الأرشيفوقفة عز

الحاجة أم وردة

في 23-2-2023 مرّت الذكرى الثانية لرحيل العمة أم وردة حمد

وداعاً حاجة أم وردة حمد

لا وقت للبكاء لا وقت للدموع فالوقت من دم ولحم وصبر وصمود …

نودع الأحباب حبيباً وراء حبيب وحبيبة خلف حبيبيةـ ونودع الأقارب قريبا خلف قريبة وقريبة وراء قريب. ولا يصل الفلسطيني الى المنزل الأول إلا شهيداً أو شهيدة … يموت جيل النكبة وينقرض ببطء أمام أعيننا ونحن عاجزون لغاية اليوم عن تحقيق التحرير والعودة.

لم يعد هناك على قيد الحياة الكثيرين والكثيرات من جداتنا وأجدادنا، الذين غادروا وغادرن فلسطين المنكوبة سنة 1948 وهم شباب وصبايا، وبعضهم آباء وأمهات يحملون أطفالهم-ن وآباءهم وأمهاتهم وأجدادهم الى المجهول.

أجدادنا سكنوا المخيمات وعانوا الأمرين وكدوا واجتهدوا وصبروا وصمدوا وأنجبوا أجيالاً أنجبت بدورها زعتراً وميريمية وأولاداً لفلسطين. ابتلعت الحروب الجانبية في البلاد العربية بعضاً من الحبايب والبعض الآخر عادوا شهداء الى فلسطين، الى الجليل والصفصاف حيث زرعوا وروداً لا تذبل ولا تموت عند سفح جبل الجرمق.

في يوم الثالث والعشرين من شهر شباط فبراير 2021، مضت الى حقل ورود الجليل وزهرات الصفصاف وبراري الطفولة على سفح الجرمق قرب صفد، العمة أم وردة حمد. كانت من أواخر عناقيد الدالية الصفصافية، من أواخر اللواتي عشن ما قبل وأثناء وبعد النكبة سنة 1948. كما عاشت كل معاناة شعبنا الفلسطيني في مخيمات لبنان، وشهدت كل انتفاضاته وثورته وحروبه ودفاعه عن حياته ومصيره، فعاشت هبة نيسان 1969 وانطلاقة فصائل الثورة والحرب الأهلية ومن سبقها وما تبعها، وعاشت غزو 1982 وما تلاه من معارك وحصارات وعدوانات على المخيمات، وعاشت حرب المخيمات وعاشت مجزرة صبرا وشاتيلا سنة 1982 وقبلها مجازر تل الزعتر وضبية وجسر الباشا والنبطية وبرج حمود والمسلنخ والنبعة. والخ … وعاشت معارك الاخوة الأعداء كلها وعاشت لترى قادة المصادفة وهم يهدمون انجازات شعبنا ويستسلمون للأعداء.. وعاشت زمن الأوسلة والتنسيق الأمني والانتفاضات الفلسطينية كلها من زمن البراق الى زمن العياش وما بعده.. كما عاشت هزيمة 1976 ومجازر أيلول الأسود 1970، وحرب تشرين اكتوبر 1973 واجتياح الجنوب اللبناني 1978، ونصر تموز العظيم وزمن ما بعد بعد بعد حيفا، وصمود غزة وزمن ما بعد بعد بعد القدس والنقب وأم الرشراش… وعاشت الربيع اللا عربي ومحاولة اسقاط دمشق عاصمة الخلافة الأولى، كما عاشت قبلها سقوط بغداد عاصة الخلافة الثانية. وعاشت سقوط مصر والقاهرة فريسة لاستسلام النظام الساداتي ومن تبعه من أتباع أمريكا.. أم وردة هعاشت كل حكايتنا الفلسطينية.. عاشت ماساة مخيم نهر البارد ودماره الشامل. عاشت لتروي لكنها مضت ولن تعود. ستبقى في ذاكرتنا، ذاكرة من عرفوها وأحبوها.

أم وردة خرجت من فلسطين فتاة شابة ولم تعد إليها أبداً بالرغم من أنها كانت حيّة وتعيش معها طوال سنوات عمرها في اللجوء والمخيمات، تعيش برفقتها كل تفاصيل يومياتها وحياتها.

أم وردة حمد ترحل بعد أن عاشت النكبة واللجوء وكل نكساتنا وهزائمنا العربية والفلسطينية. عشرات السنين في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان بانتظار العودة الى الجليل، ولا عودة الى هناك بل سفر نهائي الى القبر في المنفى واللجوء….

اليوم تعود روحها الى بلدتها الصفصاف لتزرع وردة جديدة في بستان العودة الحتمية، قرب مقابر الأجداد… وأم وردة هي إبنة عم والدي ووالدتي، قريبتنا اللزم وأذكرها من طفولتي في المخيم في عين الحلوة. امرأة كادحة، صابرة وصامدة، صبرت على كل مصاعب الحياة وعاشت بكبرياء اللاجئين الطامحين بالعودة الى فلسطين.

رحمك الله يا حاجة فاطمة العبد حمد – أم وردة.

نضال حمد

 23-02-2021

تحديث في 11-4-2023

ام وردة – فاطة العبد حمد