عربي وعالمي

كيفية التهرب الضريبي – الدكتور عادل عامر

 

 

ان تفشي ظاهرة البطالة وتدهور القدرة الشرائية سبب تناقضات هيكلية وسوء في التخطيط أدى إلى تحطيم البنية الاقتصادية مما أدى إلى اتخاذ سياسات اقتصادية ناجعة من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي لكي يكون هناك تسيير فعال لهذه السياسة أنها تحتاج إلى أموال ضخمة، فلجأت إلى الإصدار النقدي الذي في الكثير من الأحيان يكون بدون مقابل الأمر الذي ينجم عنه انعكاسات سلبية على الاقتصاد المحلي نتج عنه ما يسمى ” التضخم” في حالة عدم كفاية التمويل يؤدي إلى الاستدانة من دول أخرى مما يلد بدوره أزمة جديدة هي “التبعية الاقتصادية” كما وجدت الدولة نفسها محصورة بين المخاطر التي تنجم عنها مثل هذه الأنواع من التمويل راحت تفكر في طرق أخرى أكثر فعالية توفر لها ما تحتاج إليه من أموال دون أن تهدد اقتصادها، لذلك لم تجد أمامها من سبيل آخر غير الجباية” الضرائب “.الضريبة عبارة عن مساهمة مالية إجبارية يقوم بدفعها الأفراد بصفة نهائية دون مقابل, مع توسع نطاق وأنواع الضرائب نتج عنه ظاهرة خطيرة سميت التهرب الضريبي التي أصبحت تهدد اقتصاديات الدول المتخلفة ني به تحايل المكلفين بالضريبة على الإدارة الجبائية مستخدمين في ذلك طرق و أساليب سواء كان ذلك بطريقة مشروعة (التهرب الضريبي) أو بضريبة غير مباشرة “الغش الضريبي”,فهذا يحول دون تحقيق الدولة لأهداف سياستها الاقتصادية والاجتماعية لدى تسعى لمعالجة هذه الظاهرة بتحديد كل طاقاتها وإمكانياتها المادية والبشرية وإدراك الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني ن مكافحة التهرب الضريبي ليس بالأمر الهين، نظرا للأشكال التي يتخذها والتقنيات المتبعة من طرف المكلفين في استعمال الطرق الاحتيالية، ولمجابهة التهرب الضريبي يجب معرفة الدوافع التي تحمل المكلف للجوء إلى مثل هذه الظواهر والتي قد تكون الوضعية الاقتصادية المزرية وعدم مرونة واستقرار القوانين، وضغط جبائي مرتفع ونفسية متردية وعقلية متخلفة تنظر إلى الضريبة بمنظار مشوه فتح الباب على مصراعيه أمام المكلف للتخلص من الضريبة. وإذا كانت الرقابة الجبائية من أنجع الوسائل لمحاربة التهرب إلا أنها تبقى قاصرة وهذا لنقص الوسائل المادية والبشرية خاصة الكفاءات العليا في الميدان المحاسبي والقانوني. سلطت الأزمة المالية العالمية الضوء على أهمية تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي الأمر الذي يحمل الإدارة الاقتصادية  عموما و المالية خصوصا  مزيدا من المسؤولية النابعة من وجوب  تعزيز دور الدولة التدخلي و الايجابي  و زيادة الإنفاق العام  لتتمكن الدولة من مواجهة تداعيات هذه الأزمة . و من اجل زيادة الإنفاق العام للدولة لابد من زيادة  الموارد العامة للدولة الأمر الذي لن يتحقق إلا من خلال  التعاون الايجابي بين  الإدارة الحكومية والفعاليات الاقتصادية و  المنظمات الأهلية  لتحسين  مستوى الثقافة و الوعي الضريبي  و مكافحة التهرب الضريبي و تعبئة موارد إضافية للخزينة العامة للدولة عبر تكثيف  جهود مكافحة التهرب الضريبي  و تفعيل  دور الإدارة الضريبية و مكافحة كافة إشكال الفساد . منذ عام 2003 بدأت وزارة المالية وضمن إطار عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل ، بتنفيذ  خطة طموحة  للإصلاح المالي والضريبي ، تهدف إلى عصرنه وتحديث كافة التشريعات المالية والضريبية بقصد جعلها أكثر شفافية و عدالة وتبسيط إجراءاتها،  بقصد زيادة الإيرادات الضريبية من جهة والإقلال من عمليات التهرب الضريبي من جهة أخرى،  ولتتمكن الدولة من القيام بمهامها على أكمل وجه، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف أحدثت العديد من الهيئات المختصة وعلى رأسها الهيئة العامة للضرائب والرسوم، ولذلك ضمن  ما يلي سنتطرق لمفهوم التهرب الضريبي وأسبابه وأشكاله وطرق معالجته . تواجه جميع البلدان متقدمة ومتخلفة مشكلة التهرّب ، وهي في بعضها مشكلة صغيرة وفي بعضها الآخر كبيرة، ونعتقد أنها في فلسطين من الحجم الكبير جداً بحيث تؤثر سلبا ًوبقوة على موارد الدولة وعلى الأداء الاقتصادي وعلى البنية الأخلاقية للمجتمع، ورغم كل هذه الأهمية لم ولا تلقى هذه المشكلة الاهتمام المطلوب، وتبقى حتى الآن في الظل. ولكننا ونحن نواجه استحقاقات كثيرة تتطلب إصلاحاً طال انتظاره، فإن مسألة التهرب يجب أن تأخذ مكانها في برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومقاربتنا لهذه المشكلة هي دعوة ومساهمة في هذا الجهد الإصلاحي العريض الذي تشهده فلسطين اليوم والذي يحتاج لتضافر جميع الجهود ليكون على النحو المنشود كي يدفع بفلسطين خطوات واسعة للأمام اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. يعرف التهرب الضريبي بأنه محاولة المكلف الخاضع للضريبة عدم دفع الضريبة كلياً أو جزئياً متبعاً في ذلك طرقاً وأساليب مخالفة للقانون وتحمل في طياتها طابع الغش، ويجب التمييز في هذا المجال بين التهرب الضريبي التجنب الضريبي والذي يقصد به تجنب الواقعة الضريبية عن طريق امتناع الشخص عن النشاط الذي يؤدي إلى خضوعه للضريبة عن طريق الاستفادة من الثغرات القانونية وعدم إحكام صياغة التشريعات الضريبية للتخلص من دفع الضريبة حيث يستطيع المكلف أن ينفذ من إحداها ويجد لنفسه مخرجاً قانونياً يتجنب الضريبة أو يخفف من وعائها.

والتجنب الضريبي يعد أمراً مشروعاً لا يؤاخذ عليها القانون، أما التهرب الضريبي فهو من الجرائم الاقتصادية التي فرضت كافة قوانين الضرائب في العالم عقوبات جنائية ومدنية تجاهها. ان التهرب الضريبي يعتبر من الظواهر الشائعة في معظم دول العالم وفي مختلف العصور وإن كانت نسبته في الدول النامية أعلى بكثير من الدول المتقدمة. ومن خلال إحصائية صادرة عن الاتحاد الأوربي تبين أن نسبة التهرب الضريبي محسوبة كنسبة الناتج القومي بلغت على مستوى الاتحاد الأوربي بـ16% وتراوحت بين دول الاتحاد بين 4% في فنلندا و35% في اليونان، أما في البلدان النامية فلا يوجد إحصائيات خاصة بها، وقد قدر أحد خبراء الضرائب في مصر أن الفاقد الضريبي بسبب التهرب الضريبي في مصر يقدر بـ20 مليار جنيه مصري. لتهرب الضريبي يمثل ظاهرة بمصر، في ظل تقارير تتحدث عن أن حجم التهرب الضريبي في مصر يصل إلى 5 مليارات دولار، وعن 30% من حجم الاقتصاد المصري يجرى بصورة غير رسمية بعيداً عن الدولة، ما يتسبب في تضاؤل قدرة الاقتصاد على النمو وهدر إمكانيات الدولة المادية والبشرية.

أن التهرب ليس له حصيلة ثابتة، فقد يختلف من سنة لأخرى، ولكن تقدر حصيلة التهرب الضريبي ب5 مليارات دولار سنوياً، وأوضح أن هناك تقديرات من بعض الجهات تتحدث عن إمكانية تحصيل أضعاف هذا الرقم، مما يسمى الاقتصاد غير الرسمي

 أن خطورة التهرب الضريبي تتمثل في انخفاض حجم الإيرادات العامة، التي تجنيها الدولة، حيث تعتبر الضرائب الممول الرئيسي لخزينة الدولة لذلك فإن التهرب الضريبي يعرقل مشاريع الدولة في التنمية الاقتصادية، ومن جانب آخر تجبر الدولة على فرض ضريبة جديدة لتعويض النقص الناتج عن التهرب الضريبي، ما يمثل عبء على المستثمرين، كما أن عدم تحقق العدالة الضريبية يؤثر على المنافسة بين المشروعات، حيث تقل التكاليف على الشركات التي لا تدفع ضرائب، ما يجعل لها ميزة على تنافسية، وبالتالي إلحاق الضرر بفرص الاستثمار.

أسباب التهرب الضريبي

أن انتشار التهرب الضريبي يرجع إلى تضافر عدة أسباب ترتبط بالممول نفسه والثقافة السائدة في المجتمع، وطبيعة النظام الضريبي المطبق من حيث خلوه من الثغرات، والظروف الاقتصادية السائدة، بالإضافة إلى الأسباب المرتبطة بالإدارة الضريبية وكفاءة العاملين بها. أن أهم الثغرات التي ينفذ منها المتهرب تكون عن طريق إخفاء أرقام الأرباح الحقيقية، خاصة في النشاطات التي لا تكون الحكومة لها علاقة مباشرة بها مثل أغلب الأنشطة المهنية والتجارية، وتضخيم التكاليف بشكل وهمي مع تقليل الإيرادات، والاستفادة من الإعفاءات الضريبية بشكل غير مستحق، ووجود قصور في قانون الضرائب كطول الإجراءات والخطوات، التي يمكن أن تصل إلى 5 سنوات.

، أن التهرب الضريبي نوعان، الأول التجنب غير المخالف للقانون، ويجري عبر استغلال الثغرات القانونية بهدف عدم مطابقة شروط الضريبة مع الممول، وبالتالي عدم الالتزام بدفعها، أما النوع الثاني، فهو التهرب الضريبي المخالف للقوانين، الذي يتخلص الممول فيه من دفع الضريبة المستحقة عن طريق مخالفة القوانين، بالاستعانة بكل الوسائل غير الشرعية للتهرب من فرض الضريبة عليه.

أن «الكبار» في مصر نادراً ما يخضعون لحساب ضريبي عادل خاصة في ظل النظام السابق، وضربت مثلا بعدد من الشركات، مثل شركة الاستثمار والتنمية، التي تتبع لعائلة وزراء سابقين من عهد الرئيس السابق مبارك، هما أحمد المغربي، وزير الإسكان الأسبق، ومحمد منصور، وزير النقل السابق، حيث حققت شركتهما أرباحا قدرها 410 مليون دولار، وسددت ضريبة قدرها 15.5مليون دولار، أي بنسبة 3.8% رغم أن الضريبة المستحقة 20%، أيضا شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار، التي يمتلكها مجدي راسخ، صهر نجل الرئيس السابق علاء مبارك، والتي حققت 70 مليون دولار بينما دفعت 333 ألف دولار ضرائب بنسبة 0.5%، كما أنها لم تخضع للفحص الضريبي منذ عام 2001، بالإضافة إلى العديد من الشركات التي يمتلكها عدد من رموز النظام.

 

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية  

كيفية التهرب الضريبي – الدكتور عادل عامر

اترك تعليقاً