بين انعزالية وعنصرية جبران باسيل وسمير جعجع وسلالة آل الجميّل.. أضف إليهم كل من صمت من سدنة الطوائف الأخرى.. لكنما إن جد الجد وأمر أعداء الفلسطينيين واللبنانيين والعرب بالتوطين فلن يجرؤ هؤلاء على رفضه!
قبل أكثر من عقد وصف الوزير نقولا فتوش الفلسطينيين ب”النفايات البشرية”، أما عن توصيفاتهم للسوريين فحدّث ولا حرج، لم نعد إزاء عاهة طائفية تطورت إلى عنصرية مقيتة، بل تردَّت إلى شيءٍ من نازية، عندما تحدث جبران باسيل عن تفوُّق “الجينات اللبنانية”، وما بين فتوش وباسيل، حدث أن لحق البطرك الراعي باللحديين في الكيان الصهيوني لكي لا يحرمهم من تبريكاته.
.. أجل نحب لبنان ونخشى عليه أكثر منهم، ليس لأنه جميل فحسب، بل ولأنه بلد المقاومة.