وقفة عز

كمصير هنود الشيروكي …

بقلم نضال حمد

إن اعتبار معاهدات كمب ديفيد ووادي عربة انتصارات عربية أمر يثير السخرية ويبعث على المرارة. فتلك العقلانية العربية في السلام لم تكن في حقيقة الأمر سوى تقديم خدمات للأمريكان و(إسرائيل) مقابل مساعدات عينية ومادية منهما. كما أنها هروب من الواقع الصعب. هذا ومارس هؤلاء العرب تأثيرهم الكبير على الطرف الفلسطيني المتنفذ. ولكي نكون واقعيين ومفهومين فإننا لا نفهم كيف يمكن لقيادة قادت نضال وثورة الشعب الفلسطيني أن تفرط بحقوقه وتتخلى عنها لصالح الاحتلال بتلك السهولة.

عندما ذهب الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس المحتلة وعانق بيغين وشارون وشامير وغيرهم من أهل الإجرام الملطخة أياديهم بدماء العرب، لم يأبه لأحد ولم يعر اهتماما لأي كان، فقد كان يتصرف وكأنه الحاكم بأمر الله، أي كما يتصرف الرئيس بوش حاليا مع العرب والمسلمين والضعفاء في عالم اليوم. وشد الرحال إلى القدس المحتلة حيث إعتلا منبر الكنيست (الإسرائيلي) وألقى ما عنده من جمل وعبارات كانت كالسكاكين تمزق صدور العرب أجمعين. وصفق له أعضاء الكنيست بحرارة، كما كان صفق له المرحوم أبو عمار أيضا بحرارة قبل الزيارة، وذلك عندما قال في جلسة مجلس الشعب المصري أنه سيزور القدس المحتلة. ولا ندري سِرّ تصفيق ياسر عرفات للقبور السادات. حيث كان الأجدر به مغادرة القاعة فالقاهرة وهذا أضعف الأيمان.

على كل حال أعتبرت زيارة السادات لفلسطين المحتلة خيانة للشعارات القومية وللوحدة العربية. فتم عزل مصر فغاب عن الصراع أكبر قطر عربي، وأصبحت حياة مصر رهينة للمساعدات الأمريكية الغربية ولم تتبدل إلى هذا اليوم. ولو قِسنا هزيمة السادات “المنتصر بكمب ديفده” بانتصار “المهزومين في أوسلو” فسنجد أن هزيمة السادات تبقى أقل وطأة من هزيمة الطرف الفلسطيني بقيادة عرفات.

انتصار المهزوم ليس حكرا على السلطات في البلاد العربية بل تعداها ليصل إلى معارضيها، فحتى المعارضة في بلاد العرب تجعل من هزائمها انتصارات، فالمعارضة الفلسطينية مثلا تعتبر وقوفها ضد أوسلو انتصارا على الذين وقفوا مع أوسلو. مع أن المعارضة لم تقدم للشعب المذهول أية بدائل معقولة. إذ ظلت ترفض واقعية الانبطاحين من أوسلو الذي اعترفوا بهزيمتهم يوم سموها نصراً. ولم تقدم أي جديد سوى زيادة في ترديد شعار الجهاد والمقاومة والكفاح المسلح، ورفض الاستيطان والتطبيع والمفاوضات، ونتائج أوسلو. هذا مع الاعتراف بتضحياتها الجسام في سنوات الانتفاضة الثانية، لكن تلك التضحيات لم تستثمر لتعزيز برنامج المقاومة. ورغم كل تلك الشعارات الرنانة إلا أن المعارضة تلتقي كل يوم مع افرازات أوسلو الفلسطينية… أليست السلطة بكل وزرائها وقادتها وأعضاء مجلسها التشريعي من افرازات أوسلو.

 أليست قيادات فتح التي تشارك في السلطة وتهيمن عليها وعلى المنظمة من افرازات أوسلو.

وإذا كانوا كذلك فلما تجلس الفصائل معهم وتحاورهم في عاصمة كمب ديفد وشرم الشيخ وتقبل المساومة على الحقوق والكفاح بصيغة وقف إطلاق نار وهدنة والخ؟؟؟.

إن أفضل تعبير عن هزيمة المنتصرين في أوسلو، هو ما كتبه الراحل ادوارد سعيد: ” لقد تخطى الأمل العقبات التي اعترضتنا كشعب لننظر الآن في تلك العقبات. كنا أول شعب تستعمر أرضه ويعلن انه غير مرغوب فيه. ويطرد، وتمحى آثار وجوده الوطني محوا منظما على أيدي مهاجرين حلوا محله. ودُفع معظمنا خارجاً وأشير إلينا على أننا لسنا بشعب حيث لم يبق داخل (إسرائيل) سوى أقلية صغيرة تم التعامل معها قانونيا بتسميتها غير اليهود وليس الفلسطينيين. أما البقية فقد كفت رسميا عن الوجود.”..

 ورغم هذا اعترف أهل أوسلو بالاستيطان وبالاحتلال ووضعوا اللاجئين على الرف والقدس كذلك والسيادة و… و ..

لقد أصبح أبناء الشعب الفلسطيني نزلاء معسكرات اللاجئين في الدول العربية. وسُنت من أجلهم قوانين بغيضة، وغدوا لاجئين بلا دولة، وعوملوا من قبل البعض معاملة حقيرة وسيئة. لكنهم انتصروا على الواقع وخرجوا من الصدمة وبنوا منظمتهم من أجل الحرية والتحرير، وقدموا على مذبح الكفاح الوطني تضحيات جسيمة، لكنهم لم يجنوا سوى الهزيمة. لأن الذين قادوهم سلموا بأن زمانهم أصبح زمان أمريكا و(إسرائيل).

 

شهدت الحالة الفلسطينية تغييباً مبرمجاً للمؤسسة لحساب الفرد، إذ غابت المنظمة بفعل التفرد واللامبالاة وتغييب الدور الجماعي لصالح الفرد القائد او الفرد المؤسسة. ونتج عن أوسلو انشقاق المجتمع الفلسطيني مع وضد، هذا ورفضت غالبية الشعب الفلسطيني “سلام الشجعان” وأعتبرته استسلاما وخضوعا لإملاءات (إسرائيل) وأمريكا وتفريطا بالحقوق الفلسطينية، وقبولا بالأمر الواقع. فالسير في أوسلو كان إعلانا صريحاً عن ” فقدان الأمل بإعادة البناء الوطني الحقيقي وتقرير المصير الحقيقي وبأن القضية خاسرة”. هذا الإعلان المقروء بدون الجهر به أو كتابته يعتبر استسلاما فلسطينيا للاحتلال. فقد خرجت القضية من تحت الدلفة لتحت المزراب كما يقول المثل الشعبي. وتعزز دور أطراف عربية مجاورة لفلسطين حيث استعملوها كورقة مساومة لنيل الرعاية الأمريكية ودولار الوقاية الأمريكي الذي هو خير من ألف حق عربي.

إن اعتبار معاهدات كمب ديفيد ووادي عربة انتصارات عربية أمر يثير السخرية ويبعث على المرارة. فتلك العقلانية العربية في السلام لم تكن في حقيقة الأمر سوى تقديم خدمات للأمريكان والكيان الصهيوني مقابل مساعدات عينية ومادية منهما. كما أنها هروب من الواقع الصعب. هذا ومارس هؤلاء العرب تأثيرهم الكبير على الطرف الفلسطيني المتنفذ. ولكي نكون واقعيين ومفهومين فإننا لا نفهم كيف يمكن لقيادة قادت الشعب الفلسطيني ان تفرط بحقوقه وتتخلى عنها لصالح الاحتلال بتلك السهولة.

 

فأوسلو لا يعيد الضفة الغربية وقطاع غزة ولا يحل قضية اللاجئين والمستوطنات. كما أنه يبني جدار عازل ويقتل ويعتقل ويهدم ويحرق ويدمر ويصادر وينشر ثقافة الفساد والهزيمة والانحلال الأخلاقي. أوسلو كرس الاستيطان و الاحتلال والخنوع ونشر إشاعات بعدم جدوى الكفاح المسلح وبضرورة وقف الانتفاضة وعدم عسكرتها وبوجوب الكفاح السلمي. وأوسلو أضاع السيادة والحدود والعاصمة والمياه والعودة ووحدة الأرض والشعب. وأخيراً أضاع الحلفاء والأصدقاء والأشقاء وفرق الجميع.

وعبر أوسلو أعطت القيادة الفلسطينية موافقتها على استمرار الاحتلال وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ حركات التحرر كما قال المرحوم البرفسور ادوارد سعيد في كتابه القيّم – تأملات حول المنفى-… وأعيد تقسيم شعب فلسطين بين لاجئين ومقيمين… وأبقى ( أوسلو) الأمور بيد الاحتلال، وجعل السلطة خادما لها، وكرس اللاديمقراطية والفساد والمحسوبيات والقمع والسلب والنهب والعصابات والمافيات وأجهزة الأمن المبتذلة…

 أوسلو يعتبر هزيمة سياسية وأخلاقية للحق ونصرا للظلم.

 أبعد كل هذا لا يخجل أهل أوسلو من المتأوسلين التحدث عن نصر أو شبه انتصار في صراعهم مع الاحتلال..؟؟.

والواقع يفرض عليهم ويقول لهم عليهم قراءة الحالة الفلسطينية جيدا لأن الشعب الفلسطيني لن يسمح بتحقيق نبوءة الكاتب الأمريكي نورمان فلنكستين التي تقول بأن مصيراً مرعباً كمصير هنود الشيروكي ينتظر الفلسطينيين

 

2005-03-15