بساط الريح

“الانقسام” وسباق المراهنة على ترامب! – عبد اللطيف مهنا

 

أولى الانطباعات التي خلقتها صدمة تلقي نبأ الإجراءات العقابية الجماعية التي اتخذتها “المقاطعة” بحق مليوني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، ثم ما لحق ونقلته وسائل اعلام المحتلين بحفاوة من وعيد بإجراءات لاحقة خصها بخبره جماعة السلطة وصلت حد انذار حماس بالاستسلام وتسليم القطاع لها، أو  للتنسيق الأمني خلال يومين دون قيد أوشرط ، هو أن ما سُمِّي ب”الانقسام” قد ازداد شرخه طولاً وعرضاً وفصلت بين ضفتيه هوَّةٌ آخذة في اتساع لا يسهل تصوُّر رأبه.

لكنما ما سمعه ترامب في يوم استقباله لأبي مازن في واشنطن، وما سبق وأن سمعه قبل ذلك بساعات قليلة عبر شبكة C.N.N من خالد مشعل في الدوحة، يأتينا بواحدة أخرى أولى الانطباعات الناجمة عنها، هي أن طرفي “الانقسام” المتسع قد أوجدا من حيث لا ينتويان عبر مراهنتهما على ترامب ما يجسِّر، إن صح القول، بعضاً من ما الحقته هوَّته المتسعة من تباعد بين ضفتي انقسامهما المزمن، حتى ليكاد يكون جائزاً القول الآن أن ترامب قد بات وحده القاسم المشترك “للإجماع الوطني” المنعدم اجماعه في الساحة الوطنية منذ أن كانت اوسلو وما ظلت…كيف؟!

قبل سفر ابي مازن وتحضيراً له، نوَّهت مصادر الاحتلال، التي ترقب مسيرة رحلته بدءاً ونهايةً وعن كثب، بكون الأجراءات العقابية الجماعية المتخذة بحق غزة هي واحدة من لوازم هذا التحضير ومن ممهداته، ووصل الأمر حد أن تصفها صحيفة “هآرتس” بأنها دليل على “محاربة السلطة للإرهاب”، أو ما يعني عندها المقاومة. وبعد وصوله، وقبل أن يستقبله ترامب بساعات قليلة وصلت، كما أشرنا، رسالة حماس المتلفزة، وإذا ما أُضيف فحواها إلى فحوى ما سمعة ترامب من أبي مازن في المكتب البيضاوي، يكون الرئيس الأميركي، القادم لفلسطين المحتلة بعد أقل من ثلاثة اسابيع، قد حظي بمبايعة كلٍ من طرفي “الانقسام” ليمضي قدماً في “صفقة القرن” التصفوية الغامضة حتى على الأميركان أنفسهم، ذلك عبر إجماع الطرفين على المراهنة على عدالته وانتظار مكرمته التسووية!

بعد الثناء على امتلاك ترامب ل”جرأة التغيير”، حض خالد مشعل الرئيس الأميركي على “التقاط الفرصة” التسووية السانحة “لحل منصف” للقضية! أما ابي مازن فأطنب قائلاً الكثير، ومن بينه ما هو استجابة لاشتراطات مبعوث الرئيس الأميركي غرينبلت التي سبق وأن مهَّدت للزيارة، والتي كنا قد اشرنا اليها في مقال سابق، ومنه قوله: ثقوا يا فخامة الرئيس بأننا نربي أطفالنا على ثقافة السلام”، في إشارة لمطلب ترامب بوقف التحريض ، ونجمل ما تبقى بذكر قوله حاثاً النخوة السلمية المأمولة لدى ترامب: إننا “نتكل على الله ثم عليكم لتحقيق معاهدة سلام تاريخية برعايتكم وحكمتكم”، لكنما اللافت هو أنه لم يتطرَّق “للاستيطان” ولا لإضراب الأسرى، والأدهى هو تقديمه دفعة تنازلية سلفاً على الحساب، عندما قال إن “قضايا الوضع النهائي قابلة للحل بما فيها اللاجئين والأسرى”، وهو تنازل صريح عن حق العودة الذي هو جوهر القضية الفلسطينية، وهذا وإن كان منه ليس بالجديد، كما تضمن مداورةً بنود ما تعرف ب”مبادرة السلام العربية”، إلا أنه الآن يأتي صريحاً وفي معرض الحاح حد الاستجداء لاستدرار العودة للمفاوضات، هذه التي بدأت منذ ما قارب ربع القرن، وكل ما كان منها هو أنها قد أفضت بالقضية إلى هذه الحال التي هي الآن عليه.

هذا ما سمعه ترامب والفلسطينيون والعالم من طرفي “الانقسام”، فماذا بالمقابل ما سمع الطرفان والفلسطينيون والعالم من ترامب؟!
لم يسمعوا سوى إحالة صاحب “جرأة التغيير” حل مشعل “المنصف” إلى عهدة التوافق مع نتنياهو، كما لم يسمع منه ابو مازن بالذات كلمة واحدة تتعلَّق بمأثور الأخير “حل الدولتين”، كل ما سمعاه، من فرس رهانهما الأميركية الجديدة الجامحة، هو أن “الحل اسهل مما يتخيله الكثيرون”، والباقي لاحقاً!

قبل وصول ابي مازن تسبقه الى البيت الأبيض رسالة خالد مشعل التلفزيونية، استبقت واشنطن الزائر والرسالة فصرح نائب الرئيس الأميركي بنس مؤكداً، بأن “التزام الرئيس (ترامب) بنقل السفارة الأميركية إلى القدس ما زال قائما، وربما وشيكاً”، وقبل أن يقفل أبو مازن مغادراً الديار الأميركية كتبت صحيفة “الواشنطن بوست” إن “اجندة ترامب في الشرق الأوسط هي أجندة نتنياهو”، وإن الإدارة الأميركية الحالية “تتبنى رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرِّف الرافض لحل الدولتين، ولمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة”.

وفبل الرسالة المتلفزة التي أعقبت نشر وثيقة حماس، والزيارة التي طال التحضير لها حياة مليوني فلسطيني محشورون في معتقل غزة الكبير، وتجاهل الزائر إبانها اضراب الأسرى في سجون الاحتلال، وما قاله نائب الرئيس ترامب عشيتهما سلفاً، وما قالته صحيفة “الواشنطن بوست” غداتهما، كانت صحيفة “معاريف” قد تحدثت قبل أكثر من شهر عن زيارة ترامب لفلسطين المحتلة، والتي يفصلنا عنها الآن اسبوعان، ومعه وفد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية لحائط البراق والقدس القديمة، أما زميلتها “يدعوت احرونوت” فجزمت بأن ترامب سوف يعلن إبان هذه الزيارة الميمونة اعتراف الولايات المتحدة ب”القدس الموحَّدة عاصمةً لإسرائيل”…وكله، بانتظار “صفقة القرن”!!!

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اترك تعليقاً