من هنا وهناك

الدعم قضية امن قومي وكيفية حلها – الدكتور عادل عامر

Adel Amer's profile photo

الدعم قضية امن قومي وكيفية حلها – الدكتور عادل عامر

 

إن ضرورة تقليل العجز في الموازنة العامة عن طريق تخفيض مبالغ الدعم في الموازنة. إن هذا الإجراء لابد أن يؤدي مباشرة إلي مزيد من الضغوط علي مستوي الأسعار. علاوة علي ذلك فإن زيادة مبالغ الدعم في الموازنة ليس زيادة حقيقية ولكنها راجعة في معظمها إلي تخفيض سعر الصرف وهذا يعني أن توصيات صندوق النقد تعارض نفسها، إذ نري احدي التوصيات تؤكد علي ضرورة تخفيض سعر الصرف، ثم تؤكد توصية أخري علي تخفيض مبالغ الدعم علي الرغم من أن الأولي هي السبب في زيادة الثانية وبناء علي ذلك فإن إلغاء الدعم أو تخفيضه سيكون له آثار غير محدودة علي مستوي الأسعار مما يلقي مزيدا من الضغط علي كاهل محدودي الدخل وهم الغالبية العظمي من السكان. وكذلك توصية الصندوق بإطلاق الحرية للقطاع الخاص للاستيراد وفتح الباب علي مصراعيه لدخول السلع الأجنبية لتنافس الصناعة المحلية وتقضي عليها في مهدها. فكيف نترك الاستيراد دون ضوابط ثم ننادي بعلاج العجز في ميزان المدفوعات.تبدو مشكلة دعم السلع والخدمات لبسطاء المواطنين- وهم قطاعات واسعة من السكان تتزايد أعدادهم-، وكأن لا حل لها، وأغلب ما يطرح بشأنها يتعلق بوضع تناقض بين صحة ميزانية الدولة واستمرار الدعم، ويجرى تدريجياً إلغاء الدعم لتخفيف الضغط على الميزانية العامة للدولة.

 

إن الحل الأمثل الذي، لا يرهق الميزانية .. ولا تضعف قدرة مواجه المواطنين لتكاليف الحياة، وهو هو مواجهة ظواهر الإنفاق الترفي في مؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد الذي يبدد ميزانية الدولة والثروات بصفة عامة ويقضى على العدالة الاجتماعية، ونرى في ذلك ما يحقق إنعاش للميزانية لأداء المتطلبات الضرورية للمواطنين. لقد أعادت عملية إعادة بيع أرض مشروع مدينتي – بالقاهرة الجديدة- وحدها مبلغ 10 مليار جنيه لميزانية الدولة. فماذا لو جرى نفس الأمر بشأن كل أراضى الدولة التي تم بيعها في حالات مشابهه عديدة. مع ضرورة ترشيد إمداد الطاقة للمصانع باعتبارها تستهلك نسبة تقارب 60% من أجمال دعم الطاقة، الذي يقدر مبدئياً ب 40 مليار جنيه، و ربط دعم الطاقة بأسعار السلع المباعة للجمهور من المصانع التي تحصل على هذا الدعم ويجب إعادة  تدوير قدر من ميزانية الطاقة تلك المستخدمة في دعم المصانع والمشاريع الاستثمارية وتوجيهها إلى مشاريع التعليم وتطوير بنيته التحتية ومضاعفة حجم الدعم الموجه إلى مرفق الصحة. و تطوير خدمات التأمين الصحي ورفع القدرات الاستيعابية للمستشفيات الحكومية وتطوير خدماتها، وفق قاعدة لا تفرقة في الحفاظ على الصحة بين الغنى والفقير.

 

 وقبل كل ذلك، لا إمكانية لبقاء مواطن مصري غير قادر على استخدام مياه شرب نظيفة. أن أهم واجبات الدولة أن تحقق للمواطن قدرة على شرب مياه نظيفة وذلك أساس حقوق الإنسان في عالم اليوم.أن تفاعل الاستثمار الأجنبي المباشر يعتمد على المناخ الموجود في الدول المتلقية، والذي لخص مكوناته الرئيسية في:

 

أولاً: المكونات السياسية، والتي تشمل قوة التشريعات والقوانين، والقبول الشعبي للحكومة، وحرية التعبير، والتداول السلمي للسلطة، ومدى تدخل المؤسسات العسكرية في الحكم.

 

 ثانيا: المكونات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تنقسم إلى قسمين يشمل الأول منهما المتغيرات الداخلية، والمُتمثلة في الموارد الطبيعية والبشرية بأسعار تنافسية، وتوافر البنية الأساسية المتطورة، واستقرار معدلات النمو والتضخم، وأسعار الفائدة، وكفاءة السياسات المالية والضريبية، وتطور القطاع المالي. أما الآخر، فيشمل المكونات الاقتصادية الخارجية، مثل الميزان التجاري، وقابلية العملة للتحويل، ومستوي الاحتياطات الدولية، وأعباء الدين. وبالنسبة للمكونات الاجتماعية، فتتضمن معدلات الفقر، ومتوسط دخل الفرد، ومعدلات البطالة، وقوانين العمل، ومعايير السلامة، والصحة، والتعليم، والخدمات الأساسية.

 

ثالثاً: المكونات التنظيمية والتشريعية، وهى تشمل العوامل المرتبطة ببيئة الأعمال، والتي تشمل التصاريح والإجراءات القانونية، ومدى استقلالية القضاء ونزاهته، وآليات حماية المستثمر، ومدى سهولة خروجه من السوق، وتصفية أعماله في حالة فشله.

 

إن استمرار وجود مشكلات تواجه عملية جذب وتدفُق الاستثمارات، والتي قسمها إلى:

 

أولاً: ما يتعلق باستكمال المكونات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية اللازمة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حتى في حالة توافر البيئة السياسية المواتية في مصر في المستقبل القريب، حيث إن استعادة معدلات التدفق التي كانت سائدة ليست كافية، خاصة إذا ماقورنت بما يمكن أن يكون عليه الحال، في ظل إذا ما تم استكمال باقي المكونات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية.

 

 ثانياً: ضرورة توظيف التدفقات، بحيث تسهم إيجابياً في التنمية، وذلك من خلال معالجة أوجه الخلل في مجالات مثل القدرة الاستيعابية، وإعداد العمالة الماهرة التي تتيح الاستفادة من الاستثمار الأجنبي، لنقل التكنولوجيا على سبيل المثال.

 

 أن مصر لديها العديد من المقومات التي – إذا ما استثمرت جيداً –  ستُمثل فرصاً داعمة لتحقيق النمو الاقتصادي المأمول، ومن أهم هذه الفرص : بلوغ مصر مرحلة متأخرة نسبياً من التنمية، وما يمثله ذلك من فرصة للبدء في عملية التحول التنموي، إذا ما اغتنمت بجدارة، وبشكل يدعم عملية النمو المتسارع، بالإضافة إلى الهرم العمري للسكان، والذي يقوم في مصر على قاعدة كبيرة من السكان في سن العمل، مما يمثل مورداً مهماً يُسهم في عملية التنمية، وتسريعها. فمصر تعد من أكثر الدول النامية ارتفاعاً في معدلات النمو السكاني، والذي يشار إليه دائماً على أنه أحد معوقات عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهناك أيضاً فرصة لتبني سياسة الانفتاح والحرية الاقتصادية، والتي تُشير العديد من المؤشرات إلى عدم ابتعاد مصر عن المستويات العالمية، ولا عن مستويات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD)) في هذا الصدد. إن الاحتياطي النقدي، تعرض لضغوط متعددة تضافرت فيما بينها لتُحدث نوعا من التآكل السريع في رصيده المتبقي. أهم هذه الضغوط في: ارتفاع الميل الحكومي للاستيراد لتغطية الطلب الاجتماعي المتزايد على السلع والمشتقات البترولية (السولار والغاز)، وارتفاع الميل للاستيراد لدى الشركات للقيام بتوسعات استثمارية ضرورية، والتدخل لدعم الجنيه المصري وحمايته من الانهيار، والحفاظ على قيمته إزاء العملات الحرة، والزيادة في معدلات الإنفاق الحكومي لسداد مستحقات الدولة لجهات معينة، وتراجع تدفقات رأس المال الأجنبي إلى الاقتصاد المصري، وهرب استثمارات أجنبية تقدر بنحو عشرة مليارات دولار بعد الثورة. وأخيراً: انخفاض معدل الصادرات المصرية، ومعدلات النمو في السياحة.

 

 أن ترميم الاحتياطي النقدي أو إعادة بنائه مرهون بعودة معدلات النمو في القطاع السياحي، والارتفاع النسبي في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وقيام المستثمرين الأجانب بعمليات شراء أدوات دين حكومية، ووفاء المانحين العرب والأجانب والمؤسسات المالية الدولية بالتعهدات التي قطعتها على نفسها لدعم التحولات الاقتصادية والسياسية في مصر.

 

 أن بناء رأس المال الاجتماعي يُعد ضرورة وأولوية قصوى لتحقيق النمو المنشود، خاصة في ظل المرحلة التي تمر بها مصر حالياً. فرأس المال الاجتماعي يُعبر عن الثقة بين المواطن والدولة. أن مدى تنوع وتطور المجتمع المدني –  بما يشمل من المنظمات الدينية، والاتحادات التجارية، والنقابات العمالية، والمؤسسات الخيرية والتطوعية-  يُعد أحد المحددات المهمة للكفاءة الاقتصادية، والاستقرار السياسي، كما يؤثر فى قدرة الدولة على الاستجابة للصدمات والتحديات.

 

وأخيراً، اقترح بعض السياسات والآليات التي تستطيع قيادة الاقتصاد المصري إلى مستقبل أفضل، وتلخيصها في خطوتين هما: خطوة عاجلة قصيرة، وهدفها إعادة قاطرة الاقتصاد إلى مسارها الحديدي الذي أفلتت من جاذبيته تارة تحت ضغط المطالب النقابية والفئوية، وتارة أخرى بسبب الموارد الآيلة للنضوب، والتي تعددت مظاهرها في عجز الموازنة العامة، وارتفاع معدل الدين، وتآكل الاحتياطي النقدي، وخطوة أخرى طويلة الأجل، يجب ألا تتأخر طويلاً، وتقوم على تبني سياسات معينة تسهم في تحقيق معدلات نمو مرتفعة لفترة طويلة (عشرون عاماً على الأقل) بشكل يسمح للدولة بالانتقال في ترتيبها الدولي من شريحة تنموية إلى شريحة تنموية أعلى، وفي إطار مجموعة من المبادئ والثوابت التي تحمي النمو من سوء التوزيع، والممارسات الاحتكارية، والفساد، والاستبداد، وغير ذلك.

 

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

 

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

اترك تعليقاً