الأرشيفعربي وعالمي

سلطة الكيان الصهيوني.. وصراع الهوية – مي أحمد شهابي

تواجه سلطة الكيان الصهيوني هذه الأيام أخطر تحد تواجهه منذ نشوئها عام 1948 على أنقاض الأرض الفلسطينية، وأناسها الذين أجبروا على مغادرة بيوتهم وديارهم في أكبر عملية تهجير قسرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث أقيمت دولة ما يسمى (إسرائيل/ الكيان الصهيوني)، على القسم الأكبر من أرض فلسطين التاريخية. وشُرد أكثر من مليون فلسطيني. إلى البلدان المجاورة. باعتبارهم لاجئين عن وطنهم لفترة طالت لأكثر من 70 عاماً. واستكمل (الكيان الصهيوني) السيطرة على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية عقب حرب حزيران 1967. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن يمارس (باعتباره سلطة احتلال) حصاراً مطبقاً على قطاع غزة. وسيطرة شبه كاملة على الضفة الغربية في إطار تفاهمات إتفاق أوسلو السيء الصيت. كما قامت بضم مدينة القدس، والسيطرة على 70% من أراضي الضفة الغربية. وتحكم بقوة الحديد والنار على سكان المثلث والنقب. وتمارس عليهم شتى أشكال العنصرية. وبات لقب الأبرتايد (أي سياسة الفصل العنصري) مرادفاً لاسمها حيثما حضر هذا الاسم في المحافل الدولية. وباختصار باتت سلطة احتلال ومصادرة واغتيالات واعتقالات، أي دولة عنصرية بامتياز. وفيها يدعي الغرب المنافق أنها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. بدأ يتضح بوضوح للقاصي والداني، وعلى لسان قادتها من (اليسار الصهيوني) والليبرالي وأوساط من قلب اليمين الصهيوني. أن هذه الديموقراطية المدعاة مهددة، من قبل حكومة اليمين الفاشي التي يقودها نتنياهو. وشهدت تل أبيب والقدس وحيفا والنقب للأسبوع الثالث على التوالي مظاهرات هي الأضخم في تاريخ الكيان، ووصل عدد المتظاهرين في السبت الأخير إلى 130 ألفاً. يتقدمهم رؤساء حكومات ووزراء وجنرالات سابقين ونواب سابقون وحتى راهنون. وهم يهتفون ضد برنامج هذه الحكومة ويدعون لإسقاطها. ولكن أغلبيتهم نسوا أو تناسوا مصدر وأصل هذه الأحزاب الفاشية وأقصى اليمين الديني المتشدد، نسوا أو تجاهلوا أن من أوصل دولة الكيان إلى هذا الموقع والذي بات يهدد بحرب أهلية داخل الكيان. أن نبعه ومصدره هو سياسات الاحتلال والتي اعتمدتها كل الحكومات الصهيونية اليسارية منها أو اليمينية أو الليبرالية. القائمة على إنكار حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه. والعنصرية التي مورست وتمارس بحقه، وكل أشكال القمع والاغتيالات والاعتقالات ومصادرة الأراضي. ومنع فلسطيني الداخل من ممارسة حقوقهم وهم فوق أرضهم والتضييق عليهم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. انتهاء بقانون يهودية الدولة وما يعنيه ذلك من حرمانهم من كل الحقوق وباشتراط الاقرار بهذا القانون. أي إقامة دولة يهودية على غرار داعش. دولة لا تقبل ولاتتفهم غير الانتماء غير المشروط لليهودية. ورغم كل ذلك لم يدرك قادة الأحزاب الصهيونية وجمهورهم أن الحقوق لاتتجزأ وأن الديموقراطية لاتتجزأ. وأن ممارسة فعل الاحتلال. وقمع شعب بكامله واستلاب حقوقه وتحويل البلاد إلى بانتستون -معزل عنصري – وبناء الجدار العازل ومصادرة الأراضي. وأن كل ماسبق سيؤدي بالضرورة والمنطق، أن تتوجه هذه السياسات نفسها للكيان نفسه وسكانه. وسينعكس كل هذا العنف ورفض الآخر وانكار حقوقه على الداخل الصهيوني نفسه. وهو بالضبط ما تواجهه اليوم دولة الكيان. وتشرب من ذات الكأس المر الذي أرغمت الشعب الفلسطيني على شربه على مدى أكثر من 70 عاماً. وطبعاً دون أن ننسى ذات السياسات على الدول المجاورة لفلسطين من احتلال وضم واعتداءات لاتنتهي بفعل تفوقها العسكري والدعم اللامحدود الذي تلقاه من الغرب والولايات المتحدة. وكلتاهما تتجاهلان كل هذه الممارسات المتناقضة مع قرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية. وأسهمتا بهذا بشكل أو بأخر إلى وصول دولة الكيان إلى هذا المأزق الوجودي.

إن سلطة الكيان اليوم تقف على مفترق طرق. ولكنه مفرق طرق مغلق من كل الجهات. فحكومة الأمر الواقع الراهن ستقود إلى دولة دينية يهودية. لامكان فيها إلا لحكم (التوراة) مجتمعياً وفكرياً وسياسياً واقتصادياً. أي وفق زعمهم كما كانت دولة يهوذا المزعومة قبل 2600 عام على أقل تقدير. أو إسقاط هذه الحكومة. والعودة إلى النهج السابق الذي أوصل الكيان لهذه الذروة من الأصطراع الداخلي. أو انتقال الصراع إلى حرب أهلية على حد تعبير النخب الصهيونية نفسها. والتي تعني فيما تعنيه انهيار الكيان.

ذلك أنه دون الإقرار بالأسباب الفعلية والحقيقية التي أوصلت دولة الكيان إلى هذا الموقع الحديث هو سياسة الاحتلال التي تجذرت في بنيته السياسية والعقائدية والاجتماعية وجلبت معها سياسات التطرف والعنف والعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وأن طابخ السم سيضطر إلى تذوقه، وهو ما نراه يتحقق على أرض الواقع. لقد تجرأ اليميني المتطرف والفاشي ودعا لاعتقال رئيس الحكومة الأسبق وقاد التظاهر لأنهم كما يقول يشعلون نار الفتنة والتحريض في دولة الكيان. وليس معلوماً بعد إلى أين سيأخذ الصراع مداه وما سيترتب عليه من نتائج. وهنا لا نقول لننتظر ونرى. بل نتوجه لبعض الدول التي انخرطت في اتفاقات التطبيع، اتفاقات أبرهام، والذين راهنوا على الدولة العبرية. ونقول لهم خاب أملكم. فمن راهنتم عليهم لدعمكم لايستطيعون الوقوف على أقدامهم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً من الآن وحتى إشعار آخر. ولذلك عليكم من جديد إعادة النظر في هذه الخيارات التي تسقط يوماً إثر يوم. أما لأخوتنا الفلسطينيين قادة وقوى وسلطات: إن العدو في أضعف أوقاته ولم يشهد منذ نشوئه هذه الانقسامات العمودية والأفقية وبات حلفاؤه وأصدقاؤه في حرج شديد من واقعه. وشعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده ولاسيما في الضفة والقطاع ومناطق 1948 في حالة نهوض ورفض لكل سياسات الاحتلال. ويتساقط الشهداء بمعدلات عالية لم نشهدها من قبل. وهي فرصة لا تعوض لكم كي تعودوا عن شرذمتكم وانقساماتكم. علَّ شعبنا يغفر لكم خطاياكم عن عمر هذا الإنقسام المديد والذي لم يخدم سوى سياسات الاحتلال عبر التفرد بكل ساحة على حدى وتنفيذ أجنداته في السعي لتصفية قضيتنا الفلسطينية. اصمتوا وانصتوا إلى نبض الشارع الفلسطيني وتضحياته التي فاقت الخيال. قبل أن يأتي يوم لا تجدون فيه ملجأ لكم من عدوكم قبل كل شيء ومن شعبكم والذي بدوره سيتابع نضاله حتى تحقيق أهدافه في العودة وحق تقرير المصير والاستقلال.