الأرشيفعربي وعالمي

حرب تشرين وحروب عليها – عادل سمارة

حرب تشرين وحروب عليها
من ينكر التاريخ ليس تاريخي


ملاحظة: أعدَّ هذا المقال قبل ايام حتى نشرت سلسلة مقالات الاستهداف، واليوم يأتي طوفان الأقصى فجأة تاريخية تشفي القلوب ليؤكد أن المرتعب هو العدو. كل ما نتمناه أن يرى الجميع بأن كل نضال هو امتداد لنضال شعبنا وأمتنا منذ قرن وأكثر.
أمَّا والصراع العربي الصهيوني متواصل على مدار الساعة، فلعل أفضل مايجب أن نذكره على مدار الساعة ايضا :
الأول: الإدراك المبكِّر لعبد الناصر بأن العرب يقاتلون الاستهداف المعولم من قوى الثورة المضادة اي الإمبريالية، والصهيونية والرجعية العربية وأُضيف أنا عليها قوى الدين السياسي. ولذا كان يقول بوضوح لسنا جاهزين لخوض الحرب بعد.
والثاني: أن السعودية كسلطة ونظام هي اشد اعداء القومية العربية.
وبالمقابل، لعل أهم نجاحات الثورة المضادة ضد العروبة هو الزعم بأن الكيان وحده هزم المجاهدين الفلسطينيين حتى 1948 ، هذا مع أن الكيان نفسه ايضاً لم يُخفي دور الثورة المضادة في خلقه ودعمه ناهيك أن ما كُتب عن تلك الفترة يبين دور بريطانيا في قتال الفلسطينيين بالدبابات والطائرات. بل أعلنت أدبيات الكيان نفسه أنه في حرب 1948 استقبل الالاف من المتطوعين من مختلف بلدان الغرب أي اوروبا وأمريكا والمستوطنات البيضاء بمن فيهم المستوطنون الفرنسيين في الجزائر والذين أسموهم بالعبرية “الماخال” وهم يضمون أطباء عيون وخبراء إطلاق المدفعية وطيارين مقاتلين…الخ (أنظر كتاب عادل سماره:الاقتصاد السياسي للصهيونية:المعجزة والوظيفية )هذا دون أن نذكر تسليح الكيان الذي فاق في حينه اسلحة وحتى أعداد الجيوش العربية التي شاركت في الحرب بينما خلفها وتحكمها أنظمة حالت بشكل منهجي دون انتصار هذه الجيوش التي غُدر بها.
ومع ذلك تم تكريس أُكذوبة أن الكيان وحده هزم الجيوش العربية حينها. وحتى اليوم ، لم يتمكن العروبييون من دحض هذا الزعم لكثرة أوساخ اسطبلات أوجياس التي روكمت لطمس أية قدرة عروبية، إنها مذبحة منهجية ضد العروبة.
وحتى عدوان 1956 الثلاثي ضد مصر، هو ايضاً لم يكشف حقيقة التخندق والصراع رغم أن العدوان كان واضحاً حيث قامت به دولتين عظميين حينها فرنسا وبريطانيا، ويكفي التذكير بأن فرنسا كانت جاهزة لإعلان الوحدة مع بريطانيا إذا إشترطت ذلك مقابل المشاركة في العدوان لأن فرنسا كانت تعرف دور مصر في ثورة الجزائر فكانت جاهزة لأي ثمن إذا ما أدى الأمر إلى تدمير مصر (The Globalized Politiocal Economy of Israel Nitsan . .تأليف نيتسان وبيخلر.
وحتى حرب تشرين/أكتوبر 1973 التي جرى تبخيسها كانتصار على الثورة المضادة ممثلة في جيش الكيان وهو الانتصار الذي أذهل كيسنجر حيث قال: كنا نعتقد أن العرب لن يجرؤوا على المبادئة بحرب!
بل وابعد، اي حتى رغم إعلان هنري كيسنجر نصَّاً بأن الولايات المتحدة خاصة قررت منع أي نصر عربي واقامت ، كما ورد في أحد كتبه مؤخراً، أكبر جسر جوي في التاريخ لدعم الكيان وهذا يعني أن مصر وسوريا معهما العراق والجزائر كانتا تقاتلان على جبهة تمتد من الجولان إلى فلسطين إلى مصر فالولايات المتحدة نفسها اي كامل الثورة المضادة.
رغم كل هذا لم يتوقف الكثيرون عن الزعم بأن تلك الحرب لم تهزم الكيان، وبأنها، اي تلك الحرب، كانت ضد الكيان فقط دون شركاء له بل دون من قاتلوا معه ونيابة عنه.
وراء كل هذا الإنكار أمران:
الأول: الجهل بأن صراعنا هو مع مركز النظام العالمي متجليا في الثورة المضادة أي إستهداف الوطن العربي منهجيا وعمليا واستمراراً.
والثاني: وجود آفات في الوطن العربي دورها تبخيس الجندي العربي وصولا إلى تبخيس العروبة نفسها. وهذا إنكار للتاريخ حتى وهو طازجاً!
وهذا التبخيس وإنكار التاريخ يطرح السؤال التالي: كيف يحصل هذا؟ ولماذا؟ فليس هذا نهج مختلف الأمم في العالم.
حين كتب ماركس عن الثوار البوليفاريين في أمريكا اللاتينية كتب عنهم باحترام كمناصلين ديمقراطيين، لم يثنه عن ذلك أنهم لم يكونوا شيوعيين أو إشتراكيين، بل وطنيين وطالبي حرية.
وحينما تشاهد حديثا لفلاديمير بوتين يذكر الثورة البلشفية وأمجاد الاتحاد السوفييتي رغم أن بوتين ليس شيوعيا ولا إشتراكيا، أو كان وغيَّر مواقفه لكنه لم يُبخِّس التاريخ. وحتى الفيلسوف الروسي دوجين، كثيرا ما يشيد بمنجزات الاتحاد السوفييتي. كما أن الماوية لم تشجب تاريخ الكومنتانج إلا بعد أن اغتصبه تشان كاي شيك، ولم تشجب الكنفوشوسية.
هل سبب التبخيس في الحالة العربية هوتضخيم الهزيمة لتكبير كلٍّ طرف لدوره؟
ففي مصر مثلاً، إذا كان النظام الحالي ضد الإخوان، فما معنى تنكره للثورة المصرية أو تجاهله لدور عبد الناصر حتى ولو بالمفهوم المعنوي بل تماهيه مع الموقف الإخواني ضد مصر الناصرية.
والأمثلة كثيرة في كل قطر عربي حيث ينفي النظام القائم تاريخ من سبقه ولذا كثيراً من نجد مصطلح: “النظام البائد، أو وصف زعيم سابق ب المقبور، هذا إذا لم نشاهد وصف مناضلين بالخيانة!
هنا استذكر حدثاً صغير، يفتح على حدث كبير:
يوم 17 ديسمر 1967 قام الكيان بنسف بيتنا بعد اعتقالي، ومن مجموعتنا في الجبهةبعد ضرب مجموعة من لمطار اللد/بن غوريون. ومن بين كل الرفاق المعتقلين لم يُنسف سوى بيتنا. أعطى (بيرن) الحاكم العسكري لأمي ربع ساعة لإخلاء البيت وكان إخوتي صغاراً واخي محمود الذي كان المختار لكن يده مكسوره وبعدها عزلوه، كافحت أمي لأخذ ملابس وحرامات …الخ محكومة بالوقت بينما اهل القرية يقفون بعيدا في ذهول ومذعورين. كان أحد اقاربنا هو الأقرب للمكان وحين رأى أمي تحاول إخلاء ما أمكن قال للرجل: يخرب بيتك، ساعدها. طبعا امي كانت جامدة لا تبكي لا تولول. كان أخي محمود هو المختار لكن كانت يده مكسورة (طبعا لاحقاً عزله الاحتلال عن المخترة) وبقيت أمي مع إخوتي واخواتي اسبوعا في المسجد حتى تجرَّأ أحد اقاربها السيد مرشد حمد الله على إسكانهم في غرفة من بيته الذي هو غرفتين.
ما اقصده أن من آثار هزيمة 1967 وقوع الرعب في نفسية الناس.

ما اقصده أن من آثار هزيمة 1967 وقوع الرعب في نفسية الناس.ولكن المقاومة التي بدأناها فورا أقصد من جميع الفصائل خلقت مناخاً آخر أسقط اسطورة الجيش الذي لا يُقهر عبر تحدي شعبي مقاوم وسرِّي وفاعل. وكانت العمليات العديدة للنضال الوطني، وهو ما كُتب عنه الكثير ومنها كتاب عبد القادر ياسين “الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين ” الذي صدر مؤخرا.هذا النضال الذي نهض رغم انهيار الأنظمة والجيوش التي غُدر بها كان استمرارا للجهاد المقدس قبيل 1948.من هنا أعتقد أن قراءة حرب تشرين/أكتوبر أمر ضروري من باب انها انتصار جرى إغتياله وبانها اسست لتقويض الكيان وبأن هزيمة جيش العدو حصلت قبيل عام 2000 و2006 وأن هزائمه الأخيرة أتت نتيجة للسابقات.