وقفة عز

جدار الفرعون ومزار أبو حصيرة

بقلم نضال حمد

في الوقت الذي تواصل فيه جرافات ورافعات النظام المصري عملية الحفر وبناء الجدار الفولاذي على حدود مصر مع رفح في قطاع غزة المحاصر، كانت مجموعات كبيرة من اليهود الصهاينة تحط رحالها معززة ومكرمة في مطار القاهرة ومن هناك تواصل طريقها بجوار الأزهر الشريف، حيث فتاوى مشايخ النظام، وحيث طنطاوي الذي التقى ببيريس وغيره من قتلة أطفال العرب والمسلمين. طنطاوي الذي قال أنه لا يعرف أن هناك حرباً على غزة .. حدث هذا يوم التقى بالمجرم بيرس، ويوم كانت غزة تدك بالقنابل الفسفورية .. بجوار طنطاوي وبمباركته ومباركة “مُباركه” تواصل المجموعات اليهودية خط سيرها الى محافظة البحيرة المصرية للاحتفال بمولد الحاخام يعقوب أبوحصيرة، الذي توفي في مصر سنة 1880 وذلك على اثر عودته من سوريا وفلسطين الى المغرب.

يقال في الأحاديث الشعبية أن اسم هذا الحاخام هو يعقوب بن مسعود، وتعود أصوله الى المغرب العربي، ومعروف أنه توجد في المغرب جالية يهودية كبيرة هاجر الكثيرون أو هُجر الكثيرين منها للاستيطان في فلسطين المحتلة. فيما ظلت علاقات هؤلاء قائمة مع النظام في المغرب عبر الطائفة اليهودية التي لها حضور سياسي واقتصادي ملموس هناك. وخير دليل على ذلك زيارة وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني مؤخراً الى المغرب والاهتمام والرعاية التي صاحبت وجودها هناك من قبل السلطات الحاكمة. لقد وصل الأمر بالأنظمة العربية حد المجاهرة بالعهر السياسي وبخيانة شعوبها وأمتها وقضاياها المصيرية.  فوجود ليفني في المغرب كان علنياً وبرعاية الدولة وحمايتها، بينما نفس هذه المجرمة اليهودية الصهيونية المتهمة بارتكاب جرائم حرب في غزة ألغت زيارة الى بريطانيا خوفاً من اعتقالها هناك.

كما قامت السلطات الصهيونية في آخر لحظة بإلغاء زيارة لبعثة رسمية عسكرية صهيونية كانت يجب أن تسافر الى بريطانيا  لإجراء مباحثات في اطار التعاون العسكري بين البلدين. ألغيت الزيارة خشية صدور مذكرات اعتقال بحقهم على خلفية ارتكاب جرائم حرب في غزة. والكيان الصهيوني الذي بدأ يخشى على أركانه السياسيين والعسكريين من الاعتقال والملاحقة في أوروبا، ليس لديه نفس الشعور بالنسبة للبلدان العربية التي تتسابق على دعوة أركانه لزيارتها. فالصهاينة يحجون يومياً الى القاهرة ومناطق مصرية أخرى، بالرغم من أن الشعب المصري من أكثر شعوب العرب مقاطعة لهم. لكن للفرعون الحاكم ومن معه في الحكم رأياً آخر وهو استمرار التبعية لأمريكا والتنسيق التام مع الصهاينة للقضاء على آخر نفس مقاوم للشعب الفلسطيني، ومن ثم الدعوة لمؤتمر دولي برعاية أمريكا وبحضور “إسرائيل” وعباس ومشاركة كافة المستسلمين العرب لإعلان يهودية فلسطين المحتلة. وحل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الصهيونية الأمريكية.

على معبر رفح يموت المرضى الفلسطينيون وتلد الأمهات الفلسطينيات المواليد الجدد في العراء، ويفترش الذين تقطعت بهم السبل ومنعتهم العنجهية الأمنية المصرية، الأرض و يلتحفون السماء  ثم في لحظات معينة يخرج علينا ممثلون عن نظام الاستسلام العربي الأول بقيادة الفرعون الحالي ليتكرموا على أبناء غزة بفتح المعبر لمدة يوم، يومان أو ثلاثة أيام. كأنهم بهذا القرار الخطير الذي يتطلب موافقة أمريكا و”اسرائيل” أولا يحررون فلسطين. وبعد كل عملية فتح للمعبر يعقب الجانب المصري على ذلك بالقول أنها لتسهيل مرور العالقين.

أي عروبة هذه التي يتغنى بها فراعنة كمب ديفيد أعداء وحدة  مقاومة كل العرب سواء في فلسطين ولبنان والعراق حيث المقاومة العربية مشتعلة. أو ضد الجزائر بسبب لعبة كرة قدم. هذا النظام المصري أوغل في التآمر على العرب وشارك الأعداء في التخطيط لإفشال أي نهوض قومي عربي أو وطني أو ثوري في منطقتنا منذ مشاركته في الحرب ضد العراق الى مشاركته العلنية في حرب تركيع وتجويع الشعب الفلسطيني أو اعدامه حصارا وخنقا وجوعا بعد إتمام عملية بناء الجدار الفولاذي.

هذا الجدار الذي سيصبح وصمة عار تاريخية على جبين فرعون مصر وأركان حكمه ومشايخه في الأزهر الشريف. بالذات طنطاوي الذي لا يخاف ربه أولاً ولا يخجل من فتاويه الفرعونية ثانياً. فهو أداة طيّعة بيد النظام وبوق من أبواق الإفتاء الذي يصب في خدمة أعداء العرب والإسلام والمسلمين.

لذا ليس غريباً أن تصدر جبهة علماء الأزهر بياناً تدين فيه تصرفات وفتاوى طنطاوي، وتذكره في بيانها بعقاب الله لأن “القول بالتحريم والتحليل بغير سلطان سوى سلطان الوظيفة الزائلة هو لون من الكفر يتهدد مرتكبيه بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.. “.

هذا الشيء نفسه ينطبق كذلك على محمود الهباش وزير أوقاف سلطة رام الله المحتلة، الذي أفتى بدوره وفق رؤية سيد لقمة عيشه الذي يعتاش بدوره على مساعدات الدول المانحة، والذي يعيش لغاية هذا اليوم بفضل حماية الأعداء. يقول الهباش أن لمصر الحق في بناء جدار حدودي مع قطاع غزة ومن حقها اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لضمان أمنها وحماية حدودها وتنفيذ القانون على أراضيها، ورفض اقحام الدين والفتاوى (مع أنه أفتى بذلك عبر موقفه هذا ) في هذا الموضوع، مؤكداً أن العدو الأول لشعب غزة هما “إسرائيل” و حركة حماس.

أضاف الهباش في تصريحاته أن من يتحمل وزر الحصار على قطاع غزة ‘جهتين لا ثالث لهما: “إسرائيل” وحركة حماس، مضيفا أن حماس تتحمل جزءا ليس بسيطا من هذا الحصار لأنها تعطي الذرائع والمبررات “لإسرائيل” للاستمرار في الحصار. 

يقدم وزير الأوقاف الفلسطيني هذا الموقف هدية للفرعون ونظامه التآمري، ويفعل ذلك بمباركة ورضا الفرعون الأصغر في محمية رام الله المحتلة، الذي سارع منذ فترة بتأييده عملية بناء الجدار المصري. عليكم عدم التعجب من موقف فرعون رام الله لأن هذا الموقف هو موقفه الحقيقي، فهو لم يقف في يوم من الأيام ضد بناء الجدار الصهيوني في الضفة الغربية، وأهمل عن سابق إصرار القرار الدولي الذي أصدرته محكمة لاهاي بحق الجدار وأمرت بهدمه بعدما أجمعت وأقرت على لا شرعيته.

كيف نهدم جدار الفرعون؟

بالعمل الدؤوب والنشاط المستمر والحملات الإعلامية والتعبئة الجماهيرية ضد النظام المصري وأركانه… باللجوء الى القضاء كما فعل السفير السابق إبراهيم يسري ومعه أكثر من مئتين من نشطاء مصر، الذي تقدموا بقضية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة مطالبين بإيقاف بناء الجدار الفولاذي. كذلك بتكثيف التحركات الشعبية أمام سفارات وممثليات وقنصليات مصر في العالم. وهذا يجب أن لا ينسينا العدو الأول وهو الكيان الصهيوني الذي يجب أن تكون التظاهرات نفسها موجهة ضده لأنه المُحاصِر الأول لغزة والعدو الأساسي للشعب الفلسطيني. وإن كان هناك وسائل وإمكانيات أخرى تساعد في إيقاف بناء الجدار أو هدمه يجب على العرب والفلسطينيين استخدامها لوقفه.

وهذا حق من حقوقهم لأن بناء الجدار ليس قراراً سيادياً مصرياً، ولا علاقة له بالأمن القومي المصري، بل هو تنفيذ حرفي لما تم الاتفاق عليه بين وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس ووزيرة خارجية الصهاينة تسيبي ليفني في اللحظات الأخيرة من عمر إدارة بوش الأبن.

 

* نضال حمد – مدير موقع الصفصاف

 

08-01-2010