من هنا وهناك

عربدة وانتقام…وعدو لاتردعه إلا مقاومته – عبداللطيف مهنا

 

عربدة وانتقام…وعدو لاتردعه إلا مقاومته –  عبداللطيف مهنا

خلال الاسابيع الثلاثة الأخيرة لم يكتف الغزاة الصهاينة بكل ما مارسوه فيها من فنون التنكيل والعقاب الجماعي في الضفة المستباحة والقطاع المحاصر ضد الشعب الفلسطيني، وتحديدا خلال التسعة عشر يوماً التي امضوها في بحثهم المجنون عن مستعمريهم الثلاثة الذين افتقدوهم شمالي مدينة الخليل المحتلة. اغلاقات وحصارات، وقطع للطرق ونسف للبيوت، ومداهمات واقتحامات، وتقتيل واغتيالات، واعتقالات للمئات واعادة اعتقال للعشرات من المحررين، وقصف صاروخي وغارات جوية مكثفة على غزة المحاصرة فاقت في ليلة واحدة العشرين اغارة في استهداف لثلاثين موقعاً. هم الآن، وقد عثروا على جثث المستعمرين الثلاثة في حفرة بالقرب من قرية بيت كاحل في جبل الخليل، وفشلوا حتى الآن في معرفة الجهة المقاومة التي نفذت العملية، فليس من حديث يشغل كافة مستوياتهم السياسية والأمنية والإعلامية وجمهور مستعمريهم سوى الانتقام من الفلسطينيين، أو هذه اللوثة التي باتت هدفاً هو مدار اجماع لدى  كافة مستوياتهم ومشاربهم، لكنما، وفي نفس الوقت، فإن مدى ماسيذهب اليه تنفيذ مثل هذه  الرغبة الصهيونية العارمة اضحى مدار انقسام لم يعد مكتوماً يدور حوله جدل علني محتدم شمل مستويات آخذي القرار لديهم، لاسيما ما يدعى بالمجلس الوزاري المصغَّر، وانسحب إلى الأدنى وصولاً إلى شارعهم. انقسام بين متعجل ومتمهل، بين من يريده شاملاً وماحقاً، وبين من يريده انتقائياً مدروساً ومتدرجاً، أو محسوباً، بمعنى محتسباً للعواقب، مع ملاحظة أنه، وفي الحالين، فليس هناك ماسيحول عندهم دون اتخاذ قرارات تهويدية تصعيدية وواسعة. أي أنهم اجمالاً، وفي لجة صراخ الإنتقام من الفلسطينيين، قد اتفقوا على وجوب الرد المغالي واختلف المغالون منهم مع الأشد مغالاةً حول مداه، ولدرجة بدى فيها مجرم متطرف مثل وزير الحرب يعلون معتدلاً!

قبل العثور على جثث المستعمرين الثلاثه كان مثل هذا الجدل قائماً إيضاً بين من دعى حينها إلى تصعيد التنكيل بالفلسطينيين، أو تحويل الحرب المصغَّرة الجارية ضدهم إلى ماهى الأكبر والأوسع، ومن دعى إلى تقليصه وتقنينه واستنسابه لا إيقافه احتساباً لتداعياته وعواقبه على المحتلين ومعهم سلطة اوسلو. لذا شهدنا ان اتخاذهم لما دعى بقرار التقليص لآحقاً في الضفة قد تزامن مع عودتهم لمواصلة الغارات والاغتيالات في غزة، وهكذا…جدل الآنتقام الراهن، أو مابعد العثور على جثث المستعمرين، لايختلف عن سابقه، ويدور بين ذات الطرفين منهم، أي بين المتعجل والمتمهل في الانتقام وليس حوله. بين من يريد الوصول بانتقامه الى مداه، تصعيد تنكيلي وخطوات تهويدية تصل حد الدعوة لضم كتل استعمارية في الضفة، واجراءات عقابية لاتستثني حتى سلطة اوسلو، وشن الحرب على غزة، وحتى اعادة احتلالها. وبين متمهل محتسب للعواقب، أو يريده عقاباً للضفة وعدواناً على غزة مدروساً ومتدرجاً يتجنب محاذيرهما. هؤلاء يدركون ويتخوفون من ان زيادة التنكيل بفلسطينيي الضفة سيعجل في انتفاضتهم إن آجلاً أو عاجلا على محتليهم والمنسقين أمنياً معهم… هاهي جريمة اختطاف المستعمرين للفتى المقدسي محمد ابو خضير من شعفاط، والذي لم يزد على السبعة عشر ربيعاً، جهاراً نهاراً وأمام الناس وكاميرات المراقبة، وتعذيبه وقتله ثم حرق جدثه والقائه في حرش غربي القدس، والمواجهات التي اندلعت اثرها وادت إلى اصابة اكثر من 232 فلسطينياً حتى الآن، تحمل لهم معها نذراً لبوادر انتفاضة لا يكتم الصهاينة خشيتهم من دنو اجل اندلاعها.

أما غزة، التي تواجه عدواناً قائماً ومستمراً عليها عبر حرب الحصار الصهيوني العربي المديد المضروب من حولها، فقد باتت في حكم من ليس لديه ما يخسره. الحصار هو الحصار، ومعبر رفح محكم الإغلاق ، ومصالحة اللامصالحة، أو “اتفاق الشاطىء”، لم ينفذ منها بندا واحداً، ولم تفض إلى وحدة، بل ليس إلا إلى تسليم وزاراتها إلى حكومة التوافق، التي أول ما فعله توافقها حرمانه موظفيها من رواتبهم، تاركة إياهم وإياها لكارثية احوال معيشية بلغت حد أن 30% من اهلها بدون اي دخل يومي. وهى إذ باتت على صعيد المقاومة، وباعتراف الصهاينة انفسهم، أكثر استعداداً وجاهزية لمواجهة أي عدوان يشن عليها، فإن أي تصعيد ضدها سوف يشعل فتيل هذه المواجهة ويوسِّعها، وهذا ما يقوله ويتحسب له دعاة “ضبط النفس” من الصهاينة، أو مدعاة تردد المترددين من دعاة الانتقام منهم.

الجدل الصهيوني الدائر لايقلل بل يسعِّر من راهن العربدة التنكيلية المتوحشة التي يواليها الصهاينة في الضفة والقطاع، هذه التي تستمد فجورها المتمادي من متواصل التواطىء الغربي، لدى من يكيلون تعاطفهم للغزاة المحتلين بشأن مفتقديهم الثلاثة، ويحجبونه ازاء عذابات شعب بأكمله تتم محاولة ابادة وجوده مادياً ومعنوياً… وللعربدة والتواطىء خير مايشجعهما، وهو حال أمة تمر باسوأ مراحل تاريخها، والتي ابتليت فيها بأوزار قطرياتها الموروثة عن الحقبة الاستعمارية المباشرة، أو اشلائها القائمة المسماة دولاً، واغلبها إما المنصرفة عن قضيتها المركزية في فلسطين، أو المنشغلة بمحاولاتها الحفاظ على كياناتها المجتزأة من وبال ما بات يتهددها بمزيد من التجزئة.  

…الجدل الصهيوني على هامش جائحة الرغبة العارمة في الانتقام لن يتمخض إلا عن المزيد من التصعيد العقابي الحاقد الملازم لطبيعة هكذا عدو في الضفة، واضمار لعدوان يتم ترتيبه على غزة، لكنه الجدل الذي يثبت ايضاً أننا ازاء عدو لاتردعه إلا مقاومته… والمفارقة أن كل هذا يجري بينما سلطة اوسلو تحاكم نشطاء جريمتهم عندها هى التظاهر ضد التطبيع!!!

 

اترك تعليقاً