الأخبار

د.فايز رشيد يكتب : يتغطى بكنفاني للتطاول على الجبهة الشعبية! …

نصري حجاج , هذا الإسم لم أسمع به! يقدّم نفسه كاتباً صحفياً ومخرجاً سينمائيا..الخ. المذكور كاتب في جريدة عزمي بشارة “العربي الجديد” الذي باع نضالاته وأرضه كما يهوذا الإسخريوطي بثلاثين من الفضة! الصحيفة العرمرية (ولأن لندن مربط خيلنا), تصدر من العاصمة البريطانية! مقالة المذكور,أرسلها لي صديق , فما أتابعه من صحف, أقل ما فيها, شيءٌ وطنية, وليست محكومة بأوامر, تلبي رغبات الممولين, أياً كانوا.

مقالة الكاتب بعنوان “غسان كنفاني قتيل السياسة” المنشورة في جريدة عزمي , كُتبت على قاعدة “وضع السم في الدسم”. فيها يتأسف على اغتيال الرفيق غسان كنفاني, لكونه كان ناطقا رسمياً باسم الجبهة الشعبية. إلى هنا والوضع في غاية السلاسة, ولكن السؤال المستغرب لماذا هذا التقيؤ الكتابي باستعمال جمل قميئة وحاقدة عن الجبهة الشعبية, لا يكتبها إلا أحد المنتمين إلى الطابور الخامس , ممن يتحكم في آرائهم, ممولوهم بالأموال المنقولة وغير المنقولة؟ من نمط كاتبنا العرمرمي. بقول المذكور عن غسان وعن الجبهة الشعبية: “كنت أعتقد أن مطرجه ليس داخل هذا الإطار أو الأطر التنظيمية الفلسطينية الأخرى, كي يبدع… . ويستطرد لا فض فوه :” كانت الجبهة الشعبية آنذاك جامحة جموح مراهق! وفهمت النضال الفلسطيني بطريقة ساذجة…..وكان همها منافسة حركة فتح….غير مدركة حجمها وبنيتها الخربة , وتناقضاتها في اعتناق النظرية الماركسية؟؟؟.. وفهمها الصبياني ونهجها الأهوج في محاربة العدو في كلّ مكان, هذا الشعار الذي قتل غسان .. الخ ما في هذا القيء اللغوي الكريه.

بداية, فكّرت بعدم الرد على حقد الكاتب على فلسطينيته أولا, وعلى الجبهة ثانيا, وعلى التزامه بحريدة أصدرها بائع فلسطين المشهور عزمي بشارة.نظراً لما سيعطيه ردّي له من قيمة. ولكن من جهة أخرى أحببتكشف شخصيته وحقده وحقد سيده ,الذي أوحى له بكتابة المقالة, على الوطنية الفلسطينية أولاً, وعلى غسان كنفاني ثانيا ,   وعلى الجبهة الشعبية ثالثاً, هذا الحقد الذي لو أرسله للإسرائيليين لاعتبروه واحداً منهم ,وبلا مبالغة! لا يمكن الفصل بين الجبهة الشعبية وغسان كنفاني, الذي هيأ في كل رواياته وقصصه لقيام الثورة المسلّحة, فهل يكون غسان كنفاني في واد والثورة الفلسطينية في وادٍ آحر؟

الكاتب لم يقرأ غسان كنفاني, ولا بعرف مواقف الجبهة الشعبية,إن شعار “وراء العدو في كل مكان”,هو الشعار الذي أثبت قدرته وأهميته في مرحلة زمنية معينة, طرقت فيها القضية الفلسطينية أبواب العالم, لتحوّل شعبنا من مهاجرين مساكين بحاجة إلى كرت الإعاشة( ومنهم كاتب المقالة) , إلى مناضلين ثوريين ,بجبرون العدو والعالم على سماع عدالة قضيتهم! إن قضيتنا كانت في بداية الثورة المسلحة بحاجة إلى ممارسة “حطف الطائرات” ليدرك العالم عدالة قضيتنا من جهة, ولنجبر العدو الصهيوني على إطلاق سراح أسرانا المعتقلين لديه . الجبهة الشعبية, التي اختطت هذا الطريق, أوقفته فيما بعد, انطلاقا من مبدأ جدلي تاريخي, أن أسلوبا يفيد في مرحلة زمنية, قد لا يفيد في أخرى, هذا أحد الشعارات في النظرية التي أشك أنك قرأتها أو تعرف خطوطا أولية منها!

إسرائيل ليست بحاجة لأن يكون غسان كنفاني ذا مركز في الجبهة الشعبية ,لتقوم باغنياله! اغتالته لأنه بحد ذاته ثورة! ألم يمرّ عليك ما قالته غولدا مائير بعد اغتياله “لقد تخلصنا بموته من كتيبة دبابات ومن آلاف المخرّبين ن”.أسألك ما ذنب كمال ناصر لتقوم إسرائيل باغتياله؟ ,كما وائل زعيتر وغيرهما؟! شعراؤنا وكتّابنا الأصيلون الوطنيون ,غير المرتزقة, كلهم في صفوف الئورة, منخرطون فيها!, أما الجيهة الشعبية فبنضالاتها واستشهاد قادتها وكوادرها وأعضائها من أمينها العام السابق الشهيد أبو على مصطفى وصولا إلى شهيد اليوم في مخيم الدهيشة براء محامدة, ورائها نضالات عظيمة وكبيرة ماضية وحالية ومستقبلية , أمينها العام الحالي معتقل بتهمة اغنيال الفاشي زئيفي, جبهة شعبية أسسها جورج حبش لن يسيئ إليها ولا إلى نضالاتها وثوريتها وطهارة أعضائها, كل اختلاقات وترّهات ذوي القامات القصيرة, النهمين لعطايا أسيادهم… ختاماً, لا أجد إلا المقولة الشكسبيرية كي أختتم بها مقالتي : نعم “, الكلاب تنبح والقافلة تسير”.       

——————————————————————————————— 

هنا مقالة نصري حجاج في العربي الجديد

غسّان كنفاني قتيل السياسة – نصري حجاج  

14 يوليو 2017

         

في الثامن من يوليو/ تموز 1972، قُتل غسّان كنفاني بتفجير سيارته في بيروت. 36 عاماً عاشها، وانتهت بلحظة خاطفة. رحيل مبكر لكاتب وفنان يجتاحه نهم الحياة والخلق. يموت كثيرون في مثل هذا العمر أو أصغر، بسبب انخراطهم في أتون قضيةٍ سياسيةٍ، تحمل إمكانات الموت في كل لحظةٍ من عمر الناس، حاملي رايتها.
كنت في بيروت، عندما قُتل غسّان كنفاني، وأصابني حزنٌ وغضبٌ. لم أكن سعيداً في الموقع الذي احتله غسان كنفاني في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كنت أعتقد أن مطرحه لا يجب أن يكون داخل هذا الإطار أو الأطر التنظيمية الفلسطينية الأخرى، كي يبدع ويكتب، ويرسم، ويقرأ التاريخ الفلسطيني، وينقد الأدب، ويرسم الكاريكاتور أيضاً. كانت الجبهة الشعبية في تلك السنوات جامحةً جموح مراهق، وفهمت النضال الفلسطيني بطريقةٍ ساذجةٍ واستعراضيةٍ كفاحية. كانت الجبهة، وهي تحاول مستميتةً منافسة حركة فتح على قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، غير مدركة حجمها، وبنيتها الخربة، وتناقضاتها في اعتناق النظرية الماركسية اللينينية على أرضيةٍ فكريةٍ غارقة بالفكر القومي العروبي، وبنية طبقية لا تؤهلها لأن تكون حزباً للطبقة العاملة الذي انقطعت أنفاسها، وهي تسعى إليه منذ عقود طويلة، وهو يتهرّب من بين أصابعها، لأنه لا يقوم في أرضٍ غير أرضه، ولا بيئة غير بيئته، ولا في فهم صبياني للنظرية، ولا بالنهج الأهوج في محاربة العدو في كل مكان، كما كان شعار الجبهة، وهذا الشعار الذي قتل غسان كنفاني مبكراً، وحرم الأدب والإبداع الفلسطيني من معلمٍ، كان يمكن لو أنه عاش أطول لربما وضع الثقافة الفلسطينية غير هذا الوضع، وخصوصاً بعد رحيل مبدعين فلسطينيين كثيرين.
أسمح لنفسي بأن أقول إن غسّان كنفاني ارتكب خطأً أودى بحياته في انخراطه في صفوف الجبهة الشعبية، وشغله منصب الناطق الرسمي للجبهة في مرحلة العمليات الخرقاء، مثل خطف الطائرات وظهوره في مؤتمرات صحافية، مدافعاً عن هذا الشكل من العمليات التي آذت الثورة الفلسطينية في تلك المرحلة أكثر مما أفادتها، وانتهت بتسليط ضوء الاستهداف بالقتل عليه، ما جعل نهايته تراجيدية وخسارة احتمالاته الإبداعية واستمرارها خسارة لشعبه. كل المبدعين الفلسطينيين الكبار الذين انخرطوا بالتنظيمات الفلسطينية، أو كانوا قريبين منها، انتهوا اغتيالاً بموت فاجع على أيدي الأعداء، كمال ناصر وماجد أبو شرار وناجي العلي وغسان كنفاني، وكلهم ماتوا ولم تكن رحلتهم الإبداعية قد اكتملت.
عرفتُ غسّان كنفاني، بين عامي 70 و72 عن قرب، فقد نشر لي، وكنت في الثامنة عشرة، أول نص في مجلة الهدف، وقرأت لأول مرة نصوص محمود درويش وإميل حبيبي وسميح القاسم وسالم جبران وحنا أبو حنا في كتابه “أدب المقاومة في فلسطين المحتلة”، وكان أطرف كاريكاتور رأيته بريشة غسان كنفاني، وكان يمثل كارل ماركس يحمل غيتاراً ويلبس بنطلوناً من موضة الشارلستون الشائعة في نهاية الستينات. وأنا أعود اليوم إلى ذلك الرسم الذي كان يحتفظ به تحت زجاج طاولته في “الهدف”، أحاول أن أفهم روح السخرية فيه. ليست السخرية من ماركس نفسه، بقدر ما هي سخرية من التزام الجبهة الشعبية بالماركسية، مستبدلة قسراً القومية العربية. أقول ربما لأن واقع اليسار الفلسطيني كان، منذ البدء، هجيناً وإسقاطاً بلا معرفة، ولا دراسة، ولا إدراك لماهية الماركسية اللينينية. ربما أراد كنفاني، في رسمه ذاك، أن يلطّف أجواء الجدل الحار في صفوف الجبهة عن الماركسية، ذلك أن كثيرين من قياداتها، ومنهم وديع حدّاد صاحب شعار وراء العدو في كل مكان، كانوا معادين للنهج الماركسي.
يمكن القول إن الأكثر مدعاة لعدم الاكتراث في العناصر المكونة في تجربة كنفاني المبدع كان انتماؤه الحزبي، والأكثر سخريةً أنه العنصر الذي أدّى إلى قتله.