ثقافة وفن

بُورك الحجرُ – فيصل سليم التلاوي


بُورك الحجرُ – فيصل سليم التلاوي  

                                                   

هذه القصيدة ابنة زمن انقضى منذ ثلاثة عشر عاما، و إذا كنت أعيد نشرها اليوم فإنما أفعل ذلك لأعقد مقارنة بين جبن و شجاعة، و بين خريف و ربيع، فقد كان لسان الحال يومها يقول:

رفقًا بنفسكَ

لا تخُض في الُلجِّ

قس عُمقَ المياهِ بطولِ غيركَ

قامةً أو قامتينْ

واحفظ لرجلكَ قبل نية ِ نقلها قُدُماً

مَواطئ رَجعةٍ أو رجعتينْ

هي حكمة الجبناءِ، لكنْ لا عليكْ

لا بأس إن غطّى انسحابكَ وابلٌ

من أقذع الكلماتِ

تقذفها مجانيقاً ترِنُّ بمَسمعيكْ

لن يبلغَ الأعداءَ نَبرُك، أنتَ تُسمعُ من لديكْ

والذنب ذنبُ الريح إن ردّت بضاعتها إليكْ

غربيةٌ ، عكسيةٌ أبداً

ترُد قُتار قدركَ

إن تَناءى عنكَ

تلوي عنقَهُ قسراً

ليزكُمَ منخريكْ

ثكلتك أُمك لا عليكْ!

 

رفقاً بحبركَ أن يجفَّ

وأن يَغيضَ على الشِفاهْ

لم تُبقِ من سيفٍ سواه

فاحرص على طوق النجاه

فالحبر مثل الدم، مثل النُسغِ

يجري واهباً نبض الحياهْ

لا تنزف الحبرَ المقدسَ

واختزنهُ ليومهِ

يُسعفكَ لمّا أن يجفَّ الدمُ

حاذر، حبركَ المُسودّ أغرقنا

وغطى وجهكَ المجدورَ

ثرثرَ دافقاً من أنفِكَ المثقوبِ

من عينيكَ، من أذنيكَ

من نافورةٍ نغرت بحلقكَ

غرغرت حبراً

تدفقَ منكَ ذاكَ الأحمرُ القاني

تَسيّدَ سائر الألوان

أزرقها وأسودها و أغبرها

وغبتَ، غرقتَ في لُججٍ

تخوضُ بحبركَ المسفوحِ

لا تدري أهذا الراعفُ الدفاقُ في الشريانِ

حبرٌ أحمرٌ أم دمْ

وأن عجبج هذي الجعجعاتِ

ولا طحين وراءها

مدَدٌ تدافعَ مثلما أمّلتَ يا مسكينُ

أم غمٌ تراكم فوق ما حُمّلتهُ من غم

فلا تهتم، لا تهتمْ

قديماً قال قائلُهمْ

وقد سُبيت على عينيهِ من وسط الحمى الأبلُ:

لقد أشبعتهم شتماً، وإن تكُ ضاعت الإبلُ

ففيمَ تظلُ منتظراً

ويسكنُ روحَكَ الأملُ

وتحلمُ أن سيعصم مُحتمٍ بذؤابةٍ جبلُ

وهذا الحبر ما ينفكُ ينهملُ

وليس يكف ُ عن إغداقِهِ هَطْلُ

لقد أُ نسيتَ يا مسكينُ حين تقطعت سُبُلُ

أفي الشريان دمٌّ دافقٌ أم نزّهُ وَشلُ

فدونك َ رهْفَ حدّ السيفْ

وجرحاً ناغراً في صيفْ

نشدتكَ حكمة الأجيالِ

ليس يشوبُها خطَلُ

بأن الأرض إن ظمئتْ

وإن جفت سواقيها

شفاءُ غليلها نهرٌ يفجرُهُ أهاليها

وفيضٌ من دمٍ قانٍ

تحدّر من مآقيها

يَغصّ به أعاديها

ولا تحني نواصيها

وتُخطئ دربها تيها

فليس تُعيرُ وجهة سيرها السُبُلُ

وليس تغيّرُ الأنهارُ مجراها وتنتقلُ

ألا قد بوركَ الحجرُ

ولا شُلت يمينٌ كان آخر ما رمت حجرُ

وجلت قبضةٌ قد أحكمت إطباقها لا يسقط الحجرُ

فرافقها إلى عليائها متشبثاً بالقبضة الحجرُ

وبوركَ شامخاً في عزةٍ شجرُ

وبورك نبتها أرضٌ بها الأحجار تنتصرُ

ويرفع رأسهُ في أفقها القمرُ

وتصمت حولها كل المدافعِ والحجارةِ والحناجرِ

ليس غير الحبر في كل الفصولِ تراهُ ينهمرُ .

                                                  25/2/2001

كان الحال كذلك يومذاك، أما اليوم:

فتلك الأرض هامدةٌ، فلا حجرٌ و لا شجرُ

و تطبق فاهها صمتًا كأن قد غادر البشرُ

و أرض الله في الآفاق كالبركان تنفجرُ

و تلك تظل تنتظرُ

و تحجم عن وُرود الحوضِ

عن خوضِ الغمارِ

تظل في طاحونة الأوهام تنتحرُ

                                    25/4/2012

اترك تعليقاً