بساط الريح

تدمر ووصيّة الشهداء – ثريا عاصي

 

يصعب على المراقب أن يفهم حقيقة ما يجري الآن في سورية ولا سيّما أنّ الحرب دخلت في أغلب الظنّ مرحلة جديدة تمثّلت بإعلان «هدنة» بين القوات السورية من جهة، وتشكيلات عسكرية معادية من جهة ثانية، باستثناء «داعش» و«القاعدة» المعروفة في سورية باسم «جبهة النصرة». ينبني عليه أنّ الراعيين الرئيسيين، الروسي والأميركي، يراقبان خطوط وقف إطلاق النار، ومن المرجّح أنّهما توافقا على معالجة الانتهاكات أيّاً كان الطرف المسؤول عنها، حتى لو كان هذا الطرف هو الحكومة السورية نفسها.

مجمل القول، إنّ «الثورة» السورية التي استفادت كما هو معروف منذ بداياتها من دعم أجنبي إعلامي وسياسي ومالي وعسكري، وفّره لها في الواقع تحالف فعليّ ضمّ دول الحلف الأطلسي الأميركي ـ الأوروبي والتيارات الإسلامية وتحديداً الإخوان المسلمين وأفرعهم العسكرية سواء المعلن والمسكوت عنها، بالإضافة إلى الدويلات الخليجية وعلى رأسها مملكة السعوديين، لا يخفى أنّ هذه الدويلات هي «شبه مستعمرة». مجمل القول إذاً، إنّ هذه «الثورة» أوصلت البلاد السوريّة إلى وضع يمكننا أن ننعته بالفلَتان والسيـَبان، فدخل المرتزقة والخبراء الغربيّون في الحرب السريّة، وخرج السوريّون وأموال ونفط سورية، وأفرغت متاحفها. بكلام واضح وصريح، لم تبقَ جهة إلا وتدخّلت في الشأن السوري، من أتفه نائب «ممدّد» في البرلمان اللبناني إلى الرئيسين الروسي والأميركي. هذا يريد استبدال الرئيس، وذاك يريد إقصاء العلويين عن الحكم، وآخر يصرخ وا«إسلاماه»! ناهيك عن الذين يدّعون الحرص على حقوق الإنسان رغم أنّ سياستهم الدولية، وفي مستعمراتهم القديمة على وجه الخصوص، تدلّ بوضوح على أنّهم لم يحيدوا عن النهج العسكري الذي سارت عليه حكومات بلادهم في الماضي في استغلال الشعوب وفي سرقة ثرواتها، باسم أفضلية الرجل الأبيض.

ما أودّ قوله إنّ الوضع في سورية يخضع على الأرجح لمعادلات، أو بالأحرى لموازين تُمليها متطلّبات أو شروط التوصّل إلى صيغة ـ تسوية بين الروس وحلفائهم من جهة، وبين الأميركيّين وأعوانهم من جهة ثانية. هذا هو من وجهة نظري فحوى تصريح الوزير الأميركي الذي جاء فيه أنّ المعارك في تدمر ليست انتهاكاً لوقف إطلاق النار.

ينجم عنه أنّ الروس والأميركيين يُقرّون بأنّ في سورية ثلاثة أطراف تتحارب في ما بينها، فبالإضافة إلى «داعش» و«القاعدة» من جهة، والحكومة السورية من جهة أخرى، وُجد فريق ثالث هو كمثل «داعش» و«القاعدة»، داخل في الحرب ضدّ الحكومة السورية ولكن الحرب متوقّفة بين هذه الأخيرة وبينه بموجب اتفاقية هدنة توصّل إليها الروس والأميركيّون، الذين يسهرون معاً بحسب ظاهر الأمور على فرض وقف إطلاق النار واحترامه. بتعبيرٍ آخر، واستناداً إلى أنّ الروس والأميركيين ليسوا حياديين، بل هم في المحصّلة وإن بدرجات وأساليب وأدوات وأهداف ومواقيت مختلفة، لاعبون أساسيّون في هذه الحرب، هؤلاء في معسكر وأولئك في المعسكر المقابل، يحق لنا أن نفترض أنّهم، أي الروس والأميركيين، اتّفقوا على السّعي إلى حل يلائم، أو بالأحرى يأملون بأن تتوصّل إليه الحكومة السورية وخصومها الذين يسيطرون على مناطق في سورية في الشمال والجنوب، يشملها اتفاق وقف إطلاق النار، بعكس المواقع التي يحتلّها «داعش» و«القاعدة» كما نسمع!

لا يخفى في هذا السياق، أنّ متمردي الشمال يوجدون تحت الرعاية التركية، أو أنّ العديد والعتاد يأتيهم من تركيا أو بوساطتها. ولا نجازف كثيراً في اعتقادي، إذا افترضنا أيضاً أنّ متمردي الجنوب يعتمدون على الإمدادات التي تصلهم عبر الحدود الأردنية، من آل سعود وأسيادهم وأتباعهم.

خلاصة القول وقصاراه، على ضوء ما يتناهى إلى العلم عن اللقاءات الروسية – الأميركية، أنّه من المحتمل أن يكون المطلوب كنتيجة «للثورة» في سورية هو إيجاد تسوية أو صفقة، برعاية روسية ـ أميركية، حول بُنية الدولة في سورية وسياساتها والموكلين بتطبيقها، بحيث ترضى عنها كل من الحكومة السورية الحالية، حكومة العثمانيين الجدد في تركيا (واستطراداً الإخوان المسلمين)، بالإضافة طبعاً لآل سعود. أي إلى الوراء دُرْ! إلى عصر الحجر!

الرأي عندي أنّ الحكومة السورية الحالية لا تحتاج إلى دروس في الديمقراطية وفي الحريات، وخاصة في مجال حرية التعبير، من الحكومة العثمانية اللاعلمانية في تركيا هذا من ناحية، أمّا من ناحية ثانية فمن المرجّح أنّ مملكة آل سعود قد لا تصل أبداً إلى المستوى الإنتاجي والثقافي والعلمي والبنيوي الذي حقّقه السوريون قبل الحرب! يستتبع ذلك، أنّ «الثورة» لو نجحت لأعادت السوريّين إلى مصاف الدول الفاشلة أو البدائية.
لذا، أنا على يقين بأنّ الحكومة السورية، ومعها الأغلبيّة من السوريّين، لن يرضوا بأن تتراجع بلادهم. إنّ دماء الشهداء التي خضّبت أرض سورية هي بمثابة الوصية: لا تنسوا… لا تصالحوا … حتى تبقى بلادنا سوريّة حرة سيّدة، قلب العروبة النابض.

**

 

ملحوظات عن حرب تحرير تدمر

ثريا عاصي

 

«تحررت» اليوم مدينة تدمر السورية! التي كانت تحت سيطرة جماعات داعش. فهذه الأخيرة ليست مرتبطة بإتفاق وقف إطلاق النار. ما حمل الوزير الأميركي على القول بان استعادة الجيش العربي السوري لهذه المدينة لا يعد خرقاً للهدنة! ولكن ملك الأردن يكشف بالتزامن مع هذه التطورات عن سر لم يكن خافياً في الواقع إلا على الصم والعمي، مفاده ان الحكومة التركية الحالية، العثمانية ـ الإخوانية، هي محطة توزيع الإرهابيين الأساسية، نحو سورية والعراق. بمعنى أن الإرهابيين يتجمعون في تركيا ويمضون فيها فترة إعداد نفسي وعسكري في المعسكرات التي أقيمت لهذه الغاية، تحت إشراف خبراء أطلسيين. قال الملك الأردني أيضا أن تركيا تبيع إلى الأوروبيين النفط السوري، لحساب «داعش» واللاجئين السوريين. رغم أن تركيا وافقت على وقف إطلاق النار!

وفي هذا السياق يجب أن لا ننسى، ليبيا المحطة الثانية لتوزيع الإرهابيين . أخشى ما يخشى هو أن يأتي الدور قريباً على الجزائر وعلى مصر . في ليبيا أيضاً، نفط ولاجئون يرغبون في الهجرة إلى أوروبا أو الغرق في مياه المتوسط!

أنحني أمام جنود الجيش العربي السوري وأحيي وطنيتهم وشجاعتهم، وتحية إكبار وإجلال وفخر للشهداء. لعل تضحيتهم تكون درساً في الوطنية والإخلاق! للسوريين ولغير السوريين في بلاد العرب .

من نافل القول اني أتابع عن كثب الأخبار بحكم عملي وانحيازي أيضاً للقضية السورية وما أدراك ما القضية السورية فهي ليست قضية شراذم ومنازعات قبلية وطائفية. ولكنها قضية تملأ الدنيا. لذا أنا لا أكتب في يوم مدينة تدمر مقالاً، وإنما رسالة، أو قل تأبيناً لشهداء الجيش العربي السوري في تدمر. أعبر عن عرفان الجميل لهم، لقد تخيلتهم، وأنا أقرأ أسماءهم في الصحيفة، كوكبة من السوريين تنادوا وذهبوا من طرطوس إلى تدمر، ليشهدوا أن لا وطن لهم إلا سورية. لماذا يتخلى الكثيرون في بلاد العرب، بل يتنكرون للوطن؟ لماذا يتظاهرون بتصديق الوعود التي يقطعها الأشقاء «العرب على أنفسهم» وهم على يقين من أن الأخيرين يكذبون، فهم يكذبون دائماً؟ لماذا يستسلم الكثيرون في بلاد العرب إلى الأوهام وهم يعرفون انهم يهربون مضيعة للوقت؟

ارتجعت مداورة هذه المسألة في الذهن أمامي سلوك الوجهاء والإقطاعيين الفلسطينيين في ثلاثينيات القرن الماضي وبعدها، عندما كانوا يطلبون وساطة «الأشقاء العرب». فعلى سبيل المثال أجهضت كما هو معروف وساطة العراقي نور السعيد وابن سعود، والامير عبد الله في الأردن، الإضراب العام سنة 1936. طبعاً لا يتسع المجال هنا لكي نذكر جميع الوساطات والمؤتمرات والإتفاقيات وصولاً إلى مبادرة الملك السعودي عبد الله، قبل أن تسقط ورقة التين ويظهر الحكام على حقيقتهم.

ما يثير في الواقع حيرتي هو ظاهرة عدم الإلتزام بالشراكة الوطنية، عدم الصدق في الوطنية الذي نلاحظه لدى البعض. خذ إليك مثلا ً فلسطينياً ذهب لقتال السوفيات في أفغانستان. فلسطيني آخر اختار إمارة قطر، ليفكر من هناك في الثورة العربية. رئيس وزراء سوري سابق يبايع ملكاً سعودياً أوهنته أمراض الشيخوخة، رئيـس وزراء في لبنـان أغلب الظن أنـه مزدوج الجنـسية!

بكلام صريح وواضح، توجد في معظم البلاد العربية، فئة من أهلها لا تعـتبر البـلاد التي تعيش فيها وطـناً نهائـياً لها، أو بالأحرى تزعم هذه الفئة أن هذا الوطن هو بنظرها مؤقت . هذا ليس صحيحـاً على الإطلاق. بل هو في أصله خداع. الغايـة منـه إعاقة العمل عن تأدية الواجـب في بناء الوطن، في المحافظة عليه، في تحـريره.

ما هو نوع العلاقة التي تربط السوري الذي يقاتل ضد سورية تحت قيادة العثمانيين الجدد بالوطن السوري، او تحت قيادة متعاونين مع المستعمرين الإسرائيليين. ما هي العلاقة التي تربط الفلسطيني الذي بايع أمير قطر، بالقضية الفلسطينية. ما هي علاقة اللبناني أو الفلسطيني الذي يعتبر مقاومة المستعمر الإسرائيلي إرهاباً، بالوطن لبنان أو فلسطين؟

في المقابل يوجد في هذه البلاد العربية، اناس لا يحبون أوطانهم وحسب وانما هم بحاجة لهذه الأوطان، فهي ضرورية لهم ولأولادهم . هم على يقين بان السلطات في بلاد العرب لا تحسن الضيافة!

لقد قاتل أهل الجنوب اللبناني الغزاة الإسرائيليين وحدهم، دون العرب، لأنهم لا يتوهمون بأن لهم وطناً بديلاً عن لبنان. وأغلب الظن أن أبناء طرطوس، كمثل أهل الجنوب سيذودون عن سورية حتى تبقى وطنا لهم. إن وهبوا سورية، كل سورية دمهم!

:::::

“الديار”

_الصفصاف

اترك تعليقاً