الأخبارالأرشيف

ثمن “اوسلوستان”! – عبد اللطيف مهنا

 

بعد قراءة ثالثة ونهائية صوَّت الكنيست الصهيوني فأقر “قانون تسوية البؤر الاستيطانية غير المرخَّصة”. ومن لندن أعلن نتنياهو أن ذلك ما تم إلا بعدما وضع ترامب “في الصورة..لأنه ليس من المفيد مفاجأة الآصدقاْ”. الاصدقاء لم يك ليتفاجأوا لأنهم سبق وأن افتوا بأنهم لايعتقدون بأن “وجود المستوطنات عقبة أمام السلام”، مع استدراك لايضير فتواهم وهو أن جديدها “قد لا يكون مفيدا” لتحقيقة. هم هنا اعلنوا فقط عن تخليهم عما كانت تعده إداراتهم السابقة “عائقاً في وجه السلام”، وبذا هم فقط أعطوا لعملية التهويد ضوئهم الأخضر الذي كان كتيماً وبات الآن ساطعاً. وعليه، بعد وضعهم في الصورة، وإقرار القانون، وجَّه النائب عن حزب “البيت اليهودي” بتسلئيل سموترفيتش الشكر للشعب الأميركي لأنه انتخب ترامب رئيساً، “لأنه من دونه القانون لم يكن سيمر”…ماهو جوهر هذا القانون؟!
يطلقون عليه فيما يطلقون قانون “تبييض المستوطنات”، بمعنى اضفاء الموافقة الرسمية على 16مستعمرة اقامها المستعمرون دون أخذ إذن مسبق من حكومتهم وأن تم ذلك بتشجيعها وحماية جيشها…بالمناسبة،  الشائع في وسائل الإعلام العربية هو استخدام تعبير شرعنتها، وكأنما سواها من المستعمرات في الضفة أو سائر فلسطين المحتلة شرعياً! وهذا “التبييض” يعني مساواتها بغيرها من المستعمرات المرخَّصة، أي يساوي عمليات سرقة الأرض الفلسطينية التي تتم عبر استيلاء المستعمرين على الملكيات الخاصة بالأسر الفلسطينية بتلك التي تتم سرقتها رسمياً عبر مصادرتها لدواع عسكرية، أوذرائع أمنية، أو لاعتبارها املاكاً عامة…الخ. لكنما المستجد في هذه الخطوة هو أنها تعني تغييرا للصفة القانونية للضفة الغربية من محتلة تصادر اراضيها بذرائع عسكرية وأخرى مختلفة، إلى وضعها تحت طائلة القوانين الصهيونية المدنية، الأمر الذي يصفه حتى زعيم ما تدعى المعارضة الصهيونية هيرتسوغ بمثابة “اعلان ضم” للضفة…بالمناسبة هو ومعارضته يعارضون القانون لأسباب ديموغرافية بحتة من شأنها أن تضير النقاء العرقي للمحتلين وتضر”بيهودية الدولة” لا أكثر!

وبما أنه بمثابة اعلان عن ضم، أوتمهيد له، وفق شهادة شاهد من أهله، فإن أقل ما يعنيه هو اطلاق رصاصة الرحمة على وهم “حل الدولتين”، واشهار قاطع بدفن اوسلو، التي نفقت منذ أمد وتعفنت وظل الأوسلويون وحدهم متمسكون بجدثها المهترىء، وبالتالي الغاء ضمني للسلطة بلا سلطة في ظل الاحتلال، والاحتفاظ بأجهزتها الدايتونية الأمنية عبر “مُقدَّس” التنسيق الأمني مع المحتلين كمجرَّد حرس حدود للمستعمرات، مهمته مطاردة المقاومين وملاحقة المناضلين، أو رديفاً موضوعياً لمهمة وحدات “المستعربين” الصهيونية.

مر القانون وستستمر سرقة الأرض من تحت اقدام الأوسلويين كما هو الحال خلال الثلاثة والعشرين عاماً التي أعقبت كارثة أوسلو، حيث تضاعف التهويد ثلاثة مرات، وفي عهد اوباما، الذي كان يعتبره “يفتقد إلى الشرعية ويعيق السلام”، ازداد 37%، والأن بمقدم ترامب، وحيث لم يعد “عقبة تحول دون السلام”، وصلنا إلى الضم ولم تعد المسألة تقتصر على نقل سفارة من عدمه. لكنما اللافت هو ذاك الذي لم يك بغير المتوقع، وهو رد فعل الأوسلويين، الذين سبق وأن توعَّدوا بسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني إذا نقلت السفارة الأميركية للقدس، وهاهى الأرض تنقل من تحت أقدامهم، وظل حالهم كما هو حالهم طيلة تغريبتهم الأوسلوية لم ولن ينفذوا تهديدا واحداً من تلكم التهديدات التي تواصلت على امتدادها ولم تنقطع.

…لن نتعرَّض لردود الفعل التي صدرت عن الناطق الرئاسي ابو ردينة، ولا كبير مفاوضي “المفاوضات حياة” عريقات، أو حنان عشراوي، أو سواهم، سنكتفي بأبي مازن الذي اعتبر القانون “عدوان على الشعب الفلسطيني”…لن نناقشه فيما إذا هذا العدوان قد كان قائما ومستمرا منذ ما قبل اختلاق هذا الكيان وسيظل ما دام موجوداً، لكنما سنتوقف أمام المفارقة في قوله “سوف نحاربه”…وأين؟! في ساحات “المجتمع الدولي”! أي في رحاب من استدرجوهم للاعتراف بالكيان والقوا اليهم بعظمة “حل الدولتين” الوهمية، ودفعوهم للتخلي عن 78% من فلسطين وتحويل ما تبقى اراض متنازع عليها وتتسارع عملية تهويدها وتسرق أمام اعينهم، ولا حاجة للقول بأنهم بذلك لم يتخلوا عن مليون ونصف من فلسطينيي المحتل إثر النكبة فحسب، بل وأكثر من نصف الشعب الفلسطيني المشرَّد في منافي الشتات…وما هو هذا  “المجتمع الدولي” عندهم؟!

إنه اولاً اميركا، ومن بعده تأتي ثانيةً اوروبا. الأميركان هم الآن ترامب الذي يشكره بتسلئيل سموترفيتش، والأوروبيون الذين ما انفكوا يكررون نفاقاً بأن “الاستيطان يضر بعملية السلام” ويجرَّمون قانونياً مقاطعة بضائع المستعمرات، وقالوا لأبي مازن في باريس ما مضمونه مرجعيتك نتنياهو وسقفك مفهومه للسلام، أي “الدولة الناقصة”، إن سمح بها بينت ولن يسمح…لو كانوا فعلا ضد “الاستيطان” فلم لا يعترفون لابي مازن بدولة فلسطين؟!

قبل حوالي عقد كتبت مقالاً كان عنوانه متى تحل السلطة نفسها؟! وانتهيت إلى أنها لن تفعل لأنها تمثل شريحة ذهبت بعيداً في نهجها التنازلي ولم يعد بإمكانها العودة عنه، لا سيما بعد أن ارتبطت مصالحها بمصالح عدوها. وبعدها بأعوام، كتبت مقالاً كان عنوانه متى يحل الصهاينة السلطة؟! وانتهيت إلى أنهم لن يفعلوا لدورها الوظيفي المتكفل لهم باحتلال مريح  وخادم لأمنهم، وصولاً لما اشرت اليه في هذا المقال، أي تحويل اجهزتها مستقبلاً إلى حرَّاس مستعمرات ورديف ل”المستعربين”…وإلا لم التلكوء في اللجوء لمحكة الجنايات الدولية ضد ما يعده القانون الدولي جرائم حرب لولا أن الحفاظ على اوسلوستان ثمنه التخلي عن فلسطين؟!

اترك تعليقاً