ثقافة وفن

عكاظيّة حيفا الرابعة! – آمال عوّاد رضوان

 

أقامَ نادي حيفا الثقافيّ والمجلسُ المِليُّ الأرثوذكسيُّ الوطنيُّ في حيفا، واتّحادُ الكرمل للأدباءِ الفلسطينيّين أمسيةً عكاظيّةً حيفاويّةً، بتاريخ 11-2-2016، في قاعة كنيسة ماريوحنا المعمدان الأرثوذكسيّةِ في حيفا، وسط حضورٍ كبيرٍ مِن أدباء وذوّاقي الكلمة الشعرية، وقد تولّى عرافة الندوة الأديب فتحي فوراني، بعد أن رحّبَ المحامي فؤاد نقارة رئيس نادي حيفا الثقافي بالحضور والمشاركين، وشاركَ كلٌّ مِن الشعراء: عزالدين السّعد، وسلمى جبران، ولبنى دانيال، ونظير شمالي وابنته غفران شمالي، وتخلّلت الأمسية وصلاتٌ فنيّةٌ وفقراتٌ موسيقيّةٌ مع فرقة التخت الشرقي/ بيت الموسيقى/ شفاعمرو بقيادة عامر نخلة، وازدانت القاعة بلوحاتٍ تشكيليّةٍ للفنان جميل عمرية، وفي نهايةِ الأمسيةِ الشعريّةِ وبعد أن شكر العريف الحضور والمشاركين، تمّ التقاط الصّورِ التذكاريّة!

 مداخلة الأديب فتحي الفوراني: لا بدّ مِن كلمةٍ سريعةٍ في بدايةِ هذه الأمسيةِ العكاظيّةِ الرابعة، ولنلتفتْ إلى الوراء، إلى أكثرَ من خمسةَ عشرَ قرنًا. مِن جميع أنحاءِ الدنيا الجاهليّة يأتي العربان بجماهيرهم وفودًا وفودًا، زرافاتٍ ووحدانًا، للمشاركةِ في المؤتمر السنويّ، فيجتمعونَ في الميدان، ويُقيمون العرسَ الثقافيَّ بين الطائفِ والرياض، وعلى البوّابةِ الشاهقةِ تنتصبُ رايةٌ نقشتْ عليها العبارة: “سوق عكاظ يُرحّبُ بكم”. إنّه موسمُ المواسم، إنّه مؤتمرٌ سنويٌّ عالميّ، في لغةِ هذه الأيّام، ولربّما غابَ عن بال كثيرينَ منّا السّؤالُ: لماذا سُمّي عكاظ بهذا الاسم؟ ولا يلبثُ الجوابُ أن يَعتلي المنصّةَ، فيُزيلَ الضباب، ويُميطَ اللثامَ عن صفحةٍ مِن سِجلِّ المواسم، نقرأ فيها: سُمّي عكاظ بهذا الاسم، لأنّ العربَ كانت تجتمعُ فيه فيتعاكظون، أي يتفاخرون ويتناشدون. وسوق عكاظ يقفُ في طليعةِ الأسواق التي بلغ عددها أكثر من أربعةَ عشرَ سوقًا، على ذمّةِ الرّواةِ ومُؤرّخي الجاهليّة. يُعتبرُ (عكاظ) ملك الأسواق، تُعرَضُ فيه البضائعُ المادّيّة كالتمر، والسمن، والعسل، والخمر، والملابس والإبل، وسوق للبضائع الأدبيّة، حيث يأتي الشعراء بقصائدهم لتُعرض على محكمين من كبار الشعراء والنقاد، وكلنا يعرف النابغة الذبياني الذي كانت تنصبُ له قبّة من أدم، وكان يقوم مقام الناقد أو الحكم ليبت في ما يلقى أمامه من شعر. فعكاظ سوق تجاريّ واقتصاديٌّ واجتماعيٌّ وأدبيّ مِن أسواق الجاهليّة وأشهرها. يعتبر عكاظ مؤتمرًا سنويًّا يستغرق مدة 20 يومًا، من أول ذي القعدة إلى العشرين منه. ومن أطرف ما يذكره التاريخ، أن يرى زائر السوق بعض الآباء يعرضُ بناته للتزويج. أليست الداعشية الحديثة خليفة للداعشيّةِ التي ترضع جذورها من ظلاميّة العصر الجاهليّ؟!

أيّها الإخوة، عكاظيتنا الحيفاوية ترتدي حلة أخرى لها مذاق آخر، إنّها عكاظيّة فصليّة، تلقي بظلالها على مواسم سنويّة أربعة، إنّها عكاظيّة أدبيّة ثقافيّة واجتماعيّة ووطنيّة، تضمّ تحت جناحيها أقلامًا جاءت من جميع أنحاء الوطن، بدءًا من الجليل الأخضر، حتى زهرة المدائن التي تنزف دمًا وتضوع عطرًا وصمودًا. وهذا المساء تُفتح الشرفات على مدينة البشارة وأسوار عكا وقرية الشعراء “البقيعة” وعروس الكرمل، وصولا إلى اللجون وزهرة المدائن. أدعو إلى المنصة الإخوة: نظير شمالي وغفران شمالي، وسلمى جبران، وعز الدين السعد ولبنى دانيال. أرحب بهذه الكوكبة، كما أرحّب بفرقة التخت الشرقي القادمة من بيت الموسيقى في شفاعمرو والتي يقودها الأستاذ عامر نخلة. أرحّب بالفنان جميل عمريّة الذي يُتحف هذه الأمسية بلوحاته التشكيليّة، وأرحّب بالضيوف الكرام جميعًا وأهلا وسهلا بكم.

*لبنى دانيال هل تعرفون المربي الأستاذ الياس توفيق دانيال. سقى الله أيّامك أيّها المربّي الطيّب. لقد علمتنا دروسًا في التاريخ في المدرسة الثانويّة البلديّة في مدينة البشارة، فأحببناك مُربّيًا وأبًا عطوفًا وكوفيّة وعقالا، ووجهًا باسمًا أبدًا. أنت في القلب يا أبا توفيق. في لقاء عابر، تعرّفت إلى حفيدته البنيّة لبنى دانيال، وكم كنت سعيدًا بهذا اللقاء الذي أعادني إلى أيّام الزمن الجميل. لقد رأيت جدّها أبا توفيق يُطلّ من عينيها وابتسامته تورق على شفتيها. لبنى دانيال خريجة الجامعة العبريّة، عاملة جتماعيّة وشاعرة واعدة، لها ديوانان “خطى” و”هنا أرضي”، وفي قلبها سرٌّ لا تفشيه لأحد!

ويحك/ لبنى دانيال: يا هذا المُرّ المار الحُرّ الفار من قيظ/ النار لصحراءٍ بلا ماءٍ تبكي هشاشتها/ يأتي الينا/ كلما نقص الغياب/ كلما نادت أرض اليباب/ واصطلينا واكتوينا بالسراب/ لا تنادِ لا أحد/ يهفو على قلبك كالمطر/ يهفو ويرسم تفاصيل قمر/ فيضيء على مفارق الوحدة/ وينهمر قصصا في ثناياها / وتر/ يدندن كلما افترقنا/ وكتبنا أنشودة الشجن/ علّنا نصالح الصباح في وتيرته/ الثابتة على شرفاتنا التي تدنو/ من/ أحلام المغيب/ لا تغيبي يا نوارس/ عن المدن الحزينة/ وأضيئيها مدارس/ وأغلقي السجون واجعلي الحرية/ تلفح صميم الناس/ علّه السكون/ النامي بعد العاصفة/ يحرّك النوايا في اتجاهات الأمل/ عاش الأمل وعاشت بلادي/ مثل شرنقة كبرت لتستفيق…

أيّها النهر الجاري/ لبنى دانيال: يعدو الغزال بخفة الظّل المتيّم بك/ يغزو الخيال أحلامك الحبلى بك/ بك بك/ سحرٌ رائعٌ/ هنا في أرض الزيتون/ لا شيء مُحال/ لا الحب/ لا الكراهية/ لا تغيّر الأحوال/ زغب اليمام على شرفات الفقراء والأمراء/ مُرّ بهم/ وسترى الفرق ما بينهم/ رؤاك/ رؤاك/ وتعاطفك مع بعضهم: هكذا تقول السريرة/ أنت الصباحيّ الرعافيّ/ الذي يزرع الزهر في قلبها الأغلال/ أيها السائر بين السائرين/ قف/ وخذ معك طفلا ينام على أرصفة الشوارع/ وعلّمه/ علّمه كيف يكون هو نفسه ويحبها/ تلك الفضيلة الجميلة/ التي حدودها السماء وصفاؤها ماء/ هنا في أرض الزيتون لا شيء مُحال/ كالفصول الأربعة/ كالخير كالأهوال/ فلا تنسَ أرض الزيتون/ أيها النهر الحُرّ الدافق/ أرض الجمال…

مداخلة الأديب فتحي فوراني: عز الدين السعد من اللجون إلى أم الفحم إلى حيفا إلى زهرة المدائن تكون المشاوير على درب الآلام النازفة. من معطفي في الكلية الأرثوذكسية انطلق الفتى، وراح يحلق في دنيا الشعر. في جعبته ثلاثة دواوين، تضمّ أشواقًا حزينة ومفاتيح معلقة على جدران القلب، يشقّ طريقه وفي الصدر حلم بالعودة إلى الجنة الضائعة، إلى ملاعب الطفولة، وإلى تراث الآباء والأجداد. أعزك الله وأسعدك يا عزالدين السعد، وحقق حلمك بالعودة إلى الجنة الضائعة. تفضل أبا يسار، ضيفنا القادم من زهرة المدائن.

عزالدين السعد/ قد بلغت الخمسين: ذات خمسين/ مررت بي/ تحرك بي الولد الذي/ كان بي/ ما زال هناك يقفز بين حاراتها/ يبني بيوتات طين/ يمرح تحت حبات المطر/ يعد لي الشعرات البيض/ في الخمسين/ يضاحكني/ ويسابق الريح بنبضي/ الذي يشع حبا أحمر/ لصباحات الندى في صيفها/ وقطف حبتي تين/ في فضاءات الشطآن/ يتراكض الطفل الذي بي/ ما بلغ بعد خمسا أو ستا ربما عشر/ في ربيعها الدافي/ أحس طفلي يقرأ في كفيّ/ خط السعادة يقطعه الحياه/ اي بنيّ.. ما زال في العمر بقيه/ ربما/ وانت انتظر سيعودون ان انتظرت انا او انت/ فانتظرهم هم عائدون/ اليوم او بعد خمسين/ سيعود العائدون/ اليك حبيبتي/ وسيلعب الاطفال في واد الست/ في عين الحجه في اللجون/ انا هنا على انتظار في الخمسين/ وانت لا تكبر وابق على انتظار/ واجمع لي الحنون واعطنيه او ضعه عليّ/ فيما تبقى لي من هذه الخمسين

 أُحبُّك يَا حَيفَا/عزالدين السعد (من ديواني-اعتذارات بأثر رجعي): لعينين من شطِّ الفنار/ هذا النشيد/ للحنّاء في ورق الصنوبر/ للظلّ المنكسر عند البحر/ لشاطئ حيفا، للكرمل/ هذا النشيد/ ليلي يفتّش عن ليل، فيكِ/ ويضيع باحثا عنكِ/ في النفق الطويل/ كنا نسير معا/ ونسير ..في النفق المظلم، الطويل/ واليوم أبحثُ في انعكاسات/ المرايا/ عن شبه، عن لحن يرن في الصدى/ عن صوتك/ وأنت/ أنت عمَّ تبحثين؟/ في النفق الطويل/ أتبحثين عن ضوء؟/ وأنت.. الشمس تحرقُني/ كلَّ حين/ أعَن وَرد؟ وأنت في عنقي/ طوقَ الياسمين/ عَمّ تبحثين؟ عمَّ ؟/ عن صمتٍ آخر/ أم عن النطقِ في صمتي؟!/ أنا يَا صديقة صَامت في عزلة/ فالنطق أصبح لعنة.. للعالمين/ أنا يا صديقة زورق/ في لُجّة البحر، يَنشُد مرفأ/ يبحث عن حَنين/ أستلُّ نصف اللقمة من فمي/ كي أضمَن قوتًا للغداة/ أبحثُ عن الحبر في دمي/ لأخُطَّ مرثاةً أو بعض آه/ جفّ دمي!/ وأنشقّت شراييني/ عن صوت مبتور.. قف!/ يسيلُ الصون.. يلدغ شفتيّ/ يُقبّلها، باسم محظور ينطقه! قف!/ أنطقُ أخرج من نفسي/ اخرج من صمتي/ تتكسّر المرايا.. فتخرجين/ أنتِ/ ينكسِر الظلّ عن البناية/ وتخرجين/ تزدادُ حمرة الحنّاء وتخرجين/ تخرجين من دَمي/ من سَوْرَتي تخرجين/ تخرجين لتصبحي جسدًا أراه/ لتصبحي صورة.. حلمًا/ فوق الخليج/ أنَدفِع نَحوكِ بكل القوة/ والحنين/ نجلس في ظل البرج/ وبين شفتيْ الكلمه/ واحدة لا أكثر/ كنت أبحثُ عن فرصة/ تدخلينَ دائرةَ صمتي/ ويعششُ صوتَك في دمي/ كنتُ سأقول: من غير مقدمات!/ أنا باختصار.. بكل اخْتصار/ أحبكِ/ أحبكَ يَا حَيفَا..

رقصة عصفورة/ عزالدين السعد (عن طفلة تواجه في القدس ما تواجهه): قلي بربك كيف يفرح/ مكلوم والجرح قاني/ ااه أيا عصفورةً/ تتقافز/ وحولها الصقور/ تشهر الأظفارَ/ تتوجس رعباً حولها/ ظمآى لدمها المسفوح/ تحت السما/ ااه يا عصفورةً/ تتقافزين جسورةً/ كأنك المريد في حلقة الصوفيّ/ يردد ملء السماء/ اسم الله يمجده/ الله الله الله الله/ تنادين وغير الله/ لا يسمعك أحد/ والله شاهدك/ وجرحنا الدامع/ ذرات وجع يتربع فوق مقصلة الفرح/ وعين تناثرت ذراتها/ بليل ٍ طال سهاده أضاع حلماً بالفرح/ تتوكأ على جناح عصفورة/ طارت الى كبد السما/ الى النجوم في ألق الدجى/ تطلّ على الكون تمجّد خالقه/ وتدعو لأبٍ وأمٍ في الحياة/ يكابدان من الوجع الخفيّ/ ويرصدان مواجع الفرح

ثمانية وأربعون/عزالدين السعد/ اللجون/ القدس(من ديواني- مفتاح يصرّ ): يتساءل عمرٌ/ يمتدُّ في الأيام عقود/ يحتار التلامذة/ والمعلمون/ شهود/ ثمَّةَ سرٌّ في المعدود/ ما من حل غير العودة/ ارتحل العادّ لا المعدود/ ناحت خيل الصبح القادم/ يا الله انت المعبود/ تالله، ما منا مساوم/ والدنا أورثنا عهدا/ ألا نترك حق مقاوم/ رايتنا للحق الثابت/ بيعتنا للوعد الصادق/ عودتنا.. ستكون العيد/ والنصر حليف للصابر/ نصر من الله قادم/ اِجمعْها فتجدها/ الأصعب/ ثمانية ٌوأربعون/ من أعلى من كل جانب/ ينتصب العدد.. يقاوم/ كان العددُ سَنَةً مَرَّه/ صار العددُ اليومَ سنينْ/ خذ مَنْ وُلدوا فيها الآنْ/ عَدُّوا للآن السِّـتـِّينْ/ أو كانوا قد وُلدوا قبلا/ فيهِمْ مَنْ جَاوَزَ تسعينْ/ ما زال المفتاحُ مخبّأ/ ينتظرُ العودةَ والعيد/ يُحصِي جيلَ الوعدِ/ ألوفا أياما وشهور سنين/ واحد وعشرون ألفا يتبعها/ مئات خمس من أيام وحنين/ لا يخطئ من عد أبدا/ قد جاوز عُمرَ الستينْ/ هذا عمي بقي وحيدا/ يتحرّقُ شوقا للعيد/ تتجدّدُ أشواقُ العوده/ فالمسجدُ أضحى منجرة/ والمنزلُ مهدومُ الحالْ/ لكن البابَ على وَعْدٍ/ والمفتاحُ والأقفالْ/ يحملُها  مولودٌ قادِمْ/ من رحم ٍبَلـَغَ السّتينْ/ جيلٌ وُلِدَ يَهُزّ القادِمْ/ خذْ مِفتاحَ البَيتِ وَقاوِمْ/ قدرٌ مكتوبٌ لو تدري/ فوق جبين ِالصُّبْحِ القادمْ/ ثمانية ٌوأربعونْ

لا تحسبوه عددٌ/ بل أناسٌ يُرزَقونْ/ مِنهُمُ، المُهَجَّرُ قـَسْرًا/ عن ديارٍلانتظارِ/ منهم الصامد فيها/ حاملا وعد السنين/ والعددُ يحمل عَلَما/ لملمَ الشـَّعبَ سِنينْ/ لاجئون، من ثمانية وأربعين/ باقون، من ثمانية وأربعين/ باقون، في ثمانية وأربعين/ عرب الثمنيه وأربعين/ فلسطِينِيّو ثمنيه وأربعين/ مواليدُ ثمنيه وأربعين/ أمواتُ ثمنيه وأربعين/ شعب كامل الصفات/ أينما حل اسمه/ رقمٌ ملثـّمٌ/ كوفية مرقمطة سوداء/ ثمانيةٌ وأربعون/ اسم للمكان وللزّمانِ، في آنٍ/ ثمانيةٌ وأربعون/ نـُعلـِّمُهُ أولادَنا، فلا َنتوهُ فيهِ/ نكبتُنا استقلالـُهم/ ميلادُهم شهادة ختموها/ وفاتَنا، لكنها قيامة/ ثمانية وأربعونْ

من بين السطور والكلمات/ من بين ذرات التراب/ ينتصب الرقم الصعب/ في شتات الشتات/ بين الطرقات في  المخيمات/ مفتاح معلق/ بين المعلبات وكرت اونرا/ بلا باب/ مفتاح يرث رقما سريا/ واحدا لكل الأبواب/ ثمانية وأربعون/ رقم الباب/ لن ننساه مهما غيبوه/ من ذاكرة/ المفاوضات/ ورموه خلف الباب/ رغم كل المغريات ينتصب/ نحو الباب الموجود/ هنا في داخل الداخل/ من كل اصقاع الدنيا/ حيث عشش ثمنية وأربعون/ ستون عاما عمر العش/ برقم لن يقبل القسمة/ لن يقبل إلا العودة/ مهما دارت السنين/ رقم ينتصب/ ثابت هو/ محفور فينا/ ابيٌّ عصيٌّ/ نقيٌّ/ يانع دوما/ تبت يدا من يمحوه/ ومن لا يتذكر/ أنه مفتاح الصبح/ رابعة النهار/ بيت القصيد/ عين القضية/ وأصل أصل/ ناموس السنين/ رقم دائم الخضرة/ مضرج بدم الضحايا/ بلا أكفان بيضاء دُفنت/ بلا أحزان سوداء/ ولا عزاء لها/ إلا، ثمانية وأربعون

نعونا في حاضرات العرب/ وأفرطوا بالنوح/ على فردوسنا المفقود/ بنار فسادهم/ رجموا الصابرين/ أسبوعا من الوعد/ وعودة  يا لاجئين/ تالله ما فتؤوا/ يحصون ذا الأسبوع/ نفدت وعود عرقوب/ التي ترجون/ ما كان فيها إلا/ ثائرٌ لا يستكين/ اِقرأ حروف الضاد/ من أعلى تجد/ في أول السطر/ ومن قاع الكلام/ لا بد تلقاك/ حروف العام/ تجمعها فلا تقرأ/ معنى السنين/ لكنها دوما/ ثمنيه وأربعين

لغز/ رقم صعب المراس/ عمره ستين/ زوجيُّ الهوا/ أمه فلسطين/ وأبوه يلتحف السما/ مذ كان في حطين/ قسماته  قمحية/ نبراته وردية/ لو كان تحت الماء/ أو فوق الثرى/ لا يتغير لونه/ لا يتبدل طعم البرتقال المر فيه/ من بعد ثمانية وأربعين/ إلا بعودة/ هو آآخر ما تبقى/ من هزيع الليل/ هو صرخة الحبلى/ على أعتاب ميلادٍ لفجر/ هو الأذان البكر/ في صحراء جاهلة/ تحمل كتاب الله/ لا تقرأ، تئن/ هو دائم ليوم الدين/ لا يموت لا يفنى/ يزداد إصرارا/ يرابط ليوم الدين/ هذا هو الشعب/ شعب الجبارين/ بدأ المسيرة والرباط/ في ثمانية وأربعين/ عجزوا أن ينكروه/ وفي كل الشتات/ المر يبقى مرابط/ دائم بأمر رب العالمين/ عاش من سماه/ وعاش، عاش  شعبك فلسطين/ عاش شعبك فلسطين

عزالدين السعد/ اللجون– القدس: يـاأنـتِ! (من ديواني -اعتذارات بأثر رجعي): يا أنتِ/ يا وردة الصبحِ المزنـَّر/ بالدجى/ قد قارب الليل في الأقمار.. الأضلعا/ والحبر جفَّ في الدواة/ ولم يَعد، في دفتر التسجيل، شبرا موضعا/ يَا أنتِ..استريحي ساعة/ وأريحي فيها بسمةَ التكوين/ قد ماسَ جذعُكِ/ منذ مال اصيلها/ لعناق موج البحر مقنَّعا/ فدخولُ سبتُ الظالمين/ أصبح موتَنا/ وخروجُه عيدا وتعبدا/ السبت ليل دامس/ ما خوفنا، من ظِلِّ سبت ماثل في صومعه؟/ إذ أنَّ فجر الصامدين/ جَحافل/ ستُفتّت القضبانَ.. وتمحو الأدمعَ/ فتَماسكي وتعاظمي/ لتُعانقي، بَحرا/ لايعكسُ الا لَونا/ من فيروز عينيكِ/ ولا تتعلَّقي ببقايا/ صُدفة/ قد تأتي، وقد لا تمرُّ بحيِّكِ/ فربَّ صدفةٍ قتلتْ/ فيمَا مَضى، للألف/ ألفِ ألفِ موعدِ

مداخلة الأديب فتحي فوراني: سلمى جبران ذات يوم حطت حمامة على كتفي وألقت بين يديّ رباعية شعرية، لاجئة في وطن الحداد. كانت اللاجئة مفاجأة إبداعية حافلة بالمشاعر الصادقة، وحافلة بعذابات الغربة، وحافلة بالإبداع. يبحث شاعر مغمورعن سلمى وديارها، ويقتله الشوق إلى معانقة خيال سلمى أحن شوقًا إلى ديار رأيت فيها خيال سلمى، فأين أنت أيتها الشاعرة المتمردة. أين أنت يا أيتها اللاجئة في وطن الحداد؟ أين أنت يا بنت الريف التي تركت بصماتها على أيام الزمن الجميل؟ أين أنت يا نينوى الدمشقية؟ أين أنت يا سلمى؟

المحَبّةُ فـي دمي/ سلمى جبران: بيني وبينَكَ ما لمْ يحتمِلْ جَدَلا/ بيني وبينَكَ عِشْقُ / دَهْرٍ عاشَ حُرًّا وانجلى/ كُـنَّا نعاقِرُ فيهِ خمْرًا بالمحـبَّةِ مُثـقَلا/ نشْقى ونحمِلُ جرحَنا/ بمحـبَّةٍ ونقولُ للأحقادِ لا/ فتعمَّدَتْ بالحُـبِّ دُنيانا/ وكُـنَّا للبساطةِ معقِلا/ عُمُرٌ قضيْناهُ وصانَ/ الحُـبُّ فيهِ المنزِلا/ زرَعَ الهوى فيهِ الحياةَ/ وغــابَ وارتَحَـلا/ بقِيَتْ بنفسي مِنْـهُ/ روحٌ تبعَثُ الأملا/ وتَصُـدُّ عَنِّـي الشَّـرَّ/ والأحقــادَ والعـَذَلا/ يا حُــبُّ علِّمـني صلاتي/ فالمحَبَّةُ في دمي صارتْ صَلا…

كَذَبَــتْ/ سلمى جبران: كذَبَتْ نواميسُ/ العروبةِ وانطفا/ قنديلُها في داخلي/ وخلعْتُ أقنعتي، أضأتُ بصيرتي/ فتكشَّفَ “الشَّرَفُ” المُكَدَّسُ/ في زوايا معقلي/ ورجعتُ أطلبُ قصَّتي/ فوجدْتُها مقتولةً/ ووجدْتُ فيها قاتلي/ ووجدْتُ أشلائي/ تغنّي للهوى وتحِنُّ/ للماضي البريءِ/ بحسرةٍ ومحبَّةٍ وتفاؤلِ/ فوقفْتُ  أُصغي عـلَّني/ أمتصُّ من نَغَماتِهِ/ حرًّا يُذيبُ سلاسلي …

ليتَـني أسكـُبُ روحي/ سلمى جبران: يا حبيبي/ ليتَـني أسكُبُ روحي/ في سطوري/ فهيامي ذابَ في يومي/ وعاش في ضميري/ فصار عرَقًا ولُقمةً وساعدًا/ يشقى ويبني لي مصيري/***/ فالهوى سِرٌّ يذوبُ/ ليلةً يظهَرُ ليلَهْ/ يكبُرُ العاشقُ فيهِ مرّةً/ ومرّةً يكادُ أن يُجِلَّهْ/ ليتَـني أسكُبُ روحي/ في سطوري/ فأنا ما زلتُ في حُبِّكَ طِفلَهْ!

عـرْشُ “العَـرَبيَّة”/ سلمى جبران: أتوسَّلُ أستعطِفُ/ أبقى راكِعَةً/ وأُناجي عرْشَ “العربيّهْ”/ وأعودُ أَطوفُ بمملَكَةٍ يحميها/ وأُعاقِرُ خمرَتَها/ أرْشفُ منها كأسًا تِلْوَ الأُخرى/ بجنونٍ وشَهِيَّهْ/ وأَعودُ إلى زَهَراتٍ فيها/ أستنشِقُها يتخدَّرُ قلبي/ من عَبَقِ رحيقٍ فيها/ ويُثيرُ بأعماقي أحلامًا ورْدِيَّهْ/ فأحسُّ العرشَ سيبقى/ عرشًا يتَّسِعُ/ ويحوي أرجاءَ الدُّنيا/ لا يعرِفُ أيَّ حدودٍ/ تختلِطُ الغربيَّةُ منها بالشَّرْقيَّهْ/ ويرابِطُ حُرَّاسُ حدودٍ/ ما زالوا يبكونَ الأَطلالَ/ بِشِعْرٍ يستَنْزِفُ كلَّ/ دماءِ الحاضِرِ/ ويُصلِّي كي تهْطُلَ/ في “الرُّبْعِ الخالي”/ أمطارٌ صيْفيَّهْ/ فيُرابِطُ كلٌّ منهُمْ/ في زاويَةٍ/ كي يتصدَّى/ لطليقٍ حُرٍّ/ كي يُقنِعَهُ/ ببنودِ “الدُّستورِ”/ المُثقَلِ بالكلماتِ/ وبالأورامِ الدُّهنيَّهْ!/ ويروحُ “يُناضِلُ”/ كي يُنقِذَ في/ الجِسْمِ العاجِزِ روحًا/ يُمْكِنُ أن تَهْرُبَ منـهُ/ وتهاجِرَ، تسْكُنَ/ في وطَنِ الحُرّيّهْ/ تقلقُني تلكَ/ الحرْبُ الدّائرَةُ/ يُغادِرُ نفسي/ طعْمَ “الخَمْرَةِ”/ أفقِدُهُ، أصحو منهُ/ وأَفَتِّشُ، يُسعِفُني/ ضوءُ سِراجي/ عن أرواحِ الشِّعْرِ/ بمملكةِ “العربيّهْ”/ فأجِدُها ترقُصُ فَرَحًا/ وتُغنِّي/ وبأيدي كلٍّ منها/ شُعْلَةُ حُـبٍّ تتلأْلأُ/ وتُنيرُ قلوبَ المُحتاجينَ/ ببسمَةِ أملٍ عفْوِيّـهْ/ وتُغنّي شِعرًا ينطقُ/ بحروفٍ كفَرَتْ عِشقًا/ لكنَّ ال-أبجَدَ فيها/ يركَعُ ويُصلِّـي/ يمنَحُها هالاتٍ قُدْسيَّـهْ …

وطني يسكُنُني/ الديوان القادم/ سلمى جبران: وطني يسكُنُني ويهاجِرُ بي/ يودِعُني سِرًّا/ أرَّقَ مضجَعَهُ/ لا يفقهُ إن كانَ/ بكاءًا أم شدوًا/ أو كانَ نعيمًا أم نارًا واقِعُهُ/ يتوطَّأُ أرضًا/ يعتنقُ الحُلْمَ فيصحو/ لا يجِدُ مكانًا في دنيا/ باتت تتزاحمُ فيها أضدادٌ/ ما فيها أحدٌ مَعَهُ/ فارتادَ بقاعَ الدُّنيا/ ينشُدُ وطنًا/ في الرّيحِ مواقِعُهُ/ وتهاوى الحُلْمُ/ تحوَّلَ وطني روحًا/ في كلِّ حواسي مَوْقِعُهُ!

صورةُ البِنـتِ الخجولهْ/ سلمى جبران: نُظُمُ القبيلةِ عمَّرَتْ قصرًا/ ودسَّتْ فيهِ أسرارَ الرُّجولهْ/ واستفرَدَتْ في عالمي/ إذ حجَّمَتْ أُنثايَ في كوخٍ/ يليقُ بصورةِ البِنْتِ الخجولَهْ/ حَبَسَتْ فؤادي، خفَّفَتْ من نبضِهِ/ حَرَمَتْهُ من عَبَقِ الطُّفولهْ/ وروَتْ حكاياتِ الهوى في مَسمَعي/ بطلاتُها لا جِسْمَ يحوي روحَها/ والحُبُّ يلقاها قتيلهْ/ لمَّا كَبرْتُ وأُضرِمَتْ بجوارِحي/ نارُ الهوى لمْ تَحتَرِقْ صُوَري/ ولكِنّي احتفظتُ/ بصورةِ البنتِ الخجولَهْ/ لـكنَّهُ قد لامَني/ وأزاحَ عن وجهي وشاحي/ حطَّـمَ الأسرارَ في نفْسي/ لِيَكْفُرَ بالقبيلهْ/ فَضَحَ الحقيقَةَ/ كشَّفَ الأسرارَ.. صحَّاني/ وغابَ ولمْ يَعُدْ/ لكنَّني أيْقَظْتُ في نفسي دليلَـهْ/ إذ لم يَضِعْ مِنِّي/ تخمَّرَ في دَمِي/ وأفاقَ في عَيْنَيَّ نورًا كاشِفًا/ قد أخرَجَ الإنسانَ من قصْرٍ/ تحوَّلَ سِجْنَهُ/ وأراهُ عُمْقَ الكوخِ/ فاسترْخى/ أفاقَتُ في ثناياهُ مشاعِرُهُ الأَصيلـهْ …

مداخلة الأديب فتحي فوراني: نظير وغفران شمالي يأبى الختام إلا أن يكون مسكا. ومسك الختام نسر وعصفورة. هل رأيتم في حياتكم نسرًا أسمر يضم إلى صدره عصفورة؟ يحلق النسر بعصفورته ويعزفان على وتر واحد، ويبدعان سمفونية شعرية واحدة؟ لقد اعتاد النسر أن يطل علينا كل أسبوع، يركب زورقه وينصب الشراع، ليبحر في عباب الذاكرة الفولكلورية! من عكا التي لا تخاف هدير البحر، ينطلق الثنائي نظير وغفران شمالي أدعو عاشق التراث وتفاحة القلب ليبحرا معنا في عباب هذه الأمسية العكاظية.

مداخلة نظير شمالي: يا مسافرا طليطلهْ/ إن مرّتِ الخيلُ في هذي المدينهْ/ هاتِ من عِطر الشّرق لنا أسطوره/ من ضفائر حبيبتي/ هاتِ من عطر الشّرق موْجتيْن ناعمتيْن/ لانّي قبلَ المسا/ أحبّ أن أغنّي كعُصفورٍ طليق/ قبْلَ أن يهجُمَ الحزنُ على قلبي.

لأبي حكاياتٌ كثيره/ حولَ موقد النّار في أماسيِّ الشتاء/ عن بطلٍ يُولدُ مِن ليل الفقراء/ ” من تلال القمح، من ملكوتٍ هناك” /” ياتي القمرُ الضّاحكُ بقبّعة خضراء”/” ” فحقولُ القمح تغنّيكَ، يا نشيدَنا المذهّبَ، يا قمر”/ “وبالحطب نأتي.. نحتسي الشّايَ السّاخنَ عمّا قليل”/” وبالفرح نحلُم.. على جناح حكايه”.

لابي حكايات عن قمر بلون الدّمِ الازرق- آهٍ، يا قمري الحزينْ ، يا قمرا من بكاءٍ وحريرْ”/ -“يولَد القمرُ من مغارات الليل المدلهمِّ”/ يحضُن عيونًا حالماتْ”/ “نصيح: يا رغيفَنا الاخيرْ”/ “يا خبزَنا الحريريّ، يا قمر”/ أحبّكِ شيئا كالمستحيلْ ليس عاديا حبّك/ يا امراةً ليست كالنساءْ/ ويا طفلةً ليست كالاطفالْ.

وفْ ساعا.. ا ..ا .. باصْفُنْ/ وباتحسّرْ ع ايّام مِ العمرْ مرّتْ/ ولاشوف العمر غيمِه وْبتمرْ../ خايفه ما بتستنّاش/ بسّ توقّفْ ع شبّاكك سيعة زمن ترتاحْ/ وإن سالني النّاسْ شو باتمنّى/ قبل ما الرّوح تْسافرْ وتروح/ باقول: بس.. اشوفِكْ انتِ/ وبعدِك. ./ خلّي العمر يُكْرجْ كرجْ!

اعرِف.. خياليّ انا، كما في الشرق البخورْ/ حلَمتُ.. حلمت..

اترك تعليقاً