الأخبار

أوسلو بين الوعي الكاذب والوعي الشعبي – عادل سمارة

كنعان النشرة الإلكترونية

Kana’an – The e-Bulletin

السنة الرابعة عشر ◘ العدد 3546

25 حزيران (يونيو) 2014

في هذا العدد:

■ أوسلو بين الوعي الكاذب والوعي الشعبي، عادل سمارة

■ تعقيب أحمد حسين على “أوسلو بين الوعي الكاذب والوعي الشعبي”، واضافة من عادل سمارة رد

■ الثورة والثورة المضادة في العراق، محمود فنون

■ كيف تعيد المجموعات الانسانية والشعوب تأهيل نفسها بعد الحروب ؟

سوريا نموذجا، كلاديس مطر

● ● ●

 

أوسلو بين الوعي الكاذب والوعي الشعبي

عادل سمارة

 

حينما أُعلن عن قنوات المفاوضات السرية قبل اتفاق اوسلو والتي كانت تسير بالتوازي مع المفاوضات العلنية لهذا الاتفاق اي جلسات ما بعد مؤتمر مدريد العشرة، غضب الفلسطينيون الذين أوكل لهم عرفات التفاوض العلني اي جماعة مدريد بقيادة د. عبد الشافي وحنان عشراوي، ليس لأنهم ضد الاتفاق بل لأنهم اعتقدوا ان بوسعهم الحصول على تفضُّلات من الاحتلال أكثر مما ورد في اتفاق أوسلو الذي قامت به قيادة م.ت.ف. بكلام آخر، انقسم (الأوسلويون) شكلا وعلى شكليات، ولكن لاحقاً عاد التواشج بينهما. أي بين حيدر عبد الشافي وحنان عشراوي وإدوارد سعيد ومصطفى برغوثي وممدوح العكر ومطربهم محمود درويش…الخ وبين قيادة منظمة التحرير وخاصة قيادة فتح. أي تصالحت قناتا التفاوض. يجب الانتباه إلى أن التفاوض يقوم على الاعتراف بان المحتل 48 ليس ارضا فلسطينية. ولاحقاً، دخلت المطهر قيادات الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحماس…الخ وخاصة بعد انتخابات مجلس الحكم الذاتي. بل وصلت قيادة الشعبية إلى مبايعة مصطفى برغوثي لرئاسة سلطة الحكم الذاتي.

مع مضي الأيام والأعوام وبعد أن استفاد كثيرون من فريقي التفاوض من المناصب والأموال والإمتيازات وتدليع الممولين للقطاع الخاص وفرق الأنجزة عبر “تطوير” اللبرالية إلى اللبرالية الجديدة التي أكلت العباد. وهو ما “أزعل” عازف الوحدة الاقتصادية مع الكيان رجا الخالدي. بدأوا بنقد اوسلو وكأن لا علاقة لهم به! ووصلت “بلاغتهم” حد الظهور وكأنهم كانوا ضد أوسلو بالمطلق. وهذا هو الوعي الكاذب والحمل الكاذب.

هؤلاء أنفسهم اكثر حتى من سلطة الحكم الذاتي، هؤلاء الذين نظَّروا وسوَّغوا اوسلو بل “وترجموا” بين من لا يتقن اللغة الأنجليزية وبين امريكا والكيان، هؤلاء اللبراليون الذين كرسوا الهجوم على رافضي أوسلو متهمين الرافضين بالتخشب والميل الانتحاري والقصوية والقومجية والماركسية المتحجرة…الخ.

هؤلاء يحاولون اليوم امتطاء عودة الوعي بوعيهم الكاذب، وهدفهم اختراق الشباب الذين أخذوا يسطعون بما تأمرهم به عقولهم ومشاعرهم ورؤيتهم وتجاربهم بأن التنسيق الأمني أمر مرفوض.

وما أعتقده أن وقف التنسيق الأمني مستحيل لأنه الثمرة الرئيسية لاتفاق اوسلو. وعليه، من يرفض التنسيق الأمني يجب أن يعود إلى الأصول برفض الاتفاق نفسه. وهذا ليس كثيراً، فالكيان يرفض حتى اتفاق أوسلو، ويتمسك ببقاء سلطة أوسلو.

 

( *** )

العرب أم الإسلام أولاً

عادل سمارة

 

عقب الرفيق احمد حسين على ما كتبت في “أوسلو بين الوعي الكاذب والوعي الشعبي” بما يلي:

 

تعقيب أحمد حسين

 

يبدو لي أن قطار التحليل قد فاتنا جميعا. الكلمة في عالم اليوم عصفور مكسور الجناحين يلفظ أنفاسه الأخيرة. الرصاصة أصبحت رسول العقل الحاضر للبشر. لا تتكلموا بالعربية حتى لا يضحك منا الدم. لقد تكلمنا أكثر من شعوب الأرض مجتمعة ولم نقل شبئا. كل شيء شتمته ألسنتنا عبدته دخائلنا. كان الصدق أكذوبتنا الكبرى لأننا كنا نتكلم من عالم لم يعد موجودا إلا في القبور. كل الذين تحدثتم عنهم ركبوا منذ اللحظة الأولى قطار الإكسبريس الصهيومريكي، من عرفات الكويتي حتى ادوارد سعيد المستشرق الأمريكي. كان الجميع يتكلمون من ابواق التاريخ التوراتي الذي يقول أن العرب ظهروا في التاريخ مع الإسلام. وكل من لديه نزاهة أو عقل للإستعمال أن العرب اختفوا من الوجود بظهور الإسلام. حشروهم كما تربد الصهيونية في ثقب مهمل من ثقوب التاربخ. حتى عروبتهم البدوية استولى عليها توراتيو الفقه الشعوبي وأخرجوهم منها إلى إسماعيل عبد ابراهبم. هذا مثل صغبر فقط على عملية تدييث الوجدان العربي لإخراجه من الذاكرة التاريخية. ألم يكن إدوارد سعيد يعرف كواحد من أرقى العقول الإستشراقية في العصر الحاضر، أن الحضارة الإنسانية ولدت على يد الحضارات العربية التي نشات في العراق وسوريا. فلماذا فصلوا الجزيرة العربية عن امتداداتها الحضرية في العراق والشام ؟ البابليون والآشوريين والكلدانيون والكنعانيون والآرامبون والفينيقبون كلهم خرجوا من رحم الصحراء العربية واستوطنوا ضفاف الأنهار في العراق والشام. وقطع ما بينهم وبين امتدانهم العربي، ليستطيع التوراتيون من مؤرخي وأكاديميي الغرب أن يقولوا فيما بعد أن العرب لم يكونوا في التاريخ غبر ظهور الإسلام. وهذه هي كذبة التاريخ الكبري، التي أرادت أن تقول أن العرب لم يظهروا في التاربخ إلا مع ظهور الإسلام، أي بعد قيام الوعد الإلهي بأعطاء فلسطين لليهود، وأن الشعب الفلسطيني لم يكن موجودا آنذاك وأنه دخل فلسطين بعد القتوحات الإسلامية فقط. هذه السخافة المضحكة تحولت إلى بند تاربخي أكاديمي على مستوى العالم رغما عن العقل ,اخذت مكانة التاربخ ومكانة الأسطورة ؟ وكان إدوارد سعبد ممتثلا استشراقيا لهذه الأسطورة وهو يعلم ذلك لأنه استدخل الولاء الأكاديمي الغربي لها. حتى التاريخ التوراتي بعترف بوجود الكنعانببن كشعب في فلسطين ولكنه بقول أنه لم بكن شعبا عربيا لأن العرب لم يكونوا موجودين وقتها، وأنما شعبا غير يهودي بتكلم لغة ما قريبة من لغتهم، وبعد أن طرحت موضوع الكنعانية قبل عشرات السنين، قام بعض اليهود بالزعم أن الكنعانيين هم اجداد البهود. لقد كان للكلمة دور رئيسى في التأثير على رسم خطوط الروابة البارزة للتاربخ، وكات التلاعب بهذ الرواية بتقاطع مع مصالح.

 

اضافة عادل سمارة

 

قلما يتنبه الكثيرون إلى هذه الأكذوبة المقصودة وهي إنكار وجود العرب قبل الإسلام. وأعتقد أن هدفها الأساس وضع حواجز هائلة أمام اي توجه عروبي، وتذويب العرب في مليار ونصف مسلم. في حين لا يتم شئ من هذا تجاه القوميات المسلمة الأخرى. وهذا الإنكار بالطبع يسحب معه العرب المسيحيين الموجودين دينيا وليس قوميا قبل الإسلام كذلك. في هذا يتورط كاتب كبير (سمير امين) في كتابه ثورة مضر فيكتب (الحضارة او الإمبراطورية الإسلامية العربية).

ملحق 1

في الرد على المفكر المتميز سمير أمين

(من كتاب عادل سمارة: ثورة مضادة إرهاصات أم ثورة، دار فضاءات عمان 2012)

رد المفكر العزيز سمير أمين على حواراتي معه كما ورد في كتابه (ثورة مصر 2011، ص 225) والذي عثرت عليه صدفة عام 2012. ما كتبته له ليست مقالة بل ست حلقات (محاورتي مع أمين في كنعان الإلكترونية الأعداد: 2344 و 2348 و 2352 , 2359 و 2366 و 2371 من عام 2010)، والتي لست أدري إن كان قرأها أم لخصها له بعض خبثاء القوم “بتصرُّف” كما ورد في كتابه ثورة مصر وقد عثرت عليه صدفة:

1- تعليق على مقال “عادل سمارة”

مع كل احترامي للزميل المناضل “عادل سمارة”، لم أجد في تعليقه ما يضيف إلى ما سبق كتابته عند معظم “القوميين” وقد قدم “سلامة” إجابة على هذه الأقوال في كتابه (الهزيمة والطبقات المهزومة)، ص 89، وهي إجابة لا تختلف عن إجابتي!

وما أخشاه هو أن الخطاب القومي بصفة عامة (أي أقوال معظم القوميين إن لم يكن جميعها فرداً فرداً) يحل قصة عروبية خرافية محل القصة الخرافية الأخرى الأوروبية التمركز، فهذه الأخيرة في تعبيراتها المتطرفة تُسقط ملاحظاتها لظواهر حقيقية خصَّت الدولة العثمانية المنحطة على ماضي العرب، و”الشرق” بصفة عامة. علماً بأن أهم ما كُتب في أوروبا لم يشارك هذه الرؤية السريعة والخاطئة. بل على العكس من ذلك، فقد ركزت دراسات علمية هامة (ولو أوروبية!!) على مجد الحضارة الإسلامية العربية في مرحلة ازدهارها الحقيقي، ولو لفترة قصيرة تلت الفتح الإسلامي، وامتدت فقط إلى أن سيطرت القبائل التركية على السلطة في بغداد، انطلاقا من القرن العاشر الميلادي، وعلماً أيضاً أن الإمبراطورية الإسلامية في عصر مجدها كانت أشبه وأقرب إلى ما كانت عليه الإمبراطورية الإسلامية في عصر مجدها، وأقرب إلى ما كانت عليه الإمبراطورية الرومانية والهلنستية السابقة، وذلك من حيث التنوع الديني واللغوي والمجتمعي، منها إلى “تصورات ” الخطاب القومي حول المرحلة، فالعروبيون يتجاهلون هذا الواقع، يكررون الخرافة “الإسلامجية” المروجة حول “العروبة الأصلية” (أخت الإسلام الأصلي). وتحول هذه القصة دون فهم أسباب التدهور السريع الذي أصاب مجد الإمبراطورية المعنية.

وربما يرجع هذا النقص في تناول واقع التاريخ إلى خوف “العروبيين” من “نقد الدين” (هنا الإسلام)، لأنه يمثل “عنصراً أصيلاً هو الآخر” على نقيض ما فعله الأوروبيون الذين انطلقوا من نقد الدين (هنا المسيحية) – كما أن مفكري النهضة الصينية انطلقوا من نقد ماضيهم، لا “الافتخار” به، هذا هو مصدر التباين بين النهضة الأوروبية الناجحة، والنهضة الإسلامية العربية الفاشلة!

فأرجو أن يوجّه القوميون نقدهم (وهو مرحب به) إلى ما كتبته، ولا إلى ما “نسبه” إلي العروبيون. فالقومية العربية بالنسبة إلي هي مشروع يسعى إلى إنجاز الوحدة العربية القادرة على مواجهة تحديات العصر، وليست “واقعاً موروثاً”. هذا هو التباين الحقيقي في تناولنا للمشكلة.

رد عادل سماره على سمير أمين:

· لم يغادر أمين برزخ التورط في الخطاب المركزاني الغربي. فرغم نقده للمابعديات يتورط في اجترار أطروحة أندرسون “الأمم المتخيَّلة” ليصف الأمة العربية بالخُرافة معتمداً على التقطعات في التاريخ العربي الذي لم أصفه قط بأنه متواصلٌ ولم أُلامسه بمفاخرة! ولأنه مأخوذ بالمركزانية الأوروبية رأى أن وجود دولة عربية 3-4 قرون هي فترة عابرة.

· تؤكد قراءة التاريخ أن تقطعات التاريخ العربي حتى لو كانت أطول من تواصلاته هي بعدوانات خارجية وهو ما يتهرب منه أمين بقوله: “لقد انفجرت هذه الوحدة فيما بعد إلى كيانات سياسية إقليمية ثابتة نسبياً لم تجر إعادة توحيدها إلا في ظل النير العثماني وبصورة سطحية في كل حال”(ص 14 من كتابه الأمة العربية والقومية العربية وصراع الطبقات). هل انفجرت ذاتياً أم فُجِّرت بعدوانات خارجية؟ وبين الحالتين مسافة وعي، فهل عجز أمين أم تخابث في عدم التوضيح، أليس هذا طرحاً إيديولوجياً وليس فكرياً! العثماني لم يوحد العرب بل استعمرهم وقسَّمهم إدارياً بما هو أعمق من تجزئة سايكس-بيكو. إن اعتبار العثماني محض ديناً هو إصرار من أمين على نفي العروبة لصالح الدين أي اعتبار العرب رعايا إسلام وليس أمة مُخضعة! ناهيك عن وقوعه في خطيئة أن “الإسلامجية تروج للعروبة الأصلية!” والحقيقة أن جميع أهل الدين الإسلامي السياسي “يروجون” ضد العروبة تماماً كما فعلت الستالينية والتروتسكية والإمبريالة والصهيونية والتي جميعها تُخضِّب كتابات أمين في هذا الأمر حتى لو أخفاها بمهارة لافتة! وهنا أُحيله على نقدي للدين السياسي الذي يرفض العروبة بالمطلق. وطريف هنا أن يُقدِّم الإسلام لنفي العرب، ثم ينقلب حديثاً رافضاً نضالات أي إسلام، حزب الله على سبيل المثال وهو هنا يتقاطع مع برنارد لويس وأحفاد الشيخ القتيل “يهودا الصغير”.

· أنا لا أتحدث باسم جميع القوميين وأنا عروبي، ولا باسم جميع الشيوعيين وأنا لست ذا ماضٍ موسكوفي ولا شيوعي أوروبي فرنسي مثلاً، ولكنني مع العلمانية تماماً وخاصة فيما يتعلق بالدولة والقانون والحياة الفردية والعامة.

· رغم اقتراب أمين النسبي “مؤخراً” من المشروع القومي العربي، إلا أنه ينفي وجود أمة عربية، مثلاً كالأمة الفارسية، قبل القرن العشرين. فلمن المشروع القومي الذي يتبناه اليوم إذن؟ إن الإقرار بوجود أمة أو شعب هو إقرار علمي وأخلاقي بوجود بشر. أما هل هم متطورون، عباقرة بسطاء، فهذا أمر آخر.

· هذا التعامل باستخفاف مع الأمة العربية دون غيرها من الأمم القديمة، هو تقاطع مع المركزانية اللبرالية الأوروبية عن أمم بلا تاريخ، ومع المركزانية الشيوعية الستالينية أن “الأمة العربية أمة في طور التكوين”، ومع الجناح الصهيوني من الأممية الرابعة الذي يعتبر الصهاينة أمة يهودية في فلسطين.

· يصف أمين أطروحتنا بوجود عربي قبل الإسلام وقبل المركزانية الأوروبية بأنها تعلقٌ بموروث ويزعم أنه مع مشروع قومي عربي، فيخلط بين الوجود الموضوعي تاريخياً لشعب وبين ما يسميه موروثاً (كان أجدر بأمين أن يكون دقيقاً، وهو الأكاديمي والمفكر ومستشار دول…الخ) فلا ينسب لي أنني أعتبر العروبة خطاً ممتداً وعرقا نقياً وموروثا…الخ وهنا يقع في موقف إيديولوجي). هذا دون أن يشرح لنا ما العلاقة بين المشروع القومي العربي الذي يحاول لصق نفسه به وبين العرب كأمة! وإن كانت العروبة خُرافة فما معنى المشروع القومي الذي يتبناه أمين؟ اللهم إلا إذا كان مأخوذاً بهرتسل الذي اخترع “أمة” يهودية، وهذه حافة أربأ بأمين أن يصل إليها.

· أمين يتهمني وغيري بالإسلامجية بينما هو يقلب التاريخ فيكتب: “الحضارة الإسلامية العربية” منكراً وجود عرب قبل الإسلام، أليس واضحاً هنا أنه ينكر العرب ويروج للدين، مع أنه يتفاخر، بأكثر من الضروري، بعلمانيته! فهل الذين بنوا صنعاء وسد مأرب مسلمون أم يابانيون؟ ولماذا يذكر العرب طالما الإسلام هو البداية؟ ولماذا لا يسمي أمين الإمبراطورية الرومانية بأنها مسيحية مثلاً؟ بتقديمه الإسلام يغدو هو الإسلامي، على غير رغبة منه.

· يضع أمين كل القوميين في سلة واحدة كي ينكر على عروبي مثلي أنني شيوعي. وهنا أستغرب كيف يضع نفسه في موضع مُصدِر الشهادات، لا توجد يا رفيق “فاتيكان” ولا “ولاية الفقيه” في الشيوعية. وآسف للقول إنني من الشيوعيين القلائل الذين لم “ينخُّوا” بعد تفكك الاشتراكية المحققة، بينما تحللت أحزاب من ما زعمت لعقود أنه نَسَبها الشيوعي ووقف كثيرون في منطقة رمادية.

· ليس جميلاً أن يحصر أمين القومية العربية كمشروع في كتاباته وحده! وبالتأكيد ليس هو مُبدع ذلك.

· أغمض الرفيق عينيه عن أن أطروحتي الأساسية ليست الماضي قطعاً، بل توظيفه لصالح المشروع العروبي الوحدوي الاشتراكي الذي قوته الدافعة هي القومية الكامنة للطبقات الشعبية بما هي وحدوية واشتراكية. وتجاهل الدور التحرري للقومية العربية كقوة دفاع عن أمة مستهدَفة.

· ليست هذه مساحة سجال مع أطروحات أمين، بل ليس السجال معه أصلاً، ولكن اللافت أنَّ الكثير من اليسار العربي يشدد هجومه على الأمة والقومية العربية متواقتاً مع تشديد هجمات الإمبريالية والصهيونية (فترة الوحدة 1958، واليوم)! لماذا؟ هل لي أن أقول لأن هناك وشائج إيديولوجية موروثة من جهة، وإقامة اعتبار لليسار الغربي تقرُّباً وزُلفى! واسمح لي يا رفيق أن أؤكد لك، أنّني معني بعلاقة مشتبكة مع هذا اليسار الذي اصطف لجانب جيوش الغرب التي دمرت العراق ولذا أسميته “ابن السكرتيرة” الذي لا يظهر إلا ليصطف إلى جانب والده في الملمات.

 

ملاحظة: أطرى الزميل الكبير سمير امين في كتابه كثيرا أحد ابرز أدوات الثورة المضادة التروتسكي سلامة كيلة. لست ادري بعد انكشاف سلامة ويسار الناتو الممول من الوهابية والإمبريالية والصهيونية، هل لا يزال موقف سمير امين أميناً؟

( *** )

الثورة والثورة المضادة في العراق

محمود فنون

 

محاولات الثورة على الحكم العميل في العراق مستمرة ومحاولات حرف النضال الوطني بتمكين قوى الثورة المضادة مستمرة أيضا.

فداعش ومن على شاكلتها من صنع الإحتلال الأجنبي للعراق وبتمويل سعودي قطري وليس من مكونات الثورة على صنائع امريكا.

منذ أن دنست أقدام العدو الأمريكي العراق عام 2003 م ظهرت المقاومة العراقية للإحتلال العراقي، مقاومة نشطة وفعالة وبقيادة حزب البعث ومكونات وطنية وقبلية رافضة للإحتلال الأمريكي الغاشم.

بينما أخذت امريكا بترتيب اوراقها في العراق بشكل يضمن لها تحقيق أهدافها من الغزو وعلى رأسها تدمير وتفكيك العراق والدولة العراقية والجيش الوطني العراقي، وشكلت إدارات من صنائعها وعصابات باسم الجيش من المرتزقة والمستفيدين والفاسدين. أي صاغت البنية السياسية والإدارية للعراق بما يضمن استمرار الدمار والخراب والتمزق وتحت التبعية متعددة الأشكال للسيد الأمريكي وشريكه الصغير بريطانيا وبما يحقق مصالح الإحتلال.

وفي السياق استطاعت إحياء الطائفية والجهوية والنزعات الإثنية مما جعل العراق كما لو كان مركبا من خليط رجراج ومتناحر وقابل للتفكك في أية لحظة.

وفي سياق هذا الصراع المحتدم بين الثورة البطولية على المحتلين وبين اللعدو المحتل تمكن الإحتلال كما ذكرنا من ترتيب أعوانه وصنائعه بما يضمن ولائهم للأهداف المعادية وينشطوا من أجل مزيد من الخراب والقتل والدمار، ومن أجل دوام الإحتلال وأهدافه في العراق.

هكذا تشكلت لوحة الصراع : الوطنيون العراقيون بمختلف ميولهم في جبهة، والإحتلال وأعوانه في جبهة.ولكن هذا لم يكن كل شيء.

لقد ظهرت القوى الدينية (مركبات من القاعدة) ولكن ليس كمكون من مكونات المقاومة بل لها أجندتها التكفيرية الخاصة وأخذت تمارس دورا تدميريا ممنهجا من خلال التفجيرات في الجوامع والأحياء والأسواق بما عمق زعزعة الحالة الوطنية العراقية على الصعد الشعبية وعزز النزعات الطائفية (سنة وشيعة وغيرهما ) وساهم في تشويش الوعي العراقي الوطني المقاوم.أي بما ينسجم مع نهج وأهداف الإحتلال الأجنبي وبدعم من أنظمة الخليج العربي الرجعية والمتساوقة مع الإحتلال الأجنبي للعراق.

الى جانب حراك الأكراد والعديد من القوى في ذات النهج التخريبي واليوم وقد تم تعزيز الجهوية والإثنية و الطائفية لدرجة كبيرة كما وأخذت الطائفية تجد تعبيراتها في مكونات الصراع المحتدم على الأرض.

وخشية من التحول إلى ثورة تكنس أعوان الإحتلال، فقد تم زج الثورة المضادة داخل الثورة ويجري العمل على تظهير داعش والقوى الرجعية وتجري محاولات صبغها بالصبغة الطائفية مما يقزم أهدافها ودورها ويجعلها أقرب إلى حركة رجعية على سطح الحركة الدائرة شمال وغرب العراق والتي هي بالأساس استمرار للمقاومة العراقية ضد الغزاة وأعوانهم من الداخل قبل خلطها.

هو ذات النهج الذي استخدم في تونس وليبيا ومصر.. ما ان تبرز ملامح الحراك ضد الوضع القائم حتى تظهر قوى الثورة المضادة على السطح وتستولي على الحركة أو تبلبل مسارها بما يمكن العدو الأجنبي من تحقيق أهدافه.

إن داعش هي خريجة السياسة الإستعمارية وبتوجيهها وبدعم مباشر من النظم الرجعية المتواطئة مع أمريكا وبإشرافها وتوجيهها.. هكذا هي في سوريا وهكذا هي في العراق.

وهي ترتكب الجرائم الفاحشة قتلا ونسفا وتدميرا وتحاول فرض منهجها في الحياة على الناس بما يقززهم ويرعبهم وفقط بما يحقق المصالح المعادية ومكاسب كبيرة لأمرائها وأعوانها.علما ان الإعلام يظّهّر القوى التكفيرية المدعومة بقوة من السعودية وقطر

وفي الحقيقة إن العراق بحاجة لثورة وطنية جارفة تكنس الأحتلال ونفوذه وأعوانه (كل من جاء على ظهر الدبابة الأمريكية بما فيهم الإخوان والشيوعيون وغيرهم) ولمصلحة الجماهير الشعبية والوطنية.

وهذا الحراك الثوري لا يمكن ان يكون طائفيا ولا تكفيريا ولا جهويا بل وطني تحرري منحاز إلى الطبقات الشعبية وضد تقسيم العراق ليعود العراق وطنيا عروبيا

 

( *** )

 

كيف تعيد المجموعات الانسانية والشعوب تأهيل نفسها بعد الحروب ؟

سوريا نموذجا

كلاديس مطر

 

من أولويات الامور أن يعيد الشعب السوري تأهيل نفسه من أجل العودة الى الحياة، بعد أن فتحت هذه الأزمة المهولة جروح الذاكرة بالنسبة لكل ما له علاقة بأي حرب سابقة على الخط الزمني للأمة السورية، وأدمت النفوس وجعلت السلوك الانساني السوري اقرب لرد الفعل وليس الى التفكير التحليلي الواعي. ساهم في هذه ” الرضة ” الكبرى ليس فقط الحرب المتواصلة منذ ثلاث سنوات على سوريا وإنما أيضا وسائل الاعلام التي لم تتوقف لحظة عن عرض الأحدث والصور الاكثر إيلاما على الشاشات محرضة بذلك كل ما لدى الفرد السوري من مشاعر قديمة وذكريات ظن أنها تلاشت مع مرور الزمن.

قد تبدو إعادة التأهيل أمراً شبه مستحيل في بيئة مازالت تغلي بكل مكونات الازمة : تفجيرات، وسائل اعلام يهمها أن تنافس في مجال الخبر الاكثر أثرا في المتلقي والصورة الاكثر هزاً للوجدان مهما كلف الثمن، وشعارات عقائدية تشبه أوامر التنويم المغناطيسي التي دخلت في العقول اللاواعية لفئات عمرية من الشعب تقع بين الثانية عشر والسادسة عشر وربما حتى اقل من هذا.

مع ذلك إعادة تأهيل الشعوب ليست لعبة من ألعاب المستحيل وإنما هي أمر يمكن الانطلاق به لنحصد نتائج جيدة.

في واحدة من خطاباته النارية، صرخ أبراهام لنكولن “أنا أؤمن بقوة بالشعب. طالما نضع بين يديه الحقيقة كاملة غير منقوصة، فإنه يمكننا الاعتماد عليه في مواجهة أعتى الأزمات القومية والوطنية. كل ما هو مطلوب في المواجهة هو أن نقدم له الحقائق كما هي بدقة.)

الحق، لا تندرج عبارة لنكولن ضمن قائمة الكلمات والجمل العاطفية المسطحة التي اعتدنا سماعها في تصريحات الصقور الأمريكيين المعاصرين حين يتحدثون لشعبهم عن الإرهاب ومحاربته وهم يغذونه في الواقع، كما انها ليست عبارة فالتة مقتطعه من كتاب ديني أو نص روحي قديم، ولا حتى لغزاً أو تعويذة سحرية مدفونة في التراب، وهي أيضا ليست (لعبة كلمات) تذرى في عيون الشعوب التي أفلستها الحروب والمناظرات الفضائية وأنهكتها الصراعات ووجهات النظر. إن عبارة لنكولن، بالعمق، هي أساس كل ترسانة فعلية لمطلق أمة تريد أن تحصن نفسها بشعبها أولا!

والملفت انه بعد مائة وخمسون عاماً تقريباً على هذا الرأي، كل ما تفعله الإدارات الأمريكية المتعاقبة هو مخالفة كاملة لهذا القانون وكذلك فعلت اغلب الادارات السياسية في العالم ومن بينها طبعا العربية.

بكل بساطة، إن اعادة تأهيل الشعوب تتم حصرا وأولا عن طريق مصارحته في الحقيقة ولفترة طويلة لكي تشفى وتعيد ثقتها بوطنها. إن الشعوب التي تقف الى جانب الوطن خلال الازمات هي شعوب تستحق ان تكون القناة بينها وبين قيادتها مفتوحة وصريحة وواضحة. إن هذا من شأنه ان يعيد وبقوة الثقة بالوطن ومستقبله ويزيد من طاقة الدفاع عنه لدى أفراده، والقيادة الذكية، أيا كانت هذه القيادة، هي التي ” تعقد جلسات مصارحة و استشارة ” بينها وبين شعبها من دون توقف حول القضايا المصيرية والسيادية.

الواقع، إن تحقق هذا الامر فإنه لايعيد تأهيل الشعب فقط وانما يرفع ” من المزاج العام ” وبقوة للوطن كله. وهذا الارتفاع في المزاح العام ينعكس ايضا وبقوة على زيادة الدخل والانتاج حيث يجد كل فرد مهما كان انتماؤه الطائفي او العرقي إن مصلحته تكمن تحديدا في ” ازدهار ” الوطن لان هذا ينعكس عليه وعلى معيشته بشكل مباشر، وهنا تحديدا تجعل ” البحبوحة الاقتصادية” الانتماء الطائفي يأتي بعد الانتماء للارض والوطن، وهنا تحديدا تنتعش المواطنة وتتنفس من جديد. لكن كل هذا لن يأتي من دون برامج منفذة بدقة وشفافية.

 

الحقيقة التي تقال

 

فيما مضى كان الرجال، حتى الأكثر تيهاً، يغامرون بالتفوه بها حتى ولو كانت رقابهم تحت تهديد المقصلة. مع ذلك فأن البشرية لم تبنى كلها فوق منصة الحقيقة وإنما فوق ركام الاكاذيب والاوهام ايضا ولهذا فان الطريق الذي تسلكه مازال يشهد انحدارا قويا. فالاكاذيب التاريخية القديمة كانت بحاجة لاكاذيب لاحقة للتستر عليها وهكذا دواليك ضمن سلسلة هبوط تدريجي راسخ وذلك بغض النظر عن اي تقدم تكنولوجي وصلت اليه البشرية طالما أن شريعة الغاب هي المسيطرة على عقول القيادات الغربية التي تنتهج سيساسة العدائية المستترة و الكذب المملح بالابتسامات والمساعدات والحديث عن ديمقراطية لايمكن تحقيقها عن طريق الخناجر المخبأة وراء الظهور و الابتسامات المزيفة و هذه التصريحات المنافقة التي تدعي الخوف على شعوب الشرق الاوسط وخصوصا الشعوب العربية. نعم، لم تعرف البشرية فجرا طاهرا وكان في أغلبه نهر دم جار بسبب جدل العقائد والأفكار، غير أن الحقيقة كانت تقال دائما مع ذلك لأنه لم يكن هناك وسيلة أخرى غير التفوه بها! والمشاهد كثيرة في التاريخ عن رجال و نساء سيقوا إلى حتفهم لأنهم تجرأوا وأعلنوها.

اليوم لكل منا حقيقة يريد أن يعلنها ويسوق براهين الدنيا والآخرة لكي يثبت مصداقيتها! فالمقاومة عندنا هي إرهاب عندهم، وأطفالنا هم أقل شأنا من أطفال بني التوراة، وأحلامنا ليست إلا عصي في دواليب الحلم الأمريكي الطويل الذي لا نهاية له، ونسبيتنا الثقافية معيق أمام ركب العولمة المنطلق، وعاداتنا وقيمنا حجر عثرة في وجه حقوق الإنسان، ونفطنا جوهرة بين أيدي أغبياء من أمثالنا لا يعرفون كيف يحتفظون به.

مع ذلك نحن كشعب سوري علينا أن نفهم التالي :

– إن العوامل الاعتباطية ( arbitrary factors ) التي دخلت على المجتمع خلال السنوات الاخيرة من عمر الأزمة، وفي كل مرة يدخل عامل اعتباطي الى قيم ومثاليات اية مجموعة إنسانية أو شعب، فان المزاج العام لهذه المجموعة ( يتضعضع) وذلك لان المزاج العام للشعوب او المجموعات الانسانية إنما يعتمد ويتوقف، أولا) على درجة وكمية الموافقة بين أفراده عما يجب ان تكون عليه قيم هذه المجموعة اوالشعب ومثالياتها، ثانيا) على كمية الحوار والتواصل بين أفراد هذا الشعب أو المجموعة، وثالثا) على مدى فهم هذه المجموعة او الشعب بكليتها لهذه القيم وطريقة حل مشاكلها.

عندما يبرز أمر طارىء مثل الأزمة السورية مثلا فإنه يَجعل من المستحيل لبعض من أفراد هذه المجموعة أو ذاك الشعب أن يتحاور أو يتواصل مع البقية أو حتى أن يعين الاسباب التي دفعته ليأخذ مثل هذا الموقف أو حتى تبريره أمام الباقي من الشعب. و المراقب لتداعيات الأزمة يعثر على مناطق اضطرابات ( ليس فقط على المستوى المادي ) قد ولدت بين قيم ومثاليات هذه المجموعة وبين العالم الخارجي ( اي الحرب وتبدياتها ). مثال على ذلك ظهور ما يسمى ( جهاد النكاح ) كعامل اعتباطي هز القيم والمثاليات المتعارف عليها للشعب السوري. وجهاد النكاح هو احد تبديات الازمة و ليس كلها وهو حالة قيمية شاذة في المجتمع تَطلب التعاطي معها – بسبب طارئية اللحظة – المزيد من استدخال العوامل الاعتباطية الاخرى وهذا أمر كبر الى حد ما الفجوة ووسع من هوة الحوار بين افراد المجموعة الواحدة. وهذا مثال واحد فقط.

تبد آخر من تبديات الازمة السورية – وهي تبديات تعد بالعشرات وربما المئات – هو الحقن الطائفي او الفرز على اساس طائفي لدى البعض لدرجة انه لم يتردد من الاعلان عن تطرفه بفخر وعلى رؤوس الاشهاد، وهذا امر كان غير مستحب او معروف على الاقل علنا في سوريا بل حتى كان من باب الوقاحة المنفرة ان تسأل احداً ما عن دينه او انتمائه الطائفي. هذا ايضا عامل اعتباطي آخر اندس بين مجموعة القيم و المثاليات التي يتفق عليها الشعب السوري وكان علاجه بإستدخال المزيد من العوامل الاعتباطية التي سمحت بها طارئية اللحظة الراهنة كما ذكرت سابقا.

تبد آخر من تبديات الأزمة هو هذا الميل لدى البعض لكي يخرج عن القانون ويعتبر نفسه كملحق بالجيش او الدولة ويتصرف من تلقاء نفسه ليفرض الامن ( كما يراه هو شخصيا ) بيده وبطرقه الخاصة خالقا حالة شاذة طفيلية نامية فوق الجسد الامني النظامي وهي ما يطلق عليها ظاهرة ( التشبيح). و التشبيح هنا عامل اعتباطي استدخل من اجل مداواة عامل اعتباطي موجود اصلا. والتشبيح قبل الأزمة السورية كان ظاهرة موجودة يعنى بها هؤلاء الشباب من الاغنياء الذين يملكون ما لا يملكه غيرهم من مال و مقتنيات ومواقع حكومية وظيفية حيث يتعالون على القانون ويسيقون الامور على هواهم من دون ان يجرؤ احد على محاسبتهم او ملاحقتهم مع ان هذه الظاهرة قد وضعت حدا لها لاحقا والى درجة كبيرة الدولة السورية نفسها. مع ذلك وبسبب طارئية الازمة السورية عادت هذه الظاهرة بشكل مختلف وإن كانت بنفس المضمون: اي التصرف من دون مرجعية و الحجة هي مسوغات اللحظة.

 

تصور العلاج

 

إن الرضوض النفسية لدى افراد الشعب السوري – واسمح لنفسي بالتعميم هنا بعض الشيء- إنما شملت الجميع من دون استثناء تقريبا. وهي رضوض نفسية تأتي عادة بعد هذا النوع من الأزمات، ولقد حدثت بسبب دخول هذه العوامل الاعتباطية الى حياة الناس من دون شرح أو تبرير أو أخذ رأي، بل إن التصرف الفوري من قبل بعض أفراد هذه المجموعة نتيجة طارئية الأزمة حتى وإن كان من أجل الدفاع عن النفس قد خلقت انطباعا ولو مؤقتا بتحييد بقية الافراد وتحويلهم الى مشاهدين لوقائع هذه الازمة حيث لاحول ولاقوة لهم. وهذا أمر ليس استثنائيا في سوريا و انما هو واقع يحدث في اي مكان يقع فيه مثل هذه الازمات الكبرى الطاحنة.

مع ذلك، في سوريا وبشكل يثيرالاعجاب اخذ العديد من افراد الشعب المبادرة بشكل شخصي للدفاع عن الوطن والوقوف في وجه هذه العوامل الاعتباطية التي اخلت بمجموعة القيم والمثاليات التي يتفق عليها الشعب السوري. كان هناك مبادرات شخصية فردية وطنية ( لا تشبيحية ) ومبادرات وطنية جماعية رافدة لحركة الجيش الوطني في الداخل وللدبلوماسية السورية في الخارج، كما كان هناك وعي فطري جماعي بما يجب القيام به للتصدي. مع ذلك الآثار الرضية مازالت ماثلة في النفوس بشكل واضح سببها من دون شك هذا السؤال البسيط الذي كثرت الاجابات عليه من دون توكيد على أي منها :

لماذا حدث كل ما حدث ؟ من هو المسؤول عن كل هذه الأزمة؟ أين وقع التقصير؟ هل هو في الفساد المستشري؟ هل هو في عدم الانتباه الى مدن المحيط وإهمال الارياف ؟ هل هو تخطيط غربي امبريالي بحت ليس له علاقة بأي عامل داخلي؟ ما هي نسبة مسؤوليتنا عما حصل ؟ هل أهملت مؤسسات الدولة المدنية وتم التركيز على المؤسات الدينية ومسيرتها ؟ هل السبب في اقتصاد السوق الجماعي الذي استبدلت به الحكومة الى درجة ما الاقتصاد المخطط ؟ هل السبب رئاسي بحت، له علاقة بشخص السيد الرئيس ؟ أم هناك سبب آخر يتعلق في طبيعة السيستام الاقليمي والدولي حيث الارهاب ( يكمن تحديدا) في نظام القطب الواحد واستعمار الدول اقتصاديا وفكريا، وأن ما يحدث الان من ربيع وثورات دموية هو تآكل هذا السيستام لذاته وارتداده الى قواعده التي انطلق منها بالذات؟ هل هو التقسيم، تقسيم خريطة المنطقة وتوزيع خطوط الغاز والنفط فيها بحسب رؤية جيوسياسية جديدة ؟

اسئلة كثيرة تفور في عقل السوري من دون جواب او بالاحرى من دون دواء محدد لان الدواء يكمن في الجواب الصحيح والواقعي، مهما كان هذا الجواب. فالمواطن السوري لكي يشفى عليه أن يعرف السبب اولا، مهما كان هذا السبب الكامن وراء هذه الأزمة وإن كان اليوم قد تم إجلاء الصورة بشكل كبير امام عينيه.

مع ذلك، إن سبب الأزمة لم يخلق بذاته أو من تلقاء نفسه كما هو حال اي شيء في هذا الكون. فالارهاب ليس ظرفا او حالة و انما هو أفراد محددين يخلقوه وينفذوه ويمارسوه عن سابق تصور وتصميم. وهؤلاء الذين يفرضون ارادتهم في ساحات المعارك على الآخرين بقوة القتل المباشر هم على الاغلب لا يملكون عقيدة بقائية صحية وإنما هم أدوات بيد ارهابيين بربطات عنق وبذات ومواقع رسمية إقليمية ودولية أدخلوا بشكل منظم وتكتيكي هذه العوامل الاعتباطية الى المجتمع. لقد قدم الاعلام السوري والبعض القليل من الاعلام العربي والغربي بعض من اعترافات القتلة والارهابيين الذين حرقوا الاخضر واليابس في سوريا حيث تحدثوا عمن مولهم وعمن قدم لهم الدعم وما هي اسباب وجودهم – البعض قال انه اعتقد انه يحارب في غزة فلسطين و لم يعرف انه في سوريا – كما رأينا العديد من المشاهد المروعة التي قدمت فعلا اجوبة مؤلمة ولكن قاطعة الى حد ما عن بعض الاسباب التي تقف وراء ما يحدث. مع ذلك فالأداة ( اي الارهابي المقاتل على الارض ) ليس في وارد ان يدرك الغاية الكبرى والاخيرة من المهمة التي يقوم بها فهو أداة تُشحن ليس إلا ثم ُتترك – مثل الالعاب التي تدار بالزنبرك – لكي تتحرك بطريقة معينة. ولقد رأينا في بداية الازمة السورية كيف تم شحن هذه الأدوات عن طريق المال والمخدرات والنساء على الارض وفي الجنة والفكر المتشدد المدعوم من نصوص مجتزأة دينية من هنا وهناك.

لكن كل هذا ربما لايكفي لكي يتماثل الشعب المتعطش للحقيقة الى الشفاء. اذا لا بد من برنامج يعد عن سابق تصور وتصميم، برنامج يمكن ان يشمل التالي :

  1. ان يفهم الشعب انه في الازمات وبسبب طبيعة الامور التي تكون في حالة فوضى وارباك يمكن للمسؤول ان يأخذ قرارات سريعة من دون أن يسمح عامل الوقت بشيء من رفاهية تبريرها او شرحها، ولكن عليه ان يفعل ذلك أمام الشعب لاحقا في أول و أقرب فرصة تتاح له.

إن الشعوب التي تتقدم على كل الأصعدة والتي لا تنقرض حضارتها هي الشعوب التي تعيش هي وحكامها في الضوء الساطع للحقائق بعيدا عن الاسرار والخبايا والماورائيات والتنظيرات وهناك الكثير من الحضارات الكبرى التي اندثرت بسبب عدم صمود قيمها ومثالياتها في الحروب والازمات الكبرى، ولانه لم يكن هناك أحد معني بالتواصل معها او تبرير ما حصل.

 

  1. حين يقوم المسؤول المكلف بشرح القرارات التي اتخدت خلال الازمة، لا يجب عليه بأي شكل كان حماية العقيدة الدينية أو الشعبية إذا كانت متورطة في الأزمة. فالمعطيات لا يمكن ان تُقنع أو تُدارى عن الشعب الا اذا كانت حالة الطوارىء ( الحرب) مازالت قائمة وتبيانها يمكن ان يهدد الحل والسير به الان وفي هذه اللحظة. لكن ما إن تبدأ الامور بأخذ مكانها الطبيعي على الدولة ان تباشر في عملية الكشف الكامل عن المعطيات و عدم المسايرة بأي شكل كان منعا لتكرار نفس الاخطاء في المستقبل.

 

  1. إعادة تأهيل الاهداف التي يؤمن بها الشعب و يسعى اليها وإعادة تعريفها مرة اخرى على مستوى شعبي عام. إن الغاية القصوى للمجموعات الإنسانية هي البقاء. نعم، تحرير فلسطين هو هدف ولا يجب ان يتغير و لكن هناك اهداف صغيرة شخصية تتعلق بكل مواطن وتحقيقها أيضا باهمية تحرير فلسطين. إن الأهداف القومية والسياسية هي ليست الاهداف اليومية الحياتية الوحيدة التي تبقي المواطن على قيد الحياة. إن هذا شعار وهمي ليس له علاقة بالواقع. لهذا على الدولة ان تحقق الاهداف الصغيرة الحياتية للمواطن بشكل تتناغم وتتناسب و تصب في مجرى الاهداف الوطنية الكبرى. إن العمل وحق العمل هي من الاهداف اليومية التي يعد تأمينها بمثابة الترسانة الحامية للوطن.

 

  1. إن روحانية اي شعب وقوته تكمن في أفكار أفراد هذا الشعب وفي قيمهم و مثلهم العليا مهما كان انتماؤهم الإنثني. اذا فلتترك الدولة كل هذا الغنى لكي يخرج من مكمنه وأن يعبر عن ذاته. إن سوريا الوطن تضم العديد من الاثنيات الجميلة العريقة والتي تشكل غنى فريدا من نوعه لسوريا. إن التعبير عن هذه الاختلافات الثقافية الرفيعة يعتبر أمرا حيويا جدا بالنسبة لاستقرار الوطن وإعادة الشفاء. تخيلوا فقط حجم الغنى الكبير المتاح للشعب السوري حين تترك كل مجموعة إثنية للتعبير عن ذاتها بأريحية وعلى أرضية سورية وطنية مشتركة ! إن الثقافة هي روح المجتمع، فلندع مجتمعنا اذا يتنفس كل ثقافاته.

 

  1. علينا أن نفهم أن كل عامل اعتباطي يُستدخل الى المجتمع إنما هو بطبيعته، كعامل اعتباطي، يعتبر كلياني ( authoritarian ) أو تسلطي. فاذا على سبيل المثال توقف التواصل بين افراد الشعب او بين أفراد الجموعة الانسانية الواحد فذلك لأن هناك أحد ما يعتقد او يرى بوجوب توقف التواصل والألفة والموافقة بين أفراد هذه المجموعة. ووجهة النظر هذه هي عامل اعتباطي استدخل الى واقع كان في الاصل طبيعيا. إن ” قاطع الروؤس ” على سبيل المثال غير قادر على تسويق ” فكره “. قد يفعل هذا لفترة قصيرة وبشكل إرغامي ولكن ليس الى فترة طويلة وذلك لان هذا الفكر هو غير بقائي بالمطلق ولا يتناسب مع أي من قوانين الطبيعة. لربما أمكن هذا ” الرجل” أن يقنع نفسه لفترة قصيرة بصوابية ودواعي ما يفعل و لكن عاجلا و بسرعة سوف يلقى نفس المصير بسبب طبيعة وآلية هذا النوع من الافكار الارهابية التي تميل الى تفجير نفسها والارتداد الى ذاتها تماما كعملية انهيار البرجين في 11 ايلول في نيويورك حيث دمر السيستام العالمي نفسه بأدواته بالذات.

 

  1. على الشعب أن يتقن تمييز المتسلط الكلياني مهما كان دوره في المجتمع وموقعه من الامور التالية:

 

– من كمية الاوامر التي يصدرها من دون داع او مبرر حقيقي ( لننتبه الى أوامر داعش في الرقة و المناطق التي سيطروا عليها ).

– من تركيزه على مراكمة الاسلحة للقتال واستجلابها من دون ان يعير اهتمامه الى أي ناحية من نواحي الحياة الاخرى الاجتماعية أو الروحية أو الثقافية كما هي الحال في طموحات الجماعات المسلحة التي تقاتل ولا تطلب الا تأمين المزيد من السلاح والمال مستبيحة كل مكان تدخل اليه.

 

– من رفضه الى اي دعودة الى الحوار او التواصل او العودة عن الخطأ. حجته ” أمثلة ” في جعبته – بعضها محضر والآخر مختلق – يرد بها شارحا كمية الحقد والكره التي أجبرته على ذلك.

 

– من تغييره للحقائق والوقائع لكي يجعلها تبدو أكثر انفصالية ودرامية ومن تبديله في الأحداث والأفعال التي يقوم بها كي تبدو مبررة ومنطقية وعادلة.

 

هناك الكثير من مواصفات الكلياني المتسلط واعتقد ان القارىء يتذكر وهو يقرأ هذا المقال أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى عن مواصفات هذا النوع من الناس الذي كشف القناع عن ” قدراته النائمة ” خلال الازمة السورية.

 

نعم يستطيع الاستعمار ان يدمر الشعوب والاوطان ولكن انهيارها وزوالها لايكون بسبب الاستعمار أو أي عامل خارجي مهما تكالبت قوى العالم عليها وانما بسبب تخلي شعوبها عن قرار الابقاء عليها. إن الحضارات تعيش بسبب استجابتها الجيدة للتحديات، أي استجابة شعوبها لكل ما من شأنه ان يهدد كيان هذه الحضارة. إن هذه الاستجابة يمكن ان تبقى في حالتها المثلى اذا لم تصب الشعوب عوارض الانهيار الاخلاقي والقيمي وهذه واحدة من الاشياء التي يعرفها عدونا بشكل جيد جدا : تدمير البنية الاخلاقية والقيمية للمجتمع وتشويه الجسم الديني والثقافي للأمة و استدخال بدائل اخلاقية جديدة تُسرع في عملية الانهيار. اذا فلنبقى محصنين بقيمنا الاخلاقية ومثالياتنا وهذه ترسانتنا.

______

 

تابعوا مجلة “كنعان” الفصلية على الرابط التالي:

http://kanaanonline.org/quarterly

 

تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على:

  • “كنعان” بالعربية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-ar

  • “كنعان” بالانكليزية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-en

  • “فيس بوك” Facebook:

http://www.facebook.com/pages/Kanaan-Online/189869417733076?sk=wall

  • “تويتر” Twitter:

http://twitter.com/#!/kanaanonline

 

  • موقع “كنعان” من عام 2001 الى 2008:

http://www.kanaanonline.org/ebulletin.php

  • الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى “كنعان”.

  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان “كنعان” الالكتروني: mail@kanaanonline.org

 

اترك تعليقاً