وقفة عز

نهاية فتح ثورة حتى النصر

 نضال حمد*

مرت قبل أيام قليلة بصمت ذكرى مرور45 سنة على انطلاقة حركة فتح، قوات العاصفة ، ويعود سبب مروها بصمت لكون بنادق فتح قد صمتت منذ زمن طويل وكذلك لضياع عاصفتها على أعتاب السلام الكاذب واللاعادل، وتقاسم كعكتها بين قيادتها وأشباه قادتها.

ترافقت ذكرى الانطلاقة مع أنباء تقول أن السيد فاروق القدومي قام بتسليم مقر الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس الى محمود عباس، محتفظاً بمقتنياته وبثلاث مرافقين. قرأت الخبر في جريدة القدس العربي عدد 5 يناير2010 ووجدت تحته تعقيباً كتبه أحد موظفي الدائرة السياسية تطاول فيه على أبي اللطف وخاطبه قائلاً ” قدومي ” وأتهمه بسرقة أثاث المكتب وميزانية تقدر بعشرين ألف دولار ومستحقات لموظفين في الدائرة السياسية.

مشكلة القدومي أنه كان يعمل في محيط  لم يكن موالياً له، وكانت مجموعة من العاملين في الدائرة السياسية تعمل لحساب عباس ودحلان وآخرين من أعداء القدومي في اللجنة المركزية لفتح. لاحظت ذلك شخصياً خلال عدة زيارات قمت بها الى تونس وزرت خلالها مكتب السيد فاروق القدومي في مقر الدائرة السياسية. وهمست بذلك لمقربين من القدومي، ولمحت له شخصياً عن عدم ثقتي ببعض العاملين في دائرته. وبقيت مصمماً على رأيي هذا الذي أثبثت الأيام ومعها مؤتمر فتح ببيت لحم أنه كان على صواب.

القدومي نفى تلك الأنباء عن تسليمه الدائرة السياسية لعباس، وأضاف أيضاً أنه هو الذي طلب من تونس عدم تسليم أرشيف عرفات لعباس وعدم السماح لمبعوثه بدخول مقر أرشيف عرفات.

وفي مقابلة مع المستقبل العربي قال القدومي إن الضغوط التي يتعرض لها من قبل سلطة رام الله لن تغير أو تؤثر على مواقفه السياسية.

ومن المعروف أن فاروق القدومي “أبو اللطف” رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، والقائد الفتحاوي الشرعي الأول قد تعرض للإزاحة من قيادة فتح ولجنتها المركزية بطريقة غير شرعية، حيث انقلبت عليه فتح المتعبسلة والمتأوسلة في مؤتمرها ببيت لحم، ورأينا غالبية قادة وكوادر فتح يقدمون الطاعة العمياء لسيد لقمة عيشهم وقائدهم الجديد محمود عباس، الذي كان ترك فتح وأستقال منها ومن كافة مناصبه في السلطة والمنظمة قبيل وفاة الرئيس ياسرعرفات، ثم عاد ليقودها ويقود المرحومة منظمة التحرير الفلسطينية، التي تتمسك بها لغاية الآن قوى اليسار الفلسطيني بالرغم من أنها تخدم مصلحة عباس فقط لا غير وتبارك التنسيق الأمني مع الاحتلال ومشروع دايتون والعملية السلمية كما هي، وتتخلى عن حق العودة، وترفض المقاومة، وتصنع العملاء والجواسيس والفاسدين يومياً … ورئيسها أوصلها عباس الى هاوية سياسية وطنية وأخلاقية أكبر من التي كانت فيها قبيل وفاة رئيسها الأسبق ياسر عرفات…

إن بشاعة ولا أخلاقية نهج الاستزلام والاستسلام في فتح المتأوسلة ثم المتعبسلة جعل القدومي مثل نمر جريح ووحيد في غابة من الوحوش يصارع لأجل الحفاظ على ما تبقى من ماء وجه هذه الحركة الوطنية الفلسطينية، التي أطلقت أول الرصاص الفصائلي الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، ثم حولها قادتها المتنفذون والمستسلمون الى أول حركة وطنية تقبل الاستسلام طواعية. وتقدم حقوق شعبها هدايا للأعداء من كل الأصناف والأشكال.

عقد مؤتمر فتح الجديدة في بيت لحم وانبثقت عنه قيادة جديدة تلبي برامج دايتون والتنسيق الأمني ثم السياسي بين سلطة رام الله والمخابرات المركزية الأمريكية وأجهزة الأمن الصهيونية. ولم نسمع في مؤتمر بيت لحم العتيد عن مواقف كثيرة لوجوه فتحاوية طالبت بالحفاظ على وطنية فتح وثورية نهجها، بل العكس هو الصحيح كانت عملية ترتيب المراكز القيادية تجري بتفاهمات مسبقة بين المهيمنين ماليا على الحركة والسلطة والمنظمة، على حساب الموقف السياسي وكذلك الوطني.

هنا يجب التأكيد على صعوبة الفصل بين المؤسسات الثلاث، فالمنظمة-السلطة- وفتح وجهان لعلمة واحدة، وإن اختلفتا في بعض الأشكال. وهذا الشيء ليس بالجديد إذ أن فتح كانت دائما تسيطر على المنظمة وتضفي عليها الطابع الفتحاوي سواء في اللجنة التنفيذية أو المجلسين الوطني والمركزي أو في الاتحادات الشعبية وكذلك في السفارات والمكاتب والممثليات في الخارج. وكان أي مسؤول لإقليم فتح في أي بلد يتصرف وكأنه نائب السفير أو حتى مسؤول السفير في بعض المكاتب والسفارات. وهذا الدور أجاد بعض الفتحاويين استخدامه مع بعض ضعفاء النفوس من سفراء اليسار الفلسطيني وبعض المستقلين من السفراء على قلتهم فأعداد هؤلاء لم تتجاوز العشرة. وهنا لا بد أن نوجه اللوم للقدومي الذي كان مسؤولاً عن السفراء والسفارات بعد الرئيس ياسر عرفات. ولم يقم بتغيير المعادلة أو اجراء اصلاحات، وفي ذلك الوقت كان من الممكن القيام بذلك. لكن عدم جدوى وفاعلية اليسار الفلسطيني وصمته على ذلك يبدو أنه شجع فتح على مواصلة المشوار، الذي أوصلنا في هذه الأيام الى سفارات وسفراء ( إلا قليل منهم-ن ) لا يمثلون شعبنا ولا يتحدثون باسمه ولا يرفعون لاءاته وشعاراته، بل يحرصون على ارضاء الكيان الصهيوني والدول المضيفة وسيدهم في جهاز الأمن الوقائي سابقاً أو رئيس سلطة المقاطعة في رام الله.

بعد تنقية فتح من الأصوات الثورية والوجوه الوطنية الحقيقية وخلوها من المفاهيم الثورية والوطنية الفلسطينية العامة والمعروفة، وتلبيسها ثوب السلام المفصل على مقاسها. أصبح من واجب كل فتحاوي يعارض ذلك أن يقول لا للمستسلمين واللصوص الذي سرقوا فتح بتاريخها الوطني وتضحيات شهداءها، وأن يفكروا بعمل شيء ما يعيد تحشيد الطاقات من أجل مواجهة نهج فتح المنسقة أمنياً مع الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية، وسياسياً مع كل أعداء شعبنا المحاصر والمُجوع في قطاع غزة. فمحمود عباس وأركانه في كل فرصة ممكنة يذكرون بمنجزاتهم في مجال التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني. وأكثر من ذلك فأن عباس تعهد ويتعهد علناً بمقاومة أي مشروع مقاومة في الضفة الغربية، ويعلن تأييده لحصار غزة، وحتى الحرب والعدوان عليها، ويؤيد بناء الجدار الفولاذي المصري، ويسحب التصويت عن تقرير غولدستون ثم يعود تحت ضغط الشعب ويقدمه للتصويت مما أفقده أكثرية تصويت كانت متوفرة قبل سحبه.. ويرمي جانباً بقرار محكمة لاهاي الذي أقر بعدم شرعية جدار الفصل الصهيوني في الضفة الغربية. ومؤخراً أصبحت شعارات عباس لا ازالة المستوطنات كما هو متعارف عليه في الخطاب الوطني الفلسطيني، بل وقفها كشرط للجلوس مع الصهاينة. ترفع المنظمة والسلطة تلك الشعارات بينما غزة تخنق حصارا وجوعا والقدس تهود علانية .. وتصل عنجهية رأس السلطة في رام الله أقصى مدى لها مع اعلانه أنه لن يسمح بانتفاضة ثالثة طالما بقي موجوداً في رئاسة السلطة.

لكن ماذا لو بدأت الانتفاضة بالتخلص منه أولاً؟

هل سوف يستطيع أزلامه وقفها ومقاومتها؟

 أم أنهم سوف يجيرونها لحساباتهم الخاصة كما فعلوا بالانتفاضة الثانية التي تفجرت بالأساس ضد فسادهم ونفاقهم واستسلامهم، وهل سيسمح لهم شعبنا الفلسطيني بتجييرها؟؟.

من المحزن لنا نحن جيل الفدائيين وأبناء حركة التحرر الوطني أن نرى فتح تزول عن الوجود بهذه الطريقة السوداء والجهنمية … لكن زوال فتح لا يعني زوال الثورة الفلسطينية والمقاومة المسلحة لشعب فلسطين. إنما زوال مرحلة وإن كانت في فترة من الفترات هامة جداً في ومن تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.

وهذا الشيء سيجعل شعب فلسطين وقواه المقاومة أكثر ثقة بضرورة التوحد حول برنامحج وحدوي مقاوم يحافظ على القضية والحقوق ويرفع لواء الكفاح المسلح جنباً الى جنب مع راية فلسطينة وطنية حقيقية تقضي بضرورة الإطاحة بنهج الاستسلام  وإزاحته من الحياة السياسية الفلسطينية مرة واحدة والى الأبد.

 

06/01/2010