الأرشيفعربي وعالمي

الإستغلال السياسي للرياضة – الطاهر المعز

الإستغلال السياسي للرياضة
بين عمالة “آل ثاني” و “آل نهيان” و”آل سعود، والإلتزام الصهيوني ل”رومان أبراموفيتش”
الطاهر المعز

اشترى أحد الأثرياء في تونس ناديًا رياضيا عريقًا (النادي الإفريقي)، يقارب عمره القَرْن، وله جمهور غفير، وخَصَّصَ ثلاثين مليون دينارًا تونسيّا لشراء اللاعبين، خلال صيف سنة 2012، قبل تأسيس حزب سياسي، ثم التّرشّح لمناصب سياسية، ولم يكن الغرض من شراء النادي الرياضي سوى اجتذاب جمهوره للتصويت لصالح “المالِك الجديد”، لنادي حي “باب الجديد” (مقر النادي الإفريقي)، وتُعَدُّ هذه “الصفقة”، في بلد صغير، مثل تونس، نموذجًا لاستغلال النوادي الرياضية لأغراض سياسية، بعد انتفاضة تاريخية، أراد الشعب من خلالها إسقاط النظام، لكنه لم يكن يمتلك الأدوات الضرورية لذلك، فسقط الرأس وبقي النظام، بل تَعَزّز، باسم “الديمقراطية”…
في الخليج، لا يتحدّث الحُكّام عن الديمقراطية، لكنهم يعشقون “حرية” جمع أموال الشعوب وإنفاقها خارج بلادهم وخارج بلاد العرب، أي حُرّيّة رأس المال وحرية التجارة، بالسلع وبالبشر.
اشترت الأُسرة المالكة لغاز دُوَيْلة “قَطَر” (تحتل إحدى القواعد الجوية الأمريكية نصف مساحة المَشْيَخَة) نادي “باريس سان جرمان” لكرة القدم، سنة 2011، وهو ليس بالنادي العريق (تأسس سنة 1970)، ولكنه ثري وتأسس لينافس نوادي رياضية أخرى، أسّسها الشيوعيون في ضواحي باريس (مثل النجم الأحمر “راد ستار”) أو نادي “كريتاي” الذي يُديره مُهاجرون برتغاليون…
اعتبرت الأُسرة الحاكمة في “قَطَر” شراء النادي استثمارًا سياسيا، بقيمة حوالي 150 مليون دولارا، بعد قرار الإتحاد الدولي لكرة القدم (سنة 2010) تنظيم بطولة العالم لكرة القدم، سنة 2022، بدُويْلَة قطر التي اشتهرت بإنتاج الغاز، وباحتضان القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية، ولم تشتهر برعاية الرياضة، ولم يشتهر رعاياها أبدًا بعشق أو ممارسة الرياضة، ونشرت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال)، سنة 2018، تقريرًا عن ظروف العمل السّيّئة، والرواتب المُتدَنِّيَة (أقل من 200 دولارا شهريا في المتوسط، مقابل أكثر من معدّل 225 ساعة عمل شهريا، للأجانب، العاملين في ورشات الإنشاء ضمن التحضيرات لاستضافة بطولة العالم لكرة القدم سنة 2022.

سياق الإستثمار الخليجي في قطاع الرياضة:

ننطلق في هذه الفَقَرات من اعتبار مجال الرياضة كقطاع اقتصادي، حيث يستثمر الأثرياء أو الشّركات أموالاً لِتَدُرَّ أرباحًا هامّة، وقد لا تكون هذه الأرباح مُباشِرَة، أو مالية بالضّرورة، بل قد تكون الأرباح في صيغة دعاية وإشهار سياسي، وما إلى ذلك، وفيما يلي بعض النماذج، على سبيل الذّكر (لا الحَصْر) لهذه الإستثمارات الخليجية، خارج منطقة الخليج.
تتصرف الأُسر الحاكمة في الخليج في عائدات ريع النفط والغاز، على أساس أنها ممتلكات خاصّة، تُلْقي منها بعض الفُتات للرّعايا، وتستثمر الجُزْء الأكبر في الخارج، لشراء العقارات والمراكب السياحية والأسهم في المصارف وبعض الشركات، وبدأ بعض الأُمراء، من الأُسر الحاكمة (في قَطَر والإمارات، بشكل خاص)، خلال العقد الثاني من القرن العشرين، استثمار بعض الأموال في شراء النوادي الرياضية الأوروبية العريقة، بعد ارتفاع إيرادات النفط، خصوصًا بين 2010 و 2014، ويُستثنى من هؤلاء الأثرياء الخليجيين، بعض رجال الأعمال العرب القليلين، مثل المصْرِيَّيْن “مُحمّد الفايد” (مُقيم ببريطانيا) الذي اشترى سنة 1997، نادي “فولهام”، عندما هَبَطَ إلى الدّرجة الثانية للبطولة الإنغليزية، وباعه، سنة 2013 بعد تحقيق نتائج طيبة، وكذلك رجل الأعمل “ماجد سامي” الذي أسَّسَ وامتلك ناديًا رياضيا في مصر، واشترى ناديًا بلجيكيًّا، سنة 2002…
اشترى الملياردير الإماراتي “سليم الفهيم”، سنة 2009، نادي “بورتسموث” الإنغليزي، لكن النادي لم يُحقق نتائج طيبة، بل نزل إلى الدّرجة الثانية، فتخلّص منه وباعه إلى زميله المُقاول السّعودي “علي الفراج”، الذي باع بدوره أسهُمَهُ (90% )، خلال نفس السنة،  أما الأمير ونائب رئيس الوزراء الإماراتي “منصور بن زايد آل نهيان” فقد اشترى نادي مانشستر سيتي الإنغليزي بمبلغ قدرته غارديان البريطانية بنحو 150 مليون جنيه استرليني، فيما قدّرته مصادر أخرى بنحو 210 مليون جنيه إسترليني، سنة 2008، مع ضَخِّ موارد هامة في النّادي، جعلته يجتذب الشّركات “الرّاعِيَة”، وعائدات الإشهار، وفاز بالدوري الإنغليزي، سنة 2011، وبكأس رابطة الأندية الإنغليزية، سنة 2012…
وقدّرت شبكة “‘بي بي سي” الأموال التي ضخَّها الأمير الإماراتي بما لا يقل عن خمسمائة مليون جنيه استرليني، في نادي مانشستر بعد شرائه له مباشرة، لِيُصبح أغنى الأندية الإنغليزية، ويجتذب لاعبين دوليين،
وضخت قطر ما لا يقل عن 364 مليون يورو على فريق العاصمة الفرنسية خلال السنوات الموالية لشراء للنادي، واجتذاب لاعبين مثل” زلاتان إبراهيموفيتش” (65 مليون يورو)، والبرازيلي “نيمار” (222 مليون يورو)، سنة 2017، بحسب موقع “ريفيرسبورت” الألماني، الذي قدّر حجم الأموال التي تضخّها دُويلات الخليج سنويّا، في الأندية الأوروبية،  بما لا يقل عن أربعمائة مليون دولارا، بين 2010 و 2016.
في سنة 2011، السنة الموالية لقرار تنظيم بطولة العالم لسنة 2022، بقَطَر، قدّمت الأُسرة الحاكمة في قَطَر عرضًا بقيمة 1,5 مليار جنيه استرليني، لشراء نادي “مانشستر يونايتد” الإنغليزي، ولم تكتمل الصّفقة، فاستحوذت “مؤسسة قَطَر للإستثمارات”، على نادي باريس سان جرمان (ضاحية “سان جرمان أن لاي”، ضاحية الأغنياء، غربي باريس)، وسَلّم رئاسة النادي لرجل الأعمال القَطَرِي “ناصر الخليفي”، الذي أشْرَفَ على إنفاق مبالغ ضخمة لشراء لاعبين دولِيِّين، لفوز النادي بالدّوري الفرنسي (بعد 18 عامًا من اللهث وراءه) وليصبح النّادي الباريسي منافسا شَرِسًا لأكبر وأَعْرَق النوادي الأوروبية، كما اشترى “عبد الله بن ناصر آل ثاني”، وزير الدّاخلية القَطَري، في حكومة “تميم بن حَمَد آل ثاني”، نادي مَلَقَا الإسباني، وتحمُّل دُيُونه الثّقيلة…
يمكن ذكر بعض الصفقات الأخرى، فقد اشترى الأمير السعودي “عبدالله بن مساعد” نصف أسهم نادي “شيفيلد يونايتد” الإنغليزي، صيف سنة 2015، واشترك الأمير السعودي “سلطان بن ناصر آل فرحان”، مع “فيصل بن ناصر بن عبد العزيز” أكثر من نصف أسْهُم نادي “باناثينايكوس” اليوناني، سنة 2011، واشترت أُسْرَة “الحسناوي” الكويتية نادي “نوتنغهام فورست” (الدرجة الأولى الإنغليزية)، واشترت الشركة المالية البحرينية “بيت التمويل الخليجي”، سنة 2011، ثُلُثَ أسهم نادي “ليدز يونايتد”، قبل الإستحواذ عليه كاملا، سنة 2012، واشترى المقاول “بطي بن سهيل آل مكتوم”، من الأُسرة المالكة ل”أبوظبي”، نادي “خيتافي” الإسباني…
رغم ضخ الأموال في اقتصاد أوروبا، لم تتحسّن صورة هؤلاء المقاولين الأُمراء في وسائل الإعلام الأوروبية، بل يرتبط ذكرهم بأرصدة مصرفيه عامرة بملايين الدولارات، والعقارات والفنادق الشقق الفخمة، ومزارع الخيول، وتُمثل صفقة شراء “محمد بن سلمان” قصر لويس الرابع عشر بفرنسا، سنة 2015 بقيمة ثلاثمائة مليون دولارا، نموذجًا لهذا التبذير والبَذخ، لأنه يُعتبر القصر الأغلى في العالم، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت، سنة 2017، تفاصيل عن الموضوع، وكان “محمد بن سَلْمان” يعتزم شراء نادي “نيوكاسل” الإنغليزي، لكن أخبار تورّطه في مقتل “جمال خاشقجي” ( 02 تشرين الأول/اكتوبر 2018 )، أثارت رُدُودَ فعل سلبية لدى جمهور مُشجِّعِي كرة القدم، أفْشَلت الصّفْقَة، وأعدّت شبكة “بي بي سي” البريطانية تقريرًا بشأن استخدام دُوَيلات الخليج للإستثمار الرياضي، بهدف الإلتفاف على الإتهامات بعدم احترام حقوق الإنسان، نشره مَوقعها بتاريخ الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

تنافُس على الفساد والتبذير:

حَمِيَ الوَطِيس واحتدَّ التنافس غير النّزيه، بين آل سعود (الرّياض) وآل ثاني (الدّوْحَة)، خلال الأسبوع الأخير من نيسان/ابريل 2020، من أجل تنظيم الدّورة الحادية والعشرين للألعاب الآسيوية، سنة 2030، وهي أهم حدث رياضي آسيوي، يُقام كل أربع سنوات، وسبق أن استضافتها مَشْيَخَة قطر، سنة 2006، فيما تُحاول السعودية تنظيم دورة 2030، لكي تتزامن مع المرحلة الأخيرة من خطة “رؤية 2030” التي أعدّتها الشركة الأمريكية “ماكنزي”، سنة 2017، ليُقدّمها محمد بن سلمان كأهم إنجاز يُحقّقُه آل سعود خلال قرن كامل، ليُصبح هذا الحدث الرياضي حَدَثًا سياسيًّا ومَالِيًّا بامتياز، وساحة حرب إعلامية بين آل سعود وآل ثاني، كما تنافست نفس الأُسْرَتَيْن الحاكِمَتَيْن في السعودية وقطر على تنظيم بطولة كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم، لسنة 2027، وكانت مشيَخَة قَطَر قد استضافت هذه البُطولة مرّتَيْن، سنة 1988 (حيث فاز فريق السعودية بلقب الدّورة)، وسنة 2011، فيما فاز الفريق السعودي لكرة القدم بلقب بطولة آسيا ثلاث مرات (1984 و 1988 و 1996)، وأكّدت وسائل الإعلام التي تمتلكها “قَطر” على استضافة المنافسات الرياضية العالمية، منذ عدّة عُقُود، ولم يبدأ حُكام قطر اهتمامهم بالرياضة عند الفَوْز باستضافة بُطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، مع الإشارة أن قَطَر اشترت رياضيّين ورياضيات من إفريقيا، وشكّلت فريقًا “وطنيًّا” لكرة اليد، من الأجانب، ومنحت هؤلاء الرياضيين، في مختلف المجالات، جنسيتها بسرعة قياسية، ويستخدم حُكّام السعودية، كما حُكّام قَطر هذه الأحداث والتّظاهُرات الرياضية، كمغسلة لتنظيف سجلّهما غير النّظيف، في مجالات الحريات الفردية والعامة واحترام حقوق العاملين، وخاصة العمال المهاجرين، ولم يشفع لهؤلاء الحُكّام، تطبيعهم العلني مع الكيان الصهيوني، ولا عدوانهم على الشّعوب العربية، وحتى على المسلمين، غير العرب.
ضخّ النّظام السّعودي مبالغ طائلة مَكّنَتْهُ من النجاح نجح في تنظيم بطولات رياضية ومنها استضافة كأس “السوبر الإيطالي” لكرة القدم، سنَتَيْ 2018 و2019، وكأس “السوبر الأسباني” في كانون الثاني/ يناير 2020، كما استضافت مباراة “سوبر كلاسيكو” جمعت منتخب البرازيل بمنتخب الأرجنتين، وهو حدث حاز على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، ووقعت السعودية عقدًا مع الإتحاد الدّولي للمصارعة على تنظيم عروض المصارعة الحرة، طيلة عشر سنوات، بالسعودية حَصْرِيًّا، كما وقعت السعودية عقودا لاحتضان فعاليات عديدة لسباق السيارات، والملاكمة وكرة المضْرب، وغيرها…
أنشأت دُوَيْلَة “قطر”، منذ سنة 1995، سنة انقلاب “حمد” على والده “خليفة”، بإشراف المُخابرات الفرنسية، قناة “الجزيرة”، التي أصبحت مجموعة إعلامية، تمتلك عدة فروع، منها “الجزيرة الرياضية” وتفرّعاتها ( مثل “بي إن سبورت” ) التي نجحت، بفضل أموال عائدات الغاز، في توقيع عُقُود حَصْرِيّة لِبَثِّ بطولات وفعاليات رياضية عديدة، كما أنشأت “قطر” شركة عالمية متخصصة بإدارة المنشآت والفعاليات الرياضية، بالإضافة إلى مستشفى مختص في الطّب الرّياضي، وجراحة العظام، وسبق أن نظمت قطر بطولات كأس الخليج العربي وكأس السوبر الإيطالي وكأس السوبر الإفريقي، وتحتضن كأس العالم للأندية للمرة الثانية، واستضافت كأس العالم لكرة اليد سنة 2015، وكأس العالم لألعاب القوى سنة 2019…
أبْدت دُوَيْلات الخليج ( قَطَر والسعودية والإمارات ) اهتمامًا متزايدًا، خصوصًا خلال العقد الثاني من القرن العشرين، بمجال الاستثمار الرياضي، لكنها لا تنشُر تقويمات وتقارير عن الأهداف المَرْجُوّة من هذه الإستثمارات ولا عن جدواها، أو عن درجة تحقيق الغرض من وراء هذه الإستثمارات، وتحسين صورة هذه الأُسَر الحاكمة، في الدّول الإمبريالية ووَسائل إعلامها.
استحوذت أموال غاز قَطر ونفط الإمارات والسعودية على ملكية عدد من أندية كُرة القدم الأوروبية الشّهيرة، ونَصّبت أُمَراءَ ومُقاولين مُقرّبين من الأُسَر الحاكمة، على رأس هذه الأندية، مثل باريس سان جرمان الفرنسي ومانشستر سيتي الإنغليزي، وحاول صندوق الاستثمارات السعودي شراء نادي “نيوكاسل يونايتد” الإنغليزي، بقيمة 391 مليون دولارا، ونشرت وسائل الإعلام البريطانية أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقف وراء الصفقة، التي فشلت، في تموز/يوليو 2020، بسبب اعتراض رابطة كرة القدم الإنغليزية، وأظهر فشل هذه الصفقة، درجة تأثير الصورة السّيّئة لأُمراء الخليج، في أوروبا، رغم الأموال التي يستثمرونها. اتجهت استثمارات الخليج أيضًا نحو أندية أقل شهرةً وشعبيةً، مثل “خيتافي” و “ملقة” و “ألميريا”، في إسبانيا، و “بورتسموث” و “شيفيلد يونايتد” بإنغلترا وغيرها من الأندية الأوروبية، وتمكنت هذه النّوادي، بفضل عائدات المحروقات من شراء لاعبين دوليين، بهدف الحصول على البطولات والكُؤُوس، واجتذاب شركات الرعاية والإشهار، وعلى سبيل المثال، أصبحت شركة طيران قَطَر ترعى أشهر النوادي، مثل ريال مدريد، ونادِيَيْ روما ونادي باريس سان جرمان، و بايرن ميونيخ وهمبورغ الألمانيّين، وكذلك بوكا جونيورز الأرجنتيني، ويرتبط نادي “مانشستر سيتي” الإنغليزي (الذي يمتلكه منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس وزراء الإمارات)، منذ عام 2008، وكذلك نادي “أرسنال” ونادي ميلانو الإيطالي ونادي بنفيكا البرتغالي، ونادي “أولمبياكوس” اليوناني، باتفاقية رعاية طويلة الأمد مع شركة “طيران الاتحاد”، وترعى شركة “طيران الإمارات” أندية أوروبية كبيرة في مجالات كرة القدم والرّغبي، وسباق السيارات وكرة المضرب والغولف…

رومان أبراموفيتش، نقيض أثرياء الخليج:

نشر موقع “بي بي سي” (21 و 25 أيلول/سبتمبر 2020) تحقيقًا أظْهَر الإلتزام المستمر للملياردير الروسي “رومان أبراموفيتش”، مالك نادي “تشلسي” الإنغليزي لكرة القدم، بدعم الكيان الصهيوني والمُستوطنات.
رومان أبراموفيتش، مواطن لِيتواني الأصل، استفاد من فترة ما قبل انهيار الإتحاد السّوفييتي، واختصّ، مع مجموعة من الإنتهازيين باصطياد فُرص المُضاربة والثراء غير المشروع، بطُرُقٍ مَشْبُوهة، خلال فترة “ميخائيل غورباتشوف” (1985 – 1991)، واستفاد من نهب المؤسسات الحكومية أثناء انهيار الإتحاد السوفييتي، ومن برامج إعادة هيكلة الإقتصاد السوفييتي، ثم الرّوسي، ليصبح مُطابقًا لمعايير الإقتصاد الرأسمالي الليبرالي، خلال فترة رئاسة “بوريس يلتسين” (1991 – 1999)، واشترك في الأعمال مع المُقاول بوريس بيريزوفسكي (1946 – 2013) الذي كان مقربا من الرئيس الروسي “بوريس يلتسن”، واستخدما بعض موظفي الرئاسة، ومن علاقاته بمجموعات الجريمة المنظّمة، لشراء شركات حكومية هامة، بأسعار رمزية، والمتاجرة بالنفط والمعادن (ولا يزال يمتلك شبكة متاجرة ضخمة بالمنتجات النفطية)، ومجموعة من الشركات في مناطق عديدة من العالم، ليصبحَ “رومان أبراموفيتش” (المولود سنة 1966) من أكبر أثرياء روسيا، بحسب مجلة “فوربس”، التي قَدّرت ثروته سنة 2018 بنحو 11,5 مليار دولار، وقُدّرت بنهاية سنة 2019، لأكثر من 15 مليار دولارا، وكان سنة 2000 حاكمًا لمنطقة “تشوكوتكا” (سيبيريا)، وأصبح (ولا يزال) أحد الأثرياء المُقَرّبين من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، واستثمر في عدة مجالات، منها مجال الرياضة، فاشترى نادي “تشيلسي” الإنغليزي، سنة 2003، وضخ أموالاً في النادي، لشراء مشاهير اللاعبين والمُدرّب البرتغالي “جوزيه مورينو”، ليحصل النادي على لقب الدّوري الإنغليزي، ثم لقب دوري أبطال أوروبا…
استغل “أبراموفيتش” الثروة للإشهار وللشهرة، فأطنبت وسائل الإعلام الروسية في الثناء عليه “لإنفاقه السّخِي في الأعمال الخَيْرِيّة وبناء مُؤسّسات التّعليم في سيبيريا، وتمويل مؤسسات خيرية في المناطق الفقيرة، ولم تذكر وسائل الإعلام، سوى مُؤخّرًا، بعد تحقيق أجرته شبكة “بي بي سي” البريطانية، تمويل الشركات التي يمتلكها الملياردير الروسي “رومان ابراموفيتش” جمعية “إلعاد” الإستيطانية اليمينية المتطرفة، بمقاييس الصهيونية (التي لا يسار بها ولا يمين، وإنما استعمار استيطاني اقتلاعي)، والتي تأسست سنة 1986، بقيمة لا تقل عن مائة مليون دولارا، منذ 2005، وتعمل هذه الجمعية على ترحيل فلسطينيِّي القدس، بكافة الوسائل، وفرضت بالقوة طرد العائلات الفلسطينية من 75 منزل ب”سلوان”، وإسكان المُستوطنين الصهاينة بها، بين سنتيْ 2005 و 2018، وسيطرت “إلعاد” المواقع الأثرية في القدس، والتي يزورها أكثر من مليون شخص سنوياً، وكانت الملاذات الضريبية مصدر تميل هذه الجمعية، ووردت نصف التبرعات التي تلقتها، خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة، من  شركات مسجلة في الجزر العذراء البريطانية، وهي من أهم الملاذات الضريبية، أما الشركات فهي تابعة للملياردير الصهيوني “رومان أبراموفيتش”، بحسب الوثائق المصرفية المعروفة باسم “ملفات فنسن”، وفق شبكة “بي بي سي” البريطانية (قطاع عام)، وموقع “بزفيد نيوز”، والإتحاد الدّولي للصحافيين الإستقصائيّين”.
لاقى “أبراموفيتش” صعوبات لتجديد إقامته في بريطانيا كمُستثمر، وبَدَلَ التوجه إلى روسيا، التي أصبح ثريّا “بفضل” نَهْبِ ثرواتها وشركاتها، توجّه، في أيار/مايو 2018، “كيهودي” (بالإضافة إلى صهيونيته المُعْلَنَة)، إلى فلسطين المحتلة، حيث تُطبق سلطات الإحتلال “قانون العودة” الذي يُخول لأي يهودي الإقامة في فلسطين والحصول على الجنسية “الإسرائيلية”، فور وُصُولِه، بينما يمنع الإحتلال عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين وقع تهجيرهم من وطنهم بالقوة، بين سنتيْ 1947 و 1949، واستثمر الملياردير الروسي سابقًا في الكيان الصهيوني، واشترى فندقا في تل أبيب سنة 2015، وأعلن المتحدث باسم الملياردير الروسى: “إن السيد أبراموفيتش ملتزم وسخي في دعم (إسرائيل) والمجتمع المدني اليهودي، وخلال السنوات العشرين الماضية تبرع بأكثر من خمسمائة مليون دولار لدعم الرعاية الصحية والعلوم والتعليم والجاليات اليهودية في (إسرائيل) وحول العالم…”، بحسب وكالة “رويترز”، ويمكن لحاملي جواز سفر دولة الإحتلال الصهيوني دخول بريطانيا والإقامة فيها لمدة زمنية قصيرة دون الحصول على تأشيرة دخول…
دروس واستخلاصات:
كتبت الصحيفة الألمانية “هامبورغر آبندبلات” (22 أغسطس / آب 2020)، غداة فوز نادي ميونيخ الألماني، ببطولة أوروبا هذا العام، على منافسه “باريس سان جرمان”: ” إن امتلاك نادي باريس يعني التّأثير على اتحاد الكرة الفرنسي، وعلى الإتحاد الأوروبي لكرة القدم أيضا، لكن المال لا يُسجّل الأهداف، فرغم الاستثمارات الكبيرة، لم تنجح معظم الأندية التي تسيطر عليها دول الخليج حتى الآن، وبات الشيوخ يتعرضون لضغوط كبيرة بشأن جدوى تلك الاستثمارات”، فهل تناست أن قطر رابحة في كلتا الحالتَيْن، فنادي باريس مملوك لقَطَر، فيما ترعى شركة قطر للطيران النادي المنافس (نادي ميونيخ)، بقيمة عشرة ملايين يورو سنويا، لكن، رغم الحجم الكبير الذي ضَخَّتْهُ هذه الدُّوَيْلات في شراء النوادي، وفي الرعاية (الإشهار)، ورغم الإنبطاح والعمالة والتطبيع المجاني مع العدو الصهيوني، وتخريب البلدان العربية، لم يُحقّق الاستثمار الرّياضي أهدافه، وبقيت صورة الخليجيين (والعرب) سيئة وسَلْبِيّة، كما لم تتطور ولم تنتشر ممارسة الرياضة في الخليج، لإنقاذ رعايا دُويلات الرّيع النّفطي من السّمنة ومن أمراض السّكّري وانسداد الشّرايين، وغيرها من أمراض الكَسَل.
من جهة أخرى، انسلخ حُكّام الخليج عن العرب، فلا يدعمون الشعب الفلسطيني، بل يدعمون أعداءه الصهاينة، المُستعمرين لأرضه، ولم يُطَوّرُوا لا الثقافة ولا اللغة العربية ولا الرياضة في الوطن العربي، بل خرّبت الأسلحة التي سددت السعودية ثمنها البلدان العربية وأبادت الشعوب العربية، في سوريا والعراق واليمن وليبيا، أما عن فلسطين، فقد أعلن كبير العائلة، ومؤسّس السعودية، دعمه لتصريح (وعد) بلفور بمنح فلسطين، وطن الفلسطينيين، للمُستعمِرِين المُسْتوطنين الأوروبّيّين الصهاينة…
إنها مسافة وَعْيٍ بين الإلتزام الصّهيوني لرومان أبراموفيتش، وحقارة ونذالة لاعقي الأحذية (الإمبريالية والصهيونية)، من صهاينة العرب، الذين “يُخرّبون بيوتهم بأيديهم”، ويُساعدون الإستعمار على احتلالنا.

كنعان