facebook

التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

رئيس التحرير: د. منذر سليمان 

نائب رئيس التحرير: جعفر الجعفري
 
 
فقدان كوشنر للتصريح الأمني يهدد حكم العائلة الترامبية 

 
        لم يعد سراً مدى قلق دوائر القرار السياسي المركزية من تسليم الرئيس ترامب صهره جاريد كوشنر “ملف السلام في الشرق الأوسط،” دون مؤهل حقيقي أو تجربة فعلية قد تشفع له. كذلك سعت بعضها “لفضح” دور الصهر في جملة من القضايا المسلكية والتي بمفردها أو مجتمعة كفيلة بالإطاحة به، في الظروف العادية؛ أبرزها لقاءاته المتعددة مع مسؤولين رسميين أجانب بغية الحصول منهم على قروض مالية لإنقاذ مشروع عقاراته من الفشل والإفلاس، من بينهم مسؤولين خليجيين.

        لم تستسغ دوائر نافذة في المؤسسة الحاكمة عدم استيفاء ملف كوشنر الأمني إجراءات التحريات والتدقيق المطلوبة قبل تسلمه مهام حساسة، وبقي في منصبه بقرار من الرئيس تحت بند “مؤقت” طال أكثر من اللازم. وربما الأدق القول أنها لم ترحب بحضوره منذ البداية وحافظت على منسوب استهدافه بشتى الوسائل. وامتعض العاملون داخل البيت الأبيض أيضا من الإمتياز “الرئاسي” الممنوح له لا سيما ما أثير من جدل حول عدم التزامه بتقديم تقارير خطية لأي مقابلة أو لقاء يجريه، كما هي العادة، وفق تقرير أعدته يومية واشنطن بوست، 28 شباط/فبراير، نقلاً عن مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر.

        إعلان مدير مكتب موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، مطلع الأسبوع الجاري، عن حرمان جاريد كوشنر من الإطلاع على بيانات وتقارير مصنفة “سرية للغاية،” أبرزها التقرير الإستخباراتي اليومي من إعداد “صفوة” خبراء الاستخبارات يقدم للرئيس وبعض أعوانه، جاء في سياق تشديد نفوذ الأجهزة والدوائر التقليدية على البيت الأبيض في عهد ترامب، والذي تسوده الفوضى والتخبط في القرارات.

        مصير كوشنر في إدارة ملفي “الشرق الأوسط والمكسيك” أضحى موقع تكهنات وشكوك بقدرته على الإستمرار بالتعامل مع أطرافه بعد فقدانه لمعلومات أولية حساسة، وما يترتب على إقصائه من ترددات بقائه في إدارة قضايا أخرى متعددة أوكلها له ترامب، منها الصين والمكسيك وكندا؛ وكذلك لما يواكب القرار من البقاء خارج دائرة الإجتماعات الخاصة والسرية التي كان يحضرها سابقاً، بل سيحُظر عليه تبادل محتويات الوثائق السابقة مع أي طرف أو فرد غير مخول بذلك.

المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي، نيد برايس، أوضح في هذا الخصوص أن كوشنر “لن يكون وسيطاً فعالاً في ملف الشرق الأوسط بعد الآن.”
نائبة رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي طالبت البيت الأبيض بإعفاء جاريد كوشنر على الفور “وجوده هناك في الأساس مناف للعقل.”
مأزق كوشنر من الداخل
 
ظاهر مسألة ومأزق كوشنر أمنية بامتياز تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية، إلا أنه وبالرغم صدقيتها وصحتها تواكبها جملة مسائل بما فيها وضعه الشاذ ومسلكيته التي قد تؤدي “للتخلص التدريجي” من مستشار الرئيس ترامب الخاص ومسؤول ملف الشرق الأوسط لديه. 
في الشق الأمني، فإن آلية تدقيق الأجهزة الأمنية المختلفة في سجل أي فرد مرشح لشغل منصب يخوله الإطلاع على وثائق حساسة وسرية قضية معقدة وتستغرق وقتا طويلاً في الأحوال العادية. كمثال، تعود آلية البحث إلى التحقيق مع أصدقاء ومعارف وأقارب الشخص المعني منذ دخولة مرحلة الدراسة الابتدائية، والتمحيص في معاملاته المالية والتزامه بقوانين الضرائب طيلة فترته العملية، واتصالاته أو زياراته الخارجية. 
عند نيل الشخص المعني الموافقة الأمنية يصبح أعلى مرتبة من أقرانه الآخرين ويتقدم صفوف العمل لدى مختلف المؤسسات التي لا ترغب في إعاقة انتاج المتعاقد أو الموظف لفترة تمتد لسنة ونيف، في معظم الأحيان. وبالتالي، يصبح الحصول على تجديد للتصريح الأمني أيسر ومرغوباً أكثر. تشير معظم البيانات المتوفرة الى عدد هائل من الأشخاص الذين ينتظرون البت بطلباتهم الأمنية راهناً للعمل في مختلف المؤسسات الحكومية، يصل تعدادها إلى نحو 700،000 طلب.
 
قضيتان تميزان سجل جاريد كوشنر أثارتا قلق الأجهزة المختصة، والتي تريثت طويلاً للبت في ملفه مما استدعى الرئيس ترامب اصدار “أمر رئاسي” يخوله العمل بشكل مؤقت كي يستطيع الإطلاع على ملفات “سرية” وما فوق. الأولى، ضعفه وقابليته للابتزاز المالي نظراً لمصاعبه المالية؛ والثانية شح وندرة خبرته في الشؤون السياسية الموكلة إليه حيث يبقى عرضة للميل مع الضغوط المتعددة.
 
في الشق الأمني الصرف أيضاً، اضطرت البنتاغون لسحب والغاء تصريحات أمنية “مؤقتة” حصل عليها ما لا يقل عن 165 متعاقد معها دخلوا الخدمة في عهد ولاية الرئيس السابق باراك اوباما، والسبب ارتباطاتهم بمستويات مختلفة من المخالفات أو الجرائم.
واضافت البنتاغون في تقرير خاص بهذه المسألة أن أولئك الأفراد حافظوا على قدرتهم للإطلاع على بيانات رسمية حساسة على الرغم من الخلفية الجنائية المثبتة والتي فشل نظام التدقيق والتحقق من الكشف عنها في الوقت المناسب، تراوحت بين معاملات مالية “مشبوهة،” والخشية من وقوع أولئك ضحايا ابتزاز قوى أجنبية لأوضاعهم المضطربة. 
أما فيما يتعلق بكوشنر، فقد جاء في تقرير واشنطن بوست أعلاه أن مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر وفريقه كانوا قلقين من “سذاجة” كوشنر في الاجتماعات الداخلية وقابليته للإبتزاز؛ وكذلك لما نقله لهم “مسؤولون أجانب” لتفضيلهم التعامل مباشرة مع صهر الرئيس مباشرة وليس مع الآخرين في البيت الأبيض، بصرف النظر عن الخبرة العملياتية. مما اضطر ماكماستر لبلور آلية لتوثيق اللقاءات التي يعقدها كوشنر مع الآخرين تتيح للمؤسسة مراقبتها بعناية. 
وفيما يتعلق بتجارته وعائلته في العقارات بمدينة نيويورك، أصدرت مديرة هيئة الرقابة المالية في المدينة، ماريا فولو، اخطارا لثلاثة مصارف كبرى تطلب فيها تسليمها “كافة البيانات المتعلقة بالقروض أو التسهيلات المالية” التي حصلت عليها “مجموعة كوشنر العقارية” والتي يديرها والده تشارلز. 
وكشفت يومية نيويورك تايمز، 28 شباط، أن “مجموعة كوشنر” تلقت قروضاً كبيرة من بعض المصارف منها “سيتي غروب” بعدما استقبل “جاريدد كوشنر في البيت الأبيض ممثلين” عن مجموعتين من المصرفيين، ابوللو غلوبال مانيجمنت والاخرى سيتي غروب، حصل عليها على قروض تبلغ قيمتها نحو 500 مليون دولار ونيف. وأزيح الستار أيضاً عن تلقي مجموعة كوشنر قرضا بملايين الدولارات من المصرف الألماني، دويتشه بنك. 
 
وأضافت الصحيفة أن رئيس مجموعة أبوللو، جاشوا هاريس، بحث مع جاريد كوشنر تسلم منصباً وظيفياً داخل البيت الأبيض، لكن لم يحالفه الحظ. 
أما العلاقة المالية مع دول الخليج العربي فقد كشف النقاب عنها في الأيام القليلة الماضية بطلب “مجموعة كوشنر” قرض مالي مباشر تقدمت به  إلى وزير المالية القطري، علي شريف العمادي، في 27 نيسان/إبريل من العام الماضي، خلال توقفه في نيويورك ولقاء جمعه بتشارلز كوشنر، الأب، لهذا الغرض. بيد أن الصفقة لم تبرم في حينه أو ترى النور لاحقاً. 
اللافت في هذا الشأن اندلاع “الأزمة الخليجية” مع قطر في الشهر التالي، أيار/مايو 2017، ولعب جاريد كوشنر “دوراً محورياً” في إقصاء قطر وفرض الحصار عليها، مدعوماً من الرئيس ترامب. 
البعد “الحاسم” الآخر ما أوردته شبكة “إن بي سي” للتلفزة، 2 آذار، في تقرير لها منسوب لمسؤولين أميركيين بالقول أن الوفد الوزاري القطري الزائر لواشنطن، الدفاع والخارجية، بين شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير من العام الجاري، عرض على فريق المحقق الخاص، روبرت موللر، استعداده لتوفير الأدلة عن تورط جاريد كوشنر بالتنسيق مع الرياض وابو ظبي في تشديد الحصار على الدوحة. 
بالعودة لتقرير واشنطن بوست، 27 شباط الماضي، لفت النظر إلى القلق الأمني من جاريد كوشنر بالقول أن الإستخبارات الأميركية رصدت محادثات لمسؤولين كباراً من أربع دول “الإمارات والصين وإسرائيل والمكسيك” محورها كيفية استغلالها لجاريد كوشنر عبر الإستثمار في “المجموعة” العقارية وتسخير النفوذ الناجم عن ذلك للحصول على بعض المكاسب في السياسات الأميركية. 
ماذا بعد
 
رغم مساعي تحجيم جاريد كوشنر إلا أن قربه من الرئيس ترامب لم يقصيه عن ممارسة مهامه المعتادة، وإن بدرجة صخب أقل مما سبق. بيد أن “الإقصاء” يأتي في سياق سلسلة من الإجراءات للمؤسسة الحاكمة للضغط على شخص الرئيس بالتكيف مع توجهاتها دون مقاومة. 
الإقالات والاستقالات الأخيرة، المستشار روبرت بورتر ومسؤولة الإعلام في البيت الأبيض هوب هيكس، مضاف إليها تقليص صلاحيات جاريد كوشنر تؤدي بالمحصلة إلى تشديد دائرة العزلة على الرئيس ترامب ليواجه اتهامات المحقق الخاص، مللر، بتداخل مهامه الرسمية مع مصالحه التجارية.
 
وفقاً لتقرير نشرته الوكالة الفرنسية للأنباء فإن استقالة هوب هيكس “المفاجأة .. شكلت منعطفاً حقيقيا” للرئيس ترامب، خاصة وهي من أشد المخلصين له واستطاعت إتباع آلية تواصل مع “رئيس خرج عن الأنماط المألوفة والمعروف بنزقه وتقلبات أهوائه.”
الرئيس ترامب لم يشأ الصدام مع مدير مكتب الموظفين، جون كيلي، الذي أصدر أمر الإقصاء لكوشنر؛ وعلق سريعاً على تساؤلات الصحافيين أن كان سيلجأ لإصدار “استثناء خاص” بكوشنر. واجاب أنه أوكل الأمر إلى جون كيلي.
 
وما أن لبث الرئيس ترامب إنهاء التصريح بذلك حتى حاصرته وسائل الإعلام الرئيسة بتقرير “تؤكد” فيه أن مستشاره لشؤون الأمن القومي، هيربرت ماكماستر، هو الآخر في طريقه إلى الإستقالة “ربما خلال الشهر الجاري أو بعده “نظراً لتضاعف منسوب التوتر بينهما.”

 
 

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

الموقع:

www.thinktankmonitor.org

العنوان الالكتروني:

thinktankmonitor@gmail.com

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي


واشنطن، 2 مارس 2018

كنعان