الأرشيفعربي وعالمي

للبعض قمة، ومن البعض “فخ”هذه إحدى خطايا عبد الناصر- د. عادل سماره

لم يكن عبد الناصر من الزعماء الذين يغيبون بعد رحيلهم. يُكتب في هذه الأيام عن الرجل الكثير سواء معه أو ضده. وقد تكون الكتابة عن مناسبة أو حدث ما متعلق بالرجل من الأمور التي يسهل، بل يجب، أخذها للاعتبار المستقبلي.
من نافل القول أن الرجل كان عظيماً وقام بما يمكنه وحقق الكثير ولذا كان لا بد للثورة المضادة أن تتخلص منه ومن إرثه ولا سيما المشروع العروبي. وهذا يقتضي منا التركيز على إرثه وحفظه والبناء عليه وتجاوزه.
ولذا، لا قيمة لمن يبخسون الرجل إلا بمقدار التنبيه إلى خطورتهم وارتباطاتهم، بينما يجب وضع أخطاء الرجل قيد النقد كي لا تستمر الأمة في الغُفلان عنها مما يغطي على كثير من الأنظمة التي استثمرت في بعض مواقف عبد الناصر كي تتغوَّل على الشعب وتقوي نفسها وتُساهم في مشاريع الخيانة بل وتواصل الحرب الأهلية من كل نظام في البلد الذي يحكمه ضد الشعب.
الراحل عبد الناصر هو صاحب فكرة ومن ثم مشروع مؤتمرات القمة العربية منذ ستينات القرن الماضي. والغريب أنه اقترح ذلك في فترة كان الصراع في الوطن العربي بين الأنظمة التقدمية وأنظمة التبعية والخيانة على أشده وكان هو قوياً. وعليه، بدل أن يواصل حملة اجتثاث أنظمة التبعية، فإن مؤتمر قمة مع التابعين كان إنقاذاً لهم من الغرق الأمر الذي كان يُربك أو يخلط وعي شارع هذا البلد أو ذاك!
فالمواطن العربي الذي كان يرى عبد الناصر نموذجه للوحدة والحرية والاشتراكية والتقدم الثقافي والاقتصادي هو نفسه الذي كان يرى عبد الناصر يصافح حكاماً عملاء عينهم الاستعمار الذي يعمل على اقتلاع النظام الناصري نفسه وتدمير مصر كي لا تقود الوطن العربي نحو أهداف وأماني الأمة. فكيف هذا وذاك معاً!
لذا، كانت مؤتمرات القمة هي مؤتمرات مهادنة الأنظمة الرجعية والعميلة والقامعة للشعب وخاصة أن أجهزة الإعلام المصرية كانت في أحيان كثيرة تهاجم وتكشف هذه الأنظمة.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن ما كان يُؤمل من النظام الناصري هو التوصل إلى وحدة عربية وليس إلى مؤتمرات قمة على شاكلة جامعة الدول العربية لأن هذه المؤتمرات مثابة تكريس للتجزئة وإقرار بها.
وإذا كانت تجارب الوحدة قد فشلت بين مصر وسوريا 1961 وبين مصر وسوريا والعراق 1963 وكلاهما في فترة ناصر، فإن ذلك لم يكن مبرراً لمهادنة الأنظمة التي هي نفسها تآمرت على الوحدة والتي كان ناصر هو نفسه يقول بأنها عدوة للقومية العربية وكثيرا ما خص بذلك حكام السعودية.
نكتب هذا على أبواب انعقاد مؤتمر قمة في الجزائر التي تحاول جهد طاقة نظامها تجميع الحكام العرب كي “ينجح” المؤتمر ويسجل لها رصيدا في ذلك.
ولكن، هل انعقاد المؤتمر نجاح حتى لو حضره الجميع؟ بل هل انعقاد المؤتمر من حيث المبدأ هو نجاح ؟
قد يوافق قرَّاء على ما نقوله أم لا : بأن مجرد فكرة مؤتمر القمة مثل فكرة الجامعة العربية كلاهماخطأ ومساومة حتى في فترة وهج عبد الناصر فكيف هي اليوم في فترة سطوة أنظمة تابعة وعميلة معادية للتنمية سارقة لثروات الأمة وتسخر هذه الثروات لتدمير البلدان العربية التي حاولت الخروج من تحت عباءة الإمبريالية ولم تتورط في التطبيع.
ولكي نُفصح اكثر، كيف يمكن حضور قطر والسعودية والبحرين والإمارات والكويت وعُمان مؤتمراً في الجزائر تحديداً حتى لو كان للعب الشطرنج بل ، وأليَقُ بها أن نقول، لسباق البعارين/الجمال! بينما هذه الكيانات لم تتوقف عن تدمير سوريا واليمن وليبيا والعراق ضمن هجمة العدوانات المعلنة؟ لقد حطم هؤلاء الحواضر العربية الثلاث الرئيسية وأقاموا مقامها عباءات تخفي العمالة.
كيف يمكن للسوري أن يرى هؤلاء على مقعد في قاعة هو فيها بدل أن يرميهم بالرصاص!
لا شك أن وزير خارجية الجزائر الحالي يتذكر حينما قال وزير خارجية كيان قطر السابق لوزير خارجية الجزائر السابق “إن دوركم آت” ! لا أردي لماذا لم يُلقِّمه حذاءً؟ ربما لأن القطري بحجم بغل.
وكيف يمكن للجزائري والسوري لقاء انظمة التطبيع بمسلسلها من مصر فمنظمة التحرير فالأردن فالإمارات فالمغرب فعمان…الخ والكيان يعتدي على سوريا ويتجهز للعدوان من قصر حاكم المغرب ضد الجزائر؟
ما هو المشترك بين هؤلاء، ومن الذي يُقدم التنازل المطبعين أن من لم يطبعوا؟
دعونا نعود إلى الوراء كثيرا. في الستينات كان ملك المغرب وهو قاتل ودموي وتابع يخصص للموساد غرفة لتسمع كل ما يدور في القمة العربية. وبالطبع ليس وحده فلا شك أن معظمهم كان يرسل لأمريكا وللكيان تقاريره عن كل شيء.
اليوم بالطبع لا داع لغرفة للموساد فجميع المطبعين على علاقات مفتوحة مع الكيان علانية، هذا دون أن نقول بأن لا شيء من هذه الأنظمة يقلق الكيان.
فمن يحج إلى انقره يعني أنها هناك ومن يحج لأمريكا يعني أنها حاضرة ومن يحج للكيان يعني أن الكيان هناك ايضا، وهذا يعني أن المؤتمر في صفه الأول ثلاثي امريكا تركيا والكيان.

ليس هناك ما يؤكد أن العملاء سيحضرون جميعا هذا المؤتمر ، او سيرسلوا مستوى متدنياً بمعاييرهم.
إذا حضرت سوريا، وحضر هؤلاء أو بعضهم، فمن أجل ماذا؟
ماذا يريدون؟ بل ماذا كتب لهم الثلاثي أعلاه؟
وللحقيقة، إذا حضروا أو حضر أحدهم سيكون من الوقاحة بمكان بحيث يطالب:
· قطع علاقة سوريا مع إيران
· العزف على نغمة سني وشيعي عزف تطرب له الإمبريالية وتُفقَّر الأمة وتتذابح.
· إعتراف سوريا بالكيان حتى دون عودة الجولان
· مشاركة الجميع ضد صنعاء
· عدم توجه أي نظام عربي شرقاً باي شكل
· توسيع شبكة موانى الإمارات في كل الوطن العربي خدمة لمواجهة امريكا للحزام والطريق الصيني.
لذا، فلو كانت الجزائر اليوم هي التي أذلت فرنسا لعقدت مؤتمراً للمقاومة.
عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.