من هنا وهناك

الهروب الأوسلوي إلى “التدويل” و”الفيفا” إنموذجاً !

   عبد اللطيف مهنا

من مفارقات الراهن الفلسطيني أنه ربما كان من المستغرب فيه لو أن فضيحة “الفيفا” الأوسلوية لم تحدث. لسنا هنا بصدد فضائح الاتحاد الدولي لكرة القدم الأخرى. ما يعنينا هو ما يخصنا، أو الأوسلوستاني فحسب. ذلك أنه لو كان وفد السلطة قد اصر على مطلبه بطرد الكيان الصهيوني من عضوية هذه الهيئة الدولية، لكنا حقاً أمام مستجد ربما مثله لو كان هو المستغرب…لماذا؟!
لأنه سوف يوهم ببعض من بدايات لخروج نسبي غير مسبوق على سياقات تنازلية ممتدة، ظلت هى المتبعة  والمرافقة لكامل الحقبة الأوسلوية الكارثية ووسمتها. أي أنه لوحدث غير ما حدث في زيورخ، لكنا ازاء خطوة فارقة خالفت مساراً برمته فخرجت عن نهج يتيم لاشريك له لدى منتهجيه أوصل الساحة الفلسطينية والقضية العربية في فلسطين الى راهن ماهى عليه.
فلسطينياً، نكتفى بالقول، إنها الموجعة والتي زادت نكئاً للجرح الفلسطيني الغائر. لكن الأدهى هو أن تداعياتها المعنوية سوف تظل الى حين الصادمة والمحبطة والمخيِّبة لكل ما تيسر حتى الآن كونياً من متعاطفين ومؤيدين وداعمين لعدالة قضية عز من ينتصر لها حتى من قومها. نقصد تحديداً، الفعاليات والجمعيات والهيئات والقوى الشعبية الدولية الحرة، لاسيما أولئك الذين احتشدوا وتظاهروا وواجهوا الشرطة خارج مؤتمر “الفيفا” مؤيدين مطلباً تخلى عنه اصحابه!

ليس من الصعب تصوُّر ما سيلحق من ضرر بمثل هذا التأييد بعيد مثل هذا الخذلان لإولئك المتحمسين للدفاع عن حقوق يتخلى عنها المطالبون بها، وما سيخلِّفه بالتالي من اثر سلبي يطال زخم حماسهم فينعكس اضعافاً لما يرتجى من تأييد، أو ما تحقق حتى الآن من مظاهر تعاطف لاتكفي لكنما الفلسطينيون في أمس الحاجة اليه، بل هو الضربةً لما بدت تتصاعد من حملات مقاطعة للكيان الصهيوني قد لانعدم بعدها أن نسمع ما كنا سمعناه من عرب نفض اليد من القضية المركزية للأمة في فلسطين، عندما تذرعوا بالجنوح الأوسلوي الذي شجَّعوه فأصابوا به من القضية مقتلاً، ليقولوا من ثم قولتهم الشهيرة: نحن لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين!

ما جرى في زيورخ اعادنا الى موقف الأوسلويين من “تقرير غولدستون”، وذكَّرنا بحكايتهم مع قرار محكمة لاهاي المتعلق بالجدار التهويدي في الضفة، واستطراداً، سر التلكوء في اللجوء الفعلي لمحكمة الجنايات الدولية، وصولاً إلى اسهامهم موضوعياً في مستمر الحصار الإبادي الرهيب المضروب عربياً وصهيونياً على شعبهم المقاوم في قطاع غزة. هذا ناهيك عن ما ظللنا ننبه اليه في مقالات عديدة سابقة، من أن هروبهم الى ما يدعونه “التدويل”، على سوئته، ماكان منهم إلا لانسداد مسارهم التفريطي،  وهو إذ تنقصه الجدية يُلوَّح به لكن لا يُقدم عليه، لأن هدفهم منه هو استدرار سبل العودة لذات خيارهم الإنتحاري الذي لا يرومون عنه بديلا المفاوضات، ذلك لأنه، ورغم كونه لجوءاً الى هيئة دولية اسهمت في اختلاق الكيان الصهيوني الغاصب على انقاض الوطن الفلسطيني وشرَّعته وثبتته عبر اعترافها به، هو ممنوع عليهم من قبل رعاة مسيرتهم التسووية الأميركان، وما يعرف ب”المانحين”، أومن يدفعون لهم رواتب موظفيهم، ومخصصات متقاعدي مناضليهم سابقاً، والمتعدد من اجهزتهم الدايتونية المنسِّقة مع الاحتلال.

بعد أن عقد أكثر من مؤتمر صحفي يؤكد فيه أن لا تراجع عن التصويت على طرد الكيان الصهيوني من “الفيفا”، وبينما كان المتظاهرون المؤيدون لهذا الطرد يحاصرون مقر المؤتمرين في الخارج، فاجأ اللواء الرجوب أغلب من هم في داخل المؤتمر وكل من هم في خارجه قائلاً: ” استجابةً لمطالب زملاء في اتحادات كروية…أعلن سحب طلب فلسطين تعليق عضوية اسرائيل في فيفا”…فاستحق بذلك ساحب طلب شعبه استجابة منه لطلب زملائه من حماة المحتلين، ويا للعار، أن يخف اليه مغادراً مكان جلوسه رئيس اتحاد الكرة الصهيوني ليصافحه شاداً على يديه أمام الكاميرات ووسط تصفيق المؤتمرين”!!!

لاحقاً برر الأوسلويون فعلتهم بعذر هو عند الفلسطينيين وبسطاء الأمة اقبح من ذنب عنما رده الأمين العام لاتحاد كرة القدم في سلطة “اوسلوستان” ب”حتى لانتهم بتسييس الرياضة”! أما الرجوب فتعلل بما تلقاه من ضغوط دولية وعربية…الضغوط الدولية معروفة ومتوقعة سلفاً وحتى مفهومة، نظراً لفهمنا لمواقع اصحابها من مجمل الصراع في بلادنا، وهى تأتي إما من مشارك في العدوانات الدائمة على الأمة، أو المتواطىء مع المعتدين، أو المنحاز جهاراً نهاراً لهم، والضغوط العربية أقل ما يقال فيها أنها مشينة ومخجلة وموجعة لأمة بأسرها، لكنما الإستجابة الرجوبية لكليهما فليست سوى العار بعينه…

لا أكثر من دلالة على فداحة ما اقترف في “الفيفا”، والذي هو قطعاً ليس قراراً فردياً رجوبياً وإنما مركزياً رئاسياً، من التمعُّن في قول لرئيس اتحاد كرة القدم الصهيوني، عوفر عيني، “إن اسرائيل استجدت الدعم واضطرت لاستعطاف الأصدقاء والتضرُّع لهم كي يدعموها أمام الهجوم الفلسطيني”، الأمر الذي قاله نتنياهو فيما بعد بشكل آخر، وهو إن “جهدنا الدولي اثبت نفسه وقاد الى فشل محاولات السلطة الفلسطينية ابعادنا عن الفيفا”، لتصف مري ريغف وزيرة الرياضة مكرمة الرجوب هذه ب”النصر الكبير…أما وزير المواصلات اسرائيل كاتس فدعى إلى اعتقاله…لكنما المفارقة ذات النكهة الأوسلوية بحق هى في مخاطبة الرجوب للمؤتمر: لقد “قررت سحب اقتراح الإيقاف لكن ذلك لايعني توقفي عن المقاومة”!!!

اترك تعليقاً