الأرشيفالجاليات والشتات

زمان الختايرية في مخيم عين الحلوة

وقع صوت عكازة أو باكورته الختيار، كان مزلزلاً … نحنة صوته كان لها صدى يدخل آذاننا ويخرج منها ليصل الى آذان الصبيان الأكبر منا سناً

زمان لما كنت طفل صغير ألعب مع أقراني من الأطفال والفتية في زواريب مخيم عين الحلوة، كان صوت وقع عكازة أي ختيار بيهزنا وبيهز المخيم… أما صوته حين يتكلم بحدة احتجاجاً أو حين ينهر علينا مترافقاً مع وقع صوت باكورته أو عكازته، كان مزلزلاً … صوته ذاك كان له صدى يدخل آذاننا ويخرج منها ليصل الى آذان الصبيان الأكبر منا سناً، حيث كانوا يلعبون في بستان اليهودي، في منطقة المدارس والسور والبرسكات، عند النبعة وكرم أبو نمر وطلعة سيروب وعلى طريق المية مية ومغارة التايغر… على السكة وعند ملعب الفتبول ومعسكر الأشبال وصولا لدار الأيتام وبساتين المنطقة بما فيها من حمضيات، ومن هناك الى بحر بدر وصخرة الأولى والمملكة وصخرة البطل والبنط وحتى المقاصد والزيرة وقبلها إلى القلعتين البرية والبحرية في صيدا والخ

جدي ابو نعيم


كان صوت الختيار الذي ينفذ من سماعنا الى سماع أقراننا يصل الى أحياء عكبرة وعرب زبيد وطيطبا والغابسية والمزرعة والسميرية والمنشية والرأس الأحمر والطيري وسوق الخضار بما فيه من عائلات وصولاً الى أحياء عمقا والزيب وصفورية وعرب غوير وحطين ولوبية وجبل الحليب، وغرباً نحو جسر التنك وجنوباً نحو درب السيم.. كنت وأنا صغير أتخيل أن تمثال ستنا السيدة العذراء في مغدوشة كان يهتز ويتحرك لما يسمع مثلنا وقع العكاكيز والبواكير أو نهنهاتهم ونهراتهم وأصواتهم.
كان أصحابي ومنهم من توفي رحمهم الله يقولون لي .. صوتهم ووقع عكازيزهم للختايرية كان يصل الى الفيلات ونادي الضباط ومخيم المية ومية.. وأحدهم حلف يمين أنه تهيئ له سماع شيء من هالنوع وهو في مقام النبي صالح ومار الياس والفوار، يعني عند المرحوم نمر أبو كيل… وآخر خبرنا بأنه سمعه أيضاً في حي الطوائ – كمب العتيق وفي التعمير وعند مسجد الموصللي وقرب السراي وحي الزهور… فيما رفيقه قال سمعه في حي الست نفيسة وشاف شمعة كانت مشتعلة اهتزت وانطفأت، يبدو من قوة الصوت.. وكان صوت نهنهاتهم ودقات بواكيرهم وعكازاتهم واصل إلى شركة الكهرباء ونازل صوب ساحة النجمة، لما سمعه بعض باعة القهوة ومن كان يشتفيها من أبناء المخيم قرب محطة الباصات على ساحة النجمة عند بلدية صيدا.

ختايرية فلسطينية


كان الختيار بحطته وعقاله أو بكوفيته المرقطة وبسرواله وببشته وقمبازه ولباسه العربي الفلسطيني التقليدي وعكازته أو عصاته يعني باكورته، التي يتكئ عليها، إما كي تساعده على التحرك والمشي أو للوجاهة، كان له وهرة ومكانة واحترام وتقدير بين جميع فتية وأطفال وشباب المخيم وفي كل حاراته، سواء كان الختيار من أي بلدة كانت صغيرة أو كبيرة ومن أي عائلة أو عشيرة، كان الجميع يقفون له احتراماً… كل أبناء كل البلدات والعكس هو الصحيح كانوا يبجلون الختايرية ويحترمونهم ويقدرونهم ويسمعون كلامهم ونصائحهم… والختايرية كانوا محبوبين ومحترمين ومبجلين ومقدرين .. كلامهم مسموع ومقبول ومعمول به من الجميع.

كبار سن فلسطينيين


أما الآن لما أنظر إلى حال مخيمنا وأجيالنا الشابة والله يؤلمني قلبي وتدمع عيني وأكاد أصاب بالكآبة من كآبة المشهد وسوداوية الوضع في مخيم عين الحلوة… فقدنا الكرامة والشهامة والاستقامة، أجيالنا الحالية مدمرة تماماً سواء كانت متدينة أو غير متدينة.
الله يرحم أيام الأجداد والآباء ويعيدها علينا باليمن والبركات وصلاح الذات.
إسمحوا وأسمحن لي أن أضع مع الخاطرة هذه الصورة التي شاهدتها اليوم بالصدفة في الفيسبوك فأثارت الذكريات في نفسي … الله يرحمه الشيخ عمر سليم الموعد الصفوري الفلسطيني ويرحم الله أمواتنا وأمواتكم-ن.


نضال حمد
موقع الصفصاف – وقفة عز
٢ تشرين الاول – أكتوبر٢٠٢٣