الأخبار

غضب أبو مازن والغضب عليه – د. فايز رشيد

”المطلوب من الفلسطينيين والعرب وفقا لنتنياهو وترامب, أن يُذبحوا ويمجدون قاتليهم!, فالمجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل هي ضرورية من أجل المحافظة على أمنها وحمايتها! مطلوب من الفلسطينيين والعرب العمل على محو ذاكرتهم, واحتضان الإسرائيليين كأصدقاء وحلفاء وحملان وديعة والصلاة باتجاه الكنيست الصهيوني وليس باتجاه الكعبة

مما لا شك فيه, أن اللقاء الأخير بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وترامب في بيت لحم, كان عاصفا وحادا من قبل الرئيس ترامب, الغاضب على عباس, رغم كل تنازلات سلطته بدءًا باتفاقيات أوسلو الكارثية وحتى اللحظة. تجاوز الرئيس الأميركي كل اللياقات البروتوكولية والدبلوماسية وأصول التعامل ,عندما صرخ في وجه مضيفه الفلسطيني متهما إياه بخديعته ومواصلة اعمال “التحريض” ضد إسرائيل, وعدم الالتزام بثقافة السلام. فالتحريض عند ترامب, هو المطالبة بالحقوق, وإدانة الاحتلال والمقاومة المشروعة له, بقرارات واضحة من الأمم المتحدة, واعتبار اسرائيل عدوا محتلا لأراضي الشعب الفلسطيني ودول عربية أخرى, ووجود مواد في المناهج الدراسية الفلسطينية تطالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردتهم منها سلطات الاحتلال الصهيوني عنوة. التحريض في عرف الرئيس الأميركي الذي يصلح أن يكون رئيسا لحكومة الكيان, هو أن تدين المجازر, التي ترتكب بحق شعبك, وتدين سياسة الإبادة الجماعية المرتكبة يوميا بحق شعبنا وأمتنا. تماما كما إدانة اطلاق أسماء الشهداء على بعض المدارس والشوارع, وادانة إضراب الاسرى وعدم الموافقة على إطلاق سراحهم والمطالبة ببقائهم في السجون الصهيونية.

المطلوب من الفلسطينيين والعرب وفقا لنتنياهو وترامب, أن يُذبحوا ويمجدون قاتليهم!, فالمجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل هي ضرورية من أجل المحافظة على أمنها وحمايتها! مطلوب من الفلسطينيين والعرب العمل على محو ذاكرتهم, واحتضان الإسرائيليين كأصدقاء وحلفاء وحملان وديعة والصلاة باتجاه الكنيست الصهيوني وليس باتجاه الكعبة , مطلوب منهم, وكلما ضربتهم إسرائيل على خدّ, أن يديروا لها الخد الثاني, اما غير ذلك فهو تحريض وهمجية, فالعدو الآن هو ايران, ومن يقول غير ذلك فهو ارهابي ومتطرف ومجوسي ومرتد (وابن زنا). لقد جهز السوبر فاشي نتنياهو قرصا مدمجا لما يعتبره تحريضا فلسطينيا على دولة الكيان, وناوله لحليفه, ليقتعه بـ “إرهاب” الفلسطينيين!, أما هو نتنياهو, فبدا من تصريحاته, “حمامة سلام بيضاء”, رئيس وزراء دولة “المساواة والعدالة والديموقراطية”, رغم كونها دولة الإرهاب المنظم والما بعد فاشية والما بعد عنصرية, دولة شايلوكية النهج والمصير حتما. رغم كل الوضوح الأميركي المماهي للأطروحات الصهيونية, فإن السلطة الفلسطينية ورئيسها مقتنعان بأن ترامب قادر على تحقيق السلام العادل بين العرب وإسرائيل! إنه اسقاط للعجز عن متابعة الكفاح الفلسطيني من أجل تحرير الوطن الفلسطيني, وإحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية, من خلال نهج كل حركات التحرر الوطني على صعيد العالم أجمع, وهو نهج الكفاح المسلح الذي لا تفهم دولة الكيان لغةً غيره.

لقد تناولت مصادر إعلامية كثيرة, حادثة الرئيس عباس مع الرئيس ترامب, ولذلك ,كان على الرئيس عباس أن يصرخ بالمقابل في وجه ترامب, ويفهمه حقيقة القضية الفلسطينية, والإرهاب الصهيوني والمذابح التي اقترفتها دولة الكيان منذ أربعينيات القرن الماضي على أيدي عصابات الإرهاب الصهيونية, ليحي الهاجناة, الإتسل, والأراغون وغيرها! كان عليه أن يشرح التطهير العرقي الصهيوني للفلسطينيين والتعنت الكياني ضد حقوقهم, كان عليه أن يشرح للرئيس الأميركي عن مذابح كفر قاسم, ودير ياسين, والطنطورة , والحرم الإبراهيمي في الخليل, وقانا الأولى والثانية, وبحر البقر وغيرها , ومحاولة حرق المسجد الأقصى, ويذكر له حقائق الاستيطان,.كان عليه الحديث عن مجازر أميركا في فيتنام والعراق وأفغانستان, وحقيقة تحالفها الاستراتيجي مغ دولة الإرهاب الأولى في العصر الحديث, ولأن الرئيس عباس, ليس هكذا, كان يتوجب عليه على الأقل, تجهيز ملفات حول الحقوق الفلسطينية والإرهاب الصهيوني! وإعطائها للرئيس الأميركي. فمم يخشَ أبو مازن؟ والحياة أولا وأخيرا هي موقف عز! لقد وصف الرئيس الراحل عرفات أبا مازن بأنه “كرزاي فلسطين”! هذا وصف الرئيس عرفات له, وليس وصفي بالطبع.

ندرك أن في داخل الرئيس عباس شحنة من الغضب نتيجة الرئيس الأميركي, وهي بالرغم من محاولات صائب عريقات تخفيف حدتها, ثابتة كحقيقة قائمة! الرئيس وبدلا من إفراغ شحنة غضبه على ترامب والما بعد عنصري نتنياهو, أفرغها (وكما ذكر موقع “وطن نيوز” الفلسطيني” وموقع “بوابة الهدف” الفلسطيني وغيرهما) في اجتماع اللجنة التنفيذية الأخير (التي لم تنعقد طيلة إضراب الأسرى, وقد حاولت قيادة السلطة فك إضراب الأسرى, قبل (“تشريف الضيف الكريم ترامب” في زيارة “رفع العتب” لبيت لحم, التي استمرت ساعتين!), أفرغها على مندوبة الجبهة الشعبية في اللجنة, المناضلة خالدة جرار! واستعمال ألفاظ معها, أقل ما يقال فيها, أنها لا تليق برئيس!.

كان على الرئيس وبعد لقائه الفاشل بترامب ,الذي صرخ عليه, أن يأخذ العبر والدروس, من أن العدو الصهيوني لن بعطي الفلسطينيين دولة فلسطينية ولو حتى منزوعة السلاح, وأن الولايات المتحدة (وبخاصة في عهد الرئس ترامب) ستظل تأخذ مواقفها في انحياز كامل وتام إلى جانب الكيان الصهيوني. كان على الرئيس عباس العمل على ترتيب البيت الفلسطيني, وانتهاج استراتيجية جديدة كفيلة بإيصال شعبنا المكافح على مدى 120 عاما إلى حقوقه الوطنية. كان على الرئيس وقف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني وبشكل فوري, وإعلان الطلاق نهائيا مع نهجه المفضل, نهج المفاوضات العبثي مع الكيان الشايلوكي. كان على الرئيس أن يعتذر عن تصريح سابقٍ له “بكرهه للون الأصفر, لأنه لون الرصاص”, والاعتذار عن كونه مهندس اتفاقيات أوسلو , من خلال إلغائها, فقد أفتى شارون بموتها في عام 2004 عندما أعاد اجتياح الضفة الغربية.

كان على الرئيس, ألا يرسل رئيس وزرائه رامي الحمد الله, للقاء كحلون وزير المالية في الكيان وعضو الحكومة الإسرائيلية المصغرة, للمرة الأولى منذ عام 2000 بهدف التوصل الى اتفاق على توسيع صلاحيات السلطة في المنطقة C التي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربي, من حيث إعطاء تصاريح بناء ووقف عمليات الهدم, وفتح معبر الكرامة على نهر الأردن لمدة 24 ساعة طوال اشهر الصيف لتسهيل العبور, فالعدو وترامب يريدان “سلاما اقتصاديا” مثل الذي أعلنه بيريس. وما أصدق شاعرنا الكبير محمود درويش في قوله ” ما أعظم الفكرة … وما أصغر الدولة”, ولو كان حيا لقال ” ما أعظم الفكرة .. وما أصغر الطلب”. الحقوق تنتزع انتزاعا ولا يتوسلونها أو يتسولونها.