من هنا وهناك

الحرب الخامسة عام 2016 -بقلم: زهير كمال

الحرب الخامسة عام 2016 –بقلم: زهير كمال

 إن لم تتحقق المطالب المشروعة للمقاومة برفع الحصار الكامل عن غزة بما فيها ميناء بحري ومطار وكذلك حرية دخول البضائع والأموال فلا داعي إطلاقاً لإيقاف هذه الحرب الدائرة الآن.

سمعت كثيراً من المحللين وهم يرددون أن إسرائيل تتخبط وأنه ليس لها هدف ما، تنازلت من عليائها وتدرجت مطالبها الى أن وصلت الى مجرد هدم الأنفاق وذلك بفعل ضربات المقاومة، وللوهلة الأولى كل هذا صحيح!

هدم الأنفاق هو هدف في منتهى السخافة فالنفق الذي يهدم يمكن حفر عشرة بدلاً منه في المستقبل، ولهذا يجب ان ننظر الى أهداف أبعد من ذلك.

هذا المقال ليس للتقليل من أهمية ما فعلته المقاومة والصمود الأسطوري للجماهير الفلسطينية وصبرها العظيم، يكفي وصول الصواريخ الى مطار بن غوريون لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وامتناع شركات الطيران العالمية عن الهبوط فيه كي تشكل أعظم ضربة لهذا الكيان وقد أصابته في مقتل، تحطمت أسطورة الأمان والثقة الزائدة بالنفس والنمو الاقتصادي المريح الخ.

كما أظهرت ندية الفلسطيني وقدرته على التفوق عندما تتاح له الإمكانات مهما كانت بسيطة، فلطالما حرم من السلاح المتكافئ طيلة هذا الصراع الطويل مع الكيان الصهيوني، ودليل ذلك الخسائر الكبيرة في أرواح جنوده ومعداته.

والمتمعن في طبيعة الضربات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ، يظهر جلياً أنها تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى، المنازل والمساجد والمدارس، أهداف سهلة متاحة وتدميرها يخدم الأهداف المستقبلية البعيدة.   

فقد تقدمت القوات الإسرائلية بضع مئات من الأمتار ثم بدأت بتدمير أحياء غزة حياً بعد الآخر وكانت النتيجة أن ما يقدر بنصف مليون من السكان أصبح بلا مأوى، ولحسن الحظ أننا في فصل الصيف.

لوحظ أيضاً أن إسرائيل استهدفت مدارس الوكالة عدداً كبيراً من المرات رغم علمها المسبق أن من يسكنها لاجئون مدنيون هربوا من جحيم القصف السابق.

والرسالة واضحة، وتريد إيصالها الى الجماهير الفلسطينية، أن لا أحد يستطيع حمايتكم من بطشي وجبروتي فأنا القوة العظمى، وأنا السيد هنا.

بعد أن قامت اسرائيل بما تعتقد أنه كاف لإيصال الرسالة الى أهل غزة أوقفت الحرب. وعينها على الجولة القادمة أن لا تجد المقاومة الوعاء الحاضن لها وأن تكفر الجماهير بالنضال واستمرار الحروب. تاركة هذا الهدف للسلطة الفلسطينية   وتعاملها السيء مع الناس وعدم المبالاة بتضحياتهم. فعلوها في الضفة وسيكررونها في غزة.

أعجب من هؤلاء الذين يستغربون عدم حدوث انتفاضة ثالثة في الضفة ويعجزون عن رؤية الهدف الاسرائيلي بتحويل المجتمع الى أفراد، ومن ذلك هدم البيوت سواء كان ذلك بفعل المقاومة أم بحجة عدم الحصول على ترخيص بناء، والسلطة تقف عاجزة عن مساعدتهم فيتحولون الى فقراء بعد أن ضاعت كل مدخراتهم.     

وهذه النقطة في غاية الأهمية فالسلطة الفلسطينية ككيان هي حليف لإسرائيل وسيقع على عاتقها إكمال ما بدأت به إسرائيل في الحرب.      

ولعله لا بد من التذكير بحرب تموز 2006 في لبنان وقيام إسرائيل بتدمير جزء كبير من الضاحية الجنوبية، كان الهدف وضع إسفين بين المقاومة وجماهيرها. ولكن ما قام به حزب الله من تعويض كافة الخسائر المادية والأضرار انما امتص المآسي التي خلفتها الحرب ، فليس من المعقول أن يخسر الناس أحباءهم واقاربهم ثم تتنغص حياتهم الى الأبد.

ما فعله حزب الله أثبت أن على القيادة الاهتمام بجماهيرها التي تمدها بالحضن الدافئ وهذا هو التطبيق الحي للعلاقة بين الجماهير والمقاومة أو كما يقال عن حياة السمكة في الماء.

في الحالة الفلسطينية فإن على المقاومة حمل هذا الملف على عاتقها بتعويض السكان عن كل ما خسروه مادياً.

والخطوة الأولى هي تشكيل لجان لحصر وتسجيل الخسائر سواء كانت بيوتاً أم أثاثاً وانتهاءً بالورش والمصانع الصغيرة والمزارع .

من أهداف العدو وقف الحياة في غزة وتحويل شعبها الى لاجئين عاطلين عن العمل. ويتوجب على المقاومة إعادة دوران العجلة بالاعتماد على نفسها في ذلك.

الخطوة الأخرى للمقاومة هي العمل على تحصيل الأموال من الخاسرين في الحرب.

أول هؤلاء الخاسرين هو النظام السعودي والنظام الإماراتي، والضغط على هذه الأنظمة وتحصيل المال منها سيعتبر قرصة أذن للذين يقفون ضد تطلعات الشعوب العربية بل يتآمرون عليها، كان ياسر عرفات أمهر من استعمل القوة الناعمة لتحصيل الأموال من هذه الدول .

وتحويل المال الى سكان غزة المتضررين أفضل بكثير من رميه في الهواء، أو استعماله للإضرار بالشعوب العربية الأخرى.

وسيأتي اليوم الذي سيطالب به الفلسطينيون امريكا وبريطانيا وفرنسا بالتعويض عليهم عن المعاناة التي سببتها لهم هذه الدول بزراعة إسرائيل ومساعدتها على القتل والتدمير والإرهاب.  

يتوجب على المقاومة استلام هذه الأموال والقيام بتوزيعها. ونسيان السلطة ففساد أعضاءها يزكم الأنوف.

 

دعونا لا نخدع أنفسنا، الوحدة الفلسطينية الحقيقية هي الوحدة بين القوى التي خاضت المعركة وانتصرت فيها. أما هؤلاء المتاجرون بالقضية في السلطة الفلسطينية فمكانهم مزبلة التاريخ بعد أن ضيعوا القضية لعقدين من الزمن ، ولا أعتقد انهم سيخجلون من أنفسهم ويذهبون الى بيوتهم طواعية.

 

المقاومة هي أمل جماهير الأمة العربية من المحيط الى الخليج، هذه الجماهير التي لا تستطيع القيام بأي عمل الآن سوى التظاهر والصراخ ولكن خسران جماهير غزة سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش تطلعات الأمة للانعتاق من سلاسل الحاضر والخطو نحو مستقبل أفضل بالانعتاق من كل هذه الأنظمة الفاسدة التي تجثم على صدر الأمة، وهي لا تتورع اليوم عن كشف المستور انها تعاونت وساعدت الكيان الصهيوني، منذ أن تم تخليقه في المنطقة، على الحياة والاستمرار. الفجر قادم!

 

اترك تعليقاً