الأرشيفعربي وعالمي

أولوية القضية الفلسطينية والسيادة الوطنية والحياة المطلبية… – علي حتر

الأردن وسورية نموذجان

المقدمة

المركزية: شعار هلامي.. برّاق لكنه بلا مضمون عملي ولا مقياس للتطبيق والمحاسبة، يحوي قابلية التجاهل، وقابلية التنازل، وقابلية المناورة، وقابلية الانسحاب العملي من المسؤوليات.. وكلها مبرهنة عمليا.. وأول برهان، قابلية التخلي عن القضية بسبب أشخاص غير مؤهلين للمواقع التي يُنصّبون فيها وللصلاحيات التي يمنحونها، يتخذون موقفا يرفضه الشعب، مثل عباس.. وبسبب أشخاص موثوقين مثل ياسر عرفات في أوسلو..

والمركزية بلا حدود.. المركز يدور حوله كل شيء ولا يقترب منه.. وليس لما يدور حوله بداية ولا نهاية.. كالدائرة التي لا تتحرك من مكانها.

الدول العربية جميعها تدّعي الإيمان بمركزية القضية الفلسطينية.. وباستثناء سورية وربما الجزائر.. جميع دول الجامعة العربية تعترف رسميا، علنا أو بالخفاء “بإسرائيل”، وجميعها شاركت بمبادرة السلام المسماة “عربية”.

 

الأولوية: تعني وضع خطة أو برنامج له بداية ومسار له خطوات متعددة متسلسلة.. وفيه خطوة تسبق ما عداها. والبدء بالقضية التي لها أولوية.

أي أنها تعني وضع القضية في بداية كل برامج وخططِ من يلتزم بها.. وفي اتجاهها.

 

الحروف الثلاثة الأولى من كلمة أولوية.. تضع حدودا.. تعني قبل كل شيء.. البدء يكون بها..

أي أن الأولوية هي عمل وواقع على الأرض وفي السياسات، ولا يمكن التنازل والتخلي عن القضية ذات الأولوية بالخداع والإدعاء والخطابات الفارغة الرنانة.!

والأولوية لا تحتمل تفسيرات متغيرة.

وعندما تكون قضية الصراع مع العدو هي القضية ذات الأولوية للعرب، فهي لا تحتمل تحويل الصراع إلى صراع فلسطيني إسرائيلي (كما يقول سعود الفيصل وكما فعل الملك حسين بفك الارتباط)، مع ملاحظة أن العدو يُبْقي الصراع عربيا إسرائيليا.. بل إنسانيا إسرائيليا.. أليس هو من شارك في تدمير العراق، وشن هجماته المدمرة على لبنان، ويعادي إيران ويهددها مثلا؟

 

العدو يعتبرها قضية فلسطين أولوية ويبني سياساته للتعامل مع كل العرب على ذلك، حتى من تخلوا عنها، فهو مثلا يحتج على تسليح السعودية، مع معرفته أنها لن تواجهه. وهو يستمر بالعمل على نفس القضية في حين ابتعد عنها من يقولون أنها مرزية!! ولا يعتبرون أن لها أولوية..

 

الأولوية تعني عمليا:

  • عدم السماح باحتمال الخطأ في التعامل مع العدو

  • اختيار قيادات لا تقبل التنازل عن السيادة الوطنية

  • اختيار الحلفاء اختيارا لا يتعارض مع القضية ومع السيادة الوطنية

  • عدم تعريض السيادة الوطنية لصناديق الاقتراع

  • عدم الارتباط بالقروض والمساعدات الخارجية

  • عدم الاعتماد على أسلحته

  • عدم اللجوء إليه لتدريب كوادرها

  • في حالة التعامل مع أمريكا، الدقة في اختيار السلع للتبادل التجاري، على ألا تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني وقيودا للقرار السياسي

  • عدم التعاون العسكري والأمني مع العدو بطرفيه الأمريكي واليهودي

  • عدم السماح لمنظمات العدو ومؤسساته المُقَنّعة بشعارات السلام والتعاون من اختراق الوطن

  • نشر ثقافة الحذر من التعاون معه أو التعامل معه ومقاطعة مؤسساته المختلفة في المجتمع

  • عدم تعيين وكلائه من المحليين في مناصب القرار

  • عدم عقد هدنة تنتج خمدا للصراع وتهدئة تمكنه من بناء نفسه وتنتج اضطرابا في صفوفنا

  • ومهما قاطعناه.. لن نموت..

بينما بعض دولنا تتحالف مع العدو مباشرة، بمعاهدات وتعتمد علي بالمساعدات والقروض

 

ما الذي حصل في ظل المركزية في تاريخنا؟

في ظل شعار مركزية القضية، تم التخلي عن الضفة الغربية وتم فك الارتباط، بحجة أن الفلسطينيين يريدون ذلك، وكأن القضية لا تخص غيرهم.. وارتفعت شعارات “الأردن أولا” و”لبنان أولا”، والتي تعني سايكس بيكو أولا.. والتفتيت أولا.. وربما نهتف بعد قليل، تركيا أولا..!. وعلت في ملاعبنا هتافات التفتيت وخدمة إسرائيل مثل “تسلم إيدك يا شارون.. أنت هناك واحْنا هون”

.

ومثل الضفة، تم تخلي مصر عن غزة في ظل مركزية القضية وارتفع شعار “مصر أولا”.. ووعد السادات بتوصيل مياه النيل إلى “إسرائيل” رغم تحريض إسرائيل دول أعالي النيل لقطع مياه النيل عن مصر..

.

وتم استلام السلطة الفلسطينية تقرير مصير الأرض المغتصبة واللاجئين وحق العودة، أي تم تسليم من هم غير مؤهلين ليتولوا القضية تمهيدا للتخلي عنها.. وإعطاء الوقت للعدو لتوسيع الاستيطان تحت غطاء المفاوضات

.

وفي مصر صادق مرسي بيريز ولقبه بصديقي العظيم، ثم أدى الصراع مع حماس في مصر، بعد سفوط مرسي، إلى جعْل الحكام يحاصرون غزة مثل ما يفعل اليهود..

دون أن تُنسى قضية خلية حزب الله المشهورة!

.

في ظل المركزبة حصلت أحداث أيلول وصبرا وشاتيلا

.

في ظل المركزية الفضفاضة

مصر باعت الغاز المصري لإسرائيل بأرخص مما تبيعه لمواطنيها.. ونعرف كم هو متعثر ذلك الاقتصاد المصري.. قبل وبعد إسقاط نظام مبارك..

واليوم نرى مصر ترتمي في حضن السعودية لضخامة الديون على مصر!!

.

وفي ظل المركزية:

الأردن يشتري الغاز المسروق من بلادنا المغتصبة، من السارقين.. بحجة أننا بحاجة للغاز.. وبهذا..  مصيرنا يصبح مربوطا بالقرار الإسرائيلي.. الذي سوف نُسَلّْمه مفاتيح طاقة مصانعنا..

وتزعم حكومتنا التي تهتف في كل خطاب بمركزية القضية، أنه لا يوجد لدينا مصادر أخرى للغاز.. رغم الصداقة الحميمة التي تربط حكامنا بحكام قطر والسعودية.. ملوك الغاز..

.

وفي ظل المركزية أنشأ الأردن ومصر المدن الصناعية المؤهلة لصالح إسرائيل.. نبني لها، نعطيها الطاقة والمياه ونجمع فضلاتها ونعالجها..

.

في ظل المركزية:

عمال موانئنا يشكون الفقر.. ورغم ذلك.. فُتحتْ موانئ العقبة وبورسعيد والسويس خلال إضراب عمال الموانئ المغتصبة.. لحل أزمة حكومة الاغتصاب..

.

ولا ننسى سرقة مياهنا في الجولان ولبنان والأردن.. وحتى سرقة الجولان نفسه.. في ظل مركزية القضية..

.

وفي ظل شعار مركزية القضية الفلسطينية، تساقطت مواثيق الجامعة العربية وأولها  ميثاق الدفاع المشترك..

.

وفي ظل مركزية القضية اجتاح العدو لبنان ولم يخرجه إلا المقاومة التي تعتبر القضية أولوية قبل أن تكون مركزية..

.

وفي ظل مركزية الصراع، تحولت المقاومة إلى قضية إرهاب وجنايات تُناقش في اجتماعات مشتركة، على طاولات مدراء المخابرات الأمريكية واليهودية ومعظم الحكومات العربية..!

.

وفي ظل المركزية قُسِّم السودان إلى دولتين.. حتى الآن..

.

حتى الأحزاب الوطنية واليسارية.. لم تعد لها بوصلة تهتدي بها.. في ظل المركزية.. ولم تعد تعرف من أين تبدأ.. وتحولت من أحزاب ثورية إلى أحزاب تلهث وراء الشرعية الدولية التي باعت فلسطين لليهود!

 

وفي ظل المركزية، انتشرت منظمات التمويل الأجنبية بيننا وأوصلت المتمولين منها إلى الترشيح للرئاسة، في فلسطين مثلا.

وفي ظل المركزية، استفراد العدو بغزة والضفة، مع عدم الاستعداد الرسمي العربي للمساعدة العسكرية

.

وفي ظل المركزية عقدت كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو.. وأقامت قطر علاقات علنية مع العدو أقام الآخرون علاقات سرية معه. واستضافوه علنا في مؤتمرات دافوس..

.

وفي ظل المركزية يتم تسريب أراضي الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين إلى إسرائيل، تحت مرأى الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية.

.

 

برامج الحكومات والحكام

لم يكترث حكام دول الجامعة العربية إلا بمصالهم ومصالح أقربائهم ونسائبهم وبطانتهم،

وحمايتهم الشخصية وضمان استمرارهم على كرسي الحكم، وتوريث السلطة لأبنائهم، وكانت هذه هي برامجهم الحقيقية، مع تخليهم العملي عن القضية، وإن تظاهروا بالاهتمام بها، في خطاباتهم!

 

الحرب ضد صدام حسين للتخلص منه من ناحية، ولفرض حكام الكويت من ناحية أخرى، والهجمة على سورية للتخلص من بشار الأسد.. ومثل ذلك تغيير حمد القطري والتدخل في لبنان، والمساعدات للتخلص من القذافي تعتبر من أنصع البراهين على إرادة العدو بفرض الحكام الذين يريدهم في المنطقة.!

بل إن تهديد صائب عريقات الأخيرة (شهر كانون الأول عام 2014) بحل السلطة الفلسطينية إذا لم تدفع “إسرائيل” عائدات الضرائب، يعتبر من أنصع البراهين على إرادة العدو بفرض السلطة وأفرادها في الساحة الفلسطينية، وإلا لما اعتبر عريقات أن حل السلطة يشكل ضغطا على نتنياهو!!

 

وغير ذلك.. هل لدى حكام الدول المسماة عربية أي برامج؟

والنماذج منهم كثيرة..  تبدأ بحسني مبارك وتمر في زين الدين بن علي وتستمر حتى تصل إلى حكام الخليج..

 

تحالفات حكام دول الجامعة العربية

كل التحالفات التي يلتزمون بها تساعد فقط في حمايتهم وزيادة أرصدتهم، وتخليهم عن أي التزامات وطنية أو قومية أو إنسانية..

ولا تؤدي إلى أي موقف يخدم شعبهم أو تساعد في مسألة استرجاع الأرض المغتصبة، ولا حتى الأجزاء التي يدّعون أنهم يطالبون بها، أي حدود 1967.

بل أنهم زيادة على ذلك، يربطون  ميزانهم الاقتصادي والأمني بالأعداء في الولايات المتحدة وبنوكها، وشركاتها وقواعدها العسكرية وسفاراتها في البلاد التي يحكمونها، ويضعون كل أرصدتهم في بنوكها لتستفيد منها.

وهذا لا يمس شركات النفط أو البنوك وحدها، بل حتى شركات الكوكاكولا والوجبات السريعة والدخان، والأخيرة تتدخل في تعيين وزراء الصحة في كثير من هذه الدول.

حتى في مسألة الطاقة، فمصر باعت الغاز لليهود باسعار تفضيلية، والأردن ربط مصانعه بصنبور الغاز الذي يسيطر عليه العدو السارق للأرض والمياه..!

 

وفي المناهج التعليمية، وهي من أهم المطالب الحياتية، يتدخل الأعداء في فرض ما يضمن خططهم، وضرورة تجهيل شبابنا لخدمتها، لأنها ترسم طريق الشباب.. وبالتالي مستقبلنا القريب والبعيد..

من الأمثلة الواضحة على ذلك:

  • جامعة القدس في أبوديس في القدس.. بقيادة سري نسيبة الذي نشأ في كيبوتس،  تقدم منحة مجانية، حتى شهادة البكالوريوس للطالب الذي يدرس التاريخ حسب المنهج الذي أعدته “إسرائيل”..

  • تعديل مناهج الدراسة في مصر

  • تعديل مناهج الدراسة في الأردن، وتحتوي مصفوفة تعديل المناهج الأردنية 205 مرات كلمة السلام، ولا تحتوي على ذكر تطوير الفيزياء والكيمياء. واستبدال مئات الصفحات عن القضية الفلسطينية في المدارس بعدد قليل جدا من الصفحات لا تساهم بتثقيف الطلاب بتاتا عن القضية، حسب استحقاقات معاهدة وادي عربة.

  • وزعت على الطلاب قبل ثلاثة أعوام، كتب بريطانية لتعليم الانجليزية، وكانت تحتوي على عناوين مواقع الشذوذ الجنسي والبغاء المثْلي في الإنترنت، وسُحبت بعد انتباه أولياء الأمور والاحتجاج الشعبي مع الاعتذار فقط دون محاسبة أحد.

  • تدريس مذكرات آن فرانك (المزورة) عن المحرقة في المدارس الخاصة الأردنية، والترويج للمحرقة دون أي برهان علمي

 

أما السلطة الفلسطينية، (وبدعم من حكام الجامعة العربية، فقد أعلنت التنازل عن حق عودة اللاجئين  من الشتات

.

بل حتى وصلت الأمور، أن تهدد “إسرائيل” بحل السلطة (حليفة إسرائيل)، لأنها لا تأتمر بأوامر الحاكم “الإسرائيلي”وتجميد عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة، لأنها تقدم طلبا للمحكمة الدولية..!! رغم ان السلطة تأتمر بكل أوامر وتعليمات إسرائيل والتنسيق الأمني معها.. وإعطائها الفرصة لبناء ما شاؤوا من المستوطنات تحت غطاء المفاوضات الأبدية.. التي يهدد قائدها صائب عريقات بحل السلطة (حل نفسه) إذا لم تدفع إسرائيل عائدات الضرائب.

 

على جانب العدو.. ماذا يجري في ظل مركزية القضية عند الدول العربية

  • احتل العدو في الخمسينات أم الرشراش (إيلات) وتوسَّع العدو عام 1967

  • نمّى قدراته العسكرية والنووية

  • عزز اقتصاده وأقام العلاقات مع الحلفاء في كل العالم، وحصل على تأييد الأمم المتحدة في كل اعتداءاته علينا

  • ضاعف عدد المستوطنات، وبنى معظمها بإسمنت زوّده به رجال السطة (تذكرون مستوطنة أبو غنيم وأبو علاء قريع)، واليوم تزودهم لافارج بإسمنت تنقله لهم سيارات شركة إسرائيلية في عكا في عكا.

  • أصدر عددا كبيرا من القوانين لتثبيت نفسه وضمان ديمومته.. منها قانون 1650 للتهجير

  • أسر آلآف المناهضين له

  • سيطر على وصادر آلاف الدونمات لتحويلها إلى طرق تصل مستوطناته ببعضها.

  • اقتحم المقدسات وسيطر على الحرم الإبراهيي في الخليل وحفر تحت المسجد الأقصى حتى كاد يهدمه.

  • قطع الزيتون في آلاف الدونمات من أراضي الضفة والحمضيات في أراضي غزة..

  • فرض يهودية الدولة على الجميع

  • هجر عشرات الآلاف من المواطنين في القدس باقي المناطق

  • قام بعشرات المذابح في فلسطين ولبنان ووصل لقتل قياداتنا في تونس

  • شارك في تدمير العراق مع الغزاة الأمريكيين

  • سعى إلى تحريض دول أعالي النيل على مصر بالتحكم بالمياه

  • وكثير غير ذلك..

شعارات سايكس بيكو

القوى الإقليمية المنتمية لسايكس بيكو.. وهي من نتاج سايكس بيكو، رفعت شعارات أولوية سايكس بيكو.. أي أولوية تفتيت وتمزيق بلادنا….

مثلا.. شعار ياسر عرفات “ما حك  جلدك مثل ظفرك”.. وقتلوه قبل أن يحك جلده..

شعار “لبنان أولا”.. ثم شعار “الأردن أولا”..

سعيد عقل.. ألّهَهُ دعاة لبنان أولا.. حين مات.. أخيرا

شاعر “الأردن الأول”، عرار.. يقول:

“يا أردنيات لو أوديت مغتربا.. فانسجنها بأبي أنتُنَّ أكفاني”

ويقصد بتلك الغُربة وجوده في دمشق!!

ويقول مرة اخرى..

“قالوا تدمشق قولوا ما يزال على… عِلّاتِهِ إربديَّ اللون حوراني”

لا حظوا كلمة حوراني.. وسهول حوران معظمها في سورية.. ولا يريد أن ينسب إليها

.

(عارضْتُ شخصيا هذا البيت قائلا:

“قالوا تدمشق قولوا عاد معتنقا…… جذوره.. جُلّقيَّ اللون حوراني”)

.

ويقول نفس الشاعر أيضا:

“تعالى الله والأردن.. لا بغدادُ  والرطبة”

في بيت الشعر هذا.. اتخذ الشاعر موقفا إقليميا اكثر وضوحا، ويحمل نوعا من العدائية المبطنة، فهو لا يقول إن “بغداد والرطبة” لا تعنيانه، بل يؤكد انه لا يريد للعلو ان يصيب بغداد والرطبة، بل الله والأردن فقط..

ويقول نفس الشاعر في قصيدة أخرى:

لو كنت من مازن لم يَسْتبحْ إِبلي “  (عرص) من الشام أو ( عكروتُ ) لبناني

كما يقول” الحمد لله ليست مصر لي وطنا”

.

إنها قمة الإقليمية التي ليس لها أساس تبنى عليه غيرسايكس بيكو.. ومعاداتنا جميعا..

.

ولا أعتقد أن أحدا ينسى المذيعة المصرية حياة الدرديرى التي طلبت من الجيش المصري مساعدة اسرائيل خلال عدوانها وضرب غزة بالقوة.

.

وحتى المفكرين الذين يُسَمَّون كبارا مثل سعيد عقل (اللبناني الذي يرفض غير لبنانيته).. طالب بإبادة الفلسطينيين، في مقابلة تلفزيونية على الهواء وطلب من  «البطل» (مناحيم) بيغن «أن ينظف لبنان من الفلسطينيين»، ودعا اللبنانيين للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي، معتبراً هذا الأخير «جيش الخلاص».
وتناقل ناشطو الوسائل الاجتماعية مقولته الأشهر، والأقرب إلى فتوى: «على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً». كما ساند مرتكبي مجازر «صبرا وشاتيلا»..

ودعا إلى التخلص من اللغة العربية باعتبارها «كرخانة»، وإلى إحياء «اللغة اللبنانية» بأحرف لاتينية، بل أصدر بالفعل ديواناً شعرياً هو «يارا» بتلك «اللغة».

ورغم كل ذلك أقيمت له جنازة تشبه جنازة الأبطال..!

 

في حوار على صفحات الفيسبوك، انتقدت شعار “الأردن أولا”، فجاءني التعليق التالي، من شخص جذوره من بلدة في الضفة الغربية، لكنه يعيش في عمان، وصفحته بعنوان “الأردني أولا”:

“انا اردني وطني هو الاردن احمل جواز سفر اردني . جنسيتي اردنيه . معترف بها دولياً . لا يمكن أن اكون مصرياً ولا لبنانياً وسورية ولا فلسطينياً الا بالعواطف. غير ذالك ضرب من الخيال ليس له واقع فعلي معترف به. حتى لو تجرأت أن اتدخل معنوياً بأي بلد عربي سيكون ذاك من باب المؤامره. انتمائي الاول للاردن . ليس لي انتماءات اخرى. اعتبر من يحمل الجنسيه الاردنيه وله انتماء لغير الاردن . ناكر لجميل وفضل الاردن عليه .لذلك اقول من لا يعجبه الاردن اشرف له من باب الثوريه والصدق مع ذاته التنازل عن الجنسيه الاردنيه . لن نسمح لاي كان أن يجعل مسرح لكل المغامرين تحت شتى الشعارات . أن كانت قوميه او دينيه ( فليسقط شعار ارض الحشد والرباط ) لانها لا تؤدي هذه الشعارات الا بأستيراد كل زعران وهمل وقوادين العالم تحت هكذا مسميات”

 

تركْتُ الأخطاء اللغوية كما هي حتى لا أتدخل في النص.

 

الحياة المطلبية وعلاقتها بالوضع السياسي

في الأردن، في سورية، في لبنان، في مصر، يحاول كثير من المعارضين والإعلاميين، الادعاء أن المسائل الملحة هي مسائل مطلبية، لا سياسية..

وتلك الأكذوبة الأولى توحي للمستمع المواطن، أن المسائل داخلية ومرتبطة بالسياسات الداخلية فقط.. وأن أمريكا وإسرائيل وكل الأنظمة في الجزيرة العربية، بريئة من كل شيء..

 

ويخطئ المواطن الذي يعيش خارج أطر الوظائف الرسمية من سياسية وأمنية وعسكرية وإعلامية وتعليمية وتثقيفية إذا قبل هذا القول.. لأن نوايا من يقول ذلك غير حسنة وغير صادقة.. بل خبيثة.. تريد خدمة العدو..

.

معلومة صغيرة عابرة: عندما خسرت اليابان الحرب العالمية الثانية ووقع الإمبراطور صك الاعتراف بالهزيمة، وعقد بعد ذلك اجتماعا مع وزرائه، كان أول طلب يطلبه منهم: يجب تأسيس نقابة معلمين..

يعني أنه اكتشف أن التعليم الذي هو “مطلبي”، أهم أسباب هزيمة اليابان في الحرب.. يعني الوضع السياسي..!!

.

الخلط بين السياسة والمطالب في ظل وجود مثل هذا العدو قربنا

طبعا الحدود الطويلة مع العدو وموقع البلد الجغرافي.. يجعل العدو الأمريكو-يهودي يحاول جعل النظام:

  • ضعيفا عسكريا، وقويا أمنيا، وخاضعا سياسيا، ومشاركا بتنفيذ البرامج والخطط

  • وتابعا اقتصاديا وثقافيا وتعليميا وصناعيا

  • ولا يجوز أن يكون خاضعا لقرارات شعبية.. مهما كان الثمن.. إلا من خلال شخوص مأمونين مضمونين..

وهذا ما يفعله ويخطط له العدو للأردن السايكسبيكوي ولسورية ولبنان..

.

.

ومن هنا يأتي الخلط بين كل شيء والسياسة في البلد..

يلاحظ في الفيديوهات مع المعارضين للنظام السوري التي يقدمها التلفزيون الصهيوني، أن أول القول فيها يبدأ بالاعتراف بإسرائيل!!!!

ولماذا يذهب السفير الأمريكي في سورية إلى الشارع الحموي، الذي لا يقرر سياسات البلد، أليس لأن أمور الشارع مرتبطة بالسياسة

لماذا تتدخل السفيرة الأمريكية بمباريات كرة االقدم وعدد الشرق أردنيين في البلد؟

لماذا يقال للشعب: لا علاقة للمطالب بالصراع، وأول المطالب المياه يأخذها العدو؟؟

.

المسالة المطلبية:

الشعارات المطلبية المباشرة عديدة.. مثل توفر المياه النظيفة والغذاء، والخدمات والقبول في الجامعات والتعليم المدرسي والأسعار بشكل عام للمأكولات والأدوية والملابس، والمواصلات والسكن، ومحاربة االبطالة والاحتكارات، والتمييز الاجتماعي والشعور بالطمانينة والأمن المستقبلي.

.

يحاولون إقناع الشارع ان السبب الرئيسي لكل هذه المسائل لا يرتبط بالسياسات الخارجية.. بل هو مفصول عن السياسة (وسأقبل ذلك افتراضا مرحليا)، حتى يوحِّد شعاراته تحت شعار رئيسي واحد، هو محاربة الفساد وهو الشعار الذي قاده بعد ذلك للمناداة بشعار ناتج عنه هو شعار إصلاح النظام يكفي لحل المسائل كلها..!؟

.

يمتد تأثير الوجود الصهيوني وأهدافه.. إلى كل مجالات الحياة في البلاد، سواء أقرت بذلك.. المعارصة، أو لم تقر.. من المجالات السياسية، أو المطلبية إذا قبلنا فصلها عن السياسية (رغم أن ذلك الفصل مثير للسخرية)..

انظر الخارطتين إلى جانب الكلام:

خارطة 1916 ، وهي الوعد البلفوري، والذي لم تتحقق عام 1948.

خارطة اليمين 2007، الخارطة المقترحة من اليمين والمستوطنين كما وردت في كتاب دافيد نجار المنشور عام 2007، والذي يصل إلى بيروت والسويداء ونصف عمان، شاملا كل الجولان وجنوب لبنان ونهر الأردن والليطاني.

وهي الخارطة التي أيدها نتنياهو..

.

يلاحظ هنا أن يمين هذه الأيام اليهودي أكثر طمعا من يمين 1916.

.

لاحظوا المساحات المنوي اغتصابها، مع ملاحظة أن حزب الله هو الوحيد الذي تمكن أن يمنع العدو في الأماكن التي ينوي اغتصابها من تحقيق أهدافه.. إن حزب الله يتصرف على أساس أن الصراع مع العدو أولوية.. ورغم ذلك يتعرض لهجمات دينية لا يستفيد منها إلا العدو.. لأن أولوية الذين يهاجمونه ليست الصراع مع العدو..

.

بالنظر إلى الخارطة اليمين 2007، هل يمكن تحقيقها بدون المساس بالمطالب الحياتية للشعب في بلاد الشام، سورية والأردن ولبنان وفلسطين؟

هل منع التشرد مطلب سياسي فقط ام مطلب حياتي بامتياز؟ وهل التشتت الذيس ينتج عنه مسألة سياسية أم جياتية تمس كل واحد منات، ولنا تجارب في فلسطين (ملايين اللاجئين) والعراق (ملايين اللاجئين) وسورية (مئات آلاف اللاجئين) ولبنان خلال الاجتياح (مئات آلاف المشردين)، والسفارات الغربية مفتوحة الأبواب للتهجير..!

 

فقدان المياه؟ ونحن مع اغتصاب فلسطين ومياه الجولان وسيطرة تركيا على الفرات نكاد لا نجد مياها لغير الشرب؟

المياه سرقها اليهود من نهر الأردن واليرموك وسيطروا على طبريا والجولان وهو الخزان الاستراتيجي لكل مياه حنوب بلاد الشام. ولولاهم لما احتاج أحد حتى أن يقوم بصلاة الاستسقاء لأن مياه الجولان وطبريا تكفينا وتكفي أضعاف عددنا..

.

اما الهواء النقي.. الذي يعتبر من حقوق الإنسان الأساسية مثل الماء وأهم منه، فكلنا نعرف وحتى الصهاينة أنفسهم كما قال فعنونو اليهودي في صحوة ضمير، إن النشاط النووي الصهيوني موجود في شمال الأراضي المغتصبة، ومثله المفاعل المنوي بناؤه عى الحدود قرب المفرق، والذي نقل من منطقة الحدود الجنوبية بطلب من اليهود. وهو يهدد المنطقة حتى السويداء شمالا.. باستمرار، ويلوث هواءنا بشكل مستمر ويساعد على انتشار السرطان.

أليس الهواء والماء من الحياة المطلبية؟؟

.

فقدان الأرض الزراعية؟ الحمضيات ماتت في غزة، وعطشى في الأردن.. أم هل المزروعات مطالب سياسة فقط ولا شأنت لها بالحياة المطلبية؟ العدو يزرع اليوم في الجولان 30% من حاجاته من المزروعات..! بينما يرتفع سعر الخضار في سورية بسبب ذلك!!

.

في نقاش دار بيني وبين مسؤول كبير في منظمة الجات GATT، في ندوة عقدتها المنظمة في فندق الشيراتون في عمان في بداية تأسيسها، لشرح مفاهيمها لرجال الأعمال واصطياد بعض منهم، وكانت رسوم الدخول للندوة ثلاثين دولارا لضمان عدم حضور العامة (من أمثالي) من غير رجال الأعمال، سألت الرجل عن أهمية تجويع فقراء الأردن برفع أسعار الخبز، الذي لا يمكن أن يشكل رقما هاما في سياساتهم بسبب صغر الاقتصاد الأردني، قال لي الرجل: “ولماذا تخبزون الخبز، إن جيرانكم (يقصد اليهود) يصنعون خبزا أفضل من خبزكم، وعليكم أن تشتروه منهم..!”، في نفس الندوة ذكرت له شيئا حول الأخلاق، فقال لي أمام الجميع: “نحن غير معنيين بالأخلاق، هناك غرفة فوق، من يوافق، بصعد معي، نملأ له جيبه ويسير معنا.. لآ أخلاق ولا غير ذلك..”

.

اما الغذاء، فتكفي نظرة سريعة إلى ما يسرقه اليهود من الجولان، من فواكه ومحاصيل، حتى ندرك التعديات..

بل يمكن النظر، إذا  سقطت الممانعة، إلى توصيات الصناديق الدولية للأردن، باختيار مزروعات معينة تجعل اقتصاده الزراعي مرتبطا بالصهاينة، وتكفي تجاربنا حين تفاجئنا الحكومة بتصدير البندورة والزيتون إلى الصهاينة وإعطائهم الأولوية على السوق المحلي، وفقداننا الكثير من المنتجات التي كنا ننتجها أيام زمان، وصرنا نستوردها من الخارج، لبرهنة الخطر علينا، وتكفي اتهامات الدول العربية لنا بالسماح بعبور المنتوجات الصهيونية إلى الوطن العربي من خلالنا كبرهان آخر للمسألة.. (إلى السعودية والمغرب والخليج والعراق وسورية)..

.

بالنسبة للتعليم، فنتذكر مصفوفة تطوير المناهج، التي قدمها طوقان حين كان وزيرا للتربية والتعليم، وسماها “مصفوفة مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم العالمية المشتركة”، وهي التي تحقق احلام بيريز، بنزع العداء من العقل العربي، لأن المصفوفة كانت  تحتوي 213 مرة كلمة السلام، ولا تحوي مرة واحدة كلمة فيزياء أو كمبيوتر أو رياضيات..

.

مسألة مطلبية هامة أخرى هي الأمن، والاطمئنان للمستقبل، وهو ما لا يمكننا الشعور به وضمانه لأبنائنا في ظل فهمنا لخططهم وخرائطهم والتهديد اليهودي الشهري المتكرر في الكنيست بضرورة استكمال الوطن القومي ولا ننسى استحقاقات معاهدة وادي عربة المتعلقة بالتنسيق الأمني

بالإضافة إلى بقية استحقاقات المعاهدة المتعلقة باختراق الوعي وتزوير التاريخ وتحطيم ثقافتنا لصالح قبول الوجود الصهيوني،  والتوطين والتطبيع الاقتصادي إلخ.. واكثر من ذلك، مسألة تفتيتنا إلى شرقي وغربي ونحن شعب واحد، من أجل ألا نكون جبهة واحدة في مواجهتهم..

.

ولا نتجاهل أن كثيرا من الأمور الهامة تُفرض علينا من الخارج الأمريكوصهيوني دون استشارتنا، مثل خط سكة الحديد بين رويشد والغور لتوصيله لاحقا إلى حيفا، لوصل تكريت بحيفا، وهي السكة التي قُرِّرت في اجتماع أمريكوصهيوني، كما نشرت شخصيا في جريدة السبيل، عام 2008 مع التوثيق.

.

مما سبق ومن غيره، نرى كم يلعب الخارج “الإسرائيلي” في حياتنا جميعا على أرض الوطن، وفي التأثير على شعاراتنا المطلبية… وأولها الماء والهواء والغذاء التي تمثل عناصر الحياة الرئيسية.. فهل يمكن الاكتفاء بأي شعارات لا تحتوي على بطلان وادي عربة وعلى إنهاء كل أنواع العلاقات مع العدو الصهيوني..

الجواب يأتينا حتى من الذين اعتقد بعض الناس أنهم تناسوا معاهدة كامب ديفيد، حين احتشد المصريون خلال ثورتهم الأخيرة، أمام السفارة في القاهرة ليطلبوا برحيلها وبإسقاط معاهدة كامب ديفيد..

 

وباختصار: حتى لو أراد بعض الواهمين فصل الوضع الممانع عن القضية السياسية، فإن اليهود والأمريكان لن يفصلوه، إذا نجحوا بالسيطرة على الاقتصاد والتسليح، والدليل يكمن في دعم المعارضة السورية (من الخارج)، وظهور المعارضين (من الخارج) السوريين في تلفاز اليهود، ودلالته.. وتأكيد ابطال تلك المعارضة على التزامهم بالتعاون مع إسرائيل إذا أسقطوا النظام السوري!!

لم يعد طرد أهالى الضفة موضع خلاف في السياسة الإسرائيلية، ولكن الخلاف هو على الاسلوب والتوقيت وطريقة التقسيط، بحيث لا تثير العالم الغربى، هذا لو أبدى غضبه. ولكن إلى أين يطردون؟

لم يعد الوطن البديل في الأردن خرافة في الفكر الإسرائيلي.. لكنه بديل مرحلي (بنتستون مرحلي) في الطريق إلى شرق المفرق والعراق!!!

لقد وقع الملك حسين المعاهدة مع إسرائيل تحسباً لذلك حسب اعتقاده، أى لكى تعترف إسرائيل بالأردن كدولة مستقلة شرقي النهر، وليس العكس، أى ليس المهم اعتراف الأردن بإسرائيل. وهذا ما أكده له شارون شخصياً. لكن جنرالات إسرائيل يفضحون السر بين آونة وأخرى. .

.

وهم في الحقيقة لا يأبهون بما يقول أنه يعتقد!! وهم لا أصدقاء لهم..

وذلك ظاهر بوضوح في كتاب نتنياهو “مكان تحت الشمس”

.

ليست المسألة تحويل الأردن إلى وطن بديل فقط، بل المشكلة أعمق من ذلك: استيلاء اسرائيل على شريط من دولة الأردن يوازى نهر الأردن شرقاً حتى خط سكة حديد الحجاز (تقريباً 30 – 50 كم شرقى نهر الأردن) كما دعت إليه المنظمة الصهيونية عام 1919، وحددت مطالبة اليمين به عام 2007، أنظر الخارطة!، ويطرد الفلسطينيون وأهل البلاد معا  شرقي هذا الخط. وبذلك

لا تحتاج إسرائيل إلى حاجز عسكرى على نهر الأردن الذى تحتله الآن. وخط السكة الحديد هو أفضل عسكرياً لإسرائيل من مواقع على ضفة النهر الغربية لانه يمكن أن يحتوى على مرتفعات تقام عليها محطات انذار في عجلون مثل جبل الشيخ في الجولان. (الشريد الذي تفكر إسرائيل به يحوي الرمثا وإربد وعجلون وجرش وجلعد والسلط ودير أبي سعيد ونصف عمان ومادبا والأغوار الشمالية والحنوبية والكرك والبتراء (تعلن عن البتراء من سنوات للأوروبين كسياحة في إسرائيل)، ووادي موسى وإذرح والطفيلة والشوبك وراس النقب ورم والقويرة وجرف الدراويش …)

..

 

 

القضية الفلسطينية دخلت في كل عنصر من عناصر حياتنا في المنطقة..

لم تدخل القضية في حياتنا السياسية وفي الأمن السياسي للنظام السياسي فقط..

بل دخَلَتْ في كل عنصر من حياتنا المطلبية الاقتصادية والصحية والتعليمية والتراثية إلخ..

وهو ما يتطلب منا إدخالها في برامجنا وخططنا.. مع وجود هيئات شعبية للمتابعة والمحاسبة.. على افتراض حسن نوايا السلطات الحاكمة..

 

شرق الأردن كما يراه اليهود..

 

الموقف اليهودي من الأرض العربية الواقعة إلى شرق نهر الأردن، هو موقف “إسرائيل” بوصفها الكيان المعبر عن اليهودية وتطبيقها العملي، في الوقت الحاضر. ولفهم هذا الموقف وتحليله، لا بد من فهم علاقة فكرة دولة اليهود أولا، بهذه المسألة..

 

الفكر اليهودي الدافع للتحوصل والتميز عن المجتمعات الأخرى ودالتعامل معها لقيادتها واستغلالها فقط، مبني على أساس أن اليهود هم شعب الله المختار.. وأن الآخرين هم الغوييم الذين لا يختلفون عن البهائم، انطلاقا من قول النبي ابراهيم للحثي الذي أخذه معه عند صعوده إلى الجبل للتضحية بابنه “امكث مع الحمار” حتى أعود..

وهذا يعني بالنسبة لليهود، أن النبي ابراهيم ساوى بين غير اليهودي والحمار.. ويؤمن بذلك اليهود جميعهم، سواء الذين منهم يوافقون على إنشاء دولة اليهود، او الذين يعارضون إنشاءها..

ولا بد من التأكيد أن كل اليهود القابلين لفكرة كونهم يهودا، أي القابلين ليهوديتهم الدينوية ونتائجها الاجتماعية والسياسية.. يؤمنون بكونهم شعب اختاره الله، المتميز..

(أنا لا أسمي ذلك الموقف “تمييزا عنصريا” لأنهم ليسوا عنصرا واحدا ولا سلالة عرق واحد).. فمنهم الأسود والأبيض والأصفر والأوروبي والحبشي والخزر.. وتسميتهم عنصرا يعطيهم الحق في تحويل الدين إلى قومية.. ولذلك أجد أن ما يسميه الآخرون “عنصرية” في الحالة اليهودية أو الصهيونية، يمكن تسميته “دينوية” أو “عقيدوية” أي التمييز والتمايز على أساس الدين.. مع محاولة ربطه بعرق مفترض، وهو موقف لا يوجد إلا عند اليهود..

وتخلو منه الأديان والعقائد والمعتقدات الأخرى، ألتي تميز الناس على أساس ممارسة الدين وليس مجرد الانتماء له بالولادة أوالوراثة، كما في الإسلام، حيث: “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”.. وكما في المسيحية حيث لا تذكر جنسية أو عرق..

 

كما لا بد من البدء بالقول، إنه:

  • من ناحية الحُكم (موقف السلطة أو النظام العربي الحاكم الرسمي)

  • ومن ناحية المجتمع (أي من ناحية الموقف الشعبي الإقليمي المُشوّه الذي زرعته الأنظمة في وعي الشعوب الخاضعة لحكمها، للمحافظة على ذات الأنظمة والعائلات الحاكمة، بالتفتيت وبتعزيز  الشخصية الفردية أو العشائرية الضيقة و”أنا” الإقليمية، في مواجهة “نحن” القومية والإنسانية)

  • كما أنه في ظل المفهوم المُشوّه للأمن الوطني والقومي، ألذي ينص على “أن هذا الأمن مرتبط ارتباطا مطلقا بأمن الحكام والأنظمة”

من كل تلك النواحي، أصبح الحديث الفكري يعتبر حديثا خارج السياق الوطني بل يعتبر في كثير من الأحيان تهديدا للأمن الوطني.. (لأنه يكون متعارضا مع توجهات ومصالح الحكام الذين تعتمد ديمومتهم على تعزيز الفكر الإقليمي وعلى الحماية اليهودية والمخابراتية الغربية، في غياب إنجازاتهم ونجاحاتهم!) وهذا يدفع المفكر والمحلل في كثير من الأحيان إلى الاكتفاء بالمعالجة السياسية السطحية للمسائل، خوفا من، أو لإرضاء الذوق العام المتأثر بالإعلام الرسمي العربي والعالمي والمضلل في كثير من الأحوال.. حيث نجح هذا الإعلام، بمباركة النظام العربي الرسمي، أن يوحي للشارع أن نقد النظام الحاكم في أي دولة عربية هو اعتداء على الوطن.. بل حتى في بعض الحيان، خيانة عظمى.. والبراهين كثيرة على ذلك..

وعلى  سبيل المثال، لو قال قائل إن المشاكل التي تتعرض لها الأقاليم التي أفرزتها اتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر سان مارينو، لا تحل بشكل فردي لكل إقليم، ولا يمكن أن تفهم إلا ضمن نظرة شاملة، فإن مختلف التهم تبدأ بالتساقط مثل المطر على قائل ذلك..

وأول التهم: إن كنت في لبنان، أنك ضد مفهوم “لبنان أولا” وتعرض لبنان للبيع،

وإن كنت في الأردن، فأنت تتحدى شعار “الأردن أولا” لصالح جهات مشبوهة..

وكذلك في عراق هذه الأيام..

وفي مصر السادات وحسني مبارك.. حيث تصبح متآمرا مع جهات أجنبية

وربما في زمن السيسي، لكن الشعار لم يتجذر بعد في زمنه.

 

(والجهة الأجنبية هذه الأيام عند غالبية الأنظمة العربية هي العربية أو أية جهة ممانعة للمشروع الأمريكو-صهيوني،  بل إن بعض الأنظمة العربية تتقبل من مُواطنِها أن يقيم العلاقات مع جهات أمريكية، وحتى صهيونيةُ وأن يتمول منها، ولا تتقبل أن يقيمها مع جهات عربية أو ممانعة لهذا المشروع..

 

وبسبب هذه العوامل، نحتاج في بلادنا العربية إلى شجاعة كبيرة لنخوض في أي معالجة فكرية عميقة للمسائل الهامة والدقيقة.

وكل ذلك بسبب وجود إسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة، طبعا بالإضافة إلى الصراع مع لصوص وباعة الموارد الوطنية وقوة العمالة الشعبية التي يتباهى ببيعها وتأجيرها الحكام والكمبرادور.

“وباختصار لا حرية حقيقية بوجود إسرائيل”

 

الموقف الصهيوني/اليهودي “الإسرائيلي اليوم” من الكيان الأردني (الذي شكله مستر سايكس ومسيو بيكو، يوم شكّلا معه لبنان وفلسطين وسورية والعراق، كنتيجة من نتائج المعاهدة المعروفة باسميهما عام 1916، وثبتا ذلك في مؤتمر سان ريمو عام 1920، لتقاسم بلادنا بين القوى الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى).. كذلك وعد بلفور، وإهداء أجزاء من بلادنا لليهود ليقيموا وطنا فيها، دون أن نكون موجودين..

وأجزاء أخرى لتركيا، حتى لا تدعم هتلر في الحرب العالمية الثانية..

 

هذا الموقف لا يمكن الاستمرار بالتعامل معه بطريقة رد الفعل العاطفي أو التظاهري الأجوف، فقد آن الأوان لننتقل بفهمه إلى الوعي العميق المتكامل، المبنى على فهم المشروع الصهيوني/اليهودي، للمنطقة بأكملها ولشرق الأردن كجزء منها.. دون أن ننسى أن المشروع الصهيوني ينصهر سياسيا، دون ان يفقد حرارته الدينوية الفاعلة،  في علاقة جدلية مع المشروع الأمريكي للمنطقة ليصبحا معا “المشروع الأمريكوصهيوني”.. لاستعمار وتفتيت وتفكيك واستعباد واستغلال المنطقة بكاملها.. ومنها ودون انفصال عنها، منطقة شرق نهر الأردن ذات الموقع الجغرافي البؤري البالغ الأهمية..

 

كما أن مسألة الموقف الإسرائيلي الخاص بالتعامل مع المساحة الشرق أردنية على أساس أنها امتداد لفلسطين الذي يشكل بقية الوطن القومي اليهودي، وتعاملُنا معها باعتبارها قضية منفصلة عن المشاريع العدوانية على المنطقة، هو قصور، بسوء نية أو بحسن نية، في فهم الصراع الحقيقي ويعبر عن خلل في التفكير.. لأن المسألة ليست الربط أو الفك بين ضفتي النهر في مسألة التوطين، الذي يخشاه بعض الواقفين على المنابر المتاحة، خوفا على مصالحهم، بل المسألة هي موقع ضفتي النهر ضمن مشروع العدو الذي يستهدف كل المنطقة.. التي عاشت فيها قبل قدوم اليهود، وتعيش اليوم، شعوب علاقتها البينية، علاقة تعايش وجوار قَدَري.. وليست علاقة تناقضية مبنية على اغتصاب الأرض وتهجير الإنسان وتشتيته واستعباد من لا يشتت منه..

إنها قضية وطن.. وبالتالي فهي أولوية الأولويات..

.

ويجب أن يبنى الدفاع عنها ضمن هذا السياق والمفهوم.. وضمن مواجهة للمشروع نفسه، وليس من خلال مشاريع احتجاجية إعلامية ضعيفة مفتتة.. وخطب وزراء وملوك وأمراء ونواب ورؤساء أحزاب.. واعتصامات..

.

هذا أيضا لا يعني السكوت والانتظار إلى حين بدء تنفيذ العدو مشاريعه، ولكنه يعني الإصرار على التعامل مع الوجود الصهيوني ومشروعه في شعارات واضحة رافضة لمجمله، والتوقف عن قبوله عمليا في أي مكان، وتمكينه من أعناقنا، بعقد المعاهدات معه، مصحوبة برفضه بالبيانات غير الفاعلة.. مثل ما صدر عن مجلس نوابنا عند الرد على مشروع الكنيست باعتبار الأردن فلسطين.. تمهيدا لطرد أهلنا من هناك إلى هنا..

.

نشرت خارطة مقترحة من اليمين اليهودي، تُبيّْن ان اليمين اليهودي (وأيدها نتنياهو) يرى أن “إسرائيل” القابلة للحياة، بسبب الأرض والمياه والقوة العسكرية، تمتد  من السويداء إلى العقبة، غرب سكة الحديد الحجازية حتى البخر الأبيض المتوسط، بشرط ان تكون يهودية خالصة.. الخارطة موجودة في كتاب “قضية من أجل إسرائيل أكبر” (A Cause for a Larger Israel) للمفكر اليهودي اليميني دافيد نجار. (أنظر الخارطة 2007 المنشورة في صفحتي أمس)

وللبداية، وفهم هذه الخارطة، يجب أن نحاول فهم المسائل التالية وموقعها في فكر الدولة اليهودية:

 

حدود دولة اليهود النهائية القابلة للحياة والمضمونة الديمومة:

  • الموقف النظري اليهودي من أرض الميعاد وإسرائيل الكبرى، حيث بدأت مجموعات يهودية تعترف باستحالة تحقيقها من النيل إلى الفرات، لكنها لم تُلغ الحلم، بل حولته إلى أرض أصغر من أرض الحلم، لكن أكبر مما احتلته عام 1967.. مع اسبدال بقية أرض الحلم، بالسيطرة على المنطقة.. حتى لا يغضب الله على اليهود إذا لم يحققوا وعده لهم.

  • شكل الدولة وقوتها اللازمة للاستمرار في الحياة إذا لم تتمكن من التوسع،

  • القلق من العداء المحيط وضمانات الأمن،

  • مخاوف اليهود من المسألة الديموغرافية، وشكل الدول المحيطة بها،

  • القوى المؤثرة في السياسة والقرار الإسرائيلي، وتغيُّر هذه القوى من حين لآخر، في ظل غياب استقرار دولة اليهود وعدم اكتمال مشروعها

  • الخلافات بين اليهود أنفسهم حول مسألة الأرض والحدود النهائية

.

يجب فهم هذه المسائل لأنها هي التي تقرر في النهاية الموقف الإسرائيلي من شرق الأردن ومن سورية ولبنان والعراق والسعودية ومن مصر وحتى من إيران، دون أن ننسى أننا موجودون وأن هذا العدو ليس وحده من يجب أن يقرر مستقبلنا ومصيرنا.. وما المقاومة في العراق ولبنان وغزة، ومقاومة التطبيع الشعبي، إلا برهان على وجودنا.

.

العرب الداعون إلى التصالح مع الكيان الصهيوني، وغفران كل جرائمه التي ارتكبها قبل 1967، وبعضهم يغفر حتى ما بعد 1967، وإلى قبول وجوده، وما ينتج عن هذا الوجود من إضعاف للمنطقة وهيمنة عليها وتمزيق لها، وسيطرة على سياساتها وثرواتها وأولها النفط والمياه بعد الأرض.. يخطئون بفهم طبيعة هذا الكيان المُشكل من عصابات، تمثل أناسا كانوا مضطهدين في أوروبا، ويتوقعون إقامة علاقات تشبه العلاقات التي يمكن إقامتها مع دول ذات نشوء طبيعي متدرج وتراكمي، هذا على افتراض أنهم هم طبيعيون، وخصوصا الحكام منهم، الذين سنفترض للحظات، أنهم حكام طبيعيون ملتزمون، كالحكام الطبيعيين، بمصالح الشعب الذي يحكمون، وبالحفاظ على الأرض التي فرضوا أنفسهم عليها أو عُيّنوا عليها.. وعلى السيادة الوطنية..

 

ومن الصفات التي لا يمكن أن تخلو منها “إسرائيل” ويجهلها الحكام العرب أو يتجاهلونها:

  1. “إسرائيل” متغيرة لم تصل (ولن تصل في ظل العداء الشعبي المحيط بها) إلى حالة الاستقرار، وقراراتها متغيرة تتبدل تبعا للحزب أو الفئة أو المجموعة التي تفوز في الانتخابات، و في برلمانها (الكنيست)، فإن تكتلات الأغلبية تملك صلاحيات نسف ما قررته سابقتها..

  2. وفي حين يخضع النظام العربي سياساته الداخلية والخارجية للإملاءات والعلاقات الخارجية، فإن “إسرائيل” تخضع جزءا كبيرا من سياساتها الخارجية لوضعها الداخلي.. وها هو نتنياهو يلغي كل ما تظاهر سابقوه بقبوله حول وقف الاستيطان.. ويتحدى أكبر وأقرب حلفائه الأمريكيين، ويتجاهل كل ما قال سابقوه لسورية في المفاوضات، وكل ما قالوه لسلطة عباس، ويطالب بمفاوضات جديدة تبدأ من نقطة الصفر.. ولا تشمل القدس والاستيطان ويهودية الدولة.. التي يشمل إعلان استقلالها عام 1948 أنها يهودية..

  3. لا يوجد لدى “إسرائيل” صداقات دائمة مع غير اليهود، وهي تعامل الخدمات المقدمة لها  على أساس أنها فرض وواجب أقرهما الله لصالحها.

  4. وهناك على مستوى الميليشيات تجربة جيش لحد في جنوب لبنان، الذي تخلت عنه حين خرجت من لبنان، رغم خدماته،

  5. وعلى مستوى الدول، تجربة السادات ومبارك، فرغم كل ما قدمه مبارك لها في عدوانها على غزة، ورغم الغاز المصري المتدفق لسد حاجاتها، فإن وزير خارجيتها يهدد بضرب السد العالي،

  6. وحتى على مستوى الأفراد العملاء (الجواسيس)، فإنهم يشكون من تخليها عنهم رغم استيعابها لهم في المناطق المحتلة، كما فعلت للعميل الذي ضحى بالشهيد محمد عياش، حيث سمعْتُهُ يشكو للإذاعة الصهيونية من سوء المعاملة ومن عدم قدرته على تعليم أبنائه..

  7. وعلاقتها التلمودية مع أصدقائها مبنية على ابتزازهم واستمرار الضغط عليهم ليتفانوا في خدمتها بالسياط والتخويف والابتزاز.. تحت حماية وتغطية مطلقة من المجتمع الامبريالي بالكامل الذي وعدته (وفعلت) أن تكون أداة من أدواته، منذ هرتزل وحتى يومنا هذا.. هرتزل الذي لم يتسول “ليحصل على الوطن القومي اليهودي”، بل بنى طلباته من بريطانيا وغيرها، على تبادل المصالح وتقديم الخدمات والمقايضة، حتى قبل أن يكون في موقع يمكنه من المقايضة، أي عندما كان المشروع الهرتْزْلي على ورق..!

 

  1.    العلاقة بين “إسرائيل” والإمبريالية في مراكزها المختلفة، الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، علاقة تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:

    • تقديم الخدمات من موقع القوة في منطقة النفط وقناة السويس

    • نشاط مجموعات الضغط اليهودية أو الصهيونية غير اليهودية المحلية

    • والابتزاز المبني على تزوير التاريخ وأكذوبة المحرقة، التي وصلت قوة استخدامها إلى درجة جعلت الشعوب الأوروبية تشعر بعقدة ذنب تاريخية تجاه اليهودي الضحية، وجعلت بريطانيا وفرنسا أم الديموقراطية، وتبعتهما ألمانيا، تدينان، بقوانبن وتعلبمات رسمية، أي مواطن فيهما يحاول مجرد البحث في حقيقة المحرقة.. مجرد البحث، خوفا من كشف الأكذوبة.. و إثبات أنها أكذوبة.. أو أنها مبالغ بها، أو أن قصتها تختلف عما يروج له الصهاينة..

أما علاقات الأنظمة العربية مع العالم، فهي عمليا:

  1. إما علاقة أنظمة خاضعة للامبريالية، شرسة في التعامل مع الشعب الذي تحكمه ولا تأخذ برأيه في أية مسألة حتى شؤونه المعيشية. ودويلات وحكام يستجْدون الحماية والمساعدات.

  2. أو أنظمة وحكومات رافضة للهيمنة الامبريالية، لكن تواجهها بأدوات ضعيفة (أي بجيوش نظامية تملك أسلحة قديمة غير متطورة، ولم تعد تستطيع تطويرها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي) ولا تلجأ إلى السلاح الأقوى في التاريخ، وهو الشعب المقاوم.. وكانت النتائج أن تحركت جيوش هذه الامبريالية.. لتقتل من تقتل وتهدد من لم تقتل بعد.. وتقزم الجيوش وتحد من قدراتها بل وتلغي أدوارها..  كما في العراق.

  3. أو أنظمة لا مكان لها في الإعراب، وتحاول أن تعطي لنفسها دورا غير موجود، للاستهلاك المحلي ولملء صفحات الصحف وساعات البث التجريبي لتلفزيوناتها والذي سيبقى تجريبيا..

  4. لكن في السنوات الأخيرة، برزت قوتان لا تقبلان الخضوع للإمبريالية و”إسرائيل”، هما سورية وحزب الله، فانبرت كل قوى الإمبريالية وحلفائها اليهود والعرب لمقاتلة هاتين القوتين..  ولكن سورية انخرطت بذكاء كبير في قطب عالمي يواجه القطب الأمريكيو-يهودي ولا يقبل الهزيمة أمامه، ويعتبر نفسه جزءا من الهدف في الهجمة على سورية..

 

وفي ظل هذا النوع من العلاقات، يدور الصراع في الساحات الرسمية.. وفي دهاليز الأمم المتحدة، وأروقة المخابرات الدولية..

وفي ظل هذا النوع من العلاقات تملى الشروط على الضعفاء..

وفي ظل هذه العلاقات تحاول “إسرائيل” أن تستكمل بناء مشروع دولتها الدائمة..

 

ولكن في ظل هذه العلاقات تتحرك الشعوب.. فكانت المقاومة الشعبية العراقية.. وكانت المقاومة الفلسطينية الصامدة التي لا تسمح للعدو بالانتصار.. وكانت المقاومة اللبنانية الفاعلة.. التي برهنت للعدو أنه ليس فوق البشر.. ومقاومة الجيش السوري المبدع، الذي أدهش العالم بقوته..

 

وفي وسط كل هذه العلاقات، تقع المساحة الجغرافية لشرق الأردن..

فماذا تعني هذه المساحة وما عليها في الوعي اليهودي؟؟

وما هو أثر هذا العدو على الحياة المطلبية للمقيمين على هذه الأرض؟

 

حين نتحدث هنا عن شرق الأردن في وعي العدو، وعما يريده العدو من شرق الأردن، فهذا لا يعني بالضرورة أن يتمكن العدو من تحقيق ما يريد، ما دام الشعب موجودا، ويرفض أن نسمح له تحقيق ما يريد، لكن العدو يريد، ويحاول أن يحصل على ما يريد.. وخصوصا بعد إضعاف العراق، وبعد أمله في إضعاف سورية (وقد فشل حتى اليوم). ولا يمكن التنبؤ بموعد نشاطه لتحقيق بقايا وطنه التي يزعم وجودها في الأردن..

 

ويتناول الوعي اليهودي لشرق الأردن من عدة زوايا:

  1. شرق الأردن كجزء من أرض الميعاد وفي الديانة اليهودية والتاريخ التوراتي وإسرائيل الكبرى.. وتقرير ماذا يمكن أن يستبدل هذا الجزء من أرض الميعاد ضمن سياسة المقايضة التي يؤمن بها.. إذا لم يتم تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى.. وإذا جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنه؟؟

  2. شرق الأردن كبقية الوطن القومي ليهود العالم المنتظر..

  3. شرق شرق الأردن (شرق المفرق) كمساحة احتياطية لتوطين أهل البلاد المحتلة خارج الدولة اليهودية المخطط لها مع من ينوي تهجيرهم من مواطني شرق الأردن (بما فيهم دعاة “الأردن أولا”)..

  4. شرق الأردن كعمق عازل عسكريا وأمنيا وحراسة للحدود

  5. شرق الأردن كمعبر للتطبيع الثقافي والاقتصادي

  6. شرق الأردن كأرض ومساحات يمكن استخدامها للمشاريع الاقتصادية (المدن الصناعية المؤهلة) أو البحثية العلمية (مشروع جسر الهوة) بسبب ضيق المساحة المتوفرة تحت الاحتلال..

  7. شرق الأردن كسوق مؤقت قبل تحقيق مشاريعه الكبرى..

 

النقطة الأولى التي يبدأ الحديث بها، هي فكرة أرض الميعاد في الديانة اليهودية والتاريخ التوراتي كأحد محركات إنشاء دولة اليهود، وهو المحرك العقائديِ،  وهو المحرك الذي يبدو ظاهريا وكأنه كان وراء طرح مشروع دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، أوالآمبراطورية  الإسرائيلية كما يحلو لبعضهم أن يسميها Israel Empire، هذا المشروع المنطلق من فكرة أرض الميعاد.. الواردة في التوراة (نسختها المعتمدة من اليهود)، في أكثر من سفر من أسفاره، (والسفر يعادل فصلا من الفصول Chapter، يقسم إلى أبواب، وتقسم في هذه الأبوب الروايات والقصص والأقوال إلى جمل قصيرة مرقمة) مثلا في سفر التكوين 15/18 أي في الباب الخامس عشر وبدءا من الجملة 18 يقول التوراة: إن ألله قال لابراهيم “سأعطي نسلك هذه الأرض الواقعة من وادي العريش، إلى النهر الكبير نهر الفرات”، والمثل الثاني في سفر التثنية11/24 حيث يقول لهم الله كما ينشرون ويعلمون أبناءهم: “يطرد الرب جميع تلك الأمم من أمامكم، فترثون شعوبا أعظم وأكبر منكم، وكل موقع تطأه أقدامكم يصبح لكم، فتكون حدودكم من الصحراء في الجنوب إلى لبنان، ومن نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط غربا”

وفي الحالتين نرى شرق الأردن جزءا من أرض الميعاد (رغم اختلاف الحدود في الوعدين)..

 

كذلك ستتم مناقشة مسألة تراجع هذه الفكرة أي فكرة إسرائيل الكبرى، وهل تخلى اليهود عنها بدون مقابل، و مقابل ماذا تخلوا، إذا تخلوا بسبب مقاومة أهل الأرض لوجودهم، و/أو المعطيات الدولية السائدة والتي ليس من بينها قوة الأنظمة العربية، (وإن كان من بينها رفض الشعب العربي أن يستسلم ومقاومته الباسلة في لبنان وصموده ومقاومته في فلسطين؟) مع مناقشة موقع شرق الأردن في وعي اليهود وخططهم في الحالتين: حالة التخلي وحالة الإصرار على المضي في تطبيق فكرة إسرائيل الكبرى..

 

وفي الحقيقة، وضمن معطيات قوانين النشر والمطبوعات القمعية السائدة في عالمنا العربي، سأحاول ما أمكن أن أقول ما يفيد القارئ مع الحذر من تجاوز حدود المنع، ليس خوفا من النتائج ولكن حرصا على تمرير المعلومة وعدم إعطاء مبررات قانونية لأقلام القمع.. يوقفون بها النشر..

 

لا بد من القول، بادئ ذي بدء، أن فكرة إسرائيل الكبرى كإنجاز جغرافي على كامل المساحة التوراتية، تراجعت عمليا عند عدد كبير من اليهود.. دون أن تتراجع كحلم بسبب وجودها في التوراة..

وللعلم، فاليهود يفسرون ما ذكر في التوراة عن إسرائيل الكبرى، أنه يشمل حسب الخرائط المنشورة في مواقعهم، سورية الكبرى (بما فيها شرق الأردن وفلسطين ولبنان وغرب وجنوب نهر الفرات من العراق، وأجزاء من شمال السعودية تقع شمال الخط الواصل بين شط العرب شمال الكويت عند الحدود الإيرانية وأسوان جنوب مصر، محتوية القاهرة.. وسيناء وكثيرا من المدن المصرية..

بالنسبة لإسرائيل في مرحلتها الأولى، أي على الأرض الفلسطينية المشمولة في وعد بلفور، قدمت الحركة الصهيونية، لمؤتمر باريس الهام عام 1919،  Paris Peace Conference اقتراحها، وتقول فيه وفي الفقرة الخاصة بالوطن القومي لليهود، “إن إسرائيل تمتد إلى الخط الحديدي الحجازي وحتى العقبة.. وإن السهول الخصبة شرق الأردن، منذ عهد التوراة، مرتبطة اقتصاديا وسياسيا مع غرب الأردن،.. وهذه الأرض ذات الكثافة السكانية الخفيفة والمتناثرة،.. يمكن الآن أن تكون جذابة لفكرة الاستعمار بشكل واسع، وإن نظرة عادلة إلى احتياجات الجزيرة العربية وفلسطين، تتطلب حرية وصول  الحكومتين إلى الخط الحديدي الحجازي على كامل طوله..   ويقول الاقتراح أن التطوير المركز أو الكبير للزراعة ومجالات أخرى شرق الأردن، تجعل فلسطين (التي ستصبح إسرائيل) لا تستغني عن الوصول إلى العقبة وعن الفرصة لتطوير موانئ جيدة هناك، حيث سيعاد إحياء العقبة التي كانت محطة نهائية Terminal  لطريق التجارة الفلسطينية منذ أيام النبي سليمان وبعدها.”.

 

سبب الاستشهاد بهذه الفقرة، هو محاولة توضيح موقع شرق الأردن في الوعي اليهودي عقائديا واقتصاديا منذ النبي سليمان.. وفي الاقتصاد، فكرة العبور إلى الوطن العربي من شرق الأردن تتكامل مع فكرة الاستثمار والاستعمار.. منذ سليمان.. هذا ما يقولون اليهود.. محاولة منهم للإيحاء باستمرارية تاريخهم.. لتبرير اقتحام الأرض والاستيلاء عليها.

 

وسبب محاولة التوضيح هذه، هو الانتقال بعد ذلك، لمعرفة موقع شرق الأردن في فكرة إسرائيل الكبرى، في الحالتين التاليتين المتضاربتين:

    • حالة استمرار اليهود في السعي لتحقيقها..

    • حالة تراجع الفكرة في البرنامج التطبيقي اليهودي

أولا: في حالة استمرار السعي اليهودي لإقامة إسرائيل الكبرى بالمفهوم الجغرافي، أي من النيل إلى الفرات، فموقع الأردن مثله مثل سورية ولبنان وفلسطين وغرب العراق وشمال السعودية وشرق النيل، كلها تشكل جزءا من الأطماع. لكن الفكرة لم تعد تستحق الجدال رغم وجودها عند كثير من اليهود كحلم..

لكن يجب أن يكون واضحا، أن فكرة إسرائيل الكبرى لم تمت تماما.. وما زال بعض اليهود ومفكريهم المؤثرين بهم يدعون لإنشائها، مثل آمي إسروف Ami Isseroff ، الذي يطالب بها (1906) مع إعطائه ثلاثة أسباب رئيسية:

الأول: البعد العقائدي الديني والوعد الإلهي

الثاني: الخوف مما يسميه الإرهاب

والسبب الثالث: قابلية الاستمرار في الحياة..  viability حيث تحتاج إسرائيل لأراض إضافية عن أرض 1948 و1967 حتى تتمكن من ان تكون أكثر قابلية للحياة بالزراعة والماء والتحركات العسكرية.

 

وهو يُشَبِّهُها بالامبراطورية الرومانية، ويقول أن الحدود القابلة للحياة ليست محددة بالأبعاد والزمن.. ولا يمكن ابدا تحديد أرض كافية لإسرائيل.. لأنه هناك دائما أعداء على الحدود..

ويقول: قبلنا بمشروع 1947، فعاشت إسرائيل 19 عاما (يقصد حتى 1956)

ثم يقول: بالنسبة لحدود 1967، قيل لنا أننا حصلنا على حدود قابلة للدفاع عنها.. مع عمق استراتيجي، ويستهزئ بالقول: إن هذه الحدود أرغمت إسرائيل لزيادة مدة خدمة العلم من عامين إلى ثلاثة.. ويستمر بالسخرية ويقول: “بل حتى إننا أفقنا صباح يوم من أيام أكتوبر 1973، لنسمع ضابطا سورية يسأل قادته فيما إذا كان عليه أن يجتاح الجليل”.

 

هذا الكاتب يمثل شريحة هامة من مؤيدي فكرة إسرائيل الكبرى جعرافيا، فهو رغم إحساسه بالضرورة، إلا أنه يعبر عن قلق مستمر وحيرة أكبر وفقدان للبوصلة، حتى أن أحد المعلقين اليهود على ما كتب يقول: إنني لا أجد حلا..

وهناك كتاب حديث 2007 لدافيد نجار “قضية لإسرائيل أكبر  The Case for a Larger Israel (موجود في الإنترنت) وقد درسته بالتفصيل، في هذا الكتاب يناقش الكاتب مختلف العناصر ليصل إلى نتيجة أن إسرائيل لا تستطيع أن تستمر في الحياة إلا إذا كانت أكبر.. وعلى حساب أرض الأردن والجولان وجنوب لبنان (أنظر الخارطة 2007)..

 

الحالة الثانية: أما الذين تخَلَّوْا تماما عن فكرة إسرائيل الكبرى الجغرافية، فإنهم لم يتخلَّوا عن فكرة أرض الميعاد الكاملة، إنما أرادوا أن يقايضوها مع الله، وقبلوا بتقليص مساحة أرض الميعاد الواسعة، مع إعطاء فكرة إسرائيل الكبرى أشكالا أخرى.. تعتمد استبدال المساحات المتنازل عنها من أرض الميعاد التوراتية، بمصالح اقتصادية وأشكال من السيطرة السياسية والعسكرية.. والفضل يعود بذلك لعجز حكوماتنا العربية..

وفي كل هذه الأشكال، حجزوا لشرق الأردن موقعا خاصا في مشروعهم..

وباختصار قبل التفصيل، بالنسبة لهم يريدون أن يكون شرق الأردن:

  • عمقا استراتيجي فاصل عن العراق كما يقول نتنياهو نفسه (واليوم تضاف الفصل عن إيران)

  • معْبرا اقتصاديا وأرضا احتياطية للفعاليات الاقتصادية (مثل المدن المؤهلة)

ارضا احتياطية للتوطين شرق المفرق، أي المكان المناسب لحل قضية فلسطين خارج فلسطين. أي في بانتستون. (البانتستون نموذج طبّقه كان النظام العنصري الجنوب إفريقي، لعزل السود والسيطرة عليهم مع إعطائهم صيغة الحكم الذاتي، الذي يبقي الأرض والقرار السياسي مع المركز)

  • معبرا عسكريا عند الحاجة ومساحة للمناورات والتحركات العسكرية الجوية والبرية

  • مساحة فعاليات أمنية

  • مخزن مياه احتياطي

وعلينا نحن أن نعي ذلك.. ونستعد لنقاومه مع شعبنا العربي.. قبل فوات الأوان..

الجانب التاريخي للمسألة

 

هناك الجانب التاريخي للمسألة، والذي يبدأ بالنسبة لليهود، افتراضا مع التوراة، أي أنه تاريخ دينوي يعتمد على الإيمان، دون وجود أدلة تاريخية مادية على الأرض كافية لدعمه،  ويمتد إلى بداية القرن العشرين الماضي، قرن الانتداب ووعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو ومراسلات الحسين مكماهون وتنفيذ اتفاقية سايكس بيكو وتأسيس إمارة شرق الأردن وتأسيس دولة اليهود..

 

ولن أخوض في موضوع نوايا بريطانيا التي اعتبر زعماؤها بعض أجزاء شرق الأردن جزءا من أرض فلسطين الانتدابية ومن الوطن القومي لليهود..

ولن أناقش الماضي رغم كونه أساس الحاضر.. فقد مات تشرتشل ومكماهون وهرتزل وسايكس وبيكو معهم.. لكنهم خلفوا تاريخا ووثائق واتفاقات ووعودا ووضعا دوليا وتاريخا يحتاج إلى آلاف الأوراق والساعات لتحليله، ولا يمكن تغطيته بورقة مثل هذه..

 

كما أن هناك المواقف الحالية من المسألة عند زعماء الغرب.. ولن نتناول مواقفهم لأننا نتكلم عن الموقف اليهودي من الأردن..

وبالتالي يمكن الخوض في ما يقوله ويريده ويخطط له من اليهود، الرجال الأحياء، أو الأموات الذين ما زال أثرهم واضحا مثل رابين وبيغن ودايان وغولدا مائير، وأتباعهم والأحزاب والمنظمات الفاعلة حاليا، ومخططاتها، لفهم موقع شرق الأردن في معادلات المسألة الإسرائيلية.. وفي وعيهم، شرق الأردن، تلك المساحة، البانتستون الممدد على مذبح الهيكل الصهيوني الذي يريدون له ان يكون جاهزا للتضحية بالسكين الأمريكوصهيونية وسكين الأنظمة الحليفة للمشروع الأمريكو-صهيوني، من أجل فداء “إسرائيل” في اللحظة المناسبة، إذا لم نعمل نحن لإجهاض تلك اللحظة، وإذا لم نكن بمستوى المواجهة في تلك اللحظة، ولسان حالهم يقول أنهم يريدون الانتقام من ميشع ملك مؤاب الذي يقولون إنه ضحى بابنه وذبحَهُ بنفسه على أسوار قلعته المؤابية (قلعة الشوبك) لنشر الرعب في قلوب أجدادهم العبرانيين الذين عبروا من هناك.. قبل آلاف السنين… في طريقهم إلى أرض فلسطين..  التي كان يسكنها باعترافهم قوم جبارون.

 

وحتى يكون هذا الموضوع مفهوما بشكل جيد، لكل من يقرأه، نظرا لحساسية المسألة، فلا بد من البدء بالإشارة إلى أنه، وحسب شهادة جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأسبق في كتابه حول الشرق الأوسط “دماء ابراهيم” الذي صدر عام 1985، قد قال الملك الحسين الراحل لكارتر “إنه قلق من التهديد المتكرر بأن المسألة الفلسطينية يمكن أن تحل من خلال تحويل الأردن إلى دولة فلسطينية”.. أي أنه كما يقول كارتر: ” كان قلقا على مملكته”..

والملك الراحل كان على اطلاع أكثر من أي واحد آخر، بحكم موقعه وعلاقاته، على ما يهدد شرق الأردن.. والتهديد لم ينته ولم يتوقف.. وربما كانت كلماته هذه في تناقض مع ما يقال عن الدور الوظيفي للنظام في الأردن.

 

وقبل أن نصل إلى موقف حكومة اليهود الحالية ونتنياهو والكنيست، نمر مرورا سريعا على بعض المواقف لبعض القيادات اليهودية ما بعد 1967 وهي الفترة الأكثر ارتباطا بالواقع الحالي:

قال تقرير لوليم سافير William Safire في نيويورك تايمز عن شارون عندما كان وزيرا للدفاع في الثمانينات، “أنه مقتنع أن حل مشكلة فلسطين يتم في الأردن، وعلى الملك أن يفكر …وأن عرب يهوذا والسامرة وغزة سوف يجدون هويتهم مع الأغلبية في أردن فلسطيني!

وبيريز الصديق الذي يزور الأردن في كل المؤتمرات الدولية، طالب بالتوطين من قلب عمان، في مؤتمرها الاقتصادي، ومثله طالب رابين وآبا إيبان والبقية الباقية..

وهذا لا يتعارض مع نصوص معاهدة وادي عربة إلا بما يتعلق بطريقة التهجير، قسرية أو بحنان..! كما ورد في المادة الثامنة من المعاهدة، الفقرة ج، التي تقول: “ج- من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها، بما في ذلك المساعدة في مضمار العمل على توطينهم”.

إن “إسرائيل” لم تصل إلى حالة من الاستقرار، ومع إصرارها بكل تياراتها أن تبدو أمام العالم دولة ديموقراطية.. في بحيرة الشرق الأوسط ذات الأنظمة الشمولية، فإنها تعيش حالات من التناقضات المرعبة:

فأيُّ مجتمع ذلك الذي يدعي الديموقراطية وكل خطوة من خطاه تتم تحت قصف الطائرات والمدافع والصواريخ والدم؟؟

وأي مجتمع هذا الذي يريد أن يكون ديموقراطيا، بينما لا تتسع الأرض التي يعيش فوقها بقوة الاغتصاب، إلى أي من مشاريعه، فيذهب للبحث في مناطق المحيط المعادي له، عن أرض يستأجرها أو يحتلها أو يخوض حربا من أجل العمل فيها، ومن أجل أن يشيد عليها ويزرعها ويسرق ماءها، خارج الحدود المتغيرة التي لا يستطيع تعريفها لنفسه؟

وأي مجتمع ديموقراطي هذا الذي لا يستطيع أن يرسل أبناءه إلى المدارس إلا بالحراسة، لأنه سرق المدارس من آخرين.. ولأنه حرم أطفال الآخرين من مدارسهم؟ وقتلهم داخل صفوفهم وهدمها على رؤوسهم؟ وغير ذلك الكثير..

وأي مجتمع هذا الذي يفر مستوطنيه من قصف حزب الله للجليل، ولا يعودون بعد الحرب إلا بمقابل مالي كبير؟

بل أي مجتمع مستقر هذا الذي لا يعرف حدودا، واضحة، يمكنه أن يتعامل مع العالم على أساسها؟؟

 

إنه فقط مجتمع الغزاة المتوحشين الهولاكيين.. الذين لم تعد الأزمنة مناسبة لاستمرار وجودهم ..

 

لقد وضعوا أنفسهم في بوتقة معقدة: لا يستطيعون العودة إلى المجتمع الأوروبي الذي لم يقبلهم في الماضي بسبب فوقيتهم وجشعهم المبني على عقيدتهم الفوقية، ولا يضمنون حُسْن بقائهم في محيط عذبوه حتى أصبح لا يستطيع قبولهم..

وأصبحوا بعد قرن كامل يعقدون المؤتمرات لحكمائهم لمناقشة مسألة ديمومتهم!!!!!

.

وفيما يتعلق بشرق الأردن، كل ما سبق يعني أن الموقف الإسرائيلي منه متغير شكلا.. حسْب من ينجح في الانتخابات.. وأقول شكلا، لأن كل اليهود يحملون هدفا استراتيجيا واحدا، لا يمكن أن يُنتج إلا موقفا واحدا.. وهو موقف البحث الدائم عن الأمن  والذي لا يمكن أن يؤمِّنَه لهم لا حليف ولا صديق، ولا حتى حليف مهزوم يمكن أن يلملم أشلاءه يوما.. وينهض من جديد..

.

لا بل أثبتت الأحداث انه حتى الجيش الذي لا يقهر، وحلفاؤهم الغربيون، وسلاحهم النووي، وعملاؤهم، لم يستيطعوا مجتمعين أن يوفروا لهم هذا الأمن الدائم المنشود.. فقد هزم جيشهم.. وفشل حلفاؤهم في القضاء على المقاومة في المنطقة.. وتخبط عملاؤهم لا يعرفون ما يفعلون..

ولكنهم يريدون في ظل كل ذلك،

ورغم كل ذلك،

ولأنهم استعمار إحلالي، أي استعمار يحمل أطفاله وعائلاته على دباباته، ليُحلَّهم محل أهل الأرض التي يستعمرها ويطرد أهلها،

فهو لا يستطيع إلا أن يبحث عن وسائل لضمان حياة هؤلاء الأطفال وتلك العائلات، التي لا تستطيع أن تحيا إلى الأبد فوق ظهر الدبابة، أو تنام تحت أزيز الطائرات الأسرع من الصوت،

وإلا أن يبحث عن سبل لتوفير ظروف شبيهة بظروف المجتمعات الطبيعية ليسكنهم ويحرسهم فيها..

 

وهذا حتما يتطلب:

  • تهجير المقيمين على الأرض التي يريد لأولاده أن يلعبوا عليها،

  • وسرقة مياه هؤلاء لهم،

  • وإقامة حدود آمنة حولهم وحراستها،

  • وإنشاء جيش همجي قوي وتسليحه بسلاح تدمير من كل الأنواع، بل حتى تحويل كل القادرين على حمل السلاح إلى جنود،

  • وتوفير العملاء والجواسيس ليُحذروه في الوقت المناسب حول كل النشاطات التي يمكن أن تمارس ضد عدوانه،

  • وتوفير الأمن الغذائي بالزراعة والصناعة على الأرض التي يغتصبها،

  • وتوفير الأموال بالتسويق والمشاريع الاقتصادية الكبيرة،

  • وتوفير المساحات السياحية الداخلية لحركة سهلة يحتاجها كل البشر بعد أن يخلعوا بزاتهم العسكرية بعد ساعات عصيبة من مطاردة أطفال المدارس من الشعب المقاوم بالطائرات والدبابات،

  • وباختصار وحتى يضمن استمرارية الحياة.. يريد كل أسباب الحياة الطبيعية التي لا يستطيع الحصول عليها بالطرق الطبيعية، وهو يريدها أيضا أن تكون متميزة عن الوسط والمحيط الذي يريد أن يثبت نفسه فيه لأنه يعتبر نفسه متميزا عنه..

  • وفي الماضي قال اليهود عن أرض فلسطين وشرق الأردن إنهما أرض بلا شعب.. وفوجئوا أن الشعب هنا غير قابل للموت.. وأنه لن يستمر بالبقاء شعبا مشردا بلا أرض..!

 

ولكنهم أصبحوا في المنطقة.. “لايستطيعون الانتصار.. ولا يتحملون الاندحار”.. ويملكون الجيش القوي والمال والدعم الدولي.. فما الحل؟؟

لقد صاح بعضهم في تعليقاته على استحالة إنجاز مشروع إسرائيل الكبرى: “إنني لا أرى حلا”.. ولكن هذا ليس موقف نتنياهو وباراك وبيريز وليبرمان..

إنهم يضعون عينهم على دول الطوق وأرض الطوق ومياه دول الطوق واليد العاملة في دول الطوق والجيوش فيها، والباحثين عن الرشاوى في الطوق.. وكل شيء في دول الطوق.. وشرق الأردن في دول الطوق!!

 

وشرق الأردن جزء من هذا الطوق.. بل هو الجزء ذو الحدود الأطول.. فكيف يمكن أن يتخلى اليهود عن أطماعهم فيه.. بغير مقاومة مشاريعهم بكل السبل؟.. وخصوصا أن أطماعهم فيه وتجاربهم تجعلهم يعرفون أن حوار الأديان وكل مؤتمرات دافوس ومعاهدة وادي عربة لن تتقدم بهم خطوة واحدة باتجاه الأمن الخالد المنشود.. وهم يعرفون ذلك..

.

ومهما كانت الحكومات التي تنتجها ديموقراطيتهم وقلقهم وحيرتهم في مثل هذه الظروف.. فهي لن تختلف إلا بالشكل، وبالبرامج الزمنية لتنفيد الخطوات اللازمة لتحقيق الأهداف المتفق عليها بين كل حكوماتهم.. وهو الوصول إلى إسرائيل الكبرى.. الكبرى جغرافيا أو الكبرى بالهيمنة والسيطرة..  أيهما يتحقق أولا..!

.

إنها صرخة جابوتنسكي عام 1935.. “نريد امبراطورية يهودية”!! وبعده موشي دايان عام 1967..

ونظرة إلى أقوال بيريز وكتاباته، ورابين، وكلهم متفقون.. أن شرق الأردن جزء رئيسي في كل ما اتفقوا عليه.. لأنه مركز مشروعهم..

.

ولا اعلم كيف يمكن أن يقال كلام غير هذا.. إنها أبسط المفاهيم.. وباللغة البسيطة غير المعقدة.. التي يفهمها أي رجل في الشارع..

.

وببساطة أكبر.. هل يمكن أن يتنازل المسلمون عن أي قضية محددة وواضحة تماما في القرآن الكريم؟ مثل المسجد الأقصى؟؟ الجواب لا، لأنه في الكتاب المقدس..

.

وشرق الأردن في التوراة التي هي كتاب اليهود المقدس، ودون قصد المقارنة.. فكل ما في كتابهم المعتمد منهم، مقدس، ويُعتبر هدفا يسعون ما عاشوا لتحقيقه، حتى الملحدون منهم.. وقد استمروا على مدى ألفي عام، (2000 سنة)، وهم يذكرون القدس كل يوم، ويقولون “شُلّت يميني إذا نسيتك يا أورشليم”، وهم مروا منها مرورا فقط.. ومكثوا فيها لعدد من السنوات لا يعتبر في عمر الشعوب ذا قيمة.. ولم يتركوا فيها أي أثر عمراني يشهد على مرورهم هذا..

وللعلم.. فهم لا يهمهم ما يقول المسلمون عن تزوير توراتهم.. ويبنون رامجهم بوحي منه..

 

ومثل أورشليم، فشرق الأردن مذكور في كتابهم كجزء مركزي من أرض الميعاد.. فلماذا ينسونه، ولماذا يتخلون عنه، إذا لم يكن هناك من يفرض عليهم أن يتخلوا عن حلمهم بِضَمِّه؟؟  وخصوصا أنه يشكل بالإضافة إلى المسألة الدينية، موقعا استراتيجيا لمصالحهم، مجرد سؤال!!

 

وفي أشرس محاولات الهيمنة على المحيط وأنجحها حتى اليوم، عقدت “إسرائيل”  المعاهدات المعلنة وغير المعلنة.. مع دول المحيط..

 

وبالنسبة لشرق الأردن، كانت ثمرة هذه المحاولات.. معاهدة وادي عربة..!!

 

ومن الطبيعي أن نؤكد أن هذه المعاهدة ليست معاهدة صداقة وتفاهم، كما يحاول بعض المشاركين في إنجازها من الطرف الأردني أن يدّعوا.. وعلينا أن نعرف ما يلي:

اليهود يعتبروننا من الغوييم (غير اليهود) المهزومين الذين طردنا الله من الضفة الغربية لصالحهم، وهم يحتقرون كل الغوييم.. فكيف بالغوييم المهزومين الخاضعين؟؟ والنص واضح حسب التوراة والوعد الإلهي الذي يتمسكون به، فنحن: في سفر التثنية11/24 يقول النص التوراتي عنا إننا قوم أعظم وأكبر منهم، يطردنا الله من أمامهم، ليرثونا..! وعلى دعاة حوار الأديان والصداقة معرفة ذلك إذا كانوا لم يعرفوه بعد..

إليهود يحتقروننا، لأننا غوييم، حتى إن تلمودهم يقول لليهودي إن الله يغضب عليه إذا مر بالقرب من مقابرنا ولم يلعن ساكنيها من أمواتنا.. هكذا تماما.. واليهود يعتبروننا نقيضا لهم، لأنهم يعتقدون أن الله يطردنا من أمامهم ولا يتركنا لنتقاسم الأرض معهم، بل يطردنا ليرثونا.. وفي هذا الموقف يجري الخلط بين الموقف العقائدي الدينوي وبين المصالح الاستعمارية..

.

أهداف إسرائيل من معاهداتها مع الدول العربية، واضحة، إنها أهداف دولة تريد قطاف ثمار انتصاراتها العسكرية، وفي معاهدة وادي عربة، مثل أي معاهدة أخرى قائمة أو محتملة، تحاول أن تعوض في شرق الأردن، ما خسرته من تراجع فكرة “إسرائيل الكبرى” الجغرافية التي بحثناها سابقا.

الحكومة الأردنية وقعت معاهدة وادي عربة وسط قلق وتردد عدد كبير من الذين شاركوا فيها أو التزموا باستحقاقاتها..

وأعطي بعض الأمثلة على ذلك:

المثال الأول: مروان المعشر أول سفير أردني في “إسرائيل”.. وفي كتابه (نهج الاعتدال العربي) الصادر عام 2008، يعبر بوضوح عن هذا التردد عندما يصف موقفه السابق لقبول موقع السفير الأول، ويصف كم عانى وعانى أفراد عائلته قبل ان يقبل المنصب.. رغم أنه يصف مسألة السلام العادل والشامل مع اليهود كمسألة إيمانية بالنسبة له (طبعا هو لم يشرح كيف يكون سلام مثل هذا سلاما عادلا ولن يستطيع لاستحالة ذلك)

المثال الثاني: في محاضرة في الكرك قبل مدة، وفي حوار مع الناشط الوطني (شادي مدانات) أمام الجمهور، قال رئيس وزراء سابق “إنه كان له شرف التوقيع على المعاهدة”، وتعهد أمام الجمهور باعتزال الحياة السياسية إذا كانت المعاهدة تتكلم عن التوطين (وطبعا لم ينسحب رغم أن المادة الثامنة من المعاهدة تنص على الالتزام بالمساعدة في التوطين)،

وهذا الموقف من رئيس للوزراء ونائب في عدة دورات، يبين أن من وافقوا على المعاهدة لم يقرؤوا نصوصها أو أنهم على خجل من ذكر موافقتهم على نصوصها واستحقاقاتها التي تتضمن المساعدة في التوطين!

 

والمثالان يعبران عن مصيبة أكبر من الأخرى!

 

أما رئيس الوزراء الأردني الذي عقدت المعاهدة في زمنه، وفي مقابلة مع إحدى الفضائيات اللبنانية قال الكثير عن ضعف الأردن وعجز الأردن، مما يشير إلى أن المعاهدة لم تكن متكافئة ومتوازنة، بل كانت شروط القوي على الضعيف.. ولا يسعني هنا إلا أن أشير إلى ما قاله للوفد الفلسطيني المفاوض، “شلومو بن عامي” وزير خارجية اسرائيل السابق خلال رئاسة باراك، “أنتم لم تنتصروا في الحرب”.. وأعتقد أنه يعني: نحن انتصرنا في الحرب.. نحن نفرض ما نريد..

 

كل ما يريد الأعداء ضمن مفهوم “الامبراطورية الإسرائيلية”، أعطته لهم المعاهدات كلها.. بدءا من الاعتراف ومرورا بالمياه وتأجير وبيع الأراضي لمشاريعهم، وحتى حراسة الحدود والأمن والسوق..حتى السماح لهم بالسياحة  والحركة دون تأشيرات دخول.. وغير ذلك..

وقبل كل ذلك قيادة المنطقة.. وثقت حكوماتنا باليهود وزرعت الصواريخ المضادة لصواريخ صدام أيام حكومة أبي الراغب على الحدود مع العراق.. وهم اليوم يضعون شرطا على الأردن عدم نصب صواريخ أردنية في الأغوار،  كما يقول زئيف شيف الإسرائيلي المتخصص في قضايا الدفاع والاسترتيجيا في هاآرتس. في حين يملكون كل أنواع الأسلحة وينشرونها كيف وأين شاؤوا.. وهم لا يثقون باليد الممدودة إليهم بضعف.. لأنهم يدركون أن السلام المزعوم ليس عادلا.. والعدل لا يمكن أن يكون ما داموا موجودين على أرض غيرهم.. ويدركون أكثر من ذلك أن السلام غير العادل يمكن أن ينتج “دقامسة” في أي لحظة..

وهم يقترحون حلولا مختلفة على شرق الأردن، فأحيانا المملكة المتحدة، وأحيانا الكونفدرالية وفي حالة أخرى، البنولوكس.. وكلها حلول لا يوجد فيها تكافؤ، واليهود هم فيها المرشحون لموقع القيادة..

 

وبالنسبة لهم، فالكونفدرالية ليست فقط للتوطين بل حتى لحل مسألة انقطاع التواصل الجغرافي بين غزة والضفة وتحقيق ضمانات أمنية وعسكرية مع الدول العربية..

 

أما المياه، فقد تحولت من مياه للأردن منذ بداية التاريخ، إلى مياه للأردن فيها حصة ملوّثة، وليس له حق التصرف بها إلا بالاتفاق مع اليهود، ويعطونه الحصة بالطريقة التي يريدون، وحين يريدون..

 

ومواقفهم من شرق الأردن واضحة أيضا في حضورهم مؤتمراته التي يوفر لهم فيها الفرص للقاء الآخرين عربا أو غيرهم، مثل دافوس ومؤتمر عمان الاقتصادي..

كما يريدون أن يوفر شرق الأردن مَعْبرا لبضائعهم إلى العالم العربي.. بالإضافة إلى توفير سوق محلية في داخله نفسه.. مجدية لهم رغم صغر سوقِه.. (نشرت الصحف الأردنية معلومات مذهلة نسبيا، عن الخضار والفواكه التي تستورد منهم..)

 

إذن:

هذه بعض البنود التي يريدون أن يقايضوا بها تراجعهم عن فكرة إسرائيل الكبرى الجغرافية إلى إسرائيل الكبرى بالسيطرة..!..

والتي تؤدي بهم إلى قيادة الشرق الأوسط الجديد.. أو الكبير.. لكن هل يكتفون؟؟

إنهم لا يستطيعون أن يكتفوا.. وفي اللحظة التي يعتقدون فيها أنهم اكتفوا.. تكون إما نهايتنا.. أو نهايتهم.. ونهايتنا مستحيلة..

 

واليوم يحكمهم نتنياهو..

 

فماذا يقول نتنياهو عن شرق الأردن؟.. نتنياهو قال لمروان المعشر.. عندما كان الأخير سفيرا للأردن في إسرائيل، “أظنني أفهم الموقف الأردني أفضل منك”!! وكان قد أراد الاجتماع معه في كفتيريا الكنيست..  كما يقول المعشر نفسه في كتابه المذكور أعلاه.. وكم هي الإهانة للاجتماع في كافتيريا..

هذا الرجل الذي يقول إنه يفهم الموقف الأردني أفضل مما يفهمه سفير الأردن، الذي لا يرد على الإهانة حتى بأقل منها، هو الذي يحكم اليهود الآن.. وعلى يمينه ليبرمان وعلى يساره تسيفي ليفني، ليبرمان الذي يهدد بضرب السد العالي ليغرق مصر التي كان يحكمها مبارك (مُنفذ حذافير معاهدة كامب ديفيد ومغلق معابر رفح).

نتنياهو هذا انتخبه المجتمع اليهودي.. ماذا يعني شرق الأردن له؟؟  وبالتالي للمجتمع اليهودي الذي انتخبه؟

نتنياهو من أكثر اليهود صراحة.. وله كتاب منشور يوضح وعيه وفكره

يسمي نتنياهو الأردن في كتابه مكان تحت الشمس: شرق الوطن القومي اليهودي، ويؤكد في أكثر من موقع أنه 80% من أرض فلسطين الانتدابية التي يعتبرها أرض “إسرائيل”.

.

إنه اليوم يسميه فلسطين ليتمكن من طرد العرب إليه، لكنه يسميه “الوطن القومي لليهود”، لعله يعود إليها لاحقا…

وهذه المفاهيم لناتنياهو ليست جديدة وليست سرية، بل هي معلنة في كتابه “مكان تحت الشمس” وهو يمثل فهم اليهود اليهود، وما وصول نتنياهو وليبرمان إلى مواقع القرار بالانتخاب إلا دليل لا يقبل الشك..

لم تعد الرمال تتسع لرؤوسنا حتى نخبئها.. بل إنها تخجل من قبول دفن رؤوسنا فيها..

كي لا نرى الحقائق.. إنهم يريدون هذا الجزء من وطننا اليوم أو غدا.. وبدون أهله.. أو ببعض أهله عبيدا لهم.. فمتى تكون صحوتنا؟؟

 

أرواب التخرج من الهاشمية.. هل هي مجرد مسألة أرواب؟؟

كتبت هذه الفقرة في جريدة السبيل عندما حصل موضوعها.

كانت معاهدة وادي عربة تدخل في كل تفاصيل حياتنا.. بمباركة حكومية.. وأصبحت اليوم تدخل بتشجيع ومشاركة حكومية.. ولا أدري إذا كان ذلك يأتي كمكافأة للكيان الصهيوني على مذابح غزة واسطول الحرية واستمرار الحصار والاستعداد للتهجير بالقانون 1650 الصهيوني..

 

خلال الشهور الماضية فقط.. نتذكر معا بعض ما خرجت به الأخبار علينا:

  • قضية فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني على طلاب الجامعة الهاشمية، بإرغامهم على ارتداء أرواب للتخرج من صناعة المدن الصناعية المؤهلة، التي يدخل فيها على الأقل 8% من مدخلات إسرائيلية، رغم أن مسؤولينا أكدوا ألف ألف مرة، جميعهم، أن المدن المؤهلة لن تنتج للسوق المحلية..

  • وليت المسألة تتوقف عند الأرواب..

  • أصبحت الحكومة تبحث عن المنافذ التي لا تسهل مقاومتها (مثل أرواب التخرج المفروضة على الطلاب) لتسويق إسرائيل.. رغم أن التزامات المعاهدة لا تصل إلى هذا المستوى من التدقيق.. لكنه القرار بالمشاركة والتفاني قي خدمة استحقاقاتها..

  • نتساءل: هل تحولت المدن الصناعية المؤهلة من مدن أنشئت لتأهيل دخول البضائع الأردنية-الإسرائيلية إلى السوق الأمريكية، إلى مدن لتسهيل دخول المنتجات الإسرائيلية إلى السوق المحلية ومنها إلى السوق العربية؟؟ المشكلة تكمن في إصرار المسؤولين ومنهم رئيس الجامعة الهاشمية على وجود 4 أرواب فقط من صناعة إسرائيلية، ويمكن تسجيل الملاحظات التالية على أقوال رئيس الجامعة:

  1. لا يمكن أن يجهل الرئيس أن المدن الصناعية مرغمة على إدخال 8% على الأقل من مدخلات الإنتاج الإسرائيلية.. وإذا جهل ذلك.. فذلك بطرح التساهلات حول أهليتع لقيادة صرح كبير مثل الجامعى الهاشمية..

  2. إذا كانت هناك أربعة أرواب من صناعة إسرائيلية تعترف بها لجان التحقيق التي شكلها رئيس الجامعة.. هل يمكن أن يخبرنا الرئيس كيف دخلت هذه الأرواب الأربعة؟ هل جاءت وحدها؟؟ أم هل صنعت وحدها؟؟ هل هبطت من السماء؟؟

  3. نحن نشكر الرئيس على توضيح مسألة الخطأ في الملصق الموضوع على الأغلفة، والذي يقول “حفاطات أطفال” عن الأرواب.. فقد كشف التزوير الممكن والذي يمكن أن يغير اسم المنشأ إلى “الأردن” بدل “إسرائيل” حسب رغبة الشركة.. ما دامت الرقابة مغيبة عمدا.. وعن سبق إصرار وترصد.. ونحن نعرف أن المصانع في المدن المؤهلة تضع “صنع في إسرائيل” على بعض بضائعها لتسهيل تصديرها إلى أمريكا وأوروبا.. أي أن التزوير وارد دائما.. من أجل عيون الصهاينة..

  • وتأتي بعد ذلك الإعلانات عن المنح المعروضة للطلاب، للدراسة في جامعات ومعاهد الكيان الصهيوني.. (والتي قد يجري خلالها اختراق الوعي، وقد يتبعها التعيين في المراكز الهامة بعد التخرج)..

  • وكانت وكالة الأنباء الفرنسية قد نشرت تقريرا مطولا، وأجرت عددا من اللقاءات مع طلبة قالت إنهم أردنيون وفلسطينيون يدرسون في معهد بوادي عربة.. قالت “السبيل” أنها اتصلت بإحدى الصحف اليومية التي نشرت باللغة الانجليزية عن منح دراسية مجانية، فتبين لها أنها تعود الى معهد إسرائيلي في وادي عربة.

  • صحيفة كالكاليست الإسرائيلية المتخصصة بـ”الشئون الاقتصادية” نشرت عن خطة شركة  “أبناء فوزي شمشوم” الإسرائيلية لمشروبات الطاقة لتوزيع منتجاتها من مشروب “بلو” للطاقة في عدد من الدول العربية خاصة في الاردن والسعودية ومصر ودبي.  ونقلت الصحيفة عن مدير عام شركة “بلو انترناشيونال” الإسرائيلية “دورون فرنكشتاين” إحدى الشركات الفرعية لشركة فوزي شمشوم ـ قوله :” هدفنا الأساسي من توزيع تلك المنتجات في الدول العربية هو أن تكون رقم 2 في عالم مشروبات الطاقة بعد شركة ريد بول”.

  • ونحن نعرف أن هناك الكثير من المنتجات الصهيونية في أسواقنا، ومنها الأنواع المختلفة من الخضار والفواكه..

  • ولا ننسى إعفاء 2500 سلعة من البضائع الإسرائيلية من الجمارك والرسوم قبل عدة أعوام بدم بارد.. بموجب اتفاقية التعاون التجاري التي وقعها علي أبو الراغب عام 1995 لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي تفرضه المعاهدة..

إن الحكومة بحمايتها للتطبيع، كانت تتعلل بالتزاماتها بالمعاهدة وبحرية الرأي للمواطنين في التطبيع، وأنها غير قادرة على منع المطبعين من ممارسة خياراتهم، فالتعامل مع الأعداء خلال الحروب وجهة نظر وليس خيانة.. لأننا انسحبنا من كل الحروب.. ولم يعد لنا أعداء حتى لو أباد الصهينة كل العرب.. ولتذهب فلسطين التي كانت يوما “الضفة الغربية من الأردن” إلى الجحيم..

ولا تنطبق حرية الرأي على مقاومي التطبيع..

 

وأن شخصيا كنت معتقلا.. وجاء نقيب المهندسين المهندس حسني أو غيدا للمطالبة بإطلاق سراحي.. فكان شرط مسؤول المخابرات يومها أن أنسحب من عضوية لجنة مقاومة التطبيع.. وكنت أمثل نقابة المهندسين فيها..

فألغى المهندس حسني تمثيلي لنقابة المهندسين في اللجنة.. ورجعت إليها ممثلا لرابطة الكتاب.. بعد إطلاق سراحي..

 

وكانت الحكومة تقمع حركة مجابهة التطبيع بتوفير الغطاء القانوني للمطبعين..

 

لكن الحكومة اليوم بممارساتها التطبيعية المباشرة، تتحول إلى فاعل في تسويق التطبيع، يتجاوز حماية “حرية المطبعين بالاختيار”.. أي إن الحكومة تتحول من حارس إلى لاعب رئيسي مهاجم..  لأن الأولوية في نظر الحكومة للمعاهدة على كل شيء في حياتنا.. حتى على الماء والهواء..

 

فمثلا تتساهل الحكومة في مسألة إظهار منشأ البضاعة.. وبالتالي تختبئ إسرائيل وراء ذلك..

تسمح بعقد صفقات مع العدو مثل صفقة الغاز..

وتتساهل في السماح بعدم إظهار مكان إعطاء الدورات العلمية والمنح التدريسية في إعلانات المعاهد والمؤسسات لصيد الباحثين عن شهادات.. 44

 

هل يمكن فهم نتائج ومستقبل الحراك بأشكاله في المنطقة دون فهم علاقته بصراع شعبنا مع العدو الأمريكوصهيوني-الرجعي العربي؟؟؟؟

يحاولون تزوير وعينا من حين لآخر بالادعاء أن الحراك الشعبي حراك مطلبي وليس حراكا سياسيا متعلقا بهذا الصراع..

والمشكلة أن العلاقة مع العدو.. تؤثر على كل مطالبنا الحياتية وأهمها مياه الشرب.. والهواء الذي يلوثه مفاعل ديمونا..

واستيراد المحاصيل الزراعية مثل الجزر والمانجا وغيرهما (وزيادة في التحدي، يحمل بعض هذه المحاصيل خاتما باسم مزرعة شارون)

ولا يجب نسيان الملابس التي تصنع في المدن المؤهلة في الأردن وتختم بخاتم “صنع في إسرائيل” وتباع في محلاتنا.

وتصنع في إسرائيل موديلات عملية من سيارات فورد.. وتستخدم دولتنا مثل هذه الموديلات في خدمات مؤسساتها.

ولا يمكن أن ننسى ما يسببه في حياتنا من مشاكل، تقسيمنا إلى حامل بطاقة صفراء وحامل بطاقة خضراء.. واستخدام هذا النظام في التهديد بسحب الرقم الوطني عند الحاجة!

 

وانتشرت منظمات التمويل الأجنبي التي تمول شخوصا مختارين للتجسس على مجتمعاتنا بشكل قانوني، لأن الأجنبي لا يستطيع أن يدخل في أعماق بيوتنا ومجتمعاتنا المحافظة.. ثم يقدم هؤلاء تقاريرهم بشكل قانوني للمخابرات الأجنبية التي تستخدم تقاريرهم في التخطيط لاختراق مجتمعاتنا.. وتشتري تثاريرهم بأسعار باهضة!!

 

وبسبب ضعف اقتصادنا الناتج عن كياننا الوظيفي المشروط بالضعف حتى لا يتمرد، كم عانينا:

  • سقوط دينارنا من ثلاثة دولارات إلى دولار ونصف..

  • رفع سعر الخبز في بداية التسعينات، ثم رفع سعر الحليب وتعويم أسعار الخضار. وفرض ضريبة المبيعات وزيادتها التدريجية من 8% حتى بلغت 16% على مراحل، مع تأكيد الحكومة في كل مرحلة على أن الرفع سيكون لآخر مرة، وغيرها، ثم رفع أسعار الوقود مرات كثيرة بلا توقف، وسعر اللحوم والأرز والسكر والزيوت، حتى الحمص والفلافل، ثم أسعار الحديد والإسمنت، والكهرباء والماء، ثم إلغاء وزارة التموين التي تنظم وتراقب الأسعار، دون أن ننسى القمع الذي يواجه به المواطنون المحتجون..

  • ويتبع كل ذلك تولية إدارة المياه والاتصالات وغيرها من مؤسسات الدولة الرابحة والاستراتيجية، أو بيعها لشركات خاصة أجنبية تدفع الرشاوى وترفع الأسعار بدورها أكثر وأكثر..

  • واكب كل ذلك تفريغ المناهج التربوية من محتوياتها المرتبطة بعزة النفس، والتي تحوي تاريخ الأمة، بل إن المناهج الرسمية للغة الانجليزية شملت كتبا كانت تحتوي على عناوين مواقع الشذوذ الجنسي، ووزعت على التلاميذ، ولم تسحب إلا بعد انتباه ولاة الأمور واحتجاجهم.. ولم يقابل ذلك إلا الاعتذار من الحكومة والادعاء أن الكتب لم تدقق..!

  • وأمام كل ذلك، يقف أي حاكم يتنازل عن سيادة القرار الوطني، موقف المتفرج العاجز، وينضم في النهاية إلى طابور المحتكرين.. والشعب يتظاهر ويقمعه يقوات جيشه وأمنه التي يجب أن تحميه..

 

فجأة.. سكة حديد من الشرق إلى الغرب..

مقال كتبته ونشر في جريدة السبيل في 24 آب 2008

خارج الأردن، وفي كواليس العدو الصهيوني وأمريكا والحكم العراقي المرتبط بالاحتلال الأمريكي، يدور منذ سنوات، الحديث عن مد شريان آخر ليساهم في إطالة حياة دولة الاغتصاب، وهو شريان النفط من كركوك إلى مصفاة حيفا المحتلة.. بعد شريان الغاز الطبيعي وشريان نفط سيناء الذين يحملان حاليا ماء الحياة ووقود الدبابات للعدو بأفضل الأسعار   C:\Users\Ali hattar\Desktop\Blood of Oil map.jpg

في 13آب 2008، نشر في الصحف اليومية إعلان عن نية استملاك أراضي بعد 15 يوما على سبع صفحات كاملة.. ورغم عدم وجود أي ذكر في الإعلام المحلي لموضوع سكة الحديد الجديدة أو خط النفط المذكور أعلاه، كما هو الحال مع المشاريع الكبيرة، فإن الإعلان نشر فجأة وكأنه سقط من السماء بعد أن وصل على سحابة صيف مفاجئة..

الأراضي المنوي استملاكها حسب الإعلان تقع في القرى والمدن التالية:

“نشرت مجموعة من أسماء أحواض الأراضي”

وبدراسة هذه الأسماء على الخارطة، ومقارنتها بمسار خط النفط الواصل من الموصل إلى حيفا، نجدها شبه متطابقة..

قبل التعليق على الموضوع، سوف أترجم بعض الملاحظات والأخبار المنشورة في الإنترنت ( في 11 تموز 2007 في موقع thepeoplesvoice.org الأمريكي) والمأخوذة عن مواقع أمريكية وصهيونية، حول خط البترول من الموصل إلى حيفا.. والجاري الإعداد لإحيائه من جديد، والذي تشير المؤشرات أن الاستملاكات المذكورة أعلاه، هي أصلا لخدمته.. مع التذكير أن موقع البي.بي.سي نشر حول الموضوع في 9 نيسان 2003.. وكذلك موقع الجارديان في 20 نيسان 2003..

(الترجمة والاقتباسات ليست حرفية بل جزئية لغايات كتابة المقال)

اقتباس 1:  العنوان “إسرائيل تسعى إلى خط للبترول العراقي.

خطط لجر النفط من العراق المهزوم حديثا إلى إسرائيل تناقش الآمر بين واشنطون وتل أبيب والحكام المحتملين للعراق مستقبلا، والخطة تهيئ إلى إعادة إنشاء خط بترول قديم. إحياء الخط سوف يؤدي بضربة واحدة، إلى إنتاج الدخل للعراق الواقع تحت الهيمنة الأمريكية، وسوف يخرج سورية، ويحل أزمة الطاقة في إسرائيل، كما يوفر لأمريكا بترولا عراقيا رخيصا من حليف مضمون بدل السعودية، وهذه المسألة أصبحت حجر ارتكاز في السياسة الأمريكية من 11 سبتمبر 2001″

[تعليق من الكاتب: لاحظوا أن الأردن أو حكومته غير مذكورين ضمن المتباحثين..!!

اقتباس 2: “أمريكا تطلب من إسرائيل التحقق من إمكانية ضخ النفط من شمال العراق إلى مصافي النفط في حيفا.. مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يرى في ذلك جائزة تقدمها أمريكا لإسرائيل مقابل دعمها الثابت للحملة الأمريكية ضد العراق.. والأنبوب سوف يحمل نفط كركوك عبر الموصل، ثم عبر الأردن إلى إسرائيل”..

اقتباس 3: “قال ناتنيدهو أنه توقع أن يعاد تشغيل خط البترول من العراق إلى إسرائيل، في المستقبل القريب.. وهو الخط الذي أغلق عندما أصبحت إسرائيل دولة عام 1948، ولن يطول الوقت حتى تروا النفط يسيل إلى حيفا”..

اقتباس 4: خط حيفا الموصل يمر من الأراضي السورية، لكن بسبب حالة الحرب التي لا تزال قائمة بين سورية وإسرائيل، فإنه يبدو أن حكومة الأسد لن تسمح لهذا المخطط أن يبدأ. ضخ البترول عبر الأردن يمكن أن يكون خيارا ممكنا، لكنه مكلف. وهذا يعني أن تغيير نظام آخر في المنطقة، وهذه المرة في سورية، يجعل الإسرائيليين أكثر سعادة. وعلى هذا، فإن إشارات واشنطون بالإصبع إلى سورية تصبح أكثر وضوحا”..

إذن هناك موضوع قديم جديد، يعود إلى السطح، وهو مسألة مد إسرائيل بشريان جديد للحياة، من بترول العراق الرخيص.. كما يقول المسؤولون “الإسرائيليون”..

هل تكون سكة الحديد المقترحة في المناطق المنوي استملاكها، لخدمة الخط..

من الواضح أنه لا يوجد حركة نقل تبرر وجود سكة حديد في المنطقة المنوي استملاكها.. بين رويشد وغور الأربعين..

رغم أن ناشر الإعلان  يقول: استملاك للنفع العام ويقول دون التقيد بالإجراءات المنصوص عليها في قانون الاستملاك!!

لايسعنا إلا توجيه الأسئلة حول علاقة ما اقتبسته من مواقع الإنترنت المذكورة، وبين الإعلان المنشور حول الاستملاك (والذي ينص على الاستملاك حتى بدون التزام الحكومة بإحراءات القانون.. ولا أدري إذا كان من حق الحكومة تجاوز القانون ولكن يبدو أن للضرورات أحكام عند حكوماتنا)..

المادة 3 من قانون الاستملاك تقول ” لا يستملك أي عقار الا لمشروع يحقق نفعا عاما”

وأرجو ألا تكون مصلحة “إسرائيل” نفعا عاما لنا في نظر الحكومة.. وأرجو ألا يفكر المستملكون بتحويل غاية الاستملاك من سكة حديد إلى خط بترول..

للعلم فقط، المادة 5 من قانون الاستملاك تعطي الحق للحكومة بتغيير استعمال العقار المستملك في اي وجه آخر من وجوه النفع العام، خلاف النفع العام الذي كان العقار قد استملك من اجله..

هل للناطق الرسمي أن يوضح لنا ما الذي يجري في هذا الموضوع؟؟

 

أنتهى المقال

وهو يبين تأثير العلاقة مع العدو على برامجنا.

 

ملخص:

حسب تصريح رئيس وزرائه السابق عبد السلام المجالي قال: “الأردن ضعيف لا يملك شيئا من القوة” في مقابلة مع فضائية لبنانية..

ويبقى الأردن كذلك ما دام مرتبطا مع أعدائه بمعاهدة إذعان..

 

الأولويــة والمطالب الحياتية في سورية..

 

أبدأ بالتذكير أن فلسطين اقتطعت من سورية في مؤتمر سان مارينو المبني على اتفاقية سايكس بيكو.

كما أؤكد أن هذه الورقة ليست مكتوبة بمناسبة ما يجري في سورية، لكن ما يجري فيها أحد براهين أن القضية الفلسطينية يجب أن تكون ذات أولوية..

 

أي أنني لن اخوض في المسائل المتعلقة بالأحداث المبتدئة في درعا، قرب العدو المغتصب للجولان، وما أكثرها..

لكنني سأناقش مسألة واحدة هامة جدا.. وهي التأثير المباشر لوجود الكيان الصهيوني على الأحداث، وهو في الحقيقة ما يدفعني للبحث عن إجابة للسؤال المركب التالي: هل يكفي أي شعار من كل الشعارات التي يطلقها الخطباء والحكام رجال المسيرات والمظاهرات، لتحديد المسيرة في ظل وجود الكيان الصهيوني في الجولان وقرب الحدود؟ وأطماعه تشمل السويداء والجولان وجنوب لبنان؟

 

للبدء يجب أن نتذكر: سورية هي البلد الأصل، الذي قطعت منه المناطق الأخرى في سايكس بيكو (لبنان وفلسطين والأردن)، وفي بداية الحرب العالمية الثانية اقتطع لواء الإسكندرون  (أهدته فرنسا وهي أحد صانعي سايكسبيكو إلى تركيا مقابل عدم تأييدها لهتلر في الحرب العالمية الثانية)

 

قالت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري، بعد أربع سنوات من الصراع مع القوى الظلامية التي صنعها العدو الأمريكو-يهودي:

الجيوش العربية كلها مهددة من إسرائيل

 

وذكرت أسماء مجموعة من الدول ينطبق عليها القول، منها سورية والعراق ومصر والسودان وليبيا والجزائر.. تتميز جميعا بعدم تنازلها لإسرائيل!!

لا يمكن فصل ما يجري في سورية اليوم، عن الصراع مع العدو الأمريكو-صهيوني وشركاته وحلفائه ووكلائه من الرجعية العربية..

 

وما الدعوات لتحقيق المطالب الحياتية وديموقراطية سجن أبوغريب وغوانتانامو والأنصار وقبله الخيام.. قبل برمجة الصراع أولا، إلا محاولات للتغطية على الهدف الرئيس للعدو والقوى الرجعية التي تريد إخضاع سورية وضمها إلى معسكر الحكومات الخانعة الخاضعة لأوامر العدو الأمريكوصهيوني وتعليماته..

.

لاحظوا التداخل والتناقض التالي:

القوى التي تطالب ببرامج الديموقراطية الوهمية، والتي تعني التخلي عن الممانعة واللجوء إلى الرفاهية.. هي نفسها القوى التي تطالب سورية بالاشتباك الفوري في الجولان… وتعادي حزب الله الذي يقاوم العدو، ويضع القضية الفلسطينية على برنامج أولوياته.. ويعيش في حالة اشتباك مستمر مع العدو..

ولا حظوا أن سورية هي الدولة الوحيدة التي تتعرض لهجمات متكررة من طائرات العدو الإسرائيلي!

 

هنا لا بد من فهم الحقيقتين التاليتين:

  • أي هدنة طويلة المدى.. تكون ملأى بالتراخي والهدوء الذي يجعل المواطنين بعيدين عن فكرة الصراع، وإذا كانت حربهم مع عدو مليء بالطموح وجاد وغني ومدعوم بقوى إمبريالية، فإنه يعمل على تفتيتهم وإضعافهم، حتى يرجعوا إلى المعركة ضعافا، فيجهز عليهم. وهذا ما حصل مع كل دولنا التي خاضت الحرب (زعما) في فلسطين، حتى لو كان بينهم ذوو نوايا حسنة.

  • إن الحديث عن تأييد موقف الممانعة لا يعني عدم توجيه نقد لحالات من الفساد تنشأ في الظروف الناتجة عن هدنة طويلة.

  • من الملاحظ لأي مراقب أن الفساد المالي في سورية قبل بدء الأحداث لم يكن متعلقا برأس النظام، ولا والده قبله، كأشخاص، وإن مس بعضا من المحيطين بهما، ولا أملك معلومات كافية عن استخدام هؤلاء المحيطين بالقصر، غطاء لهم من علاقتهم بالقصر. ولو قارنّا الحديث عن الحكام، فلا توجد أي مقارنى بين ما قيل عن مبارك وزين الدين بن علي وصالح، وبين ما قيل عن حافظ الأسد وبشار الأسد.. عدا عن مسألة التوريث.

 

  • كان حافظ الأسد الذي ورث هدنة 1948 عن وريث عن وريث عن وريث عن وريث آخر، يفهم الصراع مع اليهود، فاقتدى بهوشي منه فيتنام، الذي حاول كان يقاتل من خلال لاوس، في إحدى المراحل، لكنه لم ينتبه أو تغاضى عن الى المحيطين به الذين انتهزوا الفرصة لتحقيق مصالحهم، مثل عبد الحليم خدام ورفعت الأسد وبعض الأجهزة الأمنية وأمثالهم. كما أنه احتضن قوى المقاومة وفتح لها أبوابه بدون حساب.

وهذا هو الجزء الذي يتعلق بهذه الورقة.

 

  • ويسجل له أنه الوحيد بين الحكام الأحياء، الذي لم يقدم أي تنازل عن سيادة سورية.

وبعد ذلك نعود للموضوع:

 

يخوض شعبنا في المنطقة هذه الأيام صراعا عنيفا مع العدو الأمريكوصهيوني، وحلفائه الأوروبيين الغربيين، وشركاتهم ووكلائهم من الرجعية العربية والتركية.

في العراق الذي مزقوه خلال السنوات الأخيرة، وفي مصر وتونس هذه الأيام، المتمثلة بمحاولة القفز على الثورة الشعبية لاختطافها بواسطة قوى داخلية بعضها متصالح مع العدو، وفي ليبيا متمثلة بتدخل الناتو وتعزيز وتأجيج النيران وتعيين رجال و.م.أ. (USA) في السلطة، ودعم ملك البحرين ضد شعبها بشكل أصبح دمويا، والسكوت عن العائلات الحاكمة وممارساتها في دول المنطقة الأخرى، بل إشراكها وتوكيلها علنا وسرا للقفز على الثورات التي تثير مخاوف العدو، بالتسليح والتمويل والإعلام المزور، وفي محاربة القوى التي ترفض التخلي عن السيادة الوطنية لصالح العدو الأمريكوصهيوني كما يحدث في سورية اليوم.

 

في سورية والعراق، يدور الصراع بشكل دموي تدميري، ضحاياه بملايين المواطنين وبآلاف هكتارات الأراضي والمحاصيل مع قتل العلماء وتفكيك وسرقة المصانع ونهب النفط والغاز والمياه وتدمير التراث وقتل المبدعين من علماء وعسكريين!!

الصراعات التي تدورهذه الأيام يسميها الإعلام الموجه “الربيع العربي”، وهي صراعات تختلف من مكان لآخر، كما  تختلف أسبابها من مكان لآخر أيضا، لكنها تتصف:

  • برضى العدو عنها ومساهمته بتأجيجها

  • وإذا كانت متناقضة مع مصالح العدو، بالقفز عليها وسرقتها من قِبَل الإدارة الغربية التي تمثل في حقيقتها شركات النهب والسلب، بمشاركة واضحة للعدو اليهودي الذي يعمل في الخفاء إلا حين يضطر للتكشير عن أنيابه ودعم أذنابه ومعالجتهم.

.

إنه المستفيد الأول وشبه الوحيد بعد شركات النفط والسلاح والطائرات والوجبات السريعة والكوكاكولا..

.

إن ما يجري هو برهان ساطع وناصع على اعتبار أن الأولوية في أي برنامج أو منهج أو خطة لتحقيق أي إنجاز لأمتنا، أو لضمان مستقبلها، هي أولوية الصراع مع مكونات العدو الرئيسية وحلفائه، وليست أي مجال آخر..

للتذكير:

يتكون العدو من الولايات المتحدة الأمريكية (و.م.أ. USA) وشركاتها كعنصر أول، ومن إسرائيل ويهود العالم كعنصر ثان.. وهما العنصران الرئيسيان اللذان نواجههما في كل الساحات العربية.!!

 

دون نسيان المشاركين الآخرين في معاداتنا مثل فرنسا وبريطانيا وغيرهما..

 

العنصر الأول وهو و.م.أ. (USA) وشركاتها، يبني سياساته على نهب ثرواتنا وعلى السيطرة على موقعنا الجغرافي الاستراتيجي وعلى ضرورة حماية إسرائيل وإخراج القوى العظمى الأخرى، للاستفراد بهذه المنطقة في برامج الامبريالية والشركات العابرة للقارات، من شركات نفط وسلاح وغير ذلك حتى شركات الوجبات السريعة، وعلى تخزين أرصدة الذين يبتاع منهم ويرشوهم في صناديقه لحل أزماته الاقتصادية.

وأذكر أن أحد ضباط العدو الذين دخلوا بغداد، قال “لو كان فيها ماجدونالدز ما احتجنا أن ندخلها”

 

وبالنسبة للموارد، من المعروف أن النفط ذو أولوية في سلم نهب واستغلال المنطقة، ورغم وجود محاولات لإيجاد الطاقة البديلة، مثل الطاقة النووية والمتجددة، فمن المؤكد أن هذه الطاقة لم تتمكن من الحلول مكان الطاقة النفطية الموجودة في باطن أرض المنطقة..

 

ولا يفوتنا أن و.م.أ. USA تملك مخزونا من النفط في أرضها، لكنها توفره ما دامت قادرة على استهلاك نفطنا الذي تقدمه لها العائلات الحاكمة الموجودة في شبه الجزيرة العربية.. وبالتحديد الملوك والأمراء.. وليس من السهل أن تستغني و.م.أ. USA أختياريا، عن نفط المنطقة لأنها بنَتْ مع شركاتها كل برامجها وخططها على وجود نفطنا في متناول يدها متى تشاء..!

أما العنصر الثاني من العدو، فهو إسرائيل ويهود العالم، وأول هموم هذا العنصر الرئيسية، هو إزالة العداء لإسرائيل لضمان ديمومتها واستكمال مشروعها الذي لم يكتمل رغم مرور قرن من الزمان، منذ إعلان فكرته في مؤتمر بازل عام 1897.. بسبب الرفض المحلي لاندماجها في المكان.

ويمكن تلخيص مصالح هذا العنصر الثاني من عناصر العدو:

  • بضمان إكمال مشروع دولته، والتي تتطلب، باختصار، السيطرة على الأرض وعلى القرار السياسي والاقتصادي فيها، وعلى مخزونها من المياه، وعلى القضاء على كل مظاهر العداء له في مجتمعاتها، بالإضافة إلى ضرورة وجود جزء منها تحت إمرته العسكرية المباشرة..

  • ومن أهم العوامل التي يعتمد عليها هذا العدو، عامل ضعف أمتنا وتفكيكها وعامل وجود العائلات الحاكمة فيها.. وعامل تجنيد من يمكن أن يؤدي له الدور بالنيابة عنه.

 

وأُورِدُ قولا لأحد المفكرين الصهاينة وهو دافيد نجار David Naggar، مؤلف كتاب “قضية من أجل إسرائيل أكبر The Case for A Larger Israel الذي ذكرته سابقا،  يعبر عن ذلك، فهو يقول: “أنا يهودي ملحد ولا أومن بالتوراة والتلمود وأرض الميعاد، لكنني موجود هنا، ومن يستطيع أن يخرجني ليفعل..”!!

 

وأورد قولا من تراثنا يقابل ذلك القول، بفضل حكوماتنا الخاضعة: “إن البغاث بأرضنا يستنسر.!!”

ولتحقيق اهداف ومصالح كل من العدوَّيْن في نظرهما، اللذين يصبحان في حالتنا عدوا واحدا، لا بد من أن يضْمنا:

  • الهيمنة على قرار المنطقة..

  • وإلغاء قرارها السيادي..

  • مع ضرورة ضمان إدارتها بواسطة حكومات خاضعة، خانعة قابلة للتوجيه والبرمجة،

  • مع ربطها بسلاسل حديدية وقيود تجعلها غير قادرة على التفكير بالتمرد، مثل قيود الديون والقروض  والحماية الشخصية والفساد وتوريط شخوصها بمواقف موثقة، لا تستطيع قبول فكرة فضحها وكشفها وغير ذلك.

.

يحاول كثيرون أن يقولوا إن قضية الصراع مع العدو الأمريكوصهيوني قضية مركزية، لكنهم لا يرفعونها إلى مستوى القضية ذات الأولوية!! رغم أن عدونا يضعها في أهم أولوياته!!

.

ويلاحظ أن كثيرا من السياسيين وحتى بعض المحسوبين في خندق المناضلين، يتخذون مركزية الصراع، غطاءً لتقصيرهم وتهرُّبهم من أداء التزاماتهم في الصراع.. حين يكتفون في خطبهم بإعلان تلك المركزية الهلامية التي لا تعني عمليا أي شيء..

 

إن ما حدث في العراق والمناطق المغتصبة، وما يحدث في سورية اليوم، براهين على صحة الدعوة لاعتبار القضية “مركزية ذات أولوية”، لا الاكتفاء بمركزية، تُركن على الرف للهتاف لها في المناسبات فقط.

.

العدو، بشقّيْه الأمريكي واليهودي، نظرا للقيمة الاستراتيجية لمصالحه، يعمل بدون توقف أو تردد أو ملل، على ضمان هذه المصالح والحيلولة دون أن تقع في أيد غير مأمونة له..

.

العدو يستمر بالحفر والنحت والنخر والهدم في أساسات منطقتنا علنا وخفية، والتآمر والتجنيد والإفساد والتمويل والتسليح ونشر الجواسيس علنا وخفية وتوظيف العميلات الجميلات في مكاتب صناعة القرار تيمنا بمونيكا لويبسكي.!

ومن المؤكد أن الهيمنة على المنطقة بالنسبة للشق اليهودي من العدو تعتبر مسألة حياة أو موت.

.

إن الهزيمة في هذا الصراع، تمثل:

  • عبوديتنا

  • هيمنة العدو علينا

  • ضباع مستقبلنا

  • ضياع مواردنا وأولها الماء والغاز

  • فقدان سيادتنا الوطنية والسيطرة على اقتصادنا

  • انتشار البطالة والفقر والجوع والعطش!!

  • ركوب الفاسدين على ظهورنا!!

  • تراجع قوة حلفائنا دوليا وفي بلادهم (مثل روسية) وسيادة القطب الأمريكي عدو الإنسانية

 

ونظرا للّغط الذي يحدثه جهل مفهوم الصراع عند كثيرين منا، أقول إن مركزية هذا الصراع لا تعني الكثير، إذا لم تربط مركزيته بأولويته في التطبيق والممارسة.. إذ ما الفائدة من هذه المركزية إذا كنا نضعه على الرف ونفعل كل ما يتأثر به وكأننا بلا صراع، ونخدم مشاريع الطرفين اللذين يتكون منهما العدو، وهما إسرائيل وأمريكا، بطرق غير مباشرة، بالتحجج بمركزية الصراع دون أخذه بالاعتبار في ممارساتنا وفي التعامل معه ؟

 

نقول مثلا، “أمريكا عدونا وهي:

  • صاحبة 35 فيتو في مجلس الأمن ضدنا

  • تسرق نفطنا ومواردنا

  • تسلح إسرائيل وتمدها بشرايين الحياة

  • مزقت العراق وتحاول تكزيق سورية

 

ونهتف للحكام الذين يعلنون تحالفهم معها!

ونقول “إسرائيل عدونا”، ونهتف لمن يقيمون معها الاتفاقات والمعاهدات، فنقلب المركزية إلى مسألة لصالح العدوَّين المتحدين في مواجعتنا اتحادا كاملا، ونحول مصلحة امتنا إلى هامشية.!!

لكننا إذا قلنا “الصراع له أولوية”، فإننا يجب أن نُمارسه كل يوم وقبل اي مسألة أخرى، ولا يؤجل لأي سبب. كما تفعل الأنظمة العربية التي تؤجل خوض الصراع مع العدو الأمريكوصهيوني اليوم بحجة أنها لا تستطيع ان تقف في وجهه، وهي في الحقيقة تخدم العدو بهذا التأجيل، بل لا تريد الصراع معه، ونوافق لها صاغرين..!

 

حتى في ظل ضعفنا، حيث يجب ان نبحث عن وسائل صراع تناسب هذا الضعف، الصراع يبقى أولا وقبل كل شيء.. لأنه يؤثر في كل شيء..

وأهم تطبيقاته عندما تكون أرض الوطن أو جزء منها مغتصبا أو محتلا..

 

في المسألة السورية،

أين تقع مسألة الصراع مع العدو الأمريكوصهيوني في المسألة السورية؟

لا شك ان سورية في وضعها الحالي تحتل موقعا هاما في الصراع العربي الامريكوصهيوني، وفي المنطقة كلها، في العقل الأمريكوصهيوني، وفي عقول الحكام العرب الفاسدين، وفي العقل التركي.

  • في العقل الأمريكوصهيوني:

    • بسبب ممانعة سورية المعلنة،

    • واستحالة تقبل العقل السوري الطبيعي (غير الطائفي)

    • وعلاقتها مع إيران وروسيا والصين،

    • وعلاقتها مع المقاومة،

    • واكتفاؤها الذاتي في الحاجات الاستراتيجية (القمح والمحاصيل الأخرى والنفط)،

    • وقدراتها الصناعية

    • وتظورها الاجتماعي مقارنة بالخليج

    • وعدم إمكانية الضغط عليها بالديون،

    • وثقافة المقاومة السائدة عند الشعب والتي تروج لها الدولة.

  • أما تركيا، فهي تريد دورا لها في المنطقة، وباستثناء موقف الشعب التركي في أسطول الحرية، فالمنطقة بالنسبة لتركيا الدولة، هي سوق، ومصدر للنفط، وتاريخ عثماني يطمع أردوغان بإرجاعه،

  • كما أن هذه المنطقة تعتمد اعتمادا كبيرا على مياه تنبع من تركيا، التي قال أحد زعمائها إنه يريد أن يبيع برميل الماء للعرب بسعر برميل النفط،

  • والحدود السورية هي ممر تركيا الطبيعي السهل وشبه الوحيد إلى المنطقة،

  • كما أن هناك مسائل لا زالت رسميا عالقة بين سورية وتركيا، عدا عن الفرات ودجلة، هي مسألة خليج الإسكندرونة ونهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويخترق سورية ليصب في البحر المتوسط في خليج الاسكندرونة بعد أن يعبر سورية، و

  • العلاقة الأردوغانية مع اليهود، فما دام  هؤلاء اليهود يريدون ضمان ديمومتهم الآمنة في المنطقة، فهم يحتاجون إلى تركيا، كمصدر بديل للماء يعوضهم بالناقلات البحرية العملاقة (البالونات البحرية) مع نهر النيل ايضا، لتقليل اهمية المخاطر التي يحملها اعتمادهم الكامل على مياه الجولان.. ويحتاجون تركيا كحليف عسكري.. وقد ذكّرنا في بداية الورقة بالمناورات العسكرية التي قامت بها إسرائيل وتركيا بحضور الأردن كمراقب قبل سنوات!!  ولا يمكن لمثل هذه المناورات إلا أن تستهدف سورية.. وذكرنا مشروع “غاب” التركي في الاسكندرونة، الذي تساهم إسرائيل بالمساعدة بتمويله وإنجازه، وهو مكون من مشاريع مائية ضخمة لتنمية الأناضول.. بإقامة 12 سدا و19 محطة توليد كهرباء، وهو أهم لتركيا الدولة، من العرب وغزة وأسطول الحرية وحقوق الإنسان..

  • وقد ذكرت صحيفة “جيروز اليم بوست” الإسرائيلية (11 مايو 2006) أن “تركيا وإسرائيل تجريان مفاوضات لإنشاء مشروع طاقة ومياه تبلغ تكاليفه ملايين الدولارات بوساطة خطوط أنابيب الى إسرائيل، مع نفط سينقل من إسرائيل الى الشرق الأقصى، وسينقل المقترح التركي – الإسرائيلي عبر أربعة أنابيب تحت مياه البحر ويمكن أن ينقل نفط باكو إلى عسقلان عبر خط جديد إلى الهند والشرق الأقصى يمرّ بالبحر الأحمر”·
    ويتضمن هذا المشروع أيضا خط أنابيب لجلب المياه الى إسرائيل من منابع دجلة والفرات في الأناضول، وكان هذا هدفا استراتيجيا إسرائيليا منذ أمد طويل للإضرار بسورية، والعراق، وتدعم جدول أعمال هذا المشروع المتعلق بالمياه اتفاقية التعاون العسكري بين تل أبيب وأنقرة· وكان من شروط أردوغان تطهير واجهة البحر الأبيض الشرقية من حزب الله والقوات السورية لمد الأنابيب.!

 

  • وصباح العدوان الإسرائيلي على لبنان، افتتح أردوغان مع مندوبين إسرائيليين خط النفط القزويني.

ومن أجل ما ذكر أعلاه، وحتى تزداد قدرة تركيا على الحركة في المنطقة، يجب ان تكون المنطقة بلا سيادة، مما يعني إضعاف سورية، وليس صحيحا ان أردوغان معني بحقوق الإنسان السوري، وهو الذي يهدد سورية والعراق بالمياه دائما، ويبيع سورية من خيرات خليج الاسكندرون الذي أخذ من سورية، مقابل دعم الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وأذكركم بتأزم العلاقة والتهديدات التركية لسورية، أيام استضافة أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني. وأي وضع فيه سيادة وطنية حرة في سورية، يعرقل الحركة التركية في المنطقة، ولذلك تلتقي المصلحة التركية نسبيا مع الأمريك-صهيو-رجعية في الموقف من الحالة السورية الممانعة.

.

وبعد المرور السريع على الموقف التركي، أصبح لدينا عرض واضح نسبيا للموقف الأمريكو-صهيوني المشروح في الحلقات السابقة من الورقة، وللموقف التركي، في التعامل مع الحالة السورية.

أما السوريون الذين يحملون لواء إسقاط الحالة السورية الممانعة، والقابلون لتسليم المنطقة للأمريكيين مقابل إسقاط سورية، فقد استمعت إلى عدد كبير منهم في ال (بي بي سي أرابيك)، ووجدت أن معظمهم يطلب التدخل الخارجي، الأمريكي (وأحيانا الدولي) لإنقاذ سورية وحماية المتظاهرين السلميين، (المساكين الذين يقتلون الجنود بالأظافر فقط!)، أي يطلبون تدخل الخارج الذي مزق سورية (سايكس بيكو) وزرع اليهود واغتصب الجولان وأهدى الاسكندرون لتركيا، بدعوى حماية الشعب السوري..!!

.

ونعود لموضوع الورقة، لنقول إن البحث عن الأولويات يفرض نفسه عند تعارض وتداخل المسائل معا..

.

في الحالة السورية تتداخل المسائل التالية:

  • أعباء الصراع العربي الأمريكوصهيوني والذي يجثم على صدر سورية باحتلال الجولان، والتهديد المستمر لها.. وهذه الأعباء تحملها سورية وحدها من الدول العربية، تساندها المقاومة فقط، كقوة فاعلة على أرض المقاومة نفسها لا في المجال السوري، اي في لبنان، اما القوى القومية والإسلامية وبعض اليساريين من الشعب العربي، فإنهم يناصرون سورية دون أن يقدموا لها إلا الدعم المعنوي غير المُجدي عمليا، والحليف الوحيد لسورية والمقاومة في المنطقة هو الحليف الإيراني، الذي ندرك المحاربة التي يلقاها من الأنظمة العربية كلها والقوى السنية، الذين يرون أن التحالف مع إسرائيل نفسها كما تفعل قطر ودول المعاهدات وقوى التطبيع في كل مكان، أقل خطرا وأسهل من التحالف مع إيران.

  • الإصلاحات السياسية والدستورية

  • الحريات الشخصية الداخلية وعنف الأجهزة الأمنية، المسألة التي يجري تأجيجها لتتصادم مع القضية الوطنية

  • إسقاط أركان الفساد وما ينتجون من فساد اجتماعي مرتبط

  • الإصلاحات الاقتصادية وما يرتبط بها من فقر وغلاء وبطالة وصحة وأدوية وصناعة، رغم ارتباط المشاكل ارتباطا وثيقا بالموقف السوري الممانع.

 

فما هي الأولوية التي يجب التعامل معها:

يمكن لأي شخص ان يقول: ولماذا الأولويات، لماذا لا تكون المسائل بالتوازي، لتتم معالجتها في نفس الوقت؟؟

 

والرد السريع المباشر على ذلك، ياتي في مجموعة من التساؤلات:

  • الأعداء الأقوياء الذين يعرفون تأثير العوامل المختلفة على الدور السوري في الصراع معهم، هل سيتركون المجال للحالة السورية الممانعة أن تفعل ذلك، اي أن تقوم بالإصلاحات المختلفة حتى تقوى في المواجهة؟؟

  • هل سيوقفون المقاطعة الاقتصادية، لتقوى الحالة السورية الممانعة في المواجهة، إذا قوي الاقتصاد وتقلصت البطالة وانخفضت الاسعار، التي هي غير منخفضة حتى في بلاد الذين يحرضون السوريين على المطالبة بذلك؟؟

  • ومن المعروف أن من أسباب البطالة في أي مكان، انخفاض النمو الصناعي الذي من أسبابه مقاطعة سورية، بسبب الممانعة.

  • هل سيسمح العدو بتزويد سورية بقطع الغيار للأسلحة والصناعات، فتقوى الحالة السورية الممانعة في المواجهة؟؟

  • هل سيتوقفون عن تشويه سمعتها والتحريض عليها لتخسر المعارك السياسية ضدهم في الساحات الدولية؟؟

  • هل ستتوقف أنظمة الدول الغربية عن دعم أذنابها والأشخاص الذين تشتريهم في الداخل (من الفاسدين)، لتتمكن الحالة السورية الممانعة من إحراج هذه الأنظمة في خضوعها المطلق للعدو الأمريكوصهيوني والشركات الأجنبية؟

  • وبالنسبة للطاقة، وهي من متطلبات الحياة اليومية، بل أصبحت من حقوق الإنسان الأساسية، وتنعكس بوضوح في تقنين الكهرباء، فبمجرد الخوف من بدء الحالة السورية الممانعة بالتفكير بإنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية، قامت الطائرات الصهيونية بقصف المنشآت وتدميرها.

  • وهناك سلسلة طويلة من الأسئلة، تبين الإجابات عليها، أن الحالة السورية الممانعة هي المستهدفة، من العدو الأمريكوصهيوني والأنظمة العربية، دون إهمال المساهمة التركية في هذه الاستهداف، وأن الأولوية لدى الأعداء هي إسقاطها، وليست حقوق الإنسان في درعا، التي تبعد اراضيها اقل من 21 كم عن جيش العدو الصهيوني في هضبة الجولان المغتصبة! (وفي ذلك ما يدفعنا للسؤال عن أسباب انطلاق التحرك منها)! كما انها تقع مباشرة على الحدود مع الأردن الملتزم بالتنسيق الأمني مع العدو في معاهدة وادي عربة.. والتنسيق الأمني في المعاهدة لا يعني أمن سورية حتما.

 

طبعا من المؤكد أن هناك مسائل مطلوب تغييرها في سورية، مثل كل مكان أخر، والتي لا علاقة مباشرة لها بالصراع، وهذه هي حرية التعبير النسبية، وتقييد أيادي الأجهزة الأمنية في المسائل الحياتية اليومية، وحتى في الحرية السياسية بشرط ألا تمس القضايا الاستراتيجية التي تمس السيادة الوطنية مثل قضية الممانعة والقرار السيادي، أوقضية نشر الفتن الطائفية والجهوية لأنها تهدد الكينونة الوطنية، كذلك ملاحقة أركان الفساد الذين يجب استئصالهم وإن كانوا يتكاثرون كالبكتيريا.

  • ومن المؤكد ان المواطن الحر، هو الذي يقاوم..

  • ولكن المطلوب تحقيق الحقوق الوطنية لا تغيير الحالة التي تمثلها سورية.. ولا تحقيق المتطلبات الإسرائيلية والأمريكية..

 

ونتساءل: كيف تكون المنطقة لو سقط اللاعب الممانع السوري وخرج من المواجهة، في ظل الوجود الفعلي للعدو الأمريكوصهيوني على أرض الصراع، متمثلا باليهود وجيشهم ومستوطنيهم في الجولان والجنوب، وبالأمريكيين الموجودين عسكريا في العراق على الحدود الشرقية وفي الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض؟ وهو ما لم يكن عليه الحال خلال الثورتين التونسية والمصرية.

  • للعلم فقط:

  • تُذكر هضبة الجولان 62 مرة في التوراة على أنها أرض لليهود، مرتين ياسم الجولان وستين مرة باسم أرض باشان التي تشمل أرض الجولان وتمتد من صلخد (قرب السويداء) وجلعد قرب عمّان..

  • ستكون مباراة بفريق شبه منفرد.. هو الفريق الأمريكوصهيوني.. مع كل التقدير لدور المقاومة اللبنانية التي ستوجه لها ضربة قوية بخروج الحالة السورية من الصراع.. وكل التقدير للثورة المصرية التي نأمل ولا تعرف متى تعود إلى أرض الصراع.

  • الفريق الأمريكوصهيوني شبه المنفرد، سيحرث الأرض كما يريد، بلا جدران صد، ولا دفاع..

  • السيادة له، والقرار له، وتصعيد عمليات نهب الموارد والأراضي..

  • سيتسع الوطن القومي اليهودي ليمتد بين السويداء والعقبة، وبين الخط الحديدي الحجازي والبحر الأبيض، وهي الفكرة السائدة عند اليمين اليهودي عن الوطن القومي لليهود، لصمان ديمومة الكيان الصهيوني..

  • وسيتحول المطالبون بإسقاط الحالة السورية إلى خدم في بيوت المعتدي واذنابه

  • وستستفرد القوى الغاشمة بقوى المقاومة وبكل قوى الرفض في المنطقة

  • وسوف يشتد الحصار على المقاومة (وبشكل خاص في لبنان)..

  • و ماذا يمكن ان تفعل المقاومة نفسها ذات الطبيعة العقائدية الاستشهادية، حين تجد نفسها في حصار شبه شامل مع احتمالات صعبة، وهي محقة مهما اختارت ممن طرق للتعامل مع الأوضاع الجديدة، مع التذكير بما يلي:

      • ليست المقاومة هي السبب في اغتصاب الجولان، ودعم سورية للمقاومة جزء من الدفاع عن النفس وليس تبرعا ومساندة أخلاقية أو تعاونا أمنيا فقط..

 

طبعا هذا الوضع سيؤدي إلى اشتداد المقاومة عند أمّة لن تموت، لكن في ظروف جديدة غاية في التعقيد..

وما يجب أن يفهمه كل واحد منا، هو ضرورة عدم الوقوع في فخ التغيير لمجرد ان الآخرين غيروا، إذا لم تتوفر الضمانات ان التغيير ينتج حالة سورية اقوى، ولا يضحى بسورية الكبيرة من أجل حقوق بعض الذين يستعدون للتخلي عن سيادة البلد في أن يقولوا كلمة..!

لا يجب التنازل عن الحقوق، لكن بضمان عدم فقدانها لاحقا مع الوطن كله، إذا تم التنازل عن السيادة الوطنية.. والضمانات لا تتحقق فقط في الشوارع، التي تنفع فقط عند غياب عدو خارجي لا يكتفي بالصلاة من أجل تغيير سورية.

.

ولا يمكن القبول بفكرة ان سورية خالية من ابنائها المخلصين الواعين لمصالحها، وان المتحركين في الشوارع هم فقط الذين يعرفون مصلحة سورية.. وهم بدأوا في درعا الواقعة على الحدود القريبة من القوى المعادية التي لا تكتفي بالصلاة من أجل تغيير سورية، في حين أن كل الحراكات العربية الأخرى بدأت من العواصم..

.

إن في سورية قوى داخلية منظمة مثل جبهة الأحزاب التقدمية، ويوجد فيها معارضة طبيعية مخلصة للوطن، وإن اختلفت بالرؤية مع الحزب الحاكم (الذي لم يعدْ حاكما في الدستور الجديد 2012)، لكنها لا يمكن أن تتحالف مع العدو الأمريكوصهيوني، وكل هذه الأحزاب يجب ان تقول كلمتها.. وأن تتحمل المسؤولية أيضا.. مع التنبه إلى أن اي تغيير.. يجب ان يحافظ على الحالة السورية.. وعلى أولوياتها، حتى لا تضيع سورية.. واقصد بالضياع هو الانتقال إلى حالة معقدة تؤدي إلى استعباد الأعداء للذين تحركهم قوى، تقول لهم انها تريد حريتهم وحقوقهم.. وتؤدي إلى عشرات السنين من فقدان الأرض والسيادة.. قبل العودة من جديد للثورة والصراع..

 

الأولويــة والمطالب الحياتية في سورية

عندما أقول سورية في هذه الورقة، أقصد الدولة الحالية، أي الجذع الرئيسي الذي اقتطعت منه الأغصان: لبنان وفلسطين والأردن، وأصبحت دولا يقرار استعماري..

لا يمكن فصل ما يجري في سورية اليوم، عن الصراع مع العدو الأمريكوصهيوني ومع حلفائه من الكمبرادور والرجعية العربية..

وما الدعوات لتحقيق المطالب الحياتية وتحقيق ديموقراطية سجن أبوغريب وغوانتانامو.. التي يطلقها بعض أعوان الاستعمار، إلا محاولات للتغطية على الهدف الرئيس للعدو والقوى الرجعية التي تريد إخضاع سورية وضمِّها إلى معسكر الحكومات الخانعة الخاضعة لأوامر العدو الأمريكوصهيوني وتعليماته..

 

يخوض شعبنا في المنطقة، هذه الأيام، صراعا عنيفا مع العدو الأمريكوصهيوني، وحلفائه الأوروبيين الغربيين، والرجعية العربية.

ومجريات الصراع تدور بشكل دموي تدميري في العراق الذي مزقوه خلال السنوات الأخيرة، وفي مصر وتونس هذه الأيام، المتمثلة بمحاولة القفز على الثورة الشعبية لاختطافها بواسطة قوى داخلية متصالحة مع العدو، وفي ليبيا متمثلة بتدخل الناتو وتعيين رجال و.م.أ. (USA) في السلطة، ودعم ملك البحرين ضد شعبها، والسكوت عن العائلات الحاكمة وممارساتها في دول المنطقة الأخرى، بل إشراكها وتوكيلها علنا وسرا للقفز على الثورات التي تثير مخاوف العدو، بالتسليح والتمويل والإعلام المزور، وفي محاربة القوى التي ترفض التخلي عن السيادة الوطنية لصالح العدو الأمريكوصهيوني كما يحدث في سورية اليوم.

 

الصراعات التي تدورهذه الأيام يسميها الإعلام الموجه “الربيع العربي”، وهي صراعات تختلف من مكان لآخر، كما  تختلف أسبابها من مكان لآخر أيضا، لكنها تتصف بمحاولة القفز عليها وسرقتها من قِبَل الإدارة الغربية التي تمثل في حقيقتها شركات النهب والسلب، بمشاركة واضحة للعدو اليهودي.

إن ما يجري هو برهان ساطع وناصع على اعتبار أن الأولوية في أي برنامج أو منهج أو خطة لتحقيق أي إنجاز لأمتنا، أو لضمان مستقبلها، هي أولوية الصراع مع مكونات العدو الرئيسية وحلفائه، وليست أي مجال آخر.. لأنه لا يتوقف عن مكائده وهجماته علينا..

 

لأتعريف العدو مرة أخرى، أقول إنه يتكون العدو من الولايات المتحدة الأمريكية (و.م.أ. USA) وشركاتها كعنصر أول، ومن إسرائيل ويهود العالم كعنصر ثان.. وهما العنصران الرئيسيان اللذان نواجههما في كل الساحات العربية.!! دون أن نهمل المشاركين الآخرين في معاداتنا مثل فرنسا وغيرها.. والوكلاء المحليين الذين لا يقلون خطورة، إن لم يكونوا أكثؤ خطورة من مُوكِّليهم!!

.

العنصر الأول وهو و.م.أ. (USA) بإدارتها وشركاتها ومؤسساتها العسكرية والأمنية وغيرها.

يبني هذا العدو، سياساته على امتلاك قرارنا السياسي السيادي، ونهب ثرواتنا، وعلى السيطرة على موقعنا الجغرافي الاستراتيجي وعلى ضرورة حماية إسرائيل وإخراج القوى العظمى الأخرى من المنطقة، للاستفراد بها ببرامج الامبريالية والشركات العابرة للقارات، من شركات نفط وسلاح وغير ذلك حتى شركات الكوكاكولا والوجبات السريعة.

وبالنسبة للموارد، من المعروف أن النفط ذو أولوية في سلم نهب واستغلال المنطقة، ورغم وجود محاولات لإيجاد الطاقة البديلة، مثل الطاقة النووية والمتجددة، فمن المؤكد أن هذه الطاقة لم تتمكن من الحلول مكان الطاقة النفطية الموجودة في باطن أرض المنطقة..

ولا يفوتنا أن و.م.أ. USA تملك مخزونا من النفط في أرضها، لكنها توفره ما دامت قادرة على استهلاك نفطنا الذي تقدمه لها العائلات الحاكمة الموجودة في شبه الجزيرة العربية.. وبالتحديد الملوك والأمراء.. وليس من السهل أن تستغني و.م.أ. USA أختياريا، عن نفط المنطقة لأنها بنَتْ مع شركاتها كل برامجها وخططها على وجود نفطنا في متناول يدها متى تشاء..!

أما العنصر الثاني من العدو، فهو إسرائيل ويهود العالم، وأول هموم هذا العنصر الرئيسية، بعد اكتشافه أن المنطقة التي كان يقول عنها إنها بلا شعب، مكتظة بشعب لا يقبل التخلي عنها، هو إزالة العداء لإسرائيل لضمان ديمومتها واستكمال مشروعها الذي لم يكتمل رغم مرور قرن من الزمان، منذ إعلان فكرته في مؤتمر بازل عام 1897.. بسبب الرفض المحلي لاندماجها في المكان.

.

ويمكن تلخيص مصالح هذا العنصر الثاني من عناصر العدو، بضمان إكمال مشروع دولته، والتي تتطلب، باختصار، السيطرة على الأرض وعلى القرار السياسي والاقتصادي فيها، وعلى مخزونها من المياه، وعلى القضاء على كل مظاهر العداء له في مجتمعاتها، بالإضافة إلى ضرورة وجود جزء منها تحت إمرته العسكرية المباشرة..

ومن أهم العوامل التي يعتمد عليها هذا العدو، عامل ضعف أمتنا وتفككها وعامل وجود العائلات الحاكمة فيها..

.

وأورد قولا لأحد المفكرين الصهاينة وهو دافيد نجار، يعبر عن ذلك، فهو يقول: “أنا ملحد ولا أومن بالتوراة والتلمود وأرض الميعاد، لكنني موجود هنا، ومن يستطيع أن يخرجني ليفعل..”!!

وأورد قولا من تراثنا يقابل ذلك بفضل حكوماتنا الخاضعة: “إن البغاث بأرضنا يستنسر.!!

.

ولتحقيق اهداف ومصالح كل من العدوين، اللذين يصبحان في حالتنا عدوا واحدا، لا بد من أن يضْمَنا الهيمنة على قرار المنطقة.. وإلغاء قرارها السيادي.. مع ضرورة ضمان إدارتها بواسطة حكومات خاضعة، خانعة قابلة للتوجيه والبرمجة، مع ربطها بسلاسل حديدية وقيود تجعلها غير قادرة على التفكير بالتمرد، مثل قيود الديون والحماية الشخصية والفساد وتوريط شخوصها بمواقف موثقة، لا تستطيع قبول فكرة فضحها وكشفها وغير ذلك.

.

يحاول كثيرون أن يقولوا إن قضية الصراع مع العدو الأمريكوصهيوني قضية مركزية، لكنهم لا يرفعونها إلى مستوى القضية ذات الأولوية!!

ويلاحظ أن كثيرا من السياسيين وحتى بعض المحسوبين من المناضلين، يتخذون مركزية الصراع، غطاءً لتقصيرهم وتهربهم من أداء التزاماتهم في الصراع.. حين يكتفون في خطبهم بإعلان تلك المركزية التي لا تعني عمليا أي شيء..

إن ما حدث في العراق والمناطق المغتصبة، وما يحدث في سورية اليوم، براهين على صحة الدعوة لاعتبار القضية “مركزية ذات أولوية”، لا الاكتفاء بمركزية مزعومة، تُرْكن على الرف للهتاف لها في المناسبات فقط.

 

العدو، بشقّيْه الأمريكي واليهودي، نظرًا للقيمة الاستراتيجية لمصالحه المذكورة فيما سبق، يعمل بدون توقف أو تردد أو ملل، على ضمان هذه المصالح والحيلولة دون أن تقع في أيد غير مأمونة له..

العدو يستمر بالحفر والنحت والنخر والهدم في أساسات منطقتنا علنا وخفية، والتآمر والتجنيد والتفتيت والإفساد والتمويل والتسليح ونشر الجواسيس علنا وخفية وتوظيف المومسات في القصور..!

ومن المؤكد أن الهيمنة على المنطقة بالنسبة للشق اليهودي من العدو تعتبر مسألة حياة أو موت.. لأن المنطقة هي المكان.. ولا حياة بلا مكان..!

.

العلاقة بين الأولوية والحياة المطلبية في سورية

رغم بديهية “أن أي هيمنة أجنبية وأي تهديد وخطر أجنبي وأي تواجد في المنطقة للجيوش الأجنبية المعادية، وأي فقدان للسيادة الوطنية، لا تنتج للشعب إلا الألم والمعاناة والفقر”، تبقى هذه البديهية من أهم النقاط التي يجب أن تناقش، لأن هذه البديهية تُغيَّب عن الأذهان بسبب سطوة الإعلام وجهود العملاء والسماسرة والوكلاء..

.

تبدأ الحياة المطلبية بتوفير ضرورات الحياة وأولها الماء، تتبعه متطلبات التعليم والصحة والعمل والسكن والهوية الوطنية..

ثم تتتالى المطالب الحياتية لتصبح قائمة كبيرة أهمها الأسعار والأمن وتوفير الطاقة والكهرباء ووسائل النقل إلخ..

.

ويجب الحديث عن فترة ما قبل الأحداث الحالية!

في الأردن ومصر، عقدت معاهدتان ربطتا القرار الوطني بنصوص واضحة مباشرة، برضا اليهود والأمريكان، وتجاوزتا ذلك، إلى المساس بالحياة المطلبية.. أهمها:

– فقداننا في الأردن لمياه نهر الأردن..

– وفقدان عشرات آلاف الدونمات في مصر من حقول القطن بسبب التعاون العلمي مع إسرائيل..!

.

وهل المياه والقطن لا تعتبران من متطلبات الحياة المطلبية؟؟ الماء لا يحتاج لبرهان، فهو أول مطالب الحياة.. وبالنسبة للقطن، فكم من الفلاحين المصريين جاعوا بسببه أو أفلسوا..

الحكومة الأردنية اليوم تلهث لتوصيل مياه الديسي الاستراتيجية غير المتجددة من العقبة إلى عمان بمسافة 300 كيلومتر، حتى لا تُحمِّل إسرائيل مسؤولية سرقة مياه نهر الأردن.!

.

من الطبيعي أن التنازل عن السيادة الوطنية والقرار المستقل لتلبية طلب التحالف الأمريكوصهيوني، تتبعه مجموعة من النتائج التي نراها بوضوح في كل صفات ومسلكيات المتحالفين مع و.م.أ. (USA) في جهات الأرض الأربع. ومن هذه النتائج:

–       فتح أبواب التجارة أمام الشركات الأمريكية بكافة مستوياتها، وما ينتج عن ذلك من نشوء وانتشار لفئة خطيرة من الوكلاء والعملاء والسماسرة، الذين يسعون لتحقيق أرباح كبيرة، بتحقيق أرباح أكبر لهذه الشركات على حساب البسطاء والفقراء من شعبنا. وهذه الشركات لن تكتفي بالانتشار المبني على المنافسة مع الشركات المحلية المحدودة الإمكانيات نسبيا، بل هي تبني كل خططها على الاحتكار والإفساد والطرق اللاأخلاقية للسيطرة على الأسواق، مما سيؤدي إلى إخراج الشركات المحلية وصغار الحرفيين من السوق ثم التحكم بالسوق، ليتبع ذلك ارتفاع الأسعار وتضرر المطالب الحياتية للمواطن العادي.

–       فتح أبواب التطبيع مع إسرائيل أمام البضائع اليهودية في أي دولة عربية، سيكون الناتج الطبيعي لأي علاقة مع الحلف الأمريكوصهيوني، وتلك البضائع ستزحف زحفا بطيئا، لكن مثابرا بدعم الحكومات المتنازلة عن السيادة الوطنية وشخوصها الذين يتحول عدد كبير منهم إلى وسطاء ووكلاء وشركاء.

والتجربة المصرية والأردنية مليئة بمثل هذه الحالات التي وصلت ببعض الوكلاء المستوردين للخضار والفواكه اليهودية أن يقفوا في وجه الدولة، التي خجل بعض موظفيها وحاولوا الاستجابة لبعض القوى الوطنية لعرقلة استيراد بعض الخضار من اليهود، ونجح المستوردون المطبعون بحماية الحكام، وفَشِلَ المقاومون. ولا أتحدث هنا فقط عن الجوانب المتعلقة بالكرامة وعزة النفس، ولكنني أتكلم عن وضع اقتصادي سينتج عن ذلك، يشمل الزراعة المحلية والصناعة المحلية، مستشهدا بما حصل للقطن المصري من دمار، وما حصل لصناعة الملبوسات الأردنية لصالح الشركات في المناطق الصناعية المؤهلة التي انتشرت في الأردن ومصر.

 

–       وإذا طبقنا هذه المفاهيم على الحالة السورية، سنجد أن تفاح الجولان المغتصب أقرب إلى دمشق وجنوب سورية من تفاح الشمال.. لكنه اليوم هو تحت سيطرة اليهود، وأهم الأولويات لليهود أن يبقى كذلك..

(ملاحظة: يرد اسم الجولان في التوراة 62 مرة، مرتين تحت اسم الحولان،  وستين مرة تحت اسم “أرض باشان”، التي تمتد من صلخد قرب السويداء، إلى جلعد شمال غرب عمان. وهي ترد على أساس أن الله أعطاها لليهود لا على أساس أنه وعدهم بها!!) وتشكل المنطقة بين السويداء والعقبة بين البحر وخط سكة الحجازي، الأرض المقترحة لإنشاء إسرائيل الدائمة، ما لم تُمنع بالقوة..

–       الحالة السورية تختلف عن الحالات العربية الأخرى مثل الجزيرة العربية بدُوَلِها ودويلاتها. والاختلاف الرئيسي يكمن في ثقافة المواطن السوري ووعيه.!

فالمواطن السوري ليس متأثرا بالإرث الذي خلفته للآخرين الصحراء، فهو ينهض مباشرة إلى التنفيذ وخلق الأساليب التي يمكنه بواسطتها صناعة الكثير من اللوازم للحياة بدون تردد أو خوف.. ومن موقعي كمهندس يعمل في مجال تصميم المصانع، لي من التجارب ما يكفيني لقول ذلك دون تردد. فعند حاجة المصنع لقطعة ما، نجد في دمشق من الحرفيين من يلبي الطلب بأسعار تنافس حتى أرخص الأسعار في العالم..  لكن هل يكفي ذلك للصمود عندما تدخل الشركات الأمريكوصهيونية العملاقة المحتكرة.

في ظل هذه الشركات إذا دخلت، سوف تتلاشى قدرة هؤلاء الحرفيين تدريجيا حتى الاختفاء الكامل، لأن السمك الكبير يلتهم السمك الصغير

ومن براهين ذلك، الجشع الذي دفع العدو لسرقة مصانع بأكملها من حلب، خلال الأحداث.

.

–       ولا بد أن أقول إن لعبة المواصفات القياسية والاحتكارات وتغوُّل الوكلاء بواسطتها على الصغار وعلى الشركات الوطنية.. هي اللعبة التي تلجأ إلبها السياسات الاحتكارية الإمبريالية لفرض مستويات من الجودة لا تلزم في كثير من الحالات لكنها عند تطبيقها تشكل عبئا ماليا كبيرا على الصغار مما يخرجهم من السوق.

–       حول المواصفات القياسية  سأورد تجربة شخصية توضح مدى تغوّل منظمات المقاييس الدولية علينا لإخراج شركاتنا من السوق، بواسطة فرض المواصفات المكلفة عليها لتعرقل إمكانياتها في التسويق والبيع، في حين تتساهل مع الشركات الغربية في نفس المجال.. ذهبْتُ قبل عدة سنوات مع مستثمر محلي (من عمان)، يرغب في شراء مصنع جاهز لعبوات السوائل الوريدية.. من إحدى الشركات الأمريكية، وأخذونا إلى مصنع مثيل في وضع تشغيلي، بصحبة أحد مفتشي المنظمة الرسمية المسؤولة عن مراقبة التصنيع الدوائي FDA، فمشيت معه وهو يشرح لي أقسام المصنع، ولا بد أن أقول هنا، إن هناك تعليمات لدخول مثل هذا المصنع في تعليمات المنظمة المشار إليها أعلاه، تمنع دخولنا بملابس الحياة العادية إلى مناطق التصنيع، وتتطلب تغييرها أربع مرات وتغيير الحذاء وتعقيم الجسد قبل الوصول إلى غرفة التعبئة، وإن مفتشيهم إذا جاؤوا إلى بلادنا لإصدار شهادة عدم اعتراض، بسبب المواصفات والمقاييس وتعليمات التشغيل الجيد، لضمان سلامة الدواء، سيفرضون علينا تطبيق التعليمات وهي باهضة التكاليف، أما خلال زيارتي للمصنع الأمريكي، فقد وصلت بمرافقة المفتش إلى غرفة التعبئة، بل دخلتها وأنا بملابسي العادية وأحتذي شحاطة، (وأنا لست أنيقا ولا أكترث بتلميع شحاطتي أو حذائي)، وكنت أتوقع أن يمنعني المفتش من الاستمرار بالسير في كل لحظة، حتى وصلت غرفة التعبئة العقيمة Sterile Room ودخلت إليها، ولكنه لم يفعل، فسألته: “لو كان المصنع في بلادنا، هل يمكنني أن أدخل إليه كما أنا، مع الحصول على موافقتك؟” قال: “طبعا لا؟” فقلت له: “وكيف تقبل ذلك هنا؟”، قال: “نحن هنا نثق بالشركة، أما عندكم، لا نستطيع أن نثق!!!”.. وليس لهذا إلا معنى واحد: إنهم يفرضون تطبيق المواصفات علينا.. لتزيد الكلفة.. وليخرجونا من السوق أمام شركاتهم.. (وللتذكير فقط، الشهادة من منظمة هذا المفتش ضرورية للتسويق في معظم دول العالم).. وأنا هنا لا أتكلم عن عدم ضرورة المواصفات والمقاييس وطرق التصنيع الجيد.. لكنني أتكلم عن استغلالهم لها في منافسة شركاتنا..

 

–       أما بالنسبة للمُزارع البسيط، فإن زراعته ستتعرض لنفس المنافسة من المزروعات اليهودية التي لن ترحمه، لتَوَفّر المياه المسروقة من سورية وتوفر التقنيات الحديثة للصوص اليهود..

وكل ما سبق يشكل جزءا لا يتجزأ من الحياة المطلبية للمواطن السوري..

ويبين أنه: ليست العلاقة بالقضية القومية السياسية هي فقط التي تؤثر في الحياة المطلبية للأسباب السابقة، لكن هناك عدد كبير من النتائج، اهمها يظهر في ما يلي:

–       من المعروف أن سورية، إلى ما قبل بداية الأزمة، لم تكن مدينة للغرب بالقروض المرهقة أو للبنك الدولي والنوادي الدائنة الأخرى. لكن انفتاحها والخضوع لارتباطات اقتصادية مع الغرب، ووصول الوكلاء والسماسرة إلى مواقع القرار السياسي والقرار الاقتصادي، سيدخلها في دوامة ازدياد البطالة والميزانيات العاجزة التي تُجمّل لتبدو ضرورية، لكنها ستشكل عبئا يفرض على الدولة الاقتراض من الوحوش المنتظرة على أبواب الدول المتنازلة عن سيادتها دائما، وهي البنك الدولي والنوادي المالية الجاهزة دوما للتمويل والإقراض، لتبدأ بعد ذلك رحلة المطالبة بالتسديد، التي تكون عادة صعبة مرهقة للميزانيات، مما يجعل الدائنين يطالبون بفرض ما يسمونه سياسات الإصلاح الاقتصادي، الذي يبدأ عادة بهبوط قيمة العملة، ثم فرض سياسات ورفع الآسعار المتتالي بلا توقف، وفرض الضرائب، على حساب المواطن الذي يعاني منها، مع فرض الإجراءات الوقائية التي تؤخذ لمنع المواطن من الاحتجاج….

–       ومن التجارب الماثلة للعيان، تجربة الاردن التي بدأت بالهبوط المفاجئ لسعر الدينار إلى النصف، من ثلاثة دولارات إلى دولار ونصف، بعد أن حول كل المتنفذين أموالهم إلى الدولار.. لتتضاعف ملايينهم بين ليلة وضحاها.. وتنخفض قيمة مدخرات الفقراء إلى النصف..

–       ثم رفع الأردن سعر الخبز في بداية التسعينات، ثم رفع سعر الحليب وتعويم أسعار الخضار. وفرض ضريبة المبيعات وزيادتها التدريجية من 8% حتى بلغت 16% على مراحل، مع تأكيد الحكومة في كل مرحلة على أن الرفع سيكون لآخر مرة، وغيرها، ثم رفع أسعار الوقود مرات كثيرة بلا توقف، وسعر اللحوم والأرز والسكر والزيوت، حتى الحمص والفلافل، ثم أسعار الحديد والإسمنت، والكهرباء والماء، ثم إلغاء وزارة التموين التي تنظم وتراقب الأسعار، دون أن ننسى القمع الذي يواجه به المواطنون المحتجون..

–       ويتبع كل ذلك توْلِية إدارة المياه والاتصالات وغيرها من مؤسسات الدولة الرابحة والاستراتيجية، أو بيعها، لشركات خاصة أجنبية تدفع الرشاوى وترفع الأسعار بدورها أكثر وأكثر..

–       واكب كل ذلك تفريغ المناهج التربوية من محتوياتها المرتبطة بعزة النفس، والتي تحوي تاريخ الأمة، بل إن المناهج الرسمية للغة الانجليزية شملت كتبا كانت تحتوي على عناوين مواقع الشذوذ الجنسي، ووزعت على التلاميذ، ولم تسحب إلا بعد انتباه ولاة الأمور واحتجاجهم.. ولم يقابل ذلك إلا الاعتذار من الحكومة والادعاء أن الكتب لم تدقق..!

–       وأمام كل ذلك، يقف أي حاكم يتنازل عن سيادة القرار الوطني، موقف المتفرج العاجز، الذي ينضم في النهاية إلى طابور المحتكرين.. والشعب يتظاهر ويقمعه قوات جيشه وأمنه التي يجب أن تحميه..

–       لا ينسى المواطن في الأردن، كيف شكا الملك حسين الراحل من تغوُّل شركة مصانع الإسمنت في الفحيص القريبة من قصره، وتلويثها للبيئة، حتى أصيب أبناؤه بالربو، دون أن تقبل الشركة تحمل أعباء المحافظة على البيئة.. مما يدل على قوة وسيطرة الشركات التي تملك رأس المال المخيف.. ولا تخضع حتى للملك..

 

بالعودة إلى سورية، نجدها تتعرض لهجمة شرسة عليها:

–       لعدم خضوعها لتعليمات التنازل عن السيادة الوطنية مثل كيانات المنطقة الملكية والأميرية

–       وعدم قبولها بالتبعية الاقتصادية واكتفائها الذاتي

–       وعدم قبولها الاعتراف بشرعية العدو اليهودي

–       مفاهيمها القومية وإصرارها على دعم المقاومة

–       إصرارها على حرية اختيار حلفائها بنفسها

–       عدم قبولها بالخضوع للمال السياسي الذليل ممثلا بالسعودية وقطر

–       عدم قبولها بقافلة الجمال التي يقودها الحمار القطري

–       وعدم قبولها بالطائفية والمذهبية وبرامج التخلف والتجهيل السائدة..

–       وأسباب أخرى..

 

وبمتابعة الأوضاع الاقتصادية قبل التخلي عن السيادة الوطنية، في حلب مثلا، وهي عاصمة الصناعة السورية، التي تأسس فيها أول معمل للنسيج في الوطن العربي والمنطقة بكاملها عام 1933، نجد أن الصناعة بدأت تأثرت بالأوضاع حتى قبل الهجمة الحقيرة على الوطن السوري.. فالصناعيون الحلبيون، الذين كانوا يقولون إنهم مستعدون للتصدير للصين، والذين يصدرون الخيوط والأقمشة لتركيا، سيتعرضون لضغوط هائلة، بسبب منافسة الشركات الاحتكارية العالمية ووكلائها، وقد شعروا بها من مدة، كما قالت مجلة المال عام 2009 عن بداية غزو أسواق حلب نفسها حتى قبل الهجمة الحالية، من هذه الشركات التي تدخل وكيلة عن الماركات العالمية المعروفة جودتها، التي  ليست أفضل من جودة منتجات حلب، لكن الإعلام العالمي والدعايات التي يمكن أن تخترق عقل الشباب، يمكن أن تجعل هذه الشركات تنمو وتنافس الصناعة المحلية، كحالة الاتحاد السوفياتي الذي ضعف شبابه أمام الجيمز وطرب الزعيق الأمريكي الرخيص..

فكيف سيكون الأمر بعد الأزمة الحالية، حين تركض وتهرول الشركات العالمية المتوحشة والمتعطشة للدم والمال السوري؟ ولكن السفلة جاؤوا بالجواب: فككوا المصانع وسرقوها وهرّبوها إلى تركيا..

.

لقد تأثرت الصناعات الجلدية، وصناعة الزجاج،  في الأعوام السابقة، بينما لم تتأثر صناعات الأدوية وصناعة الدهانات بسبب عدم منافستها بالاستيراد من الخارج، لكن ذلك لا يصمد حين يجد الوكلاء والسماسرة أن أرباحهم تتطلب تهديد كل الصناعات.. وهم مستعدون وقد بدؤوا بتهديد الصناعات الوطنية بوكالات جديدة منافسة، مثل صناعة اللوازم والتجهيزات المنزلية والأنابيب المعدنية..!

إن الدول الغربية وشركاتها تقاطع سورية اليوم لإضعافها وتركيعها، لإخراج صناعاتها من الطريق..

 

وإن لم يتمكنوا من سرقة مصانع الأدوية، فإنهم صاروا يسرقون الأدوية نفسها!! وهذا من براهين استهدافهم للمواطن، لا للنظام، للكينونة لا لرئيس الكينونة..!

.

كل هذا، فإن تقديم الضمان لديمومة دولة اليهود، بإخضاع القرار السوري للعدو، أهم الأسباب وراء الهجمة على سورية..

وكم من مرة خرجت قيادات الهجمة في وسائل الإعلام الإسرائيلية ليؤكدوا أنهم سوف يتعاونون مع إسرائيل سارقة الجولان.. ومهددة الأمن السوري ما بقيت في المنطقة!!

.

وما التركيز على مدينة حمص في بداية خطة ضرب سورية، إلا محاولة لإنهاك اقتصاد الدولة.. وتمزيقها والسيطرة على الطرق، لأن حمص تقع على تقاطع الطرق الاستراتيجية في سورية، وفيها يكرر النفط، ومنها ينطلق الغاز والبنزين والمازوت إلى كل سورية.. ولإنهاك المواطن بضرب الطاقة التي يحتاجها للحياة..

.

وسمعنا خلال هذه الهجمة، عن طريقة جديدة (تشبه ما فعلته السعودية في العراق) وهي تهريب الماشية لضرب الثورة الحيوانية السورية، وقد اكتشفت محاولة لتهريب 25000 منها غبر الأردن، وكانت السعودية في العراق خلال الحرب مع نفس العدو، تدفع لكل مُهرِّب ثمنا كبيرا مقابل كل غنمة أنثى يثبت أنه قتلها..

.

إنها حرب ضروس على مختلف الجبهات.. السياسة والاقتصاد وتجويع المواطن..

ومع كل صناعة تتدهور، بطالة تزداد.. ومعاناة شعبية تزداد.. وتعليم مجاني يتقهقر وصحة وعلاج يصبح مكلفا.

ومع كل توقيع للتنازل عن السيادة.. صناعات تتدهور.. ومطالب حياتية تبرز وتتفاقم..

والمحافظة على سورية صامدة.. تعتمد على وعي المواطن السوري وفهمه..

والكذبة من أتباع قطر والسعودية الذين يدعون أنهم يريدون خلاص سورية..يعتمدون على نفس العدو الذي يريد دمارها..

والحالات التجريبية أمامنا.. في الأردن ومصر والضفة الغربية وغزة.. وفي تمزيق لبنان وتخبطه لولا سلاح المقاومة..

.

والناطقة باسم أهل الهجمة من السوريين المتعاونين مع إسرائيل، باسمة القضماني قالت علنا.. إنهم بحاجة لإسرائيل.. لأن إسرائيل تريد دمار سورية.. وإحدى أهم وسائلها لذلك، وجود هؤلاء في مواقع القرار..

وعلى المواطن السوري البسيط أن يعرف كل ذلك.. وأن تجويعه هدف.. خضوعه هدف.. أنينه وصراخه هدف.. تشريده وبرد أطفاله وتجويعهم وتدمير تعليمهم هدف.. وما إنشاء المخيمات في تركيا والأردن قبل بداية الأحداث، إلى برهانا على ذلك.

والعدو الأمريكوصهيوني والمعارضة الملتزمة بتعليماته وأوامره.. هي من يستهدفه..

ولحماية مستقبله ومستقبل أبنائه.. عليه أن يرفضهم..

وسؤال أخير: لو كان الهدف هو النظام السوري، لماذا يهدمون المساكن والمدارس ويسرقون المزروعات والمصانع والنفط؟؟؟

.

وباختصار، وجود اليهود في منطقتنا، هو السبب الأول لمآسينا.. ومن لا يضعه في أولويات، هو الخاسر.

 

وأكرر ما قلته في بداية الورقة:

الأولوية تعني عمليا:

  • عدم السماح باحتمال الخطأ في التعامل مع العدو

  • اختيار قيادات لا تقبل التنازل عن السيادة الوطنية

  • اختيار الحلفاء اختيارا لا يتعارض مع القضية ومع السيادة الوطنية

  • عدم تعريض السيادة الوطنية لصناديق الاقتراع

  • عدم الارتباط بالقروض والمساعدات الخارجية

  • عدم الاعتماد على أسلحته

  • عدم اللجوء إليه لتدريب كوادرها

  • في حالة التعامل مع أمريكا، الدقة في اختيار السلع للتبادل التجاري، على ألا تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني وقيودا للقرار السياسي

  • عدم التعاون العسكري والأمني مع العدو بطرفيه الأمريكي واليهودي

  • عدم السماح لمنظمات العدو ومؤسساته المُقَنّعة بشعارات السلام والتعاون من اختراق الوطن

  • نشر ثقافة الحذر من التعاون معه أو التعامل معه ومقاطعة مؤسساته المختلفة في المجتمع

  • عدم تعيين وكلائه من المحليين في مناصب القرار

  • عدم عقد هدنة تنتج خمدا للصراع وتهدئة تمكنه من بناء نفسه وتنتج اضطرابا في صفوفنا

  • ومهما قاطعناه.. لن نموت..

اترك تعليقاً