بساط الريح

حـماس و الأنقسام اضطرار أم اختيار .؟! – عـادل أبو هـاشـم

 

 

من أصعب الأمور على النفس البشرية الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه ، وتتحول هذه الظاهرة إلى واقع مأساوي في مجتمعات تحكمها عقائد مطلقة وتربية تجعل كل فرد يظن أنه يملك الحقيقة المطلقة ويمكنه من إصدار أحكام على أصغر القضايا وأكبرها، وتترسخ هذه الظاهرة في غياب الديمقراطية والمؤسسات ونظام للمحاسبة ينطبق على الجميع ، مما يسمح للفرد أو النظام بالتهرب من مسؤولية أعماله وإلقائها على كاهل طرف آخر .

ما دعانا إلى الكلام السابق ما يتردد هذه الأيام من تصريحات و ما نشر و ينشر من مقالات و بيانات صحفية  تحمل كل معاني الضغينة والحقد على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الذكرى التاسعة للانقسام ، و جميعها تصنف تحت بند :

” كـذب مصـفـط أحسـن من صـدق مـفـرفـط ..!! ” .

حتى وصل الأمر بكاتب من ”  أيتام عرفات ”  ذكر بأن حجم المقالات والبيانات الصحفية في ذكرى ” خطف غزة ” نتيجة انقلاب حماس ” الحيزاراني الأسود” ما يمكن اعتباره ” وثائق وطنية ” رفضا لإستمرار ” الإنقلاب ــ  الانقسام “، وأن ما حدث مثل ” خدمة إستراتيجية للعدو المحتل  ” .!

أحد الناعـقين  في حـركة فـتح من ” أيتام دايتون ”  طالب حركة حماس بالاعتذار الرسمي للشعب الفلسطيني  متهما حماس بقتل سبعمائة وثلاثين مناضلا فتحاويا ومن أبناء المؤسسة الأمنية  .!

( اتهم محمد دحلان حماس بقتل ألف من أبناء فتح ، أما حركة فتح فقالت إنها خسرت 138 قتيل و 299 جريح طوال عام 2007 م  ..!! ) .

لا نريد أن ننكأ الجراح ، فالجرح في الكف كما يقول المثل الفلسطيني ، و لكننا نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء لمعرفة حقيقة من الذي أوصلنا إلى يوم الأنقسام في  14 / 6 / 2007 م ؟ ،  و هل ما قامت به حماس كان اضطرار أم اختيار .؟!

في الأيام الأولى لفوز  حركة حماس في الإنتخابات التشريعية في 25 / 6 /  2006م ، و من ثم تشكيلها للحكومة العاشرة ظهرت ظاهرة جديدة في الفكر السياسي الفلسطيني تسمى  ” مدرسة عباس في التآمر على حماس  ”  ، وهي جمع غريب وخليط عجيب من ” كهنة حركة فتح ” ورموز التواطؤ و التنازلات للعدو الإسرائيلي ممن نصبوا أنفسهم زورا وبهتانـًا للتحدث باسم الشعب الفلسطيني  ، وممن ارتبطت مصالحهم الشخصية بالمشروع الأمريكي ــ الصهيوني لوضع اللمسات الأخيرة علي تصفية القضية الوطنية لشعبنا ،  يساندهم في ذلك مجموعة من “كتبة المارينز” ، و” مثقفو الردة ” ودعاة الاستسلام والانبطاح للعدو الإسرائيلي.!

 وهدف هذه المدرسة الوحيد التي رفعت شعار الإدارة الأمريكية والعدو الإسرائيلي بوجوب إفشال حركة حماس في قيادة الشعب الفلسطيني هو تأجيج الكراهية ، وممارسة التحريض علي الحكومة الفلسطينية المنتخبة ، والعمل على تطويقها والنيل منها ، تارة بالتحريض عليها ، وتارة أخرى بالسخرية منها في حملة يومية متواصلة على حركة حماس ورئيس حكومتها ووزرائها في الأجهزة الإعلامية التابعة للسلطة..!!

لقد صدر من تلاميذ عباس اتهامات ضد  حركة حماس لم تصدر عن أعتى عتاة الليكوديين في إسرائيل ، ولا عن رمز من رموز المحافظين الجدد في أمريكا الذين يملأهم الحقد على الفلسطينيين.!

أحد تلاميذ  مدرسة عباس  وصف فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بالنكبة الكبرى.! وشبهها بنكبتي فلسطين في العامين 1948م و1967م .؟!

و وصل الأمر بأحد هؤلاء التلاميذ الفاشلين إلى المسارعة ــ  حتى قبل إعلان النتائج الرسمية ــ  إلى إعلان مقاطعة الحكومة الفلسطينية، ومنهم من اعتبر الالتحاق بالحكومة ” عارًا ” يلاحق أي ” فتحاوي “، ومنهم من هدد بقتل كل من يحاول كسر احتكار فتح لأجهزة الدولة .!

أحدهم لطم الخدود وشق الجيوب على “أوسلو” و”خريطة الطريق”.!، والآخر لم ينشغل إلا بالإلحاح على حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح المقاومة.!

في اليوم التالي لفوز حماس صرح تلميذ من تلاميذ عباس بان القيادة والسلطة عملت كل ما بوسعها ، ولكن الشعب لم يقنع بما قسمه الله له، ولهذا إن طالبنا بالتغيير فيجب ان نغير الشعب .!

بل وصلت الوقاحة بأحدهم إلى اتهام شعبه بـ ” العلمانية ” متنبئـًا بسقوط الحركة على يد هذا الشعب العلماني بعد أشهر قليلة ، وعودة حركة فتح إلى السلطة من خلال تلغيم الطريق أمام حماس لإفشال مهمتها ، ومن ثم دفع محمود عباس إلى الدعوة لإجراء انتخابات جديدة بدعوى أن حماس لم تتمكن من النهوض بمسؤوليات الحكم أن أنيطت بها .!

ولم يتوان عباس لتحقيق هدفه بإسقاط الحكومة  التي وصفها بالارهابية ، فعمل على إقامة حكومة موازية بديلة للحكومة المنتخبة التي شكلتها حركة حماس وفازت بثقة المجلس التشريعي،  ( حيث واجهت  حصارا خانقا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية )  من خلال بعض التعيينات والمراسيم التي جردت الحكومة المنتخبة من أي صلاحيات ، ومن اتخاذ إجراءات يومية وقرارات تعسفية لسحب صلاحيات الحكومة وحرمانها من كل الأدوات التي تمكنها من العمل والإنجاز وتوفير حاجات المواطنين ومحاربة الفساد والفلتان الأمني ، وجعل  الأمن والمال والإعلام والمعابر والسفراء والوظائف العليا بيده شخصيـًا.!

وليت الأمر توقف عند هذا الحد ، بل ظهر تيار إنقلابي وإستئصالي في حركة فتح من عصابات من القتلة والفاسدين و المفسدين و المخربين تحت مسميات ” فرقة الموت ” ، و ”  فرقة جهنم ” من أجل إسقاط الحكومة الفلسطينية بالسلاح بعد أن فشل مخططهم بإسقاطها بالحصار المالي والإقتصادي والمظاهرات و المسيرات المسلحة المخطط لها في الأقبية السرية للأجهزة الأمنية ، والإضرابات وحرق المؤسسات المدنية والوزارات واختطاف النواب وحشد الأدوات الإعلامية الرخيصة  والصحف الصفراء لترويج حربهم الإعلامية ضد حركة حماس .!

فبعد أن فشلت جميع وسائل  الحصار على شعبنا من ضغوط اقتصادية وسياسية و مادية و معنوية  لإذلاله وتركيعه ، و التهديد من قبل التيار الأنقلابي في فتح بإغتيال قادة “حماس ” ، و العمل  على الكشف عن هوية أعضاء كتائب القسام لينال منهم العدو الصهيوني ،  و تزوير البيانات للتشويه والتطاول على منهج  المقاومة ورجالها ، والتهديد بنقل الصراع مع حماس إلى خارج فلسطين، والكشف عن  مخططات المقاومة بالحديث عن أنفاق في غزة واتهام حماس وكتائب القسام بتجهيز هذه الأنفاق بهدف الإغتيالات الداخلية ، و تمرد الأجهزة الأمنية و عدم القيام بواجباتها ، و عدم تنفيذها لتعليمات وزير الداخلية ، و مشاركة عناصر هذه الاجهزة في مسيرات احتجاجية بسلاحها و لباسها العسكري في شوارع قطاع غزة ، لجأ التيار الأنقلابي التصفوي  في حركة فتح إلى الإعلان عن ذاته من خلال إسقاط البيت الفلسطيني من الداخل  ، و ذلك  بتصفية بندقية وثقافة المقاومة داخل فلسطين ، حيث بدأ خطواته من خلال توجيه الرصاص مباشرةً إلى صدر المجاهدين ،  وإلى بندقية المقاومة التي تمثل خيار الشعب  وفصائله وقواه الأسلامية و الوطنية الجهادية الحية.

و أقدم عناصر هذا التيار على اقتحام الجامعة الأسلامية  في غزة وتدميرها وحرق مكتبتها وسرقة محتوياتها في عملية همجية بربرية  يندى لها الجبين.!

ولم يكتف أصحاب  التيار الدموي الأنقلابي بذلك ، بل واصلوا مخططهم الاجرامي باقتحام المساجد و قتل المصلين ،والهجوم على المستشفيات و المؤسسات التعليمية ،واختطاف الاطفال وجعلهم دروعاً بشرية ، حتى غدا أبناء حركة حماس هدفاً مفضلاً لفرق الموت طوال أكثر من عام  .!!

ست و سبعون شهيداً وأكثر من 500 جريح  هم حصيلة عمليات الإعدام وإطلاق النار المباشر التي استهدفت الملتحين وأبناء وأنصار حركة حماس من 8 / 4 / 2006 م إلى 14 / 6 / 2007 م  و غالبية الشهداء مدنيون عزل جرى إعدامهم بشكل مباشر ورغبة الانتقام والحقد على الموحدين ،  وعدد منهم جرى اغتيالهم عقب اتفاقات وقف إطلاق النار التي كان يتم التوصل لها ،  أو بهدف نقل بؤر التوتر والفتنة لمناطق جديدة من قطاع غزة .

حواجز الأجهزة الأمنية التابعة  للتيار الدموي الانقلابي  ومليشيات الموت في أمن الرئاسة  تحمل معها أجهزة كمبيوتر تفحص فيها الهوية وتفتش في قوائم  موجودة لديها وتقوم بعمليات اعتقال وتحقيق وتعذيب وإهانة ،  وفي النهاية تطلق النار على الأرجل في مناطق حساسة عند الركبة والكاحل ، وفي حالات كثيرة يتم تنفيذ الأعدام  الميداني . !!

نستطيع أن نكتب مجلدات عن ممارسات الأجهزة  الأمنية لإسقاط حركة حماس ، و حالة الفلتان الأمني  و الفوضى الأمنية المنظمة التي اجتهد القائمون عليها من مسؤولي الأجهزة الأمنية و التابعين لهم  أن يجعلوا من قطاع غزة ساحة حرب مفتوحة للقتل اليومي ،  من قتل الشيخ ناهض صالح النمر  احد رجال الإصلاح في غزة  على أيدي قوات حرس الرئاسة التابع لعباس بعد اختطافه  من بين أبناءه  الثمانية بملابسه الداخلية  ، وإطلاق القذائف تجاه المصلين في مسجد الهداية في حي تل الإسلام في مدينة غزة أثناء تأديتهم  صلاة العشاء ، واقتحام  المسجد وإعدام  إمام المسجد أمام مرأى المصلين وهو الشيخ الفاضل المجاهد زهير المنسي” أبو أنس ”  الذي استشهد وهو يقرأ القرآن داخل المسجد، لتصعد روحه إلى السماء شاكية إلى الله ظلم الفئة الباغية المجرمة التي لم تراع حرمة لبيوت الله، أو تقيم وزنا لدين أو إنسانية أو وطنية أو أخلاق ،  وكذلك إعدام  اثنين من المصلين ( إيهاب حمودة ، ومسعود شملّخ ) وهم يتدارسون  داخل المسجد ، ويصيبون تسعة آخرين ويختطفون اثنين من داخل بيت الله، ويحاصرون المسجد.!

، و قد أحصت منظمات حقوق الأنسان مئات الحوادث لإطلاق النار التي أسفرت عن سقوط مئات المواطنين بين قتيل و جريح .!

والسؤال الذي يطرحه أبناء  حركة حماس بشديد الأستغراب :

أين  القائمون على أعلام  الحركة للرد على أكاذيب و ترهات الناعقين في فتح  حتى يعرف الشعب الفلسطيني  حقيقة ما حدث .؟!

انتظرنا أن يخرج جهابذة الأعلام  الحمساوي للرد على هذا الكم من  التضليل الأعلامي و التفاهات التي تحفل بها الصحف  و المواقع الألكترونية العباسية و الدحلانية ، و تفنيد ادعاءاتهم ، ولكن لا حياة لمن ننادي ، ورد عليهم ــ فقط  ــ  الدكتور صلاح البردويل الذي أكد بأن الفلسطينيين جميعا سيذكرون بفخر وامتنان يوم 14 من حزيران 2007 م في غزة باعتباره محطة لوقف الانقلاب على الشرعية ، وأن حماس اضطرت إلى الحسم العسكري في غزة اضطرارا دفاعا عن الدم الفلسطيني ، ولوقف الفلتان الأمني وحماية التجربة الديمقراطية .

نصيحة أخيرة للقائمين على الأعلام في حركة حماس   :

إن إعلام الدروشة و المزاجية و التخبط لا يصلح في هذه المرحلة ،  و أن النوم في العسل والتلطي خلف مقولة ”  القافلة تسير و الكلاب تنبح ” ، و ” لتنبح الكلاب حتى يأتي ذات يوم يسكت نبحها ” كانت في زمن غير هذا الزمن ، فالكلاب التي تريد نهش الوطن و حركات و فصائل المقاومة في إزدياد .!

 

،

اترك تعليقاً