الأرشيفوقفة عز

الأستاذ صالح حمد –أبو عماد– إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

منذ فترة وأنا أقوم بتأجيل هذا الموضوع، موضوع الكتابة عن الأستاذ والعم الراحل صالح حمد -أبو عماد- رحمه الله. لأنني كنت بوارد جمع مزيد من المعلومات عنه من أبنائه وبناته أو من الأقارب ومن تلاميذه وطلابه في المدارس، أولائك الذين عرفوه في مدرسة حطين المتوسطة بمخيم عين الحلوة وفي مدرسة الشهداء في مدينة صيدا. فهناك كان مدرساً في تلك المدرسة بجوار مدرسة البنات الرسمية اللبنانية، غير بعيد عن منطقة الاشارة وسينما هيلتون وشهرزاد. ولما لم أوفق في جمع ما أريد قررت أن أكتب ما أعرفه أنا عنه، وعن المرحلة التي عشت فيها معه وفي زمنه.

بالنسبة لي فأنا لم أعرفه من ناحية المدرسة والتعليم، ولم اشاهده وهو يعلم ويعطي الدروس في المدرسة. لذا لا أعرف حقيقةً كيف كان، ولا كيف كانت حصصه ودروسه، وماذا كان يدرس ويعلم في مدرسة الشهداء أو غيرها من المدارس. لكنني أعرفه من ناحية أخرى، هي الناحية الانسانية وناحية صلة القربى، فقد كان عماً هادئاً، مسالماً، وديعاً، محباً، طيباً، مزيحاً، بشوشاً، مرحاً، فرحاً، مبتسماً، ضاحكاً وخلوقاً. كما كان صاحب حديث عذب ونكتة مسلية وكلمات تثير الاهتمام لدى السامعين.

اشتهر بوضع منديل “محرمة” من القماش على جبهته وصلعته لمواجهة أشعة الشمس الحارقة، فقد كان من النوع الذي يتبلل عرقاً فسرعان ما يظهر ذلك على جسده وملابسه، خاصة قمصانه والمنديل الذي كان يضعه على جبهته أو رقبته. أما أنا فإنني أعاني مثلما كان هو يعاني من التعرق والرطوبة ودرجات الحرارة المرتفعة وتبلل ثيابي وصلعتي بسبب ذلك. أعتقد أن الذين عرفوه يتذكرون ذلك جيداً، وسوف يعودون بالذاكرة وهم يقرئون كلماتي هذه الى ذلك الزمن الجميل، زمن الأستاذ أبو عماد حمد وصحبه من المعلمين والأساتذة الطيبين. زمن من علمونا الحرف والانتماء والايمان وعدم الخوف إلا من رب الناس كل الناس.

الأستاذ صالح حمد -أبو عماد- هو شقيق الأستاذان الشاعر صلاح حمد –أبو أشرف– والأستاذ أحمد حمد، أعتقد أنهم الثلاثة كانوا معلمين في مدرسة مخيم النبطية. استطاع العم المرحوم أبو صالح حمد، والدهم الذي لجأ سنة 1948 الى لبنان، حيث غادر الصفصاف على إثر مجزرة أودت بحيوات عدد كبير من سكانها من بينهم مجموعة من أقاربه. خسر على اثرها كما كل أهل الصفصاف وعائلتنا كل شيء تقريباً، لكنه في المخيم بدأ حياته كما غالبية شعبنا من تحت الصفر، فتعب وجد وكد حتى استطاع تعليم أولاده الثلاثة وتخريجهم اساتذة ومعلمين وجامعيين. فهذا  ينطبق أيضا على الكثيرين من آباءنا وأجدادنا في المخيمات الفلسطينية في الشتات.

لا أتذكر بالضبط في أي سنة ولد العم صالح حمد لكن على ما أظن ولد في ثلاثينيات القرن الفائت في بلدة الصفصاف. هناك درس وتلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الصفصاف مثل الاساتذة أقاربه الأساتذة قاسم وابراهيم وعلي ومحمد طالب حمد – أبو طالب- وحسن حمد -أبو مروان-  ومحمود حمد وآخرين كثيرين من أبناء بلدة الصفصاف. بعد اللجوء الى لبنان تابع تلقيه التحصيل العلمي حتى أصبح أستاذاً ومعلماً ومربياً في مدارس الوكالة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. فتخرجت من صفوفه الأجيال الفلسطينية التي انطلقت من المخيمات نحو العالمية.

حرص العم ابو عماد على الدوام يوميا تقريباً في مخيطة – مخترة عمي علي حمد – أبو حسين في صيدا، حيث كان يلتقي أبناء الصفصاف والمخيم وفلسطينيي صيدا، وكذلك المسافرين الذين كاوا يأتون في زيارات الى لبنان وصيدا وعين الحلوة. التقيت به هناك عدة مرات قبل وبعد غزو 1982. كما كان يزور أهلي في بيتنا في عين الحلوة كلما جاء الى المخيم وأيضاً كان ياتي للترحيب بي لما عدت الى المخيم من الخارج. والصورة التي سأنشرها هنا له كانت من آخر ويارة له في بيتنا بمخيم عين الحلوة برفقة والدي رحمهما الله.

كان لدى العم أبو عماد في البداية سيارة بيجو ربما بيضاء وكنت مع نجله البكر عماد “نكزدر” فيها متسكعين بين الحارات والمدارس في صيدا وجوارها. فقد ربطتني بعماد علاقة صادقة قوية جداً بالإضافة للقرابة، فوالد العم صالح ابن عم أبي ووالدته المرحومة الحاجة عفاف محمد طالب حمد إبنة شقيقة والدي، أي بنت عمتي نزهة -أم طالب حمد- رحمها الله. كانت سيدة حنونة وطيبة.

لقد كانا العم  صالح والعمة عفاف يهتمان بي عند زياراتي لعماد ولهما ويعتبرانني واحداً من العائلة الصغيرة، فقد قضيت عندهما في البيت أوقاتاً كثيرة ونمت عدداً من الليالي في منزلهما في حارة صيدا بالقرب من مقبرة الإنجليز.

عند إصابتي وبتر ساقي في المعركة مع دبابات العدو سنة 1982 جاءت تزورني في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت. بكت كثيراً فرجوتها أن لا تبكي لأنني لست آسفاً على ما حصل، ففقداني ساقي في معركة مع العدو شيء عادي قد يواجهه أي فدائي… ومن يومها توقفن النسوة عن البكاء في حضرتي بالمستشفى، توقفت أمي وخالاتي وعماتي وأخواتي وصديقاتي وكل نساء العائلة والبلدة والمخيم، اللواتي زارنني هناك.

توفيت أم عماد بعد عناء طويل ومرير مع المرض فيما العم أبو عماد توفي بشكل مفاجئ حيث أصيب بنزيف حاد في الإمعاء أودى بحايته، رحمهما الله.

هذا كل ما أسعفتني به الذاكرة الآن وفي هذه العجالة عن الرجل الطيب، العم الفاضل والأستاذ الجليل صالح حمد –أبو عماد- رحمه الله.

نضال حمد – في السابع من يناير – كانون الثاني 2022