الأرشيفوقفة عز

شاعر عين الحلوة محمود صبحة – نضال حمد

ولِد الشاعر محمود صبحة إبن مخيم عين الحلوة في الشتات سنة 1941 في بلدة الصفصاف قضاء صفد في الجليل الأعلى الفلسطيني المُحتل. عاش على حُلم العودة إلى مسقط رأسه. لكنه لم يعد كما الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى رحمة الله في المنافي والشتات والغُربة، وفي العالمين الشرقي والغربي بعيداً عن أرض كنعان.

عاش في المخيم ومات في المخيم بين الناس الفقراء والكادحين وبين الفدائيين والمُناضلين. مات وهو مُمسك بالجمرة، جمرة الفكرة الثورة، جمرة الكفاح والمقاومة لأجل فلسطين، جمرة رفْض تحويل الأشقاء والأصدقاء إلى أعداء ورفْض كذْبة وبدْعة تكريس الأعداء الصهاينة كجيران وأصدقاء.

 درس في الجامعة اليسوعية في لبنان وتخرّج منها وعمل في ما بعد أستاذاً في مدارس مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. وهو بالإضافة إلى عمله في مجال التدريس كان نشطاً في الوسط الشعبي والثقافي والمحلّي. وكان صُلب الموقف ولا يتراجع عنه مهما كلّفه الثمن. وكان مُنحازاً لنهج الثورة المُستمرّة، ومُناصِراً كبيراً لنهج المقاومة وحماية وصون البندقية والكفاح المسلّح، لأن درب التحرير والعودة إلى الصفصاف في أعالي الجليل بحاجة للقوة والمَدَد وللإيمان والتضحيات. ولرجال يُميّزون الصحيح من الغلط والعدو من الصديق.

 حرص شاعرنا على التغّني ببلدته وتضحيات أهلها في سبيل فلسطين كل فلسطين، فكان دائِم الحديث عن بطولات أهل البلدة وتصدّيهم للعصابات الصهيونية إبان نكبة شعب فلسطين، وعن المجزرة التي اقترفتها الأيادي الصهيونية – الأراغونية في البلدة بعد سقوطها ليل 28-29 تشرين الأول اكتوبر 1948. وكتب عن صمود عدد لا بأس به من شباب البلدة في مخيم عين الحلوة المُحاصَر وتصدّيهم للغزو الصهيوني صيف سنة 1982. 

 يقول شاعرنا في رثاء فنان مخيم عين الحلوة وفلسطين والعرب وأحرار وشرفاء العالم، الشهيد الخالد – ابو خالد – ناجي العلي – :

“ناجي محكوما” بالنفي”

هل مات الذي مات،

ولا يزال

نسيمُ الصباح يحمل عبيره،

وظلال الآصال تصدح بفنّه؟!

عرفنا فيه الزاهدَ (يونُسَ) و (السلطان)

لم ينسَ الفقر، ولا المدرسةَ الأولى تحت الخيمةِ.

لم ينس الأم سليبا في (الشجرة)

ولا محطته الأولى في الهجرة.

محمود صبحة٢٩\٨\١٩٨٨

 يقول الأستاذ حسن زيدان وهو رفيق الشاعر في مدارس الأنروا حيث كانا يعملان في التدريس :

( في شعره الوجداني عبر محمود صبحه عن فلسفته الشعريه التي ميزته عن آخرين من الشعراء لجهة جزالة اللفظ وعمق المحتوى الذي جمع بين ألم النكبة وأمل العوده الى البيت والحارة والبيارة.).

 حرص أبا شوقي على كتابة الشعر وتلاوته في مجالسه ودواوينه، وكان يعيش الحياة شعراً ولا يعرف السكون بدون عمل ثقافي ما له علاقة بالهم الوطني العام وبالهم المعيشي والتعليمي لأهل المخيمات وبالذات مخيمه عين الحلوة. فأسس بعد الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982 وبعيد انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ( جمعية الفن والثقافة الفلسطينية ) ثم سنة 1986 أسس مجلة (الكيان)، التي أشرف على تحريرها بنفسه، وكتب في معضم موضوعاتها. وكانت منبراً للوجع المخيماتي والفلسطيني في تلك الفترة من الزمن.

 يمجد شاعرنا الراحل الفدائي الفلسطيني الذي بقي وحده في الميدان يواجه العدو وخيانة الأعراب، ففي قصيدته صيحة القدس التي كتبها سنة 1979 يقول :

 كانت لنا في حفاظٍ عزةٌ فخبتْ

مشاعلُ النصرِ، وأنهارتْ بنا القُبب

تلقى النواسيَّ في النّدمان مرتفقاً

وسيدُ القومِ للغربيّ منجذبُ

ألقى الجميع سلاحاً، واستنام إلى

وهم تتثاءبَ في أجفانِهِ التعبُ

إلّا الفدائيّ ما زالت صواعقُهُ

هي القرارَ، وأخفتْ وجهها العربُ

للشاعر محمود صبحة أعمالا منشورة شعرية ونثرية، منها عدد من الدواوين الشعرية ورواية واحدة. وله قصيدة مميزة يصف فيها أبطال العمليات الاستشهادية والتي كانت تسمى انتحارية، فعن الأبطال كتب شاعرنا قصيدته الملحمية بعنوان ( قراءة في وجوه الانتحاريين ) … ومما جاء فيها :

 بكينا عليكم .

إذا لم تجدوا الأمّهات، يبكينَ فوق رؤوسكم .

لكنّهن سيبكين طويلاً، بجوعٍ وجيع

لأنّ طمنةَ القلب مما يخترقُ الآماد والأبعاد .

هنا سوريٌّ، وهذا لبناني

ذاك عراقيٌّ وأنت فلسطيني.

مرحى لكم،  يا من توحّدون  الأمة

على المصير الواحد

  جدير بالذكر أن مطبوعات جريدة “القاعدة” اليومية الناطقة باسم جبهة التحرير الفلسطينية كانت تبنت نشر ديوان الشاعر – قراءة في وجوه الانتحاريين -. بينما نشرت كتبه ومؤلفاته الأخرى في أوقات متفاوتة وفي أماكن مختلفة. ومن أعماله  المنشورة :

 المجاذيف الحيارى – شعر

الفردوس المنشود – شعر

عاشق السفر – شعر

قراءة في وجوه الانتحاريين – شعر

على درب المصير – رواية

أطباق المغيب – شعر

 من قصيدة له بعنوان (تعودين أو لا نعود) ضمن ديوانه (أطباق الغيب) التي كتبت سنة 2000 اخترت لكم بعض الأبيات :

كواسرُ الغربان من خاف الأساطير،

تقيم عرشها الدَّخيلْ،

تيجاننا كانت مطايا لرياح الغرب،

فباركوا مولودَهُم للغصب،

وها هُمُ اليومَ، حِيالَ الخَصمِ والحَكَم،

الباسطِ الجنحَيْن فوقَ هيئةِ الأممِ،

كطائرٍ يلوذُ بالجناحِ،

من نسمةِ الصباحِ .

 في تعليق للشاعر سعيد الشيخ وهو أيضا من أبناء مخيم عين الحلوة وصديق للشاعر الراحل، كتب الشيخ من السويد في تأبين رفيقه وزميله محمود صبحة:

 ( أيها الصديق الصدوق.. وفياً كنت للشعر والأصدقاء،. كنا نختلف حول شكل القصيدة، ولكن أبداً لم نختلف في حبنا لهذا الكائن الذي ترعرع في كينونتنا، كنت تكتب قصيدة الأجداد، وكان الزمن زمن القصيدة الحديثة التي جرفتني تياراتها.. مخلصاً كنت ولا تفوّت فرصة كلما جئت زائرا للمخيم إلا وتريد أن أشاركك في أمسياتك، وكأن الشعر في المخيم لايكتمل إلا بحضورنا نحن الاثنين سويا. يا “عاشق السفر” ها قد سافرت بعيدا، ومن أين لي مثيلك الذي لا يعوّض.. إلى جنة الخلد يا صديقي محمود…).

 وأبدع أيضا في الحب والعشق والغرام وهنا بعض مما جاء في قصيدته شاكية المنشورة سنة 1960 :

شقراء قد لعب الفتون بقدها فعطفت لهْ

واستودع الله الجمالَ بها فكانت هيكله

النور حليتها وبشرتها الغضيرة مخمله

لاحت بشرفة دارها وشعورها متهدّله

فرأيتها كالشمس في شفق الغروب مكلْله

وعلى الرصيف سمعتها محتاره متملّله

محمود صبحة ١٩٦٠

 شدد شاعرنا الراحل على توثيق وحفط الذاكرة الفلسطينية ولهذا الغرض شارك مع مجموعة من النشطاء والمهتمين من أبناء وبنات قرية الصفصاف في لبنان بتسجيل وتوثيق شهادات بعض كبار السن ووجهاء البلدة.

 لروحك أبا شوقي تحية وسلام.

على العهد، عهد فلسطين الفكر والثقافة والمقاومة بكل الوسائل.

وداعا يا ابن الصفصاف .. يا ابن مخيم ناجي العلي وابو صالح الأسدي وصالح خريبي – أبو خلدون – ومحمد الشرعان وجيفارا موعد وعبد حمد وآلاف الشهداء والجرحى والمناضلين الأوفياء …

وداعاً يا ابن فلسطين الكاملة من النهر الى البحر …

وداعاً شاعر الكلمة الملتزمة والموزونة.

ملاحظة : نشرت بتصرف في موقع الميادين نت – المدونة الثقافية

http://www.almayadeen.net/articles

شاعر عين الحلوة محمود صبحة

بقلم نضال حمد -09-2017