الأخبار

اليرموك الانتظار … على رصيف الوجع ؟- محمد عادل

الذكرى الرابعة لاجتاح مخيم اليرموك من قبل عصابات القتل والاجرام !

ياللّي رحلتوا الصبح قبل الشمس والطير
بنده عليكم بالوما … غصت حناجرنا
والهم هادد حيلنا … والسعد من بعدكم يابس
وهاجرنا ….

وحيداً وحيداً … تتجول وتمشي وتقف وتنظر خلفك وعلى جانبيك وإلى الأعلى ، وتضع يدك على رأسك خوفا من القصف أو الرصاص الذي يسمع في الشوارع والأزقة، بحيث أنك لم تعد تعرف من أين وإلى أين وكيف ، فما يحدث هو خارج عن كل ما عرفناه وشاهدناه وسمعنا به… ويتعارض مع المنطق وعلم المنطق ، فالمخيم كان أكثر الأماكن أماناً ووفاءً واستقراراً ورخاءً ….ومحبةً ويرفض أن تتغير البوصلة عن المكان الأول والأغلى فلسطين… ويرفض أن يكون في موقع غير موقعه الحقيقي حصناً أبياً للعروبة والنضال والأخوة والمقاومة…وفياً بلا حدود لسوريا وشعبها، وهو يدرك جيداً أنََ فلسطين هي سوريا الجنوبية وأنَّ القدس هي مسرى النبي العربي العظيم محمد بن عبد الله …. ومن القدس صعد السيد المسيح عليه السلام إلى السماء .

في اليرموك بعد أن كنت تمتلك العالم ، وتشعر أنَّك في بيتك أينما حللت .. في بيوت أهل اليرموك الناس الطيبين والكرماء والأوفياء واللطفاء الذين مازالت بيوتهم تحكي لك حكاية الأهل والأحبة في صدر البيوت مفاتيح الدّور التي غادروها ما زالت معلقة ينظروا إليها كل يوم بانتظار العودة مهما طال الزمن … صور لبيوت حجرية … صور لبيوت الطين الجميلة والدافئة والهادئة صور لبيارات البرتقال … صور لبحر عكا … صور لمراكب صيد قديمه … صور للحصادين …لخبز الصاج … خبز الطابون …

لمعاصر الزيت …عملة فلسطينية … ومجيديات …صور للدبكة… والأعراس والحصاد ومواسم الصيد .. لم ينسوا يوماً ولا لحظةً أنَّ لهم وطنا ينتظرهم ، وهم مازالوا بانتظار العودة الى أرضهم ووطنهم … المخيم العريق والعظيم الذي لا يشبه المخيمات ولا المدن ولا البلدات ولا القرى، إنَّه يجمع كل هذا في مكان واحد وكأنَّك في (بانوراما) تمثل كل ما في مدن وقرى فلسطين ، ولكن بشكل منظم وراق ومميز … الأزياء الشعبية …. الأغاني الفلسطينيّة والعربية … المعارض المنوّعة لوحات الفنانين صور المدن الفلسطينية القديمة والحديثة…. آخر الأخبار…والتوقعات والاحتمالات… ورؤية المستقبل … لشعب بقي يمسك بالراية التي كتب عليها إلى فلسطين خذوني معكم … فهي القضية الوحيدة التي يتسع حجمها لتضم كل مناضلي قوى التحرر والنضال من أجل الحرية والكرامة والازدهار وإنهاء العبودية والاستعمار … أنت الآن في المخيم في زمن أخر ليس لك بل عليك … وعليك بقسوة لم تعهدها من قبل ولم تتوقعها من قبل ولهذا فأنت غير مصدق لما جرى للمخيم العظيم من دمار وعنف قل نظيرة في هذا الزمان الملتبس والبعيد عن كل القيم والمفاهيم الأخلاقية، التي تربينا عليها من مجتمعنا العربي الأصيل الكريم ، صاحب النخوة والشهامة .

فمخيم اليرموك هو المكان الأجمل والأحلى لكل من عرفه وسكن فيه وسمع عنه إنَّه المكان الذي ظل يحاكي الزمان والمكان وهو الذي ينقلك إلى المكان الأول والزمان الأول ، وهو يجمع كل الحكايات والرّوايات والصور عن زمن لم يمض عن زمن لم يتوقف ، زمن يستمر يواصل حكاية ونضال شعبٍ ضحى كما لم يضحِّ شعب آخر في التاريخ… تتوقف ملياً ، تنظر في بعض الوجوه من تعرفهم يردّ التحية مسرعاً متجهماً مذعوراً لا تخرج الكلمات من جوفه …. تتوقف، من هذا ومن ذاك يمرون مسرعين الخطى في كل الاتجاهات والمسارات وأنت لا تعرف ماذا تقول كيف يجري هذا والمخيم أطلقوا عليه عاصمة الشتات والثقافة والمقاومة ويحنو ترابه الطيب على أكبر مقابر الشهداء والقادة ، ومنه خرجت أكبر المسيرات والتظاهرات والتجمعات والدعم والمساندة لفلسطين وثورتها وللعروبة وثوراتها وقضاياها وتطلعاتها وأمانيها، تتقدم إلى الأمام ترى الشوارع التي تعرفها منذ زمن بعيد تناديك وتصرخ بك ماذا جرى، لماذا لم تصونوا الأمانة لماذا تركتكم مخيمكم وحيداً أيها الفلسطينيون ؟! لماذا لم تنتبهوا وتعوا ما كان يخطط للمخيم منذ زمن ليس ببعيد ؟ لماذا لم تعوا جيدا صون الأمانة والوفاء لمكان أعطاكم الثورة والقوة والمنعة والهيبة والزمان والمكان والمجد…. وأنبل وأجمل الثوار وأعظم الشهداء ؟! كيف تركتم المخيم بلا حراس بلا أبطال بلا ثوار بلا مسيرات بلا مهرجانات بلا حكايات وصور المدن السلبية وصور بحر فلسطين والكر مل وعكا ويافا وبئر السبع ؟ لماذا يجر كل هذا في المخيم الذي انتظر منذ احتلال فلسطين أن يأتي اليوم الذي يهبُّ أبناؤه جميعا جميعا مع إخوتهم وأحبتهم في سوريا نحو فلسطين لتحريرها ؟! لماذا هذا الخراب لرمز من رموز الشعب الفلسطيني وثورته، لقضية من أقدس وأطهر القضايا في التاريخ ومَن وراء ما يجرى ؟ …هل هذا صدفة أو خطأ ؟ لا … إنَّ ما يجري هو استهداف للمكان والزمان لرمز من أغلى وأعلى الرموز عند الشعب الفلسطيني أينما وجد ، فالمخيم يجمع كل فلسطين من الساحل والشمال والجنوب والجليل ، فهذا ابن المدينة ،وهذا ابن الريف ،وهذا ابن النقب ،وهذا المثقف والفنان ، والمقاتل والشاعر ، والفدائي والمهندس ، والطبيب والصيدلي والعالم والطالب ، والعامل والأم المناضلة والجدة والجد الذين مازالوا على العهد لم يبدلوا أهدافهم وأحلامهم… يرددون نريد وطنا وليس دولة، نريد أن نعود لا نريد سلطة ولا كلام (فاض) وفاء للشهداء لا تخونوا الكلمات لا تخونوا ما انطلقنا من أجله وضحينا من أجله..

 

تحاول أن تتقدم قليلا لترى المخيم وهو يذرف الدموع دامية على الأهل والذكريات، ويرفع راياته ليراها من نسوا المخيم ويصرخ في وجه من أتوا يوماً للمخيم ليسرقوا المجد والتاريخ والتضحيات وينسبوه لأنفسهم ، فهذا الزمن للتضليل وقلب الحقائق…

اترك تعليقاً