الأرشيفثقافة وفن

Al-Bassa, north of Akka – البصة، شمال عكا

البصة

قرية عربية في أقصى شمال غرب فلسطين، ملاصقة للحدود اللبنانية جنوبي رأس الناقورة، كانت تقع على هضبة ترتفع عن البحر 75 متراً فقط إلى الشمال من وادي البصة، عند أقدام جبل المشقح الذي يحدها من الشمال ويشكل فاصلاً بين فلسطين ولبنان، وهي قريبة من البحر الأبيض المتوسط، حيث لها سهل منبسط من جهتي الغرب والجنوب يصل البحر. وكانت طريق فرعية تربطها بالطريق العام الساحلي بين عكا وبيروت. كانت القرية جزءاً من لبنان وتتبع لقرى جبل عامل، غير أنها ألحقت بفلسطين بعد الحرب العالمية الأولى عندما رسمت بريطانيا وفرنسا الحدود بين هذين البلدين باتفاقية سايكس – بيكو.

يحدها من الشمال، عدا الحدود اللبنانية، قرى لبونة وعلما الشعب اللبنانيتين، ومن الجنوب ترشيحا ومعليا والكابري، ومن الجنوب الغربي قرية الزيب، ومن الشرق كيبوتس حنيته الذي أسس عام 1938 وكان يسمى أولاً حانوتا، وقد اشترى اليهود هذه الأراضي من عائلة زعرب اللبنانية، ومن الشرق كيبوتس متسوبه الذي تأسس عام 1940، وقد اشترى اليهود الأرض من نقولا البنا وهو من أهالي صور، ومن الشرق أيضاً كان للبصة حدود مع عرب العرامشة وعرب السمنية الذين كانوا مستقرين بتلك المنطقة.

ومن المناطق التابعة لها وتقع في أراضيها: الجبيل، خربة باط الجبل، المشيرفة، المعصوب، النواقير، جردية، خربة العباسية، خربة كركرة وغيرها.

التاريخ

يبدو أن اسمها مصدره كنعاني ومعناه المستنقع، وفي العربية بصّ الماء معناه رشح.  والبصة، كما يبدو، بلدة كنعانية، وكان اسمها بيزيث Bezeth في الفترة الرومانية، وأشار إليها عماد الدين الأصفهاني (توفي سنة 1201)، وهو مؤرخ كان مقرباً من السلطان صلاح الدين الأيوبي، في كتاباته باسم عين البصة. وقد عثر على أثريات داخل القرية وخارجها. وكان في داخلها بقايا قرية قديمة وأجزاء أرضيات من الفسيفساء وبعض الآبار والقبور المنحوتة في الصخر. كما كشفت دائرة الآثار الفلسطينية سنة 1932 مقبرة مسيحية عثر فيها على نقود وزجاجيات تعود إلى القرن الرابع للميلاد. وعلاوة على ذلك كان إلى جوار القرية ما يفوق 18 خربة.

في سنة 1596، كانت البصة قرية تابعة لناحية تبنين في لواء صفد، وعدد سكانها 572 نسمة. وكانت تدفع الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون والقطن والفاكهة، بالإضافة إلى الماعز وخلايا النحل والمراعي. في أواخر القرن التاسع عشر، كانت البصة مبنية بالحجارة ويسكنها 1050 نسمة تقريباً. وكانت تقع على طرف سهل وتحيط بها بساتين الزيتون والرمان والتين والتفاح.

كان عدد السكان عام 1945 حوالي 2950 نسمة منهم 1590 مسيحياً و 1360 مسلماً. وبحلول سنة 1948، كان عددهم حوالي 4000 نسمة وعدد منازلهم يفوق 700 منزل. وعند كل منزل تقريباً بئر تجمع مياه الأمطار فيها. وكانت تلك المنازل القديمة مبنية بالحجارة ومتقاربة بعضها من بعض، ويفصل بعضها عن بعض شوارع وأزقة مرصوفة حجارة. أما المنازل الجديدة التي بنيت بعد الحرب العالمية الأولى، فغالباً ما كانت متباعدة بعضها عن بعض، وكانت مبنية بالأسمنت. وكان لبعضها طبقتان.

المجتمع

لقد أنشئ فيها مجلس محلي سنة 1922، وشرع المجلس سنة 1946 بإنشاء شبكة من قنوات المياه التي مدت منازل القرية بمياه الشرب. كما ساعد المجلس القرويين في الشؤون الزراعية، كاستئجار النواطير للحقول، وكان الفلاحون يدفعون رواتبهم، وإرشاد سكان القرية في شؤون الزراعة، وتوقعت مواسم الحصاد لشتى المزروعات. فكان في القرية رئيس للمجلس، وكان توفيق جبران أخر رئيس للمجلس في 1948، بالإضافة إلى ثلاثة مخاتير، مختار مسلم، وكان خضر أحمد أخر مختار عام النكبة، ومختاران مسيحيان جبور صباغ عن الكاثوليك ووديع عزام عن الروم.

وكان في القرية مدرسة ابتدائية رسمية للبنين شيدتها الدولة العثمانية في سنة 1882، ومدرسة ابتدائية حكومية للبنات، ومدرسة شاملة خاصة هي مدرسة المطران أو المدرسة الأسقفية الوطنية والتي غير اسمها مؤخراً إلى كلية الرابطة الوطنية، ومدرسة ابتدائية تابعة للإرسالية الانجيلية الألمانية. تشكّل بالبصة ناديان للفعاليات الاجتماعية والرياضية هما نادي اتحاد الشبيبة ونادي الإخاء البصي. وكان لأهل البصة ثلاث كنائس ومسجد وأضرحة ومقامات عدة، بعضها للمسلمين وبعضها للمسيحيين، وكان مقام منها مقدساً لدى الطائفتين معاً. وكان العمال في البصة أسسوا فرعاً محلياً لاتحاد العمال الوطني الفلسطيني، وقد أسس هذا الاتحاد متاجر تعاونية في القرية. وكان في البصة ما يزيد على عشرين متجراً تلبي حاجات القرى الأخرى أيضاً، كما كان فيها حسبة أي سوق مفتوحة للمنتوجات بالجملة والمفرق، قائمة وسط القرية.  وكانت الحسبة تقام أيام الآحاد. وكان سكان القرية يعملون أيضاً في مهن أخرى، كالحرف وصناعة الصابون، فضلاً عن العمل أجراء في القواعد العسكرية البريطانية. كما كان في البصة فندق ومحطة باصات وسيارات أجرة ومنتزه معروف في منطقة المشيرفة القريبة من البحر. كما كان فيها مركز للشرطة ومكتب جمارك لوقوعها على الحدود.

الزراعة

في أثناء فترة الانتداب، كان بعض سكان القرية يعنى بتربية الحيوانات، بما فيها البقر. كانت عشر عائلات على الأقل تعتاش من قطعان الماعز والضأن. وكانت المزروعات في القرية تسقى من قنوات الري ومياه الأمطار. في أوائل الأربعينات كان في القرية جمعية تعاونية للفلاحين تملك الأدوات الزراعية وشاحنة وآلة للحصاد.

كان مجمل مساحة أراضي البصة هو 25,258 دونماً. ومع أن المزروعات الأساسية كانت القمح وغيره من الحبوب فقد كانت الأرض تزرع أيضاً خضروات وفاكهة وحبوب المكسّرات. في 1944\ 1945 كان ما مجموعه 614 دونماً من أراضي البصة وخربة معصوب مخصصاً للحمضيات والموز، و10437 دونماً للحبوب و 4699 دونماً مروياً أو مستخدما للبساتين.

احتلال القرية

في 1946 – 47 تشكلت بالبصة لجنة قومية فرعية، عملت على شراء أسلحة من لبنان وسورية وأنشأت تنظيم النجادة وهو تنظيم شبه عسكري. كما قامت الجمعية بدوريات حراسة حول القرية، وشارك عدد من أبنائها في معارك مختلفة في الجليل، وقامت مناوشات بينهم وبين المستوطنات المجاورة. وكانت تقيم مهرجانات سياسية بالبلد.

بينما في عام 1948 فكان الإحساس أن الجيوش العربية سوف تحرر فلسطين ولذا كان احتلال فلسطين من قبل الحركة الصهيونية صدمة قوية.

استناداً إلى مصدرين (إسرائيليين) وإلى تقرير لوكالة يونايتد برس، فان احتلال البصة كان تم في 14 أيار 1948 خلال عملية بن عمي. غير أن المؤرخ الفلسطيني عارف العارف يؤرخ سقوطها قبل ذلك بثلاثة أيام، أي في 11 مايو. وورد في كتاب ” تاريخ الهجناه” أن القوات الصهيونية نزلت عند هذه القرية الساحلية بالقوارب، فكان هذا النزول، من زاوية معينة أول عملية لسلاح البحرية. ويضيف الكتاب أن سكان القرية “قد فروا لدى ظهور القوات اليهودية”. غير أن شهود عيان قابلهم المؤرخ الفلسطيني نافذ نزال لاحقاً، رووا الأحداث بصورة مختلفة. فقد قال هؤلاء إن الكثيرين من النساء والأطفال كانوا قد رُحّلوا قبلاً خوفاً من القتال، غير أن بعضهم ظل في مكانه. ويوم الهجوم، أُخذ مقاتلو القرية بغتة فتراجعوا نحو الشمال. ويستذكر سكان القرية أن قوات الاحتلال أمرت جميع من تبقى، ومعظمهم من الشيوخ، بالتجمع في كنيسة القرية. وهناك أخذوا بعض الشبان، ومن جملتهم امرأة واحدة على الأقل، وأعدموهم رمياً بالرصاص خارج الكنيسة، وأمروا الباقين بان يدفنوهم. ويؤكد لاجئون من القرية حادثة القتل العمد إلا أنهم لا يتطرقون إلى عدد القتلى، ويؤكدون مقتل أخ وأخت في الثانية عشرة والرابعة عشرة من العمر بدم بارد أمام والديهما. ولا يذكر المؤرخ (الإسرائيلي) بني موريس هذه الحادثة، إنما يقول إن معظم سكان القرية كان رحل عنها من قبل، وأن معظم الباقين فروا خلال الهجوم، ويضيف أن بعضهم أمر، أو نصح له التوجه شمالاً إلى لبنان، وأن 100 آخرين تقريباً من سكانها، ومعظمهم من المسنين والمسيحيين، نقلوا إلى قرية المرزعة مع غيرهم من القرويين المهجّرين من الجليل. واستناداً إلى نزّال، قتل بعض سكان القرية لاحقاً حين حاولوا العودة إلى القرية لاستعادة ما تبقى من ممتلكاتهم.

القرية اليوم

لم يبق من القرية اليوم سوى بعض المباني، منها الكنيسة الأرثوذكسية وهي اليوم مغلقة ويحاول أهل البصة تنظيفها بين الحين والآخر، ولكنها مهملة وجدرانها مشققة، ويمنع أهل القرية من الصلاة فيها أو ترميمها، وقد قام ابن البصة واكيم واكيم بإجراء طقس عماد ابنته عدن في الكنيسة عام 2000 ليكون بذلك أو عمل جماهيري ديني سياسي في الكنيسة منذ النكبة. وفي الموقع مقام الخضر وهو مبنى حجري قديم له قبة ويعتبر مقدساً لدى أهل البصة مسلميها ومسيحييها. وبين المبنيين منزل لعائلة الخوري مهدوم جزئياً وما زالت قناطره المميزة في طابقه الثاني سليمة. ويقع جنوبي الكنيسة الأرثوذكسية مبنى حديث نسبياً من طابقين كان يسميه أهل البصة بيت السِتّات الألمان وهو منزل وكنيسة انجيلية وعيادة ومدرسة ابتدائية كانت تابعة للإرسالية التبشيرية الألمانية. مقابل مقام الخضر من جهة الغرب، ويفصل بينهما شارع، يقع مسجد القرية، وهو مبنى من طابق واحد مربع الشكل تقريباً، مبنيّ من حجر، يبدو حديث الإنشاء. استعمله المستوطنون بعد الاحتلال ولعدة سنوات كحظيرة أبقار، إلا أنه اليوم محاط بجدار من الصفيح وضعته السلطات (الإسرائيلية) بعد أعمال ترميم غير مكتملة قامت بها جمعيات أهلية فلسطينية في الداخل. مبنى المسجد سليم بأغلبه ونظيف نسبياً، إلا أن المستوطنين هدموا مئذنته، ويمكن دخول قاعدة المئذنة والصعود على درجها الداخلي حتى ارتفاع سقف المسجد، حيث تم هدم المئذنة من ذاك الارتفاع. محراب المسجد سليم، إلا أن المبنى يفتقد لأبواب وشبابيك، وهو غير مستعمل.  في الجزء الشمالي للقرية، وبين ركام البيوت المهدمة، يمكن رؤية الكنيسة الكاثوليكية بوضع مزرٍ ويصعب الوصول إليها. مقبرتا البصة الإسلامية والمسيحية تقعان غربي القرية وكلاهما منتهكتان ومهملتان، يحيط بهما منطقة صناعية حديثة لمدينة شلومي، وفي كلتيهما يقوم العابثون بنبش القبور وهدمها وتدنيسها.

وكان في البصة مقبرتان إسلاميتان صغيرتان وقديمتان في موكز البلد، كما تبين الخرائط البريطانية، إلا أن الاحتلال جرفهما وأقام عليهما كلية تعليمية اسمها كلية “إيرز”.

أنشأ (الإسرائيليون) مستعمرة بيتست سنة 1949 قرب موقع القرية، ومطار بيتست العسكري قربها، وشمالي البصة كيبوتس روش هنكراه، أي رأس الناقورة، على أراضي القرية، وفي سنة 1949 أيضاً أنشئ موشاب ليمان، في البدء كان قاعدة عسكرية تدعى تساهال، ثم دعيت ليمان بعد أن زارها عضو مجلس الشيوخ الاميركي هربرت ليمان في سنة 1959. وأنشئت شلومي، وهي إحدى مدن التطوير، سنة 1950 جنوب موقع البصة، إلا أن بناءها اتسع ويقوم قسم من منشآتها على موقع البصة الأصلي، خاصة منطقتها الصناعية. أما مستعمرة متسوبه، التي أسست في سنة 1940قرب البصة، فقد توسعت ويقع بعض أبنيتها الآن على أراضي القرية.

————–

المصادر

–         يوسف أيوب حداد، المجتمع والتراث في فلسطين – قرية البصة، كاليفورنيا، 1984.

–         الموسوعة الفلسطينية، دمشق، 1984.

–         وليد الخالدي، كي لا ننسى، بيروت، 1997.

          زيارة موقع قرية البصة ، تموز 2012.

–         مقابلات مع لاجئين/ات من البصة، تموز 2012.

–        Salman Abu Sitta, The Palestinian Nakba 1948, 2000

–        Walid Khalidi, All that Remains, 1990

–          www. wikipedia.org

–          www.zochrot.org

–          www.palestineremembered.com

 

الصور من باحث غوغل