بساط الريح

جائزتا نتنياهو وتوضيحات مجدلاني! – عبد اللطيف مهنا

الآن لا يصعب الجزم بما سبق وأن استشرفناه من وفير الدلالات وكثير المؤشراتً، والتي باتت الآن تترى وتتلاحق في تسريبات متعمَّدة، وكلها تفصح وتؤكّد بأن خطوة ترامب التي قرر فيها منح اسرائيله القدس عاصمة لها، قد سبقها تفاهم ثنائي بينهما، ناجم عن تدارس وتخطيط مسبق، وتوافق على التوقيت، ومثله على ما تبعها من خطوات احتلالية لاحقة تسارعت، وكذا ما سيتبع قريباً من مواقف لكليهما ستكون المتناغمة والمتكاملة، وكلها أتت وتأتي وستمضي في سياق واحد، هو محاولة فرض مسار تصفوي تصاعدي تتسارع وتائره يفضي إلى الإجهاز النهائي على القضية الفلسطينية… وإذ هو ماهو عليه، فيتبدى في سمتين:

اولاهما، لا يبدو أنه يعبأ بكل ردود الأفعال على اختلافاتها، محلية، أو إقليمية، أو دولية، ولا يلقي كثير بال لكل ما ستثيره الخطوة والمضي في لاحقها من ارتدادات وتداعيات آنية ومستقبلية، تعدت شعبياً الشارع الوطني إلى العربي فالإسلامي، ورسمياً تجاوزت الإقليمي إلى الدولي، حيث، وبغض النظر عن ما لدينا من تحفُّظات على خفوت المستوى المستوجب في قرارات الاجتماعات الطارئة، وعلى التوالي، الجامعة العربية، ومنظمة الدول الإسلامية، ومجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، فلا يجدر التقليل من أهمية كونها قد عبَّرت بوضوح عن اجماع العالم على رفض الخطوة الأميركية وجزمت بلا شرعيتها.

وثانيتهما، وهي السر في سابقتها، هي القناعة بمحدودية ردود الفعل، بمعنى مآلها إلى الخفوت والتلاشي، وانحسار الارتدادات بفعل قوة الأمر الواقع، واحتواء التداعيات مع الوقت، وهو استخلاص بني على اثنتين: واحدتهما، ضعف الحالة الفلسطينية الرسمية، كرهينة لقفصها الأوسلوي، ولخياراتها التي سقفها، كما بان لاحقاً، لا يعدو الحرد على الوسيط غير النزيه، ونعي رعايته للمرحومة “العملية السلمية”، والبحث عما إذا كان من بديل يكون أكثر نزاهةً منه، بمعنى أقل انحيازاً، هذا إن وجد من يجرؤ على مزاحمة الوسيط الأميركي على دوره، والذي لم يكن يوماً لا وسيطاً ولا نزيهاً، وإنما راع لاستراتيجية حليفه التهويدية التصفوية…في توضيح على لسان احمد مجدلاني، عضو تنفيذية المنظمة، جاء أن سلطة رام الله “تريد تعديل مسار عملية السلام مع اسرائيل وليس الانسحاب منها إثر قرار ترامب”، بل وحدد سلفاً مهمة المجلس المركزي للمنظمة في حال اجتماعه بمناقشة “تغيير العملية السياسية وليس الانسحاب منها”! والأخرى، رداءة الواقع العربي الرسمي البالغ شائن مظاهر الاندلاقات التطبيعية المعبَّر عنها مؤخراً بارتفاع الأصوات النخبوية الداعية للتحالف مع عدو الأمة في مواجهة اعداء بدلاء يراد استعداؤهم، والتواطوء لمقايضة ذلك بتصفية قضيتها المركزية، ناهيك عن استبدال الدعم المفترض لصمود الفلسطينيين بالضغط عليهم لدفعهم للتنازل.

عن السياق التصفوي المشار إليه بدايةً، لايمكن بحال عزل دعوة حزب الليكود بزعامة نتنياهو لاجتماع يتم التصويت فيه على قرار لضم الضفة الغربية والقدس للكيان الاحتلالي واخضاعهما لقوانينه، وإطلاق مشروع “ضخم” لتهويد ما لم يتم بعد تهويده منهما، بالتوازي مع إعلان وزير البناء يوآف غالانت أن حكومته تخطط لبناء مليون وحدة تهويدية جديدة في الضفة من 20% إلى 30% منها في القدس الكبرى، التي ستتضخَّم لتلامس شواطىء البحر الميت فتفصل نهائياً شمال الضفة عن جنوبها، إلى جانب مخططات التهويد الجارية الآن في الأغوار، والبلدة القديمة في الخليل جنوباً، وحول نابلس شمالاً…اضف إليه، اعلان غواتيمالا نقل سفارتها للقدس، واستئجار واشنطن فندقاً في القدس مقراً مؤقتاً لسفارتها، والإعلان عن تواصل خارجية الاحتلال بعشرة دول من نوعية غواتيمالا للحذو حذوها.

كما لايمكن عزله عن عن تخفيض موازنة الأمم المتحدة بضغط اميركي، بمعنى معاقبتها لخروجها مؤخراً على مستوجبات بيت الطاعة الأميركي، ومجاهرة المندوبة الأميركية نيكي هيلي بذلك بقولها إننا “لن نسمح بعد الآن باستغلال سخاء الشعب الأميركي”، وتوعُّدها الهيئة الدولية ب”العديد من التحركات الأخرى نحو أمم متحدة أكثر فعالية”، أي لا تخرج عن الرؤية الأميركية لدورها، وتجدر الإشارة هنا إلى تصاعد نغمة احتمال توقف وكالة “الأنروا” عن تقديم خدماتها البخسة للاجئين الفلسطينيين بزعم شح تزويدها بالموارد المالية…بالمناسبة، تمت مكافأة ترامب اعترافاً بفضله التهويدي بإطلاق اسمه على قطار هوائي ونفق أرضي يوصلان لحائط البراق بالمسجد الأقصى.

لتزخيم فرض الأمر الواقع والتقليل من شأن ارتدادات تغوُّل العدوانية الأميركية، تم التسريب عبر قناة التلفزة الثانية في الكيان الاحتلالي من أن ترامب قد “تراجع عن تقديم خطة سلام، وإنه لا يوجد صفقة قرن”، والتأكيد على أن الأمر “ليس اغلاق الباب فقط في وجه أي صفقة سلام وإنما رمى المفتاح أيضاً”، لتخلص القناة إلى التعقيب بأن نتنياهو قد حصل على جائزتين، القدس والبقاء في السلطة، وبالتالي “تخلَّص من قضيتين، وحصل على شيء مجاناً من دون أن يدفع أي ثمن للإدارة الأميركية ولا للفلسطينيين ولا للعرب”!

…القضية أكبر من أن تُصفَّى، لكنما، ودون التقليل من أهمية المواقف الدولية الأخيرة، ليس من عوائق ترتفع لمستوى إعاقة التكالب على تصفيتها، باستثناء الدم الفلسطيني المقاوم، والمراهنة على إفاقة الأمة من غيبوبتها التي طالت.