فلسطين

أحــلام التـمـيـمي عــروس فـلـسـطـين – عـادل أبو هـاشـم

 

مائة عام وهي تقف شامخة كحد السيف صامدة في وجه الظلم والقهر والتعنت .

مائة عام وهي تتجرع الألم والمهانة لكنها أبدًا ما كلت برسالتها النضالية .

تعرضت للذل وللاعتداءات الجسدية داخل سجون التعذيب الإسرائيلية، ولكنها أبدًا لم ترضخ، ولم تستكن من أجل أن تشرق شمس الحرية على أرض وطننا الحبيب .

مائة عام وهي تستصرخ الكرامة العربية، وتناشد “معتصم هذا الزمان” أن يثأر لكرامتها، لتكتشف أن “المعتصم الجديد” لا هم له سوى الشرب في نخب الشهداء، والوقوف حدادًا وخطابة في مآثر وبطولات الشهداء..!!

وأن “السكون” الذي يتميز به العرب منذ ما يقارب الخمس سنوات ما هو إلا الحل الوحيد لتفريغ الآذان من المقولات التي لم تتوقف عن الدوي كالطبول الفارغة منذ عشرات السنين..!!

فكان لابد من الاغتسال من أدران الزمن الصوتي الممتلئ بالادعاء والورم والوهم والانتفاخ..!!

من أجل فلسطين جادت بالزوج والابن والحبيب ثم ضحت بالروح .

من بين دماء آلاف الشهداء، ودموع الثكالى والأرامل والأيتام، ومن أنات الجرحى والمعاقين، وآهات الأسرى والمعتقلين، تقدمتِ الصفوف لتثأر لكل هؤلاء من عدونا، ولتعيد أمجاد مجاهدات الوطن .

ومن أجل شعبها وقضيتها العادلة تعيش مرارة الأسر في المعتقلات والزنازين الإسرائيلية وهي التي حكم عليها بالسجن لمدة 1584 عامـًا!!

إنها البطلة أحلام عارف التميمي التي جسدت بكفاحها نضال وجهاد المرأة الفلسطينية في التاريخ بحروف من نور، وأعادت للأذهان دور المرأة المميز في مقاومة المحتل الصهيوني .

نتذكر أحلام التميمي هذه الأيام  بعد  طلب وزارة العدل الأميركية من الحكومة الأردنية بتسليمها بعد أن وضعها مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) على رأس لائحة “الإرهابيين” المطلوبين بتهمة المشاركة في تفجير مطعم إسرائيلي عام 2001 م قتل فيه أميركيان .!

ونذكر أحلام التميمي مرة أخرى  بعد رفض القضاء الأردني تسليمها للحكومة الأمريكية .

ولدت المجاهدة  البطلة “أحلام عارف شحادة التميمي” في 20/10/1980م في مدينة الزرقاء الأردنية لعائلة فلسطينية كبيرة تعود جذورها لقرية النبي صالح قضاء رام الله .

تلقت أحلام تعليمها الابتدائي في مدرسة (بلقيس) بالزرقاء، والإعدادي والثانوي بمدرسة الأميرة رحمة الثانوية للبنات بالزرقاء، واشتهرت بتفوقها الكبير، حيث كانت معدلاتها الدراسية لا تقل عن نسبة الـ90%.

وعقب إتمامها للدراسة الثانوية عادت أحلام لأرض الوطن، والتحقت بجامعة بيرزيت قضاء رام الله لتدرس الصحافة والإعلام، ودرست فيها ثلاثة أعوام ونصف، وبقي لتخرجها 21 ساعة دراسية معتمدة.

ومع انطلاق انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر 2000م، شاركت أحلام في الانتفاضة من خلال عملها في الصحافة، حيث كانت تعد وتقدم برنامجـًا إخباريـًا بتلفزيون محلي خاص برام الله يدعى (الاستقلال) اسمه “حصاد الأسبوع” كانت تحاول من خلاله فضح جرائم الاحتلال الصهيوني، ودفع الشعب الفلسطيني لتصعيد المقاومة.

لم تكتف أحلام بذلك حيث اشتهرت بأنها كانت تقوم برشق جنود الاحتلال بالحجارة على حواجز الاحتلال مع طلاب الجامعة.

ومع تصاعد جرائم الاحتلال الصهيوني الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، وقتله الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وإهلاكه للحرث والنسل.. قررت أحلام أن تضاعف جهدها المقاوم، وأن تبحث عن وسيلة أخرى أكثر نجاحـًا في إيلام العدو المغتصب.

في هذه الأثناء التقت أحلام بزميلها في قسم الصحافة “وائل دغلس” العضو في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس الذي وجد فيها شخصية مناسبة تتمتع بكل الصفات التي تؤهلها لكي تعمل في الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وبعد أن استشار “وائل” قادته في الجهاز، قام بتنظيمها لتكون بذلك أول فتاة تلتحق بكتائب عز الدين القسام .

كانت المهمة الرئيسية للمجاهدة أحلام التميمي هي توصيل الاستشهاديين إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948م، وقامت بأول عملية لها بتاريخ 27/7/2001م، حينما تجولت بالقدس الغربية من أجل العثور على مكان مناسب لوضع قنبلة فيه، وزارت لهذا الأمر “سوبر ماركت يدعى “كو أوب” في شارع كنج جورج الشهير بالقدس الغربية .

وقام نشطاء كتائب عز القسام “عبد الله وبلال البرغوثي” بتزويدها بقنبلة وضعت داخل علبة (بيرة) بتاريخ 30/7/2001م، وفي نفس اليوم توجهت أحلام إلى السوبر ماركت وفي حقيبتها العبوة، وفي الداخل وضعتها على رف عبوات العصير، وحوالي الساعة الواحدة ظهرًا انفجرت العبوة وأسفرت عن إلحاق أضرار دون إصابات.

وبعد عملية السوبر ماركت خطّط المهندس “عبد الله البرغوثي” قائد كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية لتنفيذ عملية استشهادية كبرى بمساعدة أحلام، وقام بتجهيز عبوة كبيرة زرعها داخل “جيتارة” وضعت داخل حقيبة أحلام التميمي .

وتقرر أن يكون الاستشهادي الشاب “عز الدين شهيل أحمد المصري” من مدينة نابلس .

وفي يوم الخميس 9/8/2001م خرجت أحلام مع عز الدين المصري لتنفيذ الهجوم، وفي القدس طلبت أحلام من عز الدين وضع الجيتارة على كتفه وأرشدته حتى مفترق كنج جورج- شارع يافا الذي يعج بالصهاينة، وطلبت منه تفجير نفسه في المفترق لإلحاق أكبر الإصابات، كما أعلمته أنه يستطيع أن يحدد هدفـًا آخر في نفس الشارع إن أراد .

لكن عز الدين المصري دخل مطعم “سبارو” للبيتزا الواقع على المفترق وفجر الجيتارة هناك حيث قتل 16 صهيونيـًا وجرح العشرات، وقامت أحلام بالرجوع في سيارتها إلى مدينة رام الله .

اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني المجاهدة أحلام التميمي بتاريخ 14 / 9 / 2001 م  وقدمت للمحاكمة بتاريخ  23 / 10 / 2003 م ، حيث طالبت النيابة المحكمة برفع توصية إلى قيادة جيش الاحتلال بعدم إدراج ( أحلام ) في أية صفقة تبادل أسرى في المستقبل ، وطالبت بإبقائها داخل السجن حتى الموت .!

أصدر القضاء الصهيوني حكمًا بالسجن 1584 عامًا (16 مؤبدًا ) على المجاهدة أحلام التميمي بتهمة المشاركة في عملية أسفرت عن مقتل 16 صهيونيـًا، وجاء في نص الحكم :

” أن المتهمة كانت شريكة في العملية، بل إنها بادرت إلى اتخاذ خطوات فعالة في العملية، وإنها فرحت بعد معرفة النتائج القاسية التي أسفرت عنها العملية، وهذا دليل آخر على انزلاقها إلى أدنى المستويات الإنسانية”..!!

وقال القضاة في نص الحكم :

” إنها امرأة تصرفت بوعي تام ناجم عن رغبة شديدة في سفك دماء الإسرائيليين، ليس لشيء وإنما لكونهم إسرائيليين فقط “..!!

قابلت أحلام اتهامات النيابة العسكرية بالضحك والسخرية، مما أثار حنق وغضب القضاة والنيابة العسكرية التي اتهمتها بالاستهزاء بدولة إسرائيل وبالقضاء .

عقب النطق بالحكم وقفت المجاهدة أحلام التميمي لتقول للقضاة :

” إن 16 قتيلاً هو عدد قليل نسبيـًا مقارنة بالعدد الكبير ممن قتلتموهم.. وسأشاهدكم وأنتم في جهنم، إن شاء الله، إن الابتسامة المرسومة على وجهي لن تزول”، وأضافت أنها لا تعترف بشرعية هذه المحكمة التي تصدر الأحكام على المناضلين الفلسطينيين .

وبعد أن قرأت آية قرآنية تحث على الجهاد، قالت :

” أنا لا أريد أن أعرفكم على نفسي باسمي أو عمري أو حلمي، أنا أعرفكم على نفسي بأفعالي التي تعرفونها جيدًا في هذه المحكمة.. وأنا أرى في عيون كل الجالسين بالمحكمة الغضب وأنا مبسوطة، ليش؟”..

وأضافت بلهجة عامية فلسطينية  :

” الغضب اللي في وجوهكم وعيونكم هو نفس الغضب اللي في قلبي وفي قلب كل الشعب الفلسطيني وهو أكبر من غضبكم.. 16 قتيلاً و122 جريحـًا هذا رقم قليل مقابل الأعداد اللي قتلوا بسببكم.. وإذا أنتم بتقولوا ما عندي قلب وإحساس فمن إذن عنده قلب، أنتم؟، إذا ابتحكوا ما عندي قلب ولا إحساس، وين كان قلبكم لمن قتلتوا الأطفال والنساء في جنين ورفح ورام الله والحرم الإبراهيمي، وين القلب وين الإحساس…”

وتابعت :

” وإذا عقابي في جهنم مثل ما تقول أيها المدعي.. لن نلتقي هناك، أنا سأنظر إليكم وأنتم في جهنم بأفعالي التي عشتموها ولمستوها في حياتكم، أفعالي التي حرقت قلوبكم، وذهبت بكم إلى الجحيم…”.

وأضافت  :

” أنا اسمي أحلام، وسأبقى كذلك حتى أحقق حلم شعبي الفلسطيني في التخلص منكم على هذه الأرض إن شاء الله، وسأبقى في السجن لأحرق قلوبكم، وعندما أموت سأذهب إلى الجنة بإذن الله.. أما أنتم فستذهبون إلى النار، وسأراكم وأنتم تحرقون فيها “.

وأضافت :

” في الأسابيع الكابوسية الماضية، وأنا أتابع عملية الصيد الوحشي التي يقترفها جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه في قطاع غزّة، أخذت في قصقصة صور الأطفال، والأشجار، والحقول التي صحرت تمامـًا بعد أن كانت خضراء تسر الناظرين، والبيوت المهدّمة، ولكن صور الأطفال صارت تتكرر ملحة على عقلي وروحي، بحيث نشأت علاقة غضب وحزن وقهر بيني وبين الأشلاء، والوجوه المعفرة بالتراب، والعيون الصغيرة المشدوهة وهي تتأمل ملامح الأب، أو الأم، أو الصديق، الذي مزقته شظية، أو اخترقت رأسه رصاصة.

الصورة الأخيرة للحبيب، للصديق، للبيت المهدم، للأشجار تخلع من بيوتها العميقة في أرضنا وتسحل بالجرافات إمعانـًا في قتلها وتعذيب من غرسها شتلة وأكل من ثمرها فتية يانعة وارفة الظلال، وارتجل علي أغصانها مرجوحة لطفله وطفلته”.

ووجهت كلامها إلى عائلة إسرائيلية قتل أحد أفرادها في عملية سبارو كانت تجلس في المحكمة :

” لن أتأسف لكم، ولن أعتذر، فما فعلته شيئـًا قليلاً مما كان يجب أن أفعله ردًا على جرائمكم في قتل أطفال شعبي”، ثم ختمت الأسيرة المجاهدة أحلام التميمي قائلة “أما بالنسبة لابتسامتي التي تقهركم، وتحرق قلوبكم، فإنها ستبقى تلازمني طوال حياتي، وسأقهركم أنتم أيضـًا ” .!

وأشارت بيدها إلى القضاة الثلاثة، وضحكت بصوت عال وسط المحكمة.

يوم الجمعة 19 \ 8 \ 2005م شهدت قرية النبي صالح شمال رام الله خطوبة  نزار التميمي على أحلام التميمي المحكومين بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيلية .

وقد تحررت  المجاهدة البطلة أحلام عارف شحادة التميمي من سجون العدو الصهيوني يوم الثلاثاء 18 / 10 / 2011 م في صفقة ” وفاء الأحرار” بين حركة ” حماس ” و الحكومة الأسرائيلية و التي تم بموجبها الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً من سجون العدو مقابل إفراج حركة  المقاومة الأسلامية ” حماس ” عن الجندي الصهيوني الأسير ” جلعاد شاليط .

أحلام التميمي :

ونحن نستعيد مسيرة نضالك لا نملك إلا أن نردد:

رب “وامعتصماه” انطلقت ملء أفواه البنات اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم..!!

اترك تعليقاً