الأرشيففلسطين

إذا كنت تصمت الآن، فمتى يمكن أن تنطق؟! – رشاد أبوشاور

السؤال موجه لكل واحد منّا، وليس لواحد محدد بعينه، ومنّا أعني: من الحركة الثقافية والأدبية والفنية الفلسطينية حيثما كان يعيش، داخل الوطن تحت الاحتلال، أو خارج الوطن، فلسطين، في مكان قريب، أو بعيد.

حتى كتابة هذه الكلمات تكون قد مرّت على 7تشرين أوّل أكثر من مائة وعشرين يوما، وهي ليست أياما عادية، ومتى كانت الأيام، أيامنا، نحن الفلسطينيين عادية، كأيام بني البشر؟

أنا من جيل النكبة، وعمري أكبر من عمرها، فقد مرّت عليها 75 سنة، بينما عمري 81 سنة وبضعة أشهر، وهذا يعني أنني عانيت منذ البداية أنا وأبناء وبنات جيلي، وصرنا آباءً وأجدادا، وأمهات وجدّات، وها نحن نعيش هذه الأيام الجحيمية، سواء كنا نعيش في قطاع غزّة، أو الضفة الفلسطينيّة، وهذه التسمية كي نميّز ما بقي عربيا فلسطينيا بعد احتلال 1948، أو في ما أطلق عليه: الشتات، وهو في بلاد العرب، أو بعيدا عن بلاد العرب.

الصمت فاضح و..فادح، فاضح للصامتين، وفادح لهم لأنهم متهمون بهذا الصمت، ولا براءة للساكت لأنه شيطان أخرس، وإذا كان غير مغفور لأي كاتب ومثقف وفنان عربي صمته، فكيف يكون مغفورا هذا الصمت للفلسطيني، مهما حاول التملّص من المسؤولية، والهرب ببراعة القول التبريري الذي لا يقنع حتى صاحبه، فما بالك بالشعب المقاوم الذي ينتمي إليه؟!

يدّعي بعض من يُطرح عليهم السؤال بأنهم ليسوا مع (حماس) وعقائديتها، وهم يرون في هذا حجة تبرر لهم صمتهم، وهم لاذوا بالصمت عندما كانت حركة الجهاد الإسلامي تخوض المعارك وحدها، وتتلقى الطعنات في الظهر وحدها، وليس من العدو، ولكن ممن يخدمونه، فهل كانوا يختلفون مع عقائدية الجهاد الإسلامي بسكوتهم؟ وفي أي المواقع كانوا يتموضعون: أهم قوميون، ماركسيون، أم هم لا أدريون وخارج أي تصنيف، يعني عدميون؟

مفاجأة حماس ممثلة بطوفان الأقصى يوم 7 تشين أوّل ربّما كانت تبرر التريّث في الحكم على الحدث  التاريخي المفصلي في الأيام الأولى، ولكن بعد كل هذا الوقت من المعركة، وقد مضت أيام وأسابيع وأشهر.. في أطول حرب يخوضها شعب فلسطين، تبهر العالم، وتحدث تحولاً في الوعي، في شعوب العالم، بما في ذلك شعب الولايات المتحدة الأمريكية، تفتضح فيها وحشية الكيان الصهيوني جيشا وأحزابا ومؤسسات يجمعها ويوحدها الحقد على شعب فلسطين، والتنكيل فيه، والتدمير الوحشي غير المسبوق في أية حرب وقعت من قبل في تاريخ البشرية المعاصر..أهناك مبررات؟! 

لقد رأينا الشعب الأمريكي وهو يسيّر التظاهرات الحاشدة احتجاجا على جرائم الجيش الأمريكي في فيتنام، ورأينا انحياز العرب والمسلمين وشعوب العالم ضد الحرب الوحشية الفرنسية والتنكيل بالشعب الجزائري، وعشنا انتفاضة العالم وانحياز الشعوب في كل القارات  لشعب جنوب افريقيا وزعيم كفاحه البطل نيلسون مانديلا الذي صرّح عندما خرج مرفوع الرأس من السجن: استقلال جنوب افريقيا ناقص ما دام شعب فلسطين لم ينل حريته..ولذا لا مفاجأة بأن دولة جنوب أفريقيا اختارت أن تحاكم الكيان الصهيوني نيابة عن البشرية أمام محكمة العدل الدولية، وتتحدّى أمريكا وكل دول الاستعمار بصلابتها وثباتها على المحاكمة، وتفضح تخاذل دول عربيّة لاذت بالصمت الذليل المُتربّص!.

أحرجت دولة جنوب أفريقيا الدول العربية والإسلامية التي اجتمعت في الرياض..ثمّ  صمتت صمت القبور، فالمعركة استمرت وهذا ما أصابها بالخرس لأنها لم تتوقع أن تمتّد بطولة قطاع غزّة وطوفان الأقصى المُعجزة في مواجهة الكيان الصهيوني، بل وأبعد من ذلك فضحت بطولات قطاع غزّة أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، فهو قُهر لأنه ووجه بمحاربين بواسل أشداء يؤمنون بحقهم في وطنهم، ويفخرون بتاريخ شعبهم الذي بدأت ثوراته بعد احتلال بريطانيا لفلسطين إثر هزيمة تركيا العثمانية في الحرب العالمية الأولى، والتي امتدت مع الكيان الصهيوني عندما رحل الاحتلال الانتدابي البريطاني بشكل نهائي في تاريخ 15/5/1948..أي بعد أن أدّت بريطانيا دورها التآمري المخزي في تأسيس الكيان الصهيوني الذي انتقل من الحضن البريطاني إلى الحضن الأمريكي..وما زال. أما شاهدتم كيف أخذ الرئيس الأمريكي بايدن يربت على ظهر نتياهو،بعد أن طار بلمح البرق قلقا إلى الكيان الصهيوني، وكأنه يقول له: شّد حيلك ..أمريكا في ظهركم..وهي من تحتضنكم لأنكم مشروعنا وقاعدتنا في الشرق الأوسط، ولن نسمح  لقطاع غزة وشعب فلسطين بجزء من قوته أن يواجه القوّة الأمريكية التي لن تترككم وحدكم!.

رشاد أبوشاور، الراحل حمزة برقاوي وحسن حميد في مخيم اليرموك بدمشق- تصوير نضال حمد وموقع الصفصاف

أين هي أصوات الكتاب، أين هو دوركم، وأين هم المثقفون الثوريون المنحازون لهذا الحدث البطولي الذي بدأ يلهم شعوب العالم، ويوقظها من غفلتها، ومن التضليل الأمريكي و..التدليس الصهيوني والكذب الذي ابتز وضلّل؟

أصوات قليلة محدودة، تكتب بانحياز والتزام وانتماء، دون حسابات صغيرة تُحرّكها أطماع الربح والخسارة الفردية الأنانية الضيقة، تصّب في جوهرها في خدمة حكام التبعية العرب، الذين ينتظرون نهاية المعركة التي تؤرقهم نتائجها، وخشيتهم من غضب الشعوب العربية عليهم وهي ترى وتلمس تخاذلهم، وكم أن تقاعسهم وخذلانهم لغزة وفلسطين وفجورهم وتآمرهم عليها، فهم لم يقدموا جرعة ماء للفلسطينيين في قطاع غزة، وحبة دواء لتسكين أوجاع أطفالهم، وعلبة حليب لأطفالهم..أهؤلاء عرب؟!أهولاء مسلمون؟! أهؤلاء بشر؟!. 

أين أنتم ايها الكتاب، والشعراء، والمفكرون (التقدميون) و المنظرون، والصحفيون المحللون؟!

لن تربحوا من صمتكم، فكل الجوائز والمردود المالي من دول النفط والغاز لا تساوي دمعة طفل فلسطيني يتّم إنقاذه من تحت الدمار، أو فتى يرسم بأصابعه المدماة المغلفة بطبقة من نثار البناء الذي وارى أهله إشارة النصر..وهو يصرخ: نحن غزة، نحن أبطال، تحن سننتصر..الم تروا ذلك الفتى المغطى بنثار الدمار وهو يصرخ في وجه العدو..ويوجه صراخه للعالم ليسمع ويرى!.

شعبكم يراكم، ويعرفكم، فلا تتوهموا بأنه مشغول بتضميد جراحه، فهو يرسم في ذاكرته اليقظة وجوه كل من خذلوه ويخذلونه..ويواصل قصف الميركافات بالياسين 105..ويواصل قنص جنود الاحتلال التائهين بين خرائب مدن ومخيمات القطاع المحارب البطل..حيث بطولات القسام، وسرايا القدس، وأبوعلي مصطفى، وكتائب الأقصى، والناصر صلاح الدين… 

شعبنا يعرف من ينتمي لبطولاته، لكبريائه، لمقاومته، 

أيها الكاتب الفلسطيني، أيها المثقف، أيها الفنان، أيها الصحفي،أيها الشاعر.. يا صاحب الكلمة: إذا كنت تصمت الآن، فمتى ستنطق بالكلمة الشجاعة، كلمة الانتماء لشعبك ووطنك فمتى سترفع صوتك مطالبا شقيقك العربي بقول الكلمة الشجاعة..أأنت حاكم عربي يا رجل مرتهن بمصالحك؟!

عيون عبد الرحيم محمود، ونوح إبراهيم، وغسان كنفاني، وحنا مقبل، وناجي العلي، وماجد أبوشرار، ووائل زعيتر، وعلي فودة. وعيون كل شهداء الثقافة الفلسطينية تتابعنا…ولا مغفرة، ولا مبرر لأحد في التقاعس.. وشعبنا يقدّر لكل فنان، كاتب، مبدع..بالكلمة، بالصورة، بالنشيد..فعله، ويفخر بالمراسلين والمراسلات الذين ينقلون بالكلمات وبعيون الكاميرات كل جرائم العدو..ويتساقطون شهداء و..يواصلون. 

يا ويل من يتقاعس..ويا لعاره!..ففي هذا الطوفان يُكرم كل فلسطيني..عربي..إنسان، أويُهان.