الأرشيفالجاليات والشتات

رأي وتحليل لأحداث مخيم عين الحلوة

مؤخراً واثناء الاشتباكات في مخيم عين الحلوة بين الاخوة الأعداء أقامت لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني في النرويج ندوة حول ما يجري في مخيمنا. تحدث فيها الصديق الأستاذ الجامعي والباحث النرويجي “ارلنغ لورنتسن” الذي ألف كتاباً عن مخيم عين الحلوة ونشره في النرويج. كتبت تعليقاً على بروفيله أسأله فيه عن رأيه بما جرى مؤخراً لأنه في نفس يوم الاشتباك أو قبله بيوم كان في المخيم وأرسل لي صوراً منه ومن سوق الخضار والخ…فرد أرلنغ يقول: “ألقيت محاضرة قصيرة عن المخيم وتاريخه المناضل. حاولت أن أضع التوتر الحالي في سياق تاريخي متعلق باتفاقية اوسلو بالإضافة إلى الوضع السياسي في لبنان. الأسبوع الجاي انشالله نتواصل حبيت أخذ رأيك كمان”.

باعتقادي أن ارنلغ قرأ معظم ما كنت كتبته عن الاشتباكات في المخيم مؤخراً ولكنه يريد المزيد وأن يسمع ذلك مني شخصياً على ما يبدو. سيكون له ما يريد وسوف يسمع مرة أخرى رأيي بالاشتباكات الدموية المدمرة والمؤسفة التي دارت في مخيم عين الحلوة.

رأيي يا صاحبي أن الجهة التي كانت سبباً في الجولتين الأخيرتين هي “الأمن الوطني” و عنجهية وعدمية تفكير القادة من جماعة سلطة عباس أو عدم وجود تنسيق وتعاون فيما بينهم… أو أن هناك خلافات ونزاعات وتصارع بين هؤلاء الأوسلويين الفلسطينيين، تصارع على المناصب والمكاسب والولاءات للقيادات التي لديها المال والقرار في السلطة. فالمال يحسم كثير من الأمور في مثل هذه الحالات. لأنهم أصبحوا متعلقين ومرتبطين به وماعادوا يفكرون لا بفلسطين ولا بشعب فلسطين.

القضاء على عدد ليس كبيراً من الاسلاميين المتشددين المتهمون باغتيال قائد فتحاوي هو اللواء أبو اشرف العرموشي لا يكون بتدمير أحياء وحارات المخيم وتهجير السكان. بل بعمليات منظمة تستهدف المطلوبين تنفذها مجموعات خاصة مدربة جيداً لهذا الغرض. مع العلم أنه لا يوجد أي دليل على أن القائد العرموشي استهدف من قبل مجموعة من الاسلاميين، هذا مجرد استنتاج وصلت له فتح وأمنها الوطني.

أظن يا صديقي أرلنغ أنك تعرف بأن الشعب الفلسطيني أينما كان من مطعم “كرمل” الفلسطيني في أوسلو حيث نلتقي عادة أنا وانت وآخرين… من هناك إلى مخيمات عين الحلوة واليرموك والوحدات وجباليا وبلاطة وجنين،  وصولاً إلى أراضي فلسطين المحتلة سنة ال 48، وإلى كل الفلسطينيين في بلدان اللجوء والشتات والمنافي العالمية، وحيث يوجد أي فلسطيني في الدنيا، جل هؤلاء ينظرون إلى قادة السلطة الفلسطينية نظرة احتقار، لأنهم خرجوا عن الصف الوطني ولأنهم ينسقون مع الاحتلال حتى بعد فشل وموت اتفاقية اوسلو، وبالرغم من جرائم الاحتلال والاستيطان اليومية.. ولازالوا يقدمون التنازلات بالجملة لصالح “اسرائيل”.. ولأنهم فاسِدين ومُفسِدين، دمروا المجتمع الفلسطيني من داخله… وحولوا شعبنا  الفلسطيني الأبيّ إلى شعب فقير ينتظر المعونات والهبات المالية والاقتصادية من دول التطبيع العربية أو من الدول المانحة.. فأنت وأنا والكل نعرف وهذه حقيقة بأن لا أحد يقدم  المال مجاناً وبلا مقابل أو لوجه الله تعالى، فالأموال تلك صنعت الفاسدين والمُفسدين والعملاء والخونة وتجار ولصوص الوطن والمنفى.

شعبنا بغالبيته يعتقد بأن هؤلاء هم أكبر وباء بعد وباء الصهيونية والاحتلال “الاسرائيلي” يصيب شعب فلسطين في الداخل وفي الخارج .. فيما المرض الآخر والذي لم يصل لحد الوباء ولن يصل هو التكفيريين والمتشددين الاسلاميين، لكن تأثير هؤلاء محدود للغاية مقارنة مع تأثير حركات أكبر وأقل تشدداً مثل حركتي حماس والجهاد الاسلاميتان.

اعتقد أن المستقبل في فلسطين سيشهد نمواً وتطوراً ومكانة أكبر لحركة الجهاد الاسلامي بالذات لأنها تفعل أكثر مما تتكلم لديها مصداقية على الأقل في قتال الاحتلال ورفض الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني. كذلك سيكون هناك دوراً هاماً جداً للجيل الشاب في كتائب جنين ونابلس واريحا وطولكرم، هذا الجيل الذي أخذ على عاتقه من سنين قليلة مهمة قتال العدو في مخيمات الضفة، وهو جيل فلسطيني مكون من خليط من شباب ثائر علماني ويساري ووطني واسلامي ومسيحي فلسطيني.

 بالعودة لأحداث مخيم عين الحلوة فإن الطرف الآخر “الاسلاميين التكفيريين والمتشددين” الذي كنا نهاجمه دائماً لأنه كان قبل سنوات هو البادئ في إشعال شرارة الاشتباكات، هذه المرة كان هو الضحية ووجد نفسه في معرض الدفاع عن النفس، فالأمن الوطني التابع لفتح والسلطة الفلسطينية هو الذي افتعل الاشتباكات. العنصر المعروف بالاسم والصورة والكنية في الأمن الوطني، ذو السوابق الاجرامية هو الذي اغتال وأطلق الرصاص على الفتية والشباب في حي الصفصاف بالمخيم، حيث قتل وجرح بعضهم. وسبق له أن فعل ذلك وتم اطلاق سراحه من السجن لدى الدولة اللبنانية وهذا يعني أن هناك مشروع وهو أداة من أدوات تنفيذه. هذا الشخص كان اعتقله اللواء العرموشي قبل أكثر من شهرين وسلمه للجيش اللبناني. لكن هناك من أطلق سراحه بعد 5 أيام من اعتقاله وتسليمه. فقام بعد عودته الى المخيم بتنفيذ الجريمة الجديدة  التي ترافقت مع زيارة مدير مخابرات سلطة رام الله ماجد فرج الى لبنان، الذي  بدوره كان طلب السماح لفتح والأمن الوطني بالسيطرة على المخيمات ونزع سلاح الاسلاميين كلهم. ولكن طلبه الغريب والمستهجن حتى لبنانياً قوبل بالرفض من قبل اللبنانيين، فيما رفض زعيم حركة الجهاد الاسلامي زياد النخالة اللقاء به ويقال أن حزب الله رفض طلباً لفرج أراد فيه التحدث الى السيد حسن نصرالله وذلك حفاظاً على أمن وسلامة السيد ومنعاً لاختراق منظموته الأمنية.

في هكذا أجواء ذهب العرموشي لاعتقال عنصر الأمن الوطني الذي قَتَل وجَرح شباب الصفصاف ومن أجل تسليمه الى الجيش اللبناني، فتم اغتيال العرموشي ومن معه على الفور. واضح  أنها خطة محكمة للتخلص منه لأنه كان نظيفاً ورجل صاحب كلمة، كما يبدو أنه كان عقبة في وجه المشروع. قتلوه ليرتاحوا منه وكي يتهموا عدوهم بالجريمة وبهذا يتوفر ويكون لديهم سبب كبير ومقنع بشن الحرب التدميرية على الاسلاميين المتشددين في المخيم.. وكان لهم ذلك ثم بدأت اشتباكات عنيفة في المخيم على دفعتين مدمرتين وهما الأسوأ تدميرياً في المخيم منذ اجتياحه وحصاره وتدميره سنة 1982 من قبل قوات الغزو الصهيوني.

رأيي الشخصي أنه بالنهاية لا هؤلاء ولا أولائك يحرصون على شعبنا وعلى مخيمنا ووجودهم يشكل مصيبة على مستقبل فلسطين وقضيتها. لكن تقتضي الأمانة الاخلاقية والمهنية أن نقول الحقيقة كل الحقيقة للجماهير مثلما تعلمنا ذلك في مدرسة المعلم الشهيد غسان كنفاني، الاعلامية والسياسية والأخلاقية.

وفق وحسب ما شهدناه في المعركتين الأخيرتين وما كان يدور ويجري من تدمير وسياسة أرض محروقة اتبعها جماعة  سلطة “اوسلوستان”، فإن الذين يتحملون مسؤولية مباشرة عما لحق بدمار في أحياء المخيم، كذلك عن تهجير سكانه وتدمير منازلهم ومحلاتهم وممتلكاتهم ونهب بيوتهم وحرقها وحرق مساجد ودور العبادة، هم الذين يملكون الراجمات والهاونات والرشاشات الثقيلة، وهم من جلب وأدخل مئات المسلحين مع أسلحتهم الخفيفة والثقيلة والجديدة، من مخيمات أخرى الى مخيم عين الحلوة، بموافقة أطراف غير معروفة في الدولة اللبنانية، يعني أنها جهات مرتبطة بالمشروع الذي أعد للمخيم في الغرف المغلقة… ربما هي نفس الطرف الذي اطلق سراح عنصر الأمن مُشعل فتيل الاشتباكات والسبب غير المباشر في اغتيال العرموشي.

أنظر لهذا الاعلان الذي صدر اليوم 29-9-2023:

أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الأنروا” عن بدء العام الدراسي في مدارسها ابتداء من يوم الاثنين 2/10/2023، وقررت تأجيل إلتحاق 11 ألف طالب وطالبة من مدارس مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا “حتى إشعار آخر” وذلك بسبب استمرار سيطرة المسلحين على المدارس الثمانية في المخيم، ووجود عدد كبير من العائلات النازحة في مبان تابعة للأونروا في مدينة صيدا، كما ذكرت الوكالة ضرورة أن تكون المدارس في محيط المخيم آمنة حتى يتمكن الأطفال من الالتحاق بها”.

من يا صاحبي سيعيد بناء منازل ومحلات هؤلاء اللاجئين؟

أين سيقطنون مادامت بيوتهم مدمرة ومادام خسروا كل شيء كانوا يملكونه؟

مادامت البيوت مدمرة سوف يبقون نازحين ومشردين خارج مخيم اللاجئين عين الحلوة. مما يعني أن مدارس ومباني الانروا ستبقى مشغولة من قبلهم. هذا يعني أن الطلبة والتلاميذ لن يعودوا الى مدارسهم حيث يقطن النازحون والمشردون. فيما المدارس المحتلة في المخيم وإن أخلاها المسلحون فهي بحاجة للاصلاح ولإعادة الترميم والتجهيز والخ… لكي تكون صالحة للاستخدام وللتعليم.

تصور يا صاحبي وأنا أكتب وصلتني الآن رسالة تقول ” القوة الأمنية المشتركة الفلسطينية دخلت المدارس في مخيم عين الحلوة “. هذه إشارة ايجابية لكن مقابل ذلك هناك نهاية وقت الهدنة التي وافقت عليها حركة فتح والأمن الوطني. استمرار الهدنة يعتمد على تحقيق ذلك وهي كما تدعي فتح تلزم بتسليم المطلوبين باغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي (فتح تقول انهم اسلاميين متشددين والاسلاميين يدعوون أن فتح نفسها قتلته.). المهلة تنتهي اليوم أو غداً وهي تسبب خوف وهلع للسكان بالمخيم حيث غادرته عائلات ليل أمس خوفاً من تجدد الاشتباكات.

بالنسبة للمدارس وال 11 ألفاً من التلاميذ والطلبة الفلسطينيين الذين سوف يخسرون عامهم الدراسي، هم في رقبة محمود عباس وعزام الأحمد وماجد فرج وقيادة فتح والأمن الوطني في لبنان. وفي رقبة الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تقف منحازة لطرف من الطرفين إما تقف عاجزة لا حول لها ولا قوة، حتى صوتها لا نسمعه. كما هي في رقبة الحركات والجماعات والمجموعات الاسلامية التي كانت شريكة وطرفاً مباشراً في المعارك الأخيرة.

لا حل في مخيم عين الحلوة إلا بنزول سكانه الى الشوارع والدوس بالنعال على كل أزعر سلاحه يحرق المخيم. لا اعتقد أن هناك حل مادامت الساحة الفلسطينية منقسمة وبلا مشروع وحدوي ووطني ومقاوم.. لأننا منذ توقيع اتفاقية اوسلو الاستسلامية الانهزامية النكبوية، لازلنا نعيش فلسطينياً في ظل سلطة تحتل المنظمة ومنخرطة في مشروع استسلامي مرتبط بمعسكر الأعداء… لذا مادامت السلطة الفلسطينية على قيد الحياة وتعيش بالتنفس الدولي الاصطناعي، سوف يبقى الوضع على حاله في المخيم الى أن نتمكن من إزالة السلطة وإسقاط مشروع القضاء على القضية…

ما دمنا لم نحرر بعد فلسطين ولم يعد اللاجئون كلهم ومنهم سكان مخيم الحلوة الى منازلهم وديارهم في فلسطين المحتلة، التي يقطنها ويستوطنها اليهود الصهاينة المجرمين. للأسف سيبقى واقع الحال كما هو وبلا تغيير.

نضال حمد

موقع الصفصاف – وقفة عز

29-9-2023

نضال حمد كاتب فلسطيني نرويجي مقيم في أوسلو